< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

41/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: الرد على كلام السيد الخوئي/المسألة 4/ ما لو صام في السفر/ القاطع الثالث/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.

وفيه: أولاً: أن ملاحظة مثل صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله، وهكذا صحيحة الحلبي تقضي أن المشار إليه في كلام الإمام (ع) هو صوم الرجل في شهر رمضان، أو فقل: سنخ صوم يكون صوم الرجل في شهر رمضان مشمولاً ومصداقاً له، وهذا لا ربط له بإنحلالية النهي، وإنما بكون نهي النبي (ص) على نهج القضية الحقيقية. هذا لو حُمل النهي على المثالية إلى مطلق المشرِّع.

وثانياً: أنه بقرينة ذكر النبي (ص) وأن النهي نهيه، فإن المشار إليه ما هو المتظافر من قوله: (ص) ليس من البر الصيام في السفر الذي هو إخبار بلسان الإنشاء والنهي عن الصوم في السفر، وبالتالي يكون النظر إلى طبيعي الصوم، لا إلى حصص منه، لا سيما أن التشريعات الصادرة عن النبي (ص) بالنسبة للصوم لم تستغرق في الخصوصيات والتفاصيل، وإنما كانت على عموميتها. والتفاصيل إنما جاءت على لسان الأئمة (ع) ثم من بعده، إنك عرفت أن الجهل بالموضوع يكون من مصاديق العلم بأصل الحكم ومشمولاً له، إلا أن السيد الخوئي أفاد دعوى: أن الجاهل بالموضوع قد بلغه نهي النبي (ص) عن الصوم في السفر، وتم البيان من قبله، إذ وظيفته بيان الأحكام على نهج القضايا الحقيقية، وليس إيصالها لآحاد المكلفين في كل من الأفراد الخارجية، وعليه: فالجاهل بالموضوع مع علمه بأصل الحكم هو عالم بالحكم، وإنما جهله في شيء يرجع إلى شخصه، وهذا غير منافٍ لصدق البلوغ المذكور.

غير تامة فإن بلوغ الحكم ووصوله منوط بإحراز الكبرى ووصول الصغرى، أي العلم بالحكم الكلي وبانطباقه على الموضوع الخارجي، ولا يفي أحدهما بالغرض دون الآخر، فإن الأحكام وإن كانت مجعولة على نهج القضية الحقيقية، إلا أن القضية الانحلالية مرجعها إلى قضية شرطية مقدمها وجود الموضوع ، وتاليها ترتب الحكم، فلو كان الشرط مشكوكاً يكون مرجعه إلى الشك في تحقق الموضوع، وهو مساوق للشك في ثبوت الحكم، فلا يكون واصلاً، ولا يكون التكليف منجزاً.

والحاصل: أن الحكم الكلي المتعلق بطبيعي الصوم في السفر، بالغ وواصل إلى المكلف، إلا أن تعلق النهي بهذا الصوم الصادر في هذا السفر الشخصي الخاص الذي هو من شؤون إنحلالية الحكم، لم يكن واصلاً، لفرض الشك في الموضوع، والشك به فيصح أن يُقال: إنه لم يبلغه نهي النبي (ص) بالنسبة لهذا الفرد من الصوم في السفر، والذي هو موضوع للإجزاء وعدم ثبوت القضاء بمقتضى النصوص. ولو شُك في أن موضوع الحكم هل هو بلوغ النهي عن الطبيعي، أو الفرد؟ وأن الميزان هل الجهل بأصل الحكم أو حتى بالموضوع، فغايته إجمال صحيحي الحلبي وعبد الرحمن بن أبي عبد الله، والمرجع في ذلك إطلاق صحيحي العيص بن القاسم، وليث السليمين عما يصح أن يكون مقيداً لهما.

أقول: إن وصول الحكم منوط فقط وفقط بإحراز كبرى الجعل، دون صغرى الموضوع، وإنما وصول صغرى الموضوع شرط في تنجز الحكم، والعلم بالحكم غير تنجزه، وإنما يقع في طريقه، وعليه: فالشك في تحقق الموضوع لا يساوق الشك في ثبوت الحكم ووصوله، وإنما للشك في تنجزه المفروغ عن ثبوته ووصوله، والذي هو موضوع البراءة. ولا تناط كبرى الجعل إلا بموضوعها الكلي الذي يؤخذ كمفروض التحقق والوجود موضوعاً في الحكم الشرعي الكلي.

وأما الحكم الشرعي الجزئي المزعوم تحققه عند تحقق الموضوع في الخارج، فهذا مما لا أساس له، لا على مستوى الجعل، وهذا واضح حتى حسب زعم السيد الخوئي، لكونه يرى إنحلالية كبرى الجعل من دون أن يكون هناك جعل آخر وراء كبرى الجعل ثابتة لهذا المكلف إذا ما تحقق الموضوع بالنسبة له، ولا على مستوى مبادئ الجعل، فإنه ليس لدينا وراء كلي المصلحة والارادة، أو المفسدة والمبغوضية مصلحة خاصة أو إرادة كذلك بالنسبة لشخص من تحقق لديه الموضوع، بحيث تنقدح هذه الإرادة الخاصة الجزئية في نفس المولى إذا ما تحقق الموضوع، وهذا باعتراف السيد الخوئي. نعم غاية ما لدينا أنه إذا ما تحقق الموضوع بالنسبة لشخص هذا المكلف يرى نفسه مشمولاً لكبرى الجعل، من دون حدوث مصلحة خاصة، ومن دون انقداح إرادة جزئية في نفس المولى غير تلك الإرادة الكلية.

وأغرب ما ذكره (قده) عن أن الحكم الكلي – النهي- المتعلق بطبيعي الصوم في السفر، وإن كان واصلاً إلى المكلف، إلا أن تعلق النهي بهذا الصوم الصادر في هذا السفر الخاص، والذي هو من شؤون إنحلال الأحكام، لم يكن واصلاً بالضرورة، بعد فرض الشك في الموضوع والجهل به، فيصح أن يُقال: إنه لم يبلغه نهي النبي (ص)، بالإضافة إلى هذا الفرد الذي هو الموضوع للإجزاء، وعدم وجوب القضاء بمقتضى النصوص.

والوجه في الغرابة: أن بلوغ الحكم ووصوله ليس أمراً حيثياً، حتى يُقال: إن الحكم بالإضافة إلى ذات الحكم قد وصله، وإن كان بالإضافة إلى الموضوع لم يصله، وإنما يُلحظ الوصول بالنسبة لذات الحكم بمعزل عن الموضوع، وهذا ما ينطق به الوجدان، ضرورة أن من بلغه نهي النبي (ص) عن الصوم في السفر يصدق أنه بلغه الحكم، وإن كان جاهلاً بالموضوع، وأن المسير الذي طواه هل هو مسافة شرعية؟ أو لا!. ونكتة ذلك: أن الحكم الجزئي ليس حكماً حقيقة، وإنما هو أمر تحليلي وهمي يعبر عن انحلالية الأمر الكلي، وبالتالي لا يكون مفاداً بالدليل، وإنما مفاده الحكم الكلي، والذي هو المقصود ببلوغ الحكم، لا الحكم الجزئي الإنحلالي الوهمي.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo