< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/05/24

بسم الله الرحمن الرحیم

عنوان البحث : عدم الحيلولة بين الإمام والمأموم شرط في صحة الجماعة
المسألة الثانية والعشرون : لا يضرّ الفصل بالصبيّ المميّز ما لم يعلم بطلان صلاته.[1]
تتوقف هذه المسألة على أن أعمال الصبي من العبادات وما شابه تلك لا تحمل على وجه التمرين بل تحمل على الصحة، ووقفنا عند هذه المسألة سابقاً وكان الاستنتاج أن أعماله صحيحة ومشروعة، ودليل " رفع القلم عن الصبي "، في مقام الامتنان، وإذا قلنا إن أعمال الصبي لا مشروعية لها، بل هي فقط لأجل التمرين والتدريب، هذا لا تعد منة على الصبي، فــ " رفع القلم عن الصبي " يفيد أن المرفوع قلم المؤاخذة. يعني أنه إذا لم يأت بالصلاة مثلا لا يؤاخذ عليه، لكن هذا لا يعني أنه إذا جاء بالعمل فهو باطل ولا صحة له.
فعلى هذا المبنى – وهذا هو المشهور بين الفقهاء – لا يضر الفصل بالصبي المميز، يعني إذا كان الواسطة بين أحد المأموم مثلا وبين الإمام، أو بين الصف المتصل بالإمام الصبي المميز، لا بأس به؛ لأن صلاته تعتبر صلاة صحيحة، فإذا كانت صلاته صحيحة فهو بمثابة أحد المصلين.
ذكرنا في الدرس السابق أنه إذا شك أحد في صحة عمل الغير، فيجري أصالة الصحة، هذا بالنسبة إلى غير الصبي، فهل يمكن جريان أصالة الصحة في عمل الغير بالنسبة إلى عمل الصبي إذا شُك في عمله، أولا؟ ما يظهر من كلام السيد اليزدي ( رحمه الله ) هو إحراز عدم بطلان صلاة الصبي، أما إحراز صحة الصلاة فلا، غير أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى أن أصالة الصحة في عمل الغير تجري في عمل غير الصبي، ولا تجري في عمل الصبي، ومن هنا تمسكوا بالاحتياط، وأكدوا على أحراز صحة صلاة الصبي، لكنه إذا شُك في صحتها، فلا تجري أصالة الصحة في عمل الغير في عمل الصبي المشكوك صحته.
وكذلك ثمة دليل آخر رواية أبي البحتري في الباب الرابع من أبواب صلاة الجماعة، الحديث رقم 8، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ ع قَالَ إِنَّ عَلِيّاً ع قَالَ: ( الصَّبِيُّ عَنْ يَمِينِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا ضَبَطَ الصَّفَّ جَمَاعَةٌ وَ الْمَرِيضُ الْقَاعِدُ عَنْ يَمِينِ الصَّبِيِّ جَمَاعَةٌ.)[2]
فهذه الرواية تصرح بأن وجود الصبي عن يمين الإمام لا بأس به، ومن ثم فلا يضر فصله. من ناحية السند فذكرنا سابقاً أن أبا البحتري، هو وهب بن وهب الذي قيل في شأنه : إنه أكذب البرية، ولم يرد التوثيق في شأنه، بل ورد قدح شديد، ومن هنا لا يعتمد على روايته وسنده، لكننا في غناء عن هذا الحديث، وذلك أنه ثبت صحة عمل الصبي المميز، فصلاته كسائر صلاة المصلين.
المسألة الثالثة والعشرين : إذا شكّ في حدوث البعد في الأثناء بنى على عدمه و إن شكّ في تحقّقه من الأوّل وجب إحراز عدمه إلّا أن يكون مسبوقاً بالقرب، كما إذا كان قريباً من الإمام الذي يريد أن يأتمّ به فشكّ في أنّه تقدّم عن مكانه أم لا.[3]
في هذه المسألة ذكر الفروع الثلاثة، وهي :
الفرع الأول : إذا شكّ في حدوث البعد في الأثناء بنى على عدمه
إذا شك أحد في أثناء الصلاة في حدوث البعد، وهو كان قد أحرز القرب في بداية الصلاة، لكنه شك في أثناء الصلاة أنه هل حصل البعد بينه وبين الإمام أو بينه وبين سائر المأمومين، فيبني على عدم حدوث البعد، لأجل الاستصحاب؛ لأنه كان متيقنا أن القرب المشروط لصحة صلاة الجماعة محرز، فيستصحب بقاء القرب، أو يستصحب عدم حدوث البعد.
الفرع الثاني : و إن شكّ في تحقّقه من الأوّل وجب إحراز عدمه.
يعني إذا شك في بداية الصلاة حصول وتحقق القرب المشروط في صحة الصلاة، فهنا لابد من أن يحرز تحقق القرب؛ لأنه شرط في صحة الصلاة. هنا رأي بعض الفقهاء العظام أن إحراز عدم المانع في مثل هذا المقام ليس واجبا، بل نتمسك بأصالة عدم المانعية. بيانه أنهم اختلفوا في مراد : ما لا يتخطى في صحيحة زرارة التي تقول : ( إِنْ صَلَّى قَوْمٌ وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْإِمَامِ مَا لَا يُتَخَطَّى فَلَيْسَ ذَلِكَ الْإِمَامُ لَهُمْ بِإِمَامٍ وَ أَيُّ صَفٍّ كَانَ أَهْلُهُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُمْ مَا لَا يُتَخَطَّى فَلَيْسَ لَهُمْ تِلْكَ بِصَلَاةٍ.....)[4]
حيث اختلفوا في أن هل القرب هو شرط في صحة الصلاة أم البعد هو المانع من صحتها، لأنه إذا قلنا إن القرب هو شرط في صحتها فيجب إحراز هذا الشرط، وإذا قلنا البعد هو المانع عن صحتها، فهنا يُسأل هل تجري أصالة البراءة في مورد الشك في عدم المانعية أو لا، يرى السيد الخوئي ( رحمه الله ) أن البعد منحل إلى المراتب، بعبارة أخرى أن للبعد مراتب عدة، فمثلا جعل الشارع البعد بمقدار متر مثلا مانعا عن صحة صلاة الجماعة، وثلث المتر مشكوك فيه، وأما نصف المتر فهو قطعا مسموحاً، ففي المورد المشكوك نسأل هل الشارع جعل المانعية له أو لا، الأصل عدم المانعية، بعبارة أخرى، تجري أصالة البراءة في المورد المشكوك. فمن هنا شك السيد الخوئي ( رضوان الله تعالى ) في كلام السيد اليزدي ( رحمه الله تعالى ) حيث قال : و إن شكّ في تحقّقه من الأوّل وجب إحراز عدمه. فقال إن مثل هذا الإحراز لا يجب؛ لأن الأصل عدم المانعية، لسبب البراءة.
غير أننا نناقش فيما ذهب إليه السيد، حيث إنه فهم من الرواية المذكورة أن مراد الإمام ( عليه السلام ) من قوله : مما لا يتخطى، أن البعد مانع عن الصحة وليس المراد أن القرب شرط في صحة الصلاة. ولذلك تمسك بأصالة البراءة في عدم المانعية في المورد المشكوك، لكننا نقول إن ما استظهره من كلام الإمام ( عليه السلام ) أن البعد هو المانع، هذا ليس في محله، بل المراد أن القرب شرط في صحة صلاة الجماعة، وذلك أن الجماعة لا تتحق إلا بالقرب فهو شرط في تحقق الجماعة. فحينما يقول الإمام عليه السلام : إِنْ صَلَّى قَوْمٌ وَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْإِمَامِ مَا لَا يُتَخَطَّى فَلَيْسَ ذَلِكَ الْإِمَامُ لَهُمْ بِإِمَامٍ. لأن الشرط ( وهو القرب ) لم يتوفر، فما استظهره من كلامه عليه السلام من أن مراده هو أن البعد مانع عن صحة والقرب ليس شرطا، فهذا الاستظهار ليس في محله. ثانياً أن ما ذكره السيد الخوئي ( رضوان الله تعالى عليه ) في المستند خلف الفرض الذي جاء في المسألة حيث ذكره السيد اليزدي قائلا : و إن شكّ في تحقّقه من الأوّل وجب إحراز عدمه. هذا ليس شكا في الموضوع بل شكا في المصداق، بعبارة أخرى ليس الشك في مانعية الموجود، بل الشك في وجود المانع. بعبارة أخري ليس الشك في شرطية الموجود بل الشك في وجود الشرط، فالسيد اليزدي ( رحمه الله ) لم يرد أن المورد المشكوك هل هو مانع عن صحة الصلاة، فينحل البعد إلى المراتب، ومن ثم نجري أصالة البراءة في المقدار المشكوك مانعيته، بعبارة أخرى أن إشكال السيد الخوئي ( قدس سره ) يرد على السيد اليزدي ( رحمه الله ) إذا كان المراد الشك في الموضوع، لا الشك في المصداق، بعبارة أخرى، قد يكون الشك في مانعية الموجود، وقد يكون الشك في وجود المانع، وهنا الشك في وجود المانع، يعني هل وجود المانع أو لا، ولذلك إشكال السيد الخوئي لا يرد على السيد اليزدي.
المحصل نحن في هذه المسالة مع السيد اليزدي (رحمه الله) حيث قال : و إن شكّ في تحقّقه من الأوّل وجب إحراز عدمه.
الفرع الثالث : إلّا أن يكون مسبوقاً بالقرب، كما إذا كان قريباً من الإمام الذي يريد أن يأتمّ به فشكّ في أنّه تقدّم عن مكانه أم لا.
ذكرنا أنه إذا كان متيقنا بالقرب من الإمام وشك في حدوث البعد فهنا يبنى على عدم حدوث البعد وبقاء القرب لأجل الاستصحاب لأن له حالة سابقة، وإذا شك من بداية الأمر في حدوث البعد فالواجب إحراز عدم المانع.
المسألة الرابعة والعشرين : إذا تقدّم المأموم على الإمام في أثناء الصلاة سهواً أو جهلًا أو اضطراراً صار منفرداً و لا يجوز له تجديد الاقتداء، نعم لو عاد بلا فصل لا يبعد بقاء قدوته. [5]
مر بنا سابقا أنه لا يجوز تقدم المأموم على الإمام، فيجب عليه أن يقف إما مساويا لإمام، إذا جاز التساوي – كما ذهب إليه البعض – أو يقف خلف الإمام، ومن هنا فإذا تقدم المأموم على الإمام سهوا أو جهلاً بأنه لم يعرف في أثناء الصلاة أنه تقدم على الإمام ثم ثبت له التقدم، أو تقدم اضطراراً بأن دفعه مارّ من المارة مثلا، فتقدم على الإمام يقول السيد اليزدي، إنه ينفرد عن صلاة الجماعة بمجرد التقدم سواء كان سهوا أو جهلا أو اضطراراً، ولا يمكن له تجديد الاقتداء وهذا ما بحثناه سابقا أن أحدا إذا يصلي صلاة الانفراد، أو انقلب من الجماعة إلى الانفراد لا يجوز له تجديد الاقتداء، ثم يقول ( رضوان الله تعالى عليه ) : نعم لو عاد بلا فصل لا يبعد بقاء قدوته. يعني بمجرد ما تقدم على الإمام سهوا أو خطا خطوة جهلا أو اضطرارا ثم عاد بلا فصل وتوقف، فلا يبعد بقاء قدوته، يعني صلاته منعقدة مع الجماعة. وقوله : " لا يبعد " هذا يعتبر فتوى. وقد أشكل الفقهاء على السيد اليزدي في المقام حيث ذهبوا إلى أن عدم تقدم المأموم على الإمام شرط واقعي في صحة صلاة الجماعة، وليس شرطا علمياً، بمجرد أن يتقدم على الإمام ينفرد عن الجماعة ولا يجوز له تجديد الاقتداء سواء سهوا كان أو جهلا أو طهارة، وهذا كشرط الطهارة بالنسبة إلى الصلاة مثلا، فإن الطهارة بالنسبة الصلاة شرط واقعي وليس علميا، فمن أخل بهذا الشرط سهوا أو جهلا أو اضطرارا تبطل صلاته، وكذلك ما نحن فيه، فإن عدم تقدم المأموم على الإمام شرط واقعي، فمن أخل بهذا الشرط ينفرد عن الجماعة.
ولكن يمكن أن يقال في مقام الدفاع عن السيد ( قدس سره ). إننا ذكرنا أنه إذا أحدث الإمام في أثناء الصلاة، فيتقدم شخص آخر ويكمل الصلاة و لاتبطل صلاة الجماعة، وكذلك بالنسبة إلى الحائل غير المستقر وسريع الزوال، أو البعد كذلك لا يضر بصحة الصلاة مع الجماعة، فلابد أن يععم هذا المناط والملاك، ويقال أن التقدم غير المستقر وسريع الزوال لا يضر بصلاة الجماعة، خصوصا من ذهب إلى أن الصلاة عبارة عن الأركان والأذكار خاصة، والأزمنة المتخللة بين الأركان والأذكار ليست من الصلاة، كما اختاره السيد الخوئي ( رحمه الله ) فعليه أن لا يفتي ببطلان صلاة الجماعة في المقام، لأن لحظة تقدم المأموم على الإمام ثم عوده بلا فصل ليست من الصلاة عنده.
فنقول إن من تقدم على الإمام ثم عاد بلا فصل فصلاته صحيحة مع الجماعة ؛ لأن هذا التقدم غير مستقر وسريع الزوال، كالحائل أو البعد غير المتسقرين وسريعي الزوال، فكما أنه لا تبطل صلاة الجماعة معهما كذلك لا تبطل مع التقدم ثم العود بلا فصل.
المسألة الخامسة والعشرين : يجوز على الأقوى الجماعة بالاستدارة حول الكعبة، و الأحوط عدم تقدّم المأموم على الإمام بحسب الدائرة، و أحوط منه عدم أقربيّته مع ذلك إلى الكعبة و أحوط من ذلك تقدّم الإمام بحسب الدائرة و أقربيّته مع ذلك إلى الكعبة.[6]
اختلف الفقهاء في أنه هل يجوز إقامة الصلاة حول الكعبة بالاستدارة أو لا، ومنهم من اختار عدم جواز ذلك، ومن ثم أفتى ببطلان الصلاة إذا تقدم المأموم على الإمام وهو حول الكعبة ويصلون بالاستدارة، لأن أدلة عدم جواز تقدم المأموم على الإمام مطلقة.
وإن قيل : أن إقامة الصلاة حول الكعبة بالاستدارة جائز لسيرة المتشرعة هو متصلة بزمن الأئمة وحيث هم لم يمنعوا عن ذلك فهذا يدل على جوازه. قيل : إن سيرة المتشرعة إنما تكون دليلا إذا كانت كاشفة عن رأي الإمام عليه السلام، وفي المقام سيرة المتشرعة ليست كاشفة عن رضا الإمام وذلك أن الكعبة ليست كانت تحت يد الإمام بل كانت تحت سلطة الجبابرة والملوك مثل بني الأمية وبني العباس، وهو ما كانوا يمتثلون لأمر الإمام ولا يهتمون برأيه، ومن هنا كانت الصلاة بحالة الاستدارة حول الكعبة كانت صلاة التقية.
ولا يقال : أنه لما ذا لم يأمر الإمام جواز التكتف في الصلاة وهو كذلك من التقية، لأنه يقال : أن أمر التكتف يختلف عن أمر الصلاة حول الكعبة بالاستدارة، لأن الصلاة حول الكعبة بالاستدارة دائما يعتبر من التقية، بينما التكتف لا يكون من التقية إذا كان أحد يصلي في بيته، فلو لم يصرح الإمام بعدم جواز التكتف لكان من الممكن أن يصلي أحد في البيت في حالة التكتف، ومن هنا حينما أمر الإمام الخميني ( قدس سره ) بجواز السجدة على السجاد في بيت الحرام، فوجدنا أن بعض الناس قد عمموا هذا الحكم، فيسجدون على السجاد حتى في الفنادق، وهذا لا يجوز فعلينا أن ننبه مثل هؤلاء.
هذا ولكننا نرى أن ما ذكر في المسألة ليس في محله؛ لأن التقدم والتأخر من الأمور الإضافية والنسبية، فحينما يقال إن فلانا متقدم على فلان فينبغي أن يرى أنه متقدم بالنسبة إلى أي شيء، مثلاً من واقف في الصف الثاني هو متأخر بالنسبة إلى الصف الأول عن الإمام لكنه متقدم بالنسبة إلى الصف الثالث. ومن هنا فإذا كان الفاصلة بين الإمام وبين الكعبة خمسة الأمتار مثلا، ومن يصلى خلفه بعيد عن الكعبة بمقدار ستة أمتار مثلا، فهو يعتبر المتأخر ولو كان على الجانب الأخر من الكعبة، وصلاته صحيحة من هذا الجانب، نعم لو كان الفاصلة بين الإمام وبين الكعبة خمسة الأمتار مثلا، ومن يصلى خلفه بعيد عن الكعبة بمقدار أربعة أمتار مثلا، فهو متقدم على الإمام ولو كان على الجانب الأخر من الكعبة. فالمعيار في التقدم والتأخر عن الإمام حول الكعبة والصلاة بحالة الاستدارة هو الفاصلة بين الإمام والكعبة، فإذا كانت فاصلة المأموم عن الكعبة أكثر من الإمام فهو متأخر عنه ولو كان على الجانب الأخر، ومن كانت فاصلته عن الكعبة أقل من الفاصلة بين الإمام والكعبة فهو متقدم على الإمام.



BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo