< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الأصول

34/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الإجارة \ كفاية ملكية المنفعة في صحة الإجارة
 الصورة الرابعة: ما لو كان المملَّك بالإجارة الأولى مطلق منفعة ركوب الدابة إلا أنه اشترط عليه أن يكون الاستيفاء بنفسه سواءٌ كان لنفسه أو للغير، لا أن يكون الاستيفاء بواسطة الغير ولو لنفسه، فضلاً عن أن يكون لأجل الغير. والظاهر جواز الإجارة الثانية في هذه الصورة تكليفاً ووضعاً.
 أما الأول: فلعدم مخالفة الشرط فيما لو كان استيفاء الغير بواسطة المستأجر الأول، وأما الثاني فلعدم المنافاة كذلك ما بين وجوب الوفاء بالشرط بأن يكون الاستيفاء بواسطة المستأجر الأول ولو لأجل الغير، وبين وجوب الوفاء بالإجارة الثانية؛ كما لو حمل المستأجر الأول متاع الغير- المستأجر الثاني- على الدابة فكان الاستيفاء بواسطته لا بواسطة ذلك الغير، فلا منافاة ما بين الوجوبين في مقام الامتثال، فالإجارة الثانية محكومةٌ بالصحة، لاسيما أن ما ملكه المستأجر الأول مطلق منفعة ركوب الدابة.
 ولو خالف المستأجر الأول الشرط فلم يكن استيفاء المستأجر الثاني منفعة ركوب الدابة بواسطته، وإنما استوفاها مباشرةً فقد يدَّعى البطلان كما احتمله الماتن ولم يجزم به، حيث ساوى ما بين هذه الصورة والصورتين الثانية والثالثة.
 وأورد عليه في كلمات السيد الخوئي: بأنه لا موجب لعدم المنافاة ما بين الوفاء بكلٍّ من الشرط والعقد، فلو خالف الشرط وسلَّم العين للغير فقد ارتكب حراماً، إلا أنه لا ربط له بصحة الإجارة الثانية، نعم يثبت للمالك خيار تخلُّف الشرط في الإجارة الأولى من دون المساس بصحة الثانية.
 اللهم إلا أن يشترط المستأجر الثاني في الإجارة على مؤجِّره تسليم العين لغرض استيفاء المنفعة، فإن مثل هذا الشرط يُحكم بفساده لعدم الحق له بعد سبق منع المالك، ولكنه لا يسري إلى الإجارة الثانية فيفسدها لكونه التزاماً في ضمن الالتزام العقدي في الإجارة الثانية ولم يُنط العقد به ليسري فساده إليه، ولذا يُحكم بصحة الإجارة الثانية حتى مع وجود مثل هذا الشرط الفاسد.
 وأورد عليه السيد الأستاذ:
 تارةً: بأنه لا يتمُّ ذلك فيما لو كان المملَّك بالإجارة الثانية الحصة الخاصة وهو انتفاع الغير بنفسه أو حتى فيما إذا كان المملَّك بها مطلق المنفعة إلا أنها كانت سنخ منفعةٍ يتوقَّف استيفاؤها على التسلُّط خارجاً على العين ووضع اليد عليها، ولا يكفي مجرد التمكين منها، أو كان مقتضى إطلاق الإجارة الثانية ثبوت الحق للمستأجر الثاني باستيفاء المنفعة بنفسه، ففي هذه الفروض الثلاثة سوف تحصل المنافاة ما بين وجوب الوفاء بالإجارة الثانية والعمل بمقتضاها وترتيب آثارها، وبين وجوب الوفاء بالشرط الثابت في الإجارة الأولى فلا تصح الإجارة الثانية إلا مع التقييد أو الاشتراط بعدم الاستيفاء بنفسه.
  وأخرى: بأنه غير تامٍ في نفسه لأن النسبة بين متعلَّق الشرطين التضاد، للتضاد ما بين مباشرة كلٍّ منهما بنفسه، ولا وجه لبطلان شيءٍ من الشرطين بل يصحان في ذاتهما ويقع ترتُّبٌ بين وجوبيهما، والتعليق في العقود لا يتم في باب الشروط المتضادة.
 أقول: يرد على ما ذكره السيد الأستاذ أخيراً أولاً: بأنه لا منافاة فيما بين الشرطين، إذ ليس مفاد ما شرطه المالك على المستأجر الأول أن يكون استيفاء المنفعة بواسطته بحيث لو لم يكن استيفاءٌ أصلاً؛ لا بواسطته ولا حتى بواسطة الغير المستأجر الثاني يكون قد خالف الشرط وأثم، وإنما مفاده أنه في صدد استيفاء المنفعة لا يكون بواسطة الغير بل لا بدّ أن يكون بواسطته، كما أن مفاد ما شرطه المستأجر الثاني على المستأجر الأول ليس أن يستوفي المنفعة بنفسه حتى إذا ما كان استيفاؤها بواسطة المستأجر الأول يكون قد خالف الشرط وأثم، وإنما مفاد الشرط هو التوسعة على المستأجر الثاني في صدد استيفاء المنفعة، بأن يستوفي المنفعة سواءً بواسطته أو بواسطة المستأجر الأول، ومن ثم لم يكن من تضادٍ ما بين الشرطين، كما أنه لا منافاة بين ما دلَّ على وجوب الوفاء بالشرطين، لإمكان التوفيق بين الشرط الثاني وأنه لا مانع من أن يكون الاستيفاء بواسطة المستأجر الثاني فضلاً عن الأول، وبين الشرط الأول بأن يكون الاستيفاء بواسطة المستأجر الأول، وهذا الإشكال لا يرد على خصوص ما أفاده السيد الأستاذ، بل على ما أفاده السيد الخوئي تبعاً لما ذكره السيد الحكيم في مستمسكه.
 وثانياً: إن ما ذكره من تصحيح الشرط الثاني على أساس الترتُّب، والذي يتمُّ في كلٍّ من الطرفين حيث يكون وجوب الوفاء بكلٍّ من الشرطين مشروطاً بعصيان الشرط الآخر ومخالفته، غير تامٍ، وذلك لأن شرط الترتُّب أن لا يكون عصيان أحد الخطابين مساوقاً مع تحقق الخطاب الآخر، ومن هنا لم يصح الترتُّب ما بين الضدين اللذين لا ثالث لهما، مع فرض أنهما توصليان لا ثالث لهما، ومقامنا من هذا القبيل، فيلزم لغوية كلٍّ من الخطابين ومحذور تحصيل الحاصل مع الحفاظ على قيد كلٍّ من الخطابين.
 ودعوى: أن مقامنا ليس كذلك ضرورة أن بوسعه مخالفة الشرط بأن لا يستوفي المنفعة لا بواسطة نفسه ولا بواسطة الغير.
  مدفوعةٌ: بأن المقصود من المخالفة يتمُّ بتشخيص المراد من الشرط، وقد عرفت أن ليس المقصود استيفاء المنفعة بنفسه، وإنما المقصود به أن لا تُستوفى المنفعة بواسطة الغير، فمخالفة هذا الشرط يكون باستيفاء ذلك الغير المنفعة، فتكون مخالفة الشرط مساوقةً مع تحقق مفاد الشرط الآخر ، وعليه فنقع في محذور تحصيل الحاصل ولزوم اللغوية من هكذا خطابٍ مشروطٍ بقيد مساوقٍ مع تحقق الشرط الآخر.
 والحمد لله رب العالمين
 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo