< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

40/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:المسألة العاشرة/ تعليق الإقامة على أمر مشكوك الحصول/ القاطع الثاني/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.

مسألة 10:

"إذا علق الإقامة على أمر مشكوك الحصول لا يكفي، بل وكذا لو كان مظنون الحصول فإنه ينافي العزم على البقاء المعتبر فيها نعم لو كان عازما على البقاء لكن احتمل [1] حدوث المانع لا يضر".

ذكر الماتن أنه لو أناط نية الإقامة بأمر مشكوك أو مظنون حصوله، فإنه لا يكفي في النية التي هي قيد في الإقامة، وذلك بأن تكون النية ثابتة على تقدير دون تقدير، وليست فعلية، وعلى كل التقدير، وذلك لاشتراط أن تكون النية فعلية، وهذا ينافي التعليق، ولذا تنتفي عنه نية الإقامة. نعم لو كان عازماً على الإقامة إلا أنه احتمل حدوث ما يمنعه عن الإقامة فإنه لا يكون ذلك مضراً بانعقاد نية الإقامة، كل ذلك تحقيقاً للنية المعتبرة فعلياً، وعلى كل التقدير.

وقد شرح صاحب مستند العروة[2] كلامه بما يرجع إلى التفصيل بين ما إذا كان الأمر المشكوك له دخالة في أصل المقتضي، أعني نية الإقامة، وبين ما لو كان المشكوك بمثابة المانع بعد الفراغ عن المقتضي وما يكون قادحاً في نية الإقامة، الأول له دخالته فيها دون الثاني.

ثم أورد عليه بوجهين: الأول: أن الميزان ليس بما ذكره الماتن، وإنما في كون الأمر المشكوك احتماله موهوناً، أو عقلائياً، فعلى الأول لا اعتداد به حتى ولو كان دخيلاً في المقتضي؛ لأن الاحتمال الموهوم وجوده بمنزلة العدم، وعلى الثاني: فسوف يكون احتمال الأمر العقلائي قادحاً في النية، سواء تعلق بالمقتضي، أم بالمانع.

أما لو كان الاحتمال العقلائي متعلقاً بالمقتضي، فلعدم انقداح النية مع مثل هذا الاحتمال العقلائي، وأما لو كان بمستوى المانع، فلعدم تأتّي نية الإقامة مع طرو هذا الاحتمال؛ لأن البقاء لما كان اختياريا كان متوقفاً على تمامية المقتضي وعدم المانع، ومع احتمال حصول المانع احتمالا عقلائياً فلا تتأتى نية الإقامة والبقاء منه. والخلاصة: أنه لا يتأتى منه توطين النفس وعقد القلب على الإقامة بعد احتمال طرو المانع الذي يضطر معه لترك الإقامة.

هذا مع الالتفات إلى أن النية ليست مجرد ميل ورغبة بالبقاء. والحاصل: أن احتمال طرو المانع العقلائي مساوق مع تعليق نية الإقامة على أمر مشكوك، وبالتالي لا تكون النية فعلية ومطلقة، وعلى كل التقادير، وإنما على تقدير دون تقدير.

الثاني: أن ظاهر الأخبار إناطة الحكم بالتمام على قصد الإقامة، وورد في صحيحة زرارة إناطته باليقين، قال: "إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة"[3] ، والنسبة بالنظرة الأولية بين الصحيحة وسائر روايات الباب هي العموم الوجهي، أما مورد افتراق اليقين عن النية، بالمكره والمحبوس الفاقد لنية الإقامة مع علمه بالإقامة، لكونه مكرهاً على ذلك، وأما امتياز النية عن اليقين، ما فرضه الماتن من نية الإقامة مع احتمال طرو المانع الموجب لانتفاء اليقين لا محالة، لكن لديه نية الإقامة.

وقد يُدعى في مثل ذلك تقديم تلك الأخبار التي اشترطت النية على الصحيحة المشترطة لليقين، والخلاصة: أن نية الإقامة كافية في الحكم بالتمام وإن تجردت عن اليقين.

بل الصحيح: كما أن نية الإقامة معتبرة كذلك اليقين بالإقامة مجرداً عن النية مشترط، كما في المكره والمحبوس، فكل منهما موضوع مستقل للحكم بالتمام.

وذلك لظهور الصحيحة في ذلك؛ لأن السؤال فيها عمن قدم البلدة، الظاهر في كونه بإرادته واختياره، فكيف تُحمل على ما إذا تيقن البقاء من غير نية واختيار، لا سيما أنه مورد نادر ومنافٍ لمورد الصحيحة، لا يمكن حملها عليه، ولا سيما أيضاً مع ورود قوله (ع): وإن لم تدرِ ما مقامك بها، إذ لا يمكن تقييده بما إذا كان لديه نية الإقامة من غير حصول اليقين له.

والصحيح: أن هذه الصحيحة مقيدة لتلك الأخبار، فإن النسبة بين تلك الأخبار وهذه الصحيحة العموم المطلق، والمحصلة أن التعليق في نفس مقتضي النية، وبالتالي عدم فعليته الموجب لعدم انعقاد النية وحصولها، ومن هنا كان تعليق حصولها على أمر مشكوك، بل مظنون موجب لعدم انعقاد النية المشترطة في الإقامة، بخلاف ما لو انعقدت النية لتمامية مقتضياتها وعدم المانع من حصولها، وإنما احتمل حصول ما يزيلها ويرفعها بقاءاً، فإنه لا يضر مثل هكذا احتمال في حصولها.

وأما ما ذكره السيد الخوئي من أن النية ليست مجرد ميل ورغبة وكأنه تعريض بما ذكره السيد الحكيم، فمسلم حتى من السيد الحكيم، إذ لم يدع أن النية هي الميل والرغبة، وإنما هي الشوق المؤكد، إلاَّ أن منشأ ومقتضي هذه النية هو الميل والرغبة، وإلا لما حصل الشوق المؤكد.

وقد ظهر ما في الوجه الأول، ضرورة أن اليقين لا يجتمع مع الاحتمال، مهما كان ضئيلاً، حتى ولو كان موهوماً، فضلاً عما إذا كان معتداً لدى العقلاء وذات مناشئ عقلية.

ودعوى: أن الاحتمال الموهوم بمنزلة العدم. مدفوعة: بأن ذلك بحسب نظر العرف المبني على ضرب من التسامح، وإلا فإنه بحسب المداقة مهما تضاءل فإنه لا يجتمع مع اليقين الذي هو شرط في الإقامة.

وأما الوجه الثاني: فجوابه أنه ليس لدينا موجبان للإتمام، تارة نية الإقامة، وأخرى اليقين بها، بل ليس لدينا إلا موجب واحد وهو حصول المقتضي والموجب لبقائه، غايته أنه تارة يكون من ذاته وشخصه-داخلياً-كصورة الاختيار، وأخرى يكون من خارج، كما في صورة الإكراه، إذا علم بمكثه في المكان المكره عليه عشرة أيام، وعلى التقديرين لا يُنافي احتمال حصول ما يمنع من أن يؤثر المقتضي والموجب للتمام، من البقاء أو اليقين به في مقتضاه.

وعليه: لسنا بحاجة إلى أن نبحث عن النسبة بين سائر الأخبار وصحيحة زرارة، وأنها العموم الوجهي؟ أو المطلق؟ إذ ليست الصحيحة ولا سائر أخبار الباب بصدد بيان وتأسيس ما يكون شرط في وجوب التمام، من نية البقاء أو اليقين به. وإنما بصدد بيان شرطية الموجب للإقامة، والذي هو أحد أمرين كما تقدم.

هذا كله مضافاً إلى أن ما ذكره (قده) من ظهور الصحيحة المشترطة لليقين، كون ذلك بإرادته، وأن السؤال فيها عمن قدم البلدة الظاهر في كونه بإرادته غير تام، إذ نسلم كونه مختاراً ومريداً، إلا أنه في أصل قدومه إلى البلدة لا في بقائه، ولا تلازم بين المطلبين، فقد يكون مختاراً في قدومه إلى البلدة إلا أنه يكون مكرهاً في بقائه فيها

 


[1] احتمالا يعتني به العقلاء. (الإمام الخميني). * احتمالا غير معتنى به عند العقلاء. (الگلپايگاني). * إذا كان احتمال حدوثه موهونا بحسب العادة. (آل ياسين). * بشرط أن يكون الاحتمال موهوما وإلا فلا يتحقق معه قصد الإقامة على الأظهر. (الخوئي). * احتمالا موهوما. (الشيرازي).
[2] مستند العروة الوثقى، ج8، ص277-278.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo