< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

42/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: وجوه الجمع العرفي ومناقشتها/ المسألة 11 / التخيير في الأماكن الأربعة/ القاطع الثالث/ قواطع السفر

وقد يُدعى[1] بأنه يُجمع بين الطائفتين الأولى والثانية، بالحمل على التخيير؛ لأنه المرجع عند التعارض، وفقد المرجح، وفي موضع آخر قال: أن المرجع الثابت شرعاً عند التعارض هو التخيير، فلا وجه لرفع اليد عنه، أو لشهادة الأخبار بذلك كرواية علي بن يقطين عن التقصير بمكة، قال: "أتم، وليس بواجب إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي".[2]

وفيه: أن هذا الذي ذُكر من أن القاعدة هي التخيير، سواء بحسب القاعدة الأولية، أو الثانوية، ومن نظر روايات العلاج، غير تام كبروياً على ما هو محرر في بحوث التعارض، وأن الصحيح بحسب القاعدة الأولية التساقط؛ لأن صور التخيير إما غير معقولة ثبوتاً، أو غير مستساغة إثباتاً، ولا مستفادة دلالة واستظهاراً؛ ولذا فالقاعدة الأولية التساقط.

وأما بالنظر للروايات الخاصة:

    1. فما دل على التخيير بين ما هو ساقط سنداً، ظاهر الدلالة، وبين ما هو تام سنداً غير ظاهر الدلالة.

    2. مضافاً إلى أنه لا يصلح الاستشهاد بمثل رواية علي بن يقطين، لا لضعف سندها بإسماعيل بن مرار، بل لأنها من روايات التخيير، وهي بدورها داخلة في حلبة المعارضة مع روايات الطائفة الأولى والثالثة، فلا تصلح لأن تكون شاهداً.

    3. وثالثة إنما يصار إلى التخيير بحسب القاعدة الأولية، أو الثانوية فيما لو استقر التعارض، وافتقدت المرجحات، وهنا جملة وجوه للجمع العرفي، لو تم شيء منها لن تصل معها النوبة إلى التعارض المستقر، ولو كان التعارض مستقراً، إلا أنه توجد مرجحات في المقام، روايات الطائفة الثانية موافقة لعمومات القصر، فبعد التعارض، وعدم المرجح يُرجع إليها، بناءاً على ما هو الصحيح، من أن التعارض من عالم الرتب، وفي رتبة الخاصين، أعني الروايات الأمرة بالتمام في الأمكان الأربعة، والروايات الآمرة بالقصر فيها لا مجال للروايات العامة الآمرة بالقصر على كل مسافر، بما في ذلك الأماكن الأربعة، وبعد تعارض الطائفتين تكون هي المرجع، فلا تدخل في حلبة المعارضة، حتى تكون المعارضة ثلاثية الأطراف.

    1. روايات الطائفة الثانية تمتاز عن روايات الطائفة الأولى، بموافقتها للكتاب[3] ، ومخالفة تلك له؛ لذا تقدم عليها.

    2. دعوى موافقة روايات الطائفة الأولى للعامة، فتكون صادرة على وجه التقية، لا لبيان الحكم الواقعي، كما أفادت ذلك رواية معاوية بن وهب.

وهذه النكتة غير تامة، فإن العامة بين من لا يرى إلا التقصير، أو يقول بالتخيير، والأفضل التمام، لكونه الأشق.

إلا أنه قبل أن تصل النوبة إلى المرجحات المضمونية والجهتية، هناك وجوه للجمع العرفي، لو تم شيء منها لا يبقى لها موضوع؛ لعدم التعارض المستقر حيئذٍ. وهذه الوجوه هي:

    1. دعوى أن النسبة بين أخبار الطائفة الأولى والثانية هي العموم والخصوص المطلق، فإن أخبار التمام مطلقة من حيث نية الإقامة وعدمها، واختصاص روايات التقصير بعدم نية الإقامة.

وفيه: إباء أخبار الطائفة الأولى الآمرة بالتمام، عن التخصيص، فإنها لا تتم في مثل الروايات الآمرة بالتمام بمجرد المرور، أو يوم الدخول، أو ولو صلاة واحدة[4] .

    2. ما ذكره الميرزا (قده)[5] من أن الطائفة الأولى نص في التمام، ظاهرة في تعينه، والطائفة الثانية نص في القصر، ظاهرة في تعينه، فنرفع اليد عن ظهور كل منهما بالتعيين بنص الآخر في التمام أو القصر؛ ولذا ينتج التخيير. وإن شئت قلت: إنه ليس منشأ التعارض بين الطائفتين هو نصوصية كل منهما في التمام والقصر؛ لأنه يمكن أن يكون ذلك على وجه التخيير، وإنما منشأ التعارض هو ظهور كل منهما في تعين التمام أو القصر، فيتصرف في كل من الطائفتين برفع اليد عن الظهور في التعيين بنصوصية الطائفة الأخرى بالقصر أو التمام، وهذا ما ينتج التخيير.

وفيه: أنه ما هو المقصود من النصوصية في التمام، والنصوصية في القصر؟ هل بمعنى وجوب التمام ووجوب القصر؟، فمن الواضح أن الطائفتين ليستا نصاً، لا في وجوب التمام، ولا وجوب القصر، وإنما هما ظاهرتان في ذلك، والوجه في ذلك أن منشأ الظهور في الوجوب هي الصيغة، وهي مهما بالغنا في قوة ظهورها لا ترقى إلى أزيد من مستوى الظهور في الوجوب، وأما المادة وإن كانت نصاً في التمام أو القصر، إلا أن مجرد ذلك لا يكفي، بل لا بد من استعلام حال المادة، من خلال الهيئة التي تتهيأ بها، وهي هيئة الأمر في "أتم" أو " قصَّر" وهذه لا تزيد على الظهور في الوجوب، سواء كان إفاتها له على أساس الوضع، أو الإطلاق بصيغه الثلاثة المختلفة، أو بحكم العقل.

والحاصل: أننا أمام ظهورين للطائفة الأولى، الأول ظهورها في وجوب التمام، والثاني ظهورها في كونه على وجه التعيين، فلا يوجد أقوائية ظهور في كل من الطائفتين حتى يتصرف بالظهور في التعيين، الذي هو منشأ التعارض، برفع اليد عنه، ومن المعلوم أن الظهور لا يكون قرينة عامة عرفية على ظهور آخر مثله وفي رتبته.


[1] مستند الشيعة، ج8، ص308و 312.
[3] وهي آية نفي الجناح عن القصر في الصلاة.
[4] كما مر في الروايات المتقدمة.
[5] كتاب الصلاة، ج3، ص386.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo