< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

40/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع:مناقشة تعارض رواية حمزة بن عبد الله الجعفري مع صحيحة أبي ولاد /والأقوال في معنى فريضة تامة/ القاطع الثاني/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.

 

تقدم الحديث حول رواية حمزة بن عبد الله الجعفري، حيث رواها الشيخ بإسناده عن سعد عن أبي جعفر أحمد بن محمد عن محمد بن خالد البرقي عن حمزة بن عبد الله الجعفري، والمشكلة في حمزة هذا، حيث لم يوثق، وكذا بإسناد الصدوق إلى محمد بن خالد البرقي عن حمزة بن عبد الله الجعفري، فإنه مهمل لم يوثّق. مضافاً إلى إشكال آخر في طريق الصدوق إلى محمد بن خالد، حيث يروي عن محمد الحسن عن محمد بن الحسن عن البرقي، فإن ظاهر الطريق على ما في مشيخة الفقيه الاتصال والواقع هو الإرسال، وذلك لأن محمد بن الحسن الثاني هو الصفار، من أصحاب الإمام العسكري (ع) في حين أن محمد بن خالد هو من أصحاب الإمام الكاظم (ع) تارة، ومن أصحاب الإمام الرضا (ع) أخرى، ومن أصحاب الإمام الجواد (ع) ثالثة، فيكون الفاصل فيما بين الصفار ومحمد بن خالد واضحاً مما يوجب الارسال، ووجود واسطة قد تم سقوطها.

هذا كله مضافاً: إلى ضعف محمد بن خالد البرقي، فإن رغم توثيق الشيخ له إلا أن النجاشي قد ضعفه، فيحصل التعارض بين توثيق الشيخ وتضعيف النجاشي، وبالتالي لا يمكن التعويل على الرواية، لا بحسب رواية الشيخ ولا الصدوق، لمكان الضعف في البرقي، علاوة على الإهمال وترك الذكر في حمزة بن عبد الله الجعفر.

أقول: أما تضعيف النجاشي للبرقي، فبعد مراجعة عبارته يظهر أن تضعيفه ليس لشخصه، وإنما لحديثه وروايته بالمعنى المصدري، وذلك لروايته عن الضعاف واعتماده المراسيل، وغير ذلك مما لا يقدح في شخصه، فلا منافاة مع توثيق الشيخ، وأما دعوى الارسال في طريق الصدوق، فإنه لا استبعاد في رواية الصفار عن البرقي، رغم أن الأول من أصحاب الإمام العسكري (ع)، والثاني من أصحاب الجواد (ع) بعد الأخذ بعين الاعتبار جملة نكات، منها: أن البرقي رغم أنه من أصحاب ثلاث أئمة، إلا أنه لم يروِ عنهم إلا روايتين، أي أنه ممن عاصر ثلاث أئمة ولم يروِ عنهم بالمباشرة سوى ثلاث روايات، نظير علي بن جعفر الذي روى عن أبيه (ع) وأخيه (ع) وابن أخيه (ع) والإمام الجواد (ع)، بل أدرك الإمام الصادق (ع) حيث قيل: أن عمره ناهز المائة والسنتين، أو المائة والعشرين سنة، وكأنه عده من أصحاب إمام من الأئمة (ع) لا يكفي فيه معاصرته وإدراك حياته، فضلاً عن الرواية عنه، بل لا بد من ملازمته ومصاحبته فترة يصدق معها أنه من أصحابه، فلا مانع على هذا التقدير أن يكون الصفار من أصحاب العسكري (ع) الأوائل، فيكون ممن أدرك الإمام الهادي (ع) إلا أنه لم يكن بالمقدار الذي يتيح له أن يكون أحد أصحابه، وهذا يكفي في نفي استبعاد رواية الصفار عن البرقي، فلا قطع في الطريق ولا إرسال في السند. نعم حمزة هذا متروك ذكره ومهمل، فالرواية غير معتبرة من هذه الجهة.

وقد يُدعى عدم التعارض بين الروايتين، وذلك لأن قول الإمام الكاظم (ع) ارجع إلى التقصير، أي إذا سافرت إلى أهلك، ولا منافاة بين إيجاب التمام عليه بعد العدول عن نية المقام، وبعد الصلاة الرباعية ما دام في المدينة، وبين وجوب القصر عليه، إذا تلبس بسفر جديد، فالصحيحة اختصت بالحكم بعد العدول إلى ما قبل التلبس بالسفر، ورواية الجعفري اختصت بالحكم بعد التلبس به، وهذا ما ذكره صاحب مستند الشيعة.

إلا أنه يبعده تارة انه خلاف مورد السؤال عمن نوى الإقامة وأتى برباعية ثم بدا له في المقام وهو ما زال في المكان المنوي فيه الإقامة، ولا سيما وضوح الحكم بالقصر فيمن تلبس بسفر جديد وعدم وجود ارتكاز أو شبهه توجب عليه التمام حتى يرفع ذلك بأمره بالرجوع إلى القصر، وأخرى: أن قوله (ع) في مقام الجواب "ارجع إلى القصر" أنه كان حكمه الأصلي ذلك لولا نية الإقامة، والاتيان برباعية بوصفه مسافراً، فالأمر بالرجوع إلى وظيفته الأصلية باعتباره مسافراً. أو فقل: إن المسافر حكمه القصر لولا نية الإقامة، سواء أتى برباعية أو لم يأتِ بها، فلو عدل عن نية الإقامة فرجع إلى حكمه الأولي وهو القصر، وهذا هو المناسب للأمر بالرجوع إلى القصر.

نعم الرواية معرض عن مضمونها وغير معمول بها، ومثل هذا الاعراض المطبق، وإن لم يكن صامتاً، وإنما كان اجتهاديا، إما لإسقاط الرواية بالضعف، او لمعارضتها مع الصحيحة، وغير ذلك، إلا أنه مع هذا الاطباق في الاعراض لا يمكن التعويل عليها، وليس الاعراض لأجل أن ظاهرها الأمر بالإرجاع إلى القصر الظاهر في التعيين مع أن وظيفة المسافر في مكة هي التخيير كما أفاده بعض شراح المتن، فإن أمره بالرجوع إلى القصر بمقتضى وظيفته الأولية كمسافر بمعزل عن المكان الذي هو فيه، أو أن التخيير مخصوص بخصوص الحرم ولا يشمل كل مكة، أو مختص بصلاة الجماعة.

فالعمدة هي صحيحة أبي ولاد والتي أوجبت عليه بعد نية الإقامة والاتيان بفريضة بتمام، التمام إلى أن يتلبس بسفر جديد.

والكلام يقع في جهات:

    1. أنه قد يُدعى عدم شرطية الاتيان بصلاة رباعية، بل كفاية مطلق الفريضة، ولو الثنائية، أو الثلاثية، إذا ما كانت تامة الأجزاء والشرائط، وهذا ما يصدق عليه صلاة فريضة واحدة بتمام، ولا يُشترط أن تكون خصوص الرباعية، حتى يبقى على التمام، ولو عدل عن نية الإقامة إلى أن يخرج من البلدة. وهذا ما احتمله في الحدائق. قال في مستند الشيعة: "أن من صلى المغرب أو الصبح مثلا يصدق أنه صلى فريضة بتمام، وتقييدها بالمقصورة لا دليل عليه، وتبادر أن الاتمام لنية الإقامة ممنوع. نعم يتبادر أن تكون الصلاة تامة مع الاختيار والقصد، فلو تم المقصورة بغير نية الإقامة سهوا لم يكن كافيا. وبالجملة مقتضى الصحيحة كفاية الصلاة التامة الواقعة بقصد المكلف كيف ما كان، والتقييد بتامة مخصوصة لا دليل عليه .[1]

والجواب: أن التمام قد يطلق ويُراد به ما كان تمام الأجزاء والشرائط، كما أنه قد يطلق ويُراد ما يقابل الصلاة المقصورة، والمتعين هو الثاني، لا سيما التعبير" وحين صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام" ولم يعبر صلاة فريضة واحدة تامة، أي غير مقصورة لا منقوصة، مضافاً: إلى أن هذه الصلاة الفريضة الواحدة مترتبة على نية المقام في المدينة، والذي يترتب عليها الصلاة الرباعية، وأما غيرها فلا تترتب على نية الإقامة، وإنما على حضور وقتها.

    2. قد يُدعى عدم شرطية الصلاة الفريضة الواحدة الرباعية، وكفاية الصوم الواجب، لا سيما لو كان العدول عن نية الإقامة بعد الزوال، وذلك لجملة نكات:

     أن تحمل الصلاة الفريضة الواحدة بتمام على المثالية إلى مطلق الفرض الذي يترتب على نية الإقامة، والذي منه الصوم الواجب الذي لا يُشرع في السفر، إلا لخصوص المقيم، فيكون المقصود من الشرط المذكور في الصحيحة هو ترتيب الأثر على نية الإقامة، لا أقل بخصوص الفرض من الصلاة الرباعية، أو الصوم الواجب.

     ما في صحيحة علي بن جعفر عن أبي الحسن (ع) إلى أن يقول: " وإذا أجمع على مقام عشرة أيام صام وأتم الصلاة"[2]

قد يُدعى إلحاق الصوم بالصلاة على أقوال:

     أنه بمجرد الشروع في الصوم يكفي للبقاء على الصوم والتمام إلى أن يخرج م المكان المنوي فيه الإقامة، وهذا القول منسوب إلى العلامة في جملة من كتبه، والموجز الحاوي، وغاية المرام، وإرشاد الجعفرية، والمقاصد العلية، والمسالك.

دليلهم: تحقق أثر النية، حيث رتب على نية الإقامة أثرها.

     الالحاق بشرط أن يكون الرجوع عن نية الإقامة بعد الزوال، لا قبله، وقد نسب إلى جامع المقاصد، وفوائد الشرائع والتنقيح والهلالية.

دليلهم: عدم جواز الإفطار حينئذٍ كما لو رجع بعد الغروب.

     إلحاق الصوم بالصلاة، بشرط أن يكون العدول بعد الغروب، وهو ظاهر جماعة.

دليلهم: أن المراد من الفريضة التامة مطلق العمل التام، مضافاً إلى مثل رواية معاوية بن وهب، وعلي بن جعفر، فإن هذا الصائم لو سافر لا يُحكم ببطلان صومه، ووجوب الإفطار عليه لما دل على أن الصائم لو سافر بعد الزوال يجب عليه الاتمام، فلو بطلت الإقامة بنية العدول هذه لزم وقوع الصوم الواجب سفراً بغير نية الإقامة، وهذا ما لا يجوز إجماعاً، فلا بد من البناء على بقاء الإقامة.

وفيه: أنه يُحكم بصحة الصوم لأن العدول عن الإقامة ناقل من حين العدول، لا أنه كاشف عن عدم تحقق الإقامة القاطعة للسفر من الأول، لأن ذلك مقتضى ما دل على أن عزم الإقامة قاطع للسفر، إذ غاية ما ثبت تقييده بدليل منفصل، وهو الصحيحة أن العدول قبل الاتيان برباعية تامة يوجب إجراء حكم المسافر عليه، ولا يُستفاد منه أن ذلك من جهة تقييد العزم القاطع للسفر بكونه متعقباً بصلاة تامة. فلا يُعلم بشمول العمومات لما نحن فيه؛ لأنها ظاهرة فيمن سافر من المكان الذي يتحتم عليه فيه الصوم، مضافاً إلى منع بطلان الصوم من السفر مطلقاً لكون نظرها إلى ما لو كان مجموع الصوم في السفر.

وفي صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت: "إن دخلت بلدا أول يوم من شهر رمضان ولست أريد أن أقيم عشرا، قال: قصر وأفطر، قلت: فان مكثت كذلك أقول: غدا أو بعد غد فأفطر الشهر كله وأقصر؟ قال: نعم هذا (هما) واحد، إذا قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصرت"[3] . والاستدلال مبني على أن الصوم والصلاة واحد في السفر يجري على كل واحد منهما ما يجري على الآخر.

والصحيح: عدم الالحاق وفاقاً لمجمع الفائدة والبرهان، والمدارك، والكفاية، وذخيرة المعاد والحدائق، والرياض، وما ذكر من وجوه لا يرجع إلى محصل.

أما الوجه الثاني: فجوابه أن ظاهر الروايتين اتحاد الصوم والصلاة في الترخص بالإفطار والتقصير وعدمه، ولا نظر فيهما إلى ما نحن فيه.

وأما الوجه الأول فجوابه: أنه لا وجه للتعميم إلا حمل التمام على المثالية، وكون المراد مطلق ترتيب الأثر على الإقامة، والذي أبرزه الصلاة التامة من غير خصوصية فيها، إلا أنه لا شاهد عليه، ومخالف لظاهر الصحيحة من دخل خصوصية الفريضة الواحدة التامة، ولا يوجد ما يوجب إلغاؤها، فلا بد من الاقتصار في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد النص، إذ لا دليل على التعدي.

والحاصل: أنه لا توجد نكتة تقتضي إرادة العام من الخاص، بحيث يساعد عليه الارتكاز، ولا يوجد ما يقتضي إلغاء الخصوصية الموجودة في الخاص للحكم بالبقاء على التمام.

 


[2] وسائل الشيعة (الإسلامية) -الحر العاملي -ج5 -ص524 -525.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo