< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

40/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع:استكمال المسألة15 /هل تمام الموضوع للإتمام النية أم الإقامة أم هما معاً؟/ القاطع الثاني/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.

أقول: ما ذكر من مقتضى القاعدة فيه: أن لدينا إحتمالاً آخر ربما أشار له هذا العلم في آخر كلامه، وهو أن يكون تمام موضوع التمام هو العزم زائد واقع الإقامة على أن يكون كل منهما جزء الموضوع لا أن العزم تمام الموضوع، ولا أنه مأخوذ على نحو الطريقية، وإنما مأخوذ على نحو الموضوعية والتقيدية، إلا أنه جزء الموضوع لا تمامه.

ودعوى: أنه خلاف الظاهر من الأخبار؛ لظهورها في موضوعية العزم.

مدفوعة: سلمنا ظهور الأخبار في موضوعية العزم، إلا أنها لا تأبى أن تكون جزء الموضوع لا تمام الموضوع، والوجه أن يكون كل من العزم وواقع الإقامة الخارجية بما فيها الإقامة في الساعات الأخيرة من اليوم العاشر هو الموضوع لوجوب التمام عليه من رأس، ولو بنحو الشرط المتأخر في التكليف، وهذا مما لا محذور فيه.

ثم بناءاً على أن المستفاد من أخبار الإقامة موضوعية القصد، فقد يُقال: أن مفاد الأخبار تعليق وجوب التمام فيها على مجرد نية الإقامة ولو حدوثاً، إذ لا دليل يشترط بقاء النية. أي أن مجرد العزم على البقاء عشراً ونية الإقامة كذلك كافٍ في وجوب التمام عليه، ولا دليل يقيد حدوثاً ذلك ببقاء النية، هذا ما ذكره السيد الحكيم في المستمسك.

وأورد عليه: بأن أخبار الإقامة ظاهرة في أن الحكم بالتمام دائر وجوداً وعدماً، سعة وضيقاً، إطلاقاً واشتراطاً، وراء النية، فحيث وجدت النية وجب التمام، وزان الأحكام المتعلقة بعناوين خاصة، الظاهرة في دخل العنوان في ثبوت الحكم للمعنون، ودورانه مداره وجوداً وعدماً، ولا يكون مجرد حدوث النية كافياً في بقاء الحكم بالتمام ما ل يقتضيه دليل خاص.

والصحيح: ما أفاده هذا العلم كما لا يخفى على من راجع روايات الإقامة التي اشترط النية والعزم.

وأما ما أورده من أنه لو كان المناط في نفس الإقامة وكان العزم مأخوذاً على نحو الطريقية لوجب التمام على المتردد عشرة أيام، حيث لا مدخلية للعزم على الإقامة في وجوب التمام؛ لأن المناط بالإقامة المفروض تحققها في صورة التردد عشرة أيام، بل الحكم بالقصر على المتردد ثلاثين يوماً لا يجتمع مع طريقية العزم وموضوعية الإقامة.

قد ظهر جوابه مما تقدم، فإن الإقامة عشرة أيام متردداً، أي من دون الإقامة لا يحقق ما هو موضوع وجوب التمام، لكونها جزء الموضوع وجزؤه الآخر العزم والنية، وعليه: فبمكان من الإمكان أن يجتمع وجوب القصر مع الإقامة ثلاثين يوماً متردداً من دون نية وعزم، فإن جزء الموضوع للتمام، أعني الإقامة وإن كان متحققاً، إلا أن جزءه الآخر أعني العزم كان منتفياً، لذا وجب عليه القصر.

والحاصل: أن مجرد نية الإقامة لا تحصِّل القاطعية للسفر السابق، بل لا بد من ضميمة الإقامة الخارجية، وعليه فلو عدل عن نية الإقامة بعد العزم على الإقامة فإنه يرجع إلى حكم السفر السابق، أعني القصر، بلا حاجة إلى إنشاء سفر جديد.

والخلاصة: أنه لو كنّا نحن وأخبار الإقامة فإنها توجب التمام ما دام ناوياً للإقامة، بحيث لو عدل عنها رجع إلى التقصير، لأنه مسافر بالوجدان، ولا نية له بالإقامة حسب الفرض بلا فرق بين أن يرتّب الأثر على نية الإقامة بأن يصلي بتمام؟ أو لا؟

أقول: أما استفادة شرطية النية وكونها تمام الموضوع لوجوب التمام من الروايات حسب ما أفاد الميرزا، فمن مثل صحيحة علي بن جعفر، حيث ورد فيها وإذا أجمع على مقام عشرة أيام صام وأتم الصلاة، ومثل رواية عبد الله بن سنا، وإن أرداد المقام عشرة أيام أتم الصلاة، ورواية منصور بن حازم، إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة وغيرها من الروايات الدالة على أن تمام الشرط لوجوب التمام هو قصد الإقامة عشرة أيام، وبالتالي لا دخالة للإقامة الخارجية فيما هو الموضوع لوجوب التمام.

بل زاد السيد الحكيم أن الموضوع هو صرف النية والقصد حدوثاً مع عدم ما يدل على تقييده باستمرار النية والقصد، فإن محض أن يُجمع على مقام عشرة أيام يوجب إتمام الصلاة.

والحاصل: أنه علق وجوب التمام على مجرد نية الإقامة حدوثاً ولا مقيد لها بصورة البقاء.

نعم السيد الخوئي سلم بشرطية النية، كما ذكر الميرزا، وأنها تمام الموضوع لوجوب التمام، إلا أنه خالف السيد الحكيم فيما افاده، وذلك لنكتة أن وجوب التمام، حيث رتب على موضوع هو نية الإقامة فإنه يدور مداره وجوداً وعدماً، سعة وضيقاً، إطلاقاً واشتراطاً، قضاءاً لحق الشرطية والتعليق هذا، فحيث لا نية إقامة لا وجوب تمام، سواء بلحاظ الحدوث أو البقاء، وهذا الذي ذكره متين، نعم استفاد البعض أن الموضوع هو واقع الإقامة، وأما النية فتُلحظ طريقاً لما هو الموضوع، وما يصلح لأن يكون دليلاً على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) "قال : قلت له : أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصرا ؟ ومتى ينبغي أن يتم؟ فقال: إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة".[1] ، حيث جعلت الرواية اليقين موضوعاً لوجوب التمام، وذلك بفرضه عدلاً للنية والقصد، ومن المعلوم تارة أن اليقين يلحظ كطريق لمتعلقه، أعني إقامة عشرة أيام، فكذا عدله، وأخرى أنه مع فرض العدل للنية، وهو اليقين، سوف لا يبقى لها خصوصية، وإنما تؤخذ كمحرز لواقع الإقامة عشرة أيام، وزان اليقين وعليه: سوف يكون الموضوع لوجوب التمام واقع الإقامة، وأما النية الواردة في سائر الروايات فتُلحظ كمحرز لما هو الموضوع.

أقول: هذا الكلام مبني على أن اليقين عدل للنية، أما إذا قلنا: أن عدلها ما يكون موجباً للإقامة عشراً ومقتضياً لها، والذي قد يكون النية وقد يكون القاصر الخارجي، وأما اليقين فمجرد محرز، فسوف لا يتم هذا الاستظهار، والصحيح: ما فهمه الميرزا والمستمسك، ومستند العروة من موضوعية النية، إلا أنها ليست تمام الموضوع، وإنما جزؤه، والجزء الآخرة هو واقع الإقامة، صحيح أن أغلب الروايات ظاهرة في اشتراط النية مع اختلاف ألسنتها بين التعبير بالنية والإرادة وأن يجمع أمره، إلا أنه يوجد ما يكون ظاهراً في موضوعية نفس الإقامة الخارجية، وهي رواية عبد الله بن جعفر في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جد علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال: "سألته عن الرجل قدم مكة قبل التروية بأيام كيف يصلي إذا كان وحده ، أو مع إمام فيتم أو يقصر ؟ قال : يقصر إلا أن يقيم عشرة أيام قبل التروية .[2] ”حيث فرضت أن الموضوع لوجوب التمام هو واقع إقامة عشرة أيام قبل التروية، وفرض أن الموضوع هو نية الإقامة كذلك مدفوع: بأنه بحاجة إلى التقدير، والأصل عدم التقدير. وهكذا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: "من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة..."[3] ، فقد أناط وجوب الإتمام بالقدوم قبل التروية بعشرة أيام، أي بإقامة عشرة أيام، وتقدير النية مدفوع: بأن الأصل عدمه، مضافاً إلى أنه لا معنى لحصر التقدير بالنية، فربما يكون المقدر اليقين، وهذا يعني: أن النية على فرضها لوحظت كمحرز لما هو الموضوع، أعني: واقع الإقامة.

والصحيح: أن للنية دخالة فيما هو الموضوع لوجوب التمام، ولواقع الإقامة كذلك دخالة، فلا يخلو إما أن يكون كل منهما تمام الموضوع لوجوب التمام، أو يكون كل منهما جزء علة لإيجاب التمام من رأس، والأول يبعده لزوم صدور الواحد عن كثير، وهو خلف قاعدة أن الواحد بما هو واحد لا يصدر إلا عن واحد، ولا يصدر عن متعدِّد، وحفظ هذه القاعدة وقضاءاً لحقها لا بد من الالتزام بكون كل منهما جزء الموضوع فيكون مجموعهما هو العلة والموضوع لإيجاب التمام، ولا يكفي مجرد أحدهما، فالنية مجردة لا تكفي لإيجاب الإتمام، كما أن واقع الإقامة عشرة لا يكفي لذلك، بل لا بد من اجتماعهما وتأثيرهما في إيجاب التمام من أول الإقامة على أساس أن واقع الإقامة شرط متأخر في إيجاب الإتمام.

والحاصل: أنه ليست النية مجرد طريق وواقع الإقامة هو الموضوع، ولا أن النية تمام الموضوع، بل كل منهما جزء الموضوع، لا بد من اجتماعهما حتى يجب عليه التمام، وعدم كفاية أحدهما في ذلك.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo