< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

41/03/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: القاطعية للحكم أو للموضوع؟ صور التردد/التردد ثلاثين يوماً/ القاطع الثالث/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.

القاطعية هل هي للحكم، أو هي على مستوى الموضوع؟:

ثم البحث في أن التردد المدة المذكورة هل هو قاطع للسفر؟، بحيث يحتاج العود إلى القصر قصد مسافة جديدة، أو أنه محض تخصيص يقتصر على مورده، وهو مكان التردد، بحيث إذا خرج عن ذلك المكان رجع إلى القصر، سواء كان الباقي مسافة أو لم يكن.

وقد ذهب جملة وافرة من الفقهاء إلى الأول؛ ولذا ألحقوا التردد المدة المذكورة بالإقامة عشرة أيام، في حين ذهب المحقق البغدادي إلى الثاني على ما نُسب إليه، وقد يُستدل على ما ذهب إليه بأن نصوص التردد خالية عن الدلالة على القطع بوجه، وإنما دلت على الإتمام في ذلك المكان الذي تردد فيه، وأما فيما عداه من الأمكنة يكون المرجع عموم القصر على كل مسافر، والنتيجة إنضمام ما بقي من سفره إلى ما سبق، وإن لم يكن مسافة، وأما قياسه على من نوى الإقامة فغير صحيح، لمكان النص، وهو صحيح أبي ولاد على أنه يتم ما لم يخرج، وقد عرفت فيما سبق أن المراد به الخروج السفري، ولم يرد مثل هذا الدليل في التردد المدة المفروضة؛ ولذا يكون المحكم عموم القصر على كل مسافر، من دون وجود ما يمنع عن التسمك به، وإذ لا يوجد ما يدل على خروج المتردد عن عنوان المسافر حتى في مكان تردده، فضلاً عن غيره من الأمكنة، وقد أفاد السيد الخوئي أنه مع عدم وجود الدليل على التنزيل منزلة أهل ذلك المكان الذي تردد فيه، إلا أن القطع الحكمي الراجع إلى التخصيص كافٍ في هذا الحكم، وذلك لأجل الكبرى التي ذكرها في غير مورد من أن من حكم عليه بوجوب التمام لنكتة، فإنه لا يعود إلى القصر إلا إذا تلبس بسفر جديد، والتي يكون مقامنا من مصاديقها، ولذا لا فرق بين التردد المدة المذكورة وقصد الإقامة من هذه الجهة، وأنه لا تنقلب وظيفته إلى القصر إلا إذا تلبس بسفرٍ جديد قصد فيه المسافة، وذلك لوحدة المناط، واندراجهما تحت ضابطة واحدة.

أقول: أما ما ذكره من عدم وجود دليل على التنزيل منزلة أهل البلد الذي تردد فيه المدة المذكورة فمدفوع بما في موثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن (ع) عن أهل مكة إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة ؟ "قال : "المقيم بمكة إلى شهر بمنزلتهم".[1] ، بل قد يقرب ذلك بوجه عرفي، وذلك أن تحديد الثلاثين في إقامة المتردد تحديد لموضوع عرفي بهذا العدد فتكون الإقامة المقترنة بالتردد قاطعة له عرفاً، نعم القاطع لها مع العزم أقل من القاطع مع الترديد، وأنه لا يصدق عليه المسافر، وفي صحيحة زرارة بالنسبة لمن قدم مكة قبل التروية بعشرة أيان، أنه بمنزلة أهل مكة إلا أنه ردّ علمها لأهلها لاشتمالها على أحكام مخالفة للضرورة، وليس في هذه ما يكون مشتملاً على أحكام مخالفة للضروة، ودعوى: أن المقصود بالمقيم مما قصد الإقامة، فيها: أنها خلاف الظاهر جداً؛ ولذا ورد في سائر روايات الباب فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام، أو حتى يجمع على مقام عشرة أيام، أو ما لم ينوِ، أو أردت ونحو ذلك، وهذه الرواية مجردة عن كل ذلك، فلا تأبى أن تكون الإقامة بمكة إلى شهر مع التردد. وأما ما ذكره أخيراً فيرد عليه النقض: بمن نوى الإقامة فكانت وظيفته التمام إلا أنه عدل عنها قبل الإتيان برباعية صحيحة، فإن وظيفته تنقلب إلى القصر حتى ولو لم ينشأ سفراً جديداً، ومثله غيره.

والحل: أن هذه الكبرى التي ذكرها إنما تتم في صورة عدم المقتضي للقصر، وعدم موضوع له، وهو السفر، فلا تنقلب وظيفته إلى القصر إلا إذا أنشأ سفراً، وأما مع تمامية الموضوع له، وإنما لم يقصر لمكان المانع، كسفر المعصية فلا يحتاج إلى إنشاء سفر، وإنما يكفي زوال المانع، وهذا ما ينطبق على مورد النقض.

صور التردد:

ثم إن التردد تارة يكون بعد بلوغ المسافة، وأخرى قبل بلوغها، وعلى الأول فإن التردد ثلاثين يوماً موجب للتمام، بلا فرق بين أنحاء التردد، من التردد بين البقاء والذهاب، وبين البقاء والعود، وبين البقاء والذهاب والعود، وبلا فرق في التردد في البقاء بين العشرة ودون العشرة، كل ذلك لصدق التردد الموجب للتمام بعد تمامية الثلاثين يوماً.

وعلى الثاني: كما لو حصل له التردد في بعض منازل سفره، كالنجفي العازم على زيارة كربلاء وقد حصل له التردد في خان النصف، وفرضنا أنه على بعد فرسخين من النجف، فالتردد على أنحاء، إذ تارة يكون التردد بين البقاء دون العشرة والذهاب، وأخرى يكون بين البقاء كذلك دون العشرة والعود، وثالثة يكون بين البقاء دو العشرة أو الذهاب أو العود، ورابعة يكون التردد بين البقاء عشرة ، فسواء مع الذهاب أو العود أو الذهاب و العود.

ولا إشكال في وجوب القصر في الصورة الأولى؛ لتمامية المقتضي من الضرب في الأرض، زائد القصد، والنية حدوثاً وبقاءاً؛ لعدم حصول ما يُنافي نية السفر استمراراً وبقاءاً، والتردد في البقاء دون العشرة في بعض منازل سفره أو الاستمرار في السفر لا يُنافي نية السفر بقاءاً.

وأما الصورة الثانية: فيجب عليه التمام، وذلك لحصول ما يُنافي نية السفر بقاءاً أو استمراراً، وهو التردد بين البقاء دون العشرة، أو العود، فحتى لو واصل سفره إتفاقاً فإنه لا يكون مع نية السفر، لكون أحد طرفي التردد العود المنافي مع نية السفر بقاءاً.

وهكذا يُعلم الحال بالنسبة للصورة الثالثة،فحيث أن أحد أطراف التردد العود رغم أن احتمال البقاء دون العشرة، فإنه يُنافي مع نية السفر وقصده بقاءاً واستمراراً، ولذا يجب عليه التمام؛ لحصول ما يُنافي قصد السفر بقاءاً.

وأما الصورة الرابعة: فكذلك يجب عليه التمام؛ لمكان أن أحد أطراف التردد احتمال البقاء عشرة مما لا يكون منافياً مع نية السفر بقاءاً؛ لذا لا اختلال لأحد شروط وجوب القصر على المسافر، وهو نية السفر بقاءاً واستمراراً، والضابطة العامة: أنه كلما كان التردد منافياً لقصد السفر بقاءً وذلك فيما لو اقترن باحتمال القاطع فإنه يجب عليه التمام؛ لعدم نية السفر بقاءاً، لمكان احتمال البقاء عشرة، ولو من غير نية ولا قصد في بعض منازل سفره الذي هو أحد طرفي التردد والإقامة كذلك منافية للسفر موضوعاً؛ فلذا يكون تردده فيها تردداً في السفر.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo