< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

40/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع:الاستدلال بصحيحة زرارة على جواز الخروج إلى ما دون المسافة/ الإقامة عشرة أيام / القاطع الثاني/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.

ورابعة: وهو الصحيح، التمسك بصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع): "من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت أتم الصلاة وعليه إتمام الصلاة، إذا رجع إلى منى حتى ينفر.[1]

وذلك بأحد بيانات:

    1. إطلاق الفقرة الأولى: من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة، الدال بإطلاقه على وجوب التمام، سواء خرج من مكة إلى خارج سورها، ضمن حد الترخص، بل خارج حد الترخص، لكن دون المسافة، بقرينة ما يأتي من خروجه إلى عرفة، حيث يجب عليه القصر، لا سيما أن الغالب في المقيم في مكة هو الخروج ولو لمثل غار حراء مما هو خارج سور مكة، فلا يُصغى لدعوى نفي الإطلاق.

    2. إن قوله (ع): فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، حيث دل بمنطوقه على ثبوت القصر في المسافة الملفقة مع الرجوع لغير يومه. وبمفهومه على وجوب التمام فيما لو كان الخروج إلى ما دون المسافة، وأن ذكر منى قاصداً عرفات، لا لخصوصية فيها، بل لأن الخروج إليها مورد الابتلاء، فهي بقوة: إذا خرج إلى المسافة وجب عليه التقصير، الدال بمفهومه أنه إن خرج إلى ما دونها فإنه يجب التمام.

    3. التمسك بعموم قوله (ع): فهو بمنزلة أهل مكة، فكما أن أهل مكة لا يقصرون إلا إذا خرجوا إلى المسافة، فكذا من هو بمنزلتهم، أعني المقيم فيها لا يقصر إذا خرج إلى ما دون المسافة.

ودعوى: أن الرواية مشتملة على ما لا يُلتزم به، فلذا يُرد علمها إلى أهلها. وهي قوله (ع): فإذا زار البيت أتم الصلاة، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر. حيث أوجب عليه التمام بالعود إلى مكة بمجرد الإقامة السابقة على الخروج منها، والتي قد انقطعت بإنشاء سفر ذلك بالخروج إلى عرفة، فلذا يحتاج إلى إقامة جديدة بعد العود إلى مكة حتى يجب عليه التمام، وهذا ما ادعاه صاحب الوافية، وأجاب عنه في مستند الشيعة بأن الغالب هو خروجهم بمجرد مضي أيام التشريق والفراغ من أعمال مكة ومنى. بل قد يعزَّز هذه الفهم قوله (ع): وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر. حيث إن المقصود النفر المعهود من منى إلى بلده بعد الفراغ من أعمالها وهو زوال اليوم الثاني عشر، وبالتالي لا نية لديه للإقامة في مكة بعد الرجوع إليها.

فيه: إن الظاهر من قوله (ع): من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه التمام وهو بمنزلة أهل مكة، أن المقيم مكة يجب عليه التمام وهو بمنزلة أهلها، ومع فرض الخروج إلى عرفة سوف تنقطع تلك الإقامة الموجبة للتمام، فلا يعود للتمام إلا بإنشاء إقامة جديدة، لا بالإقامة السابقة التي انقطعت بإنشاء السفر، إذ ليس مفاد الرواية وجوب التمام حتى لو انقطعت الإقامة بإنشاء سفر إلى بلده، ومن ثم العود إلى مكة، فإن هذا مما لم يتفوه به أحد، وبعيد عن ظهور الرواية، وإنما المقصود أنه كلما صدق عليه أنه مقيم بمكة بالفعل كان منزلة أهلها، وبالتالي وجب عليه التمام. فمن إيجاب التمام عليه تعييناً نستكشف أنه مقيم بمكة بالفعل، لا أنه كان مقيماً فيها سابقاً.

وإن أبيت: فإن مورد الاستدلال بالرواية على مطلبنا لا يرتبط بهذا الجزء منها، وبالتالي يمكن التبعيض فيها، وذلك بالأخذ بالجزء الأول منها للدلالة على المطلوب، أعني جواز الخروج إلى ما دون المسافة، فإذا جاز له ذلك فلا مانع من قصده، إذ لا تلازم في الدلالة بين جزئي الرواية، وإلا فإن المرجع العرف، والموجود لدينا لفظتان، الإقامة والبلدة، والمقيم تارة يخرج إلى خارج السور، بل خارج حد الترخص دون المسافة من دون قصد ذلك من رأس، وأخرى مع القصد، وهذا على نحوين: إذ تارة يكون بنية الإقامة في ذلك المكان الآخر، سواء كان حد الترخص أو خارجه، وأخرى يكون لا بنية الإقامة، وإنما بالمرور عليه لقضاء حاجته من جلب الماء، او الحطب، أو الخضار، ونحو ذلك، وهذا تارة خارج السور داخل الحد، وأخرى خارجه لكنه دون المسافة، إذ مع بلوغ المسافة سوف يقطع الإقامة، هذا إذا لم يكن من قصده ذلك، وإلاَّ فإنه لا تتأتى منه نية الإقامة عشرة أيام في مكان واحد، وبالتالي لا يكون مشمولاً للمخصص.

أما بالنسبة لمكان الإقامة كالبلدة، فإنه بضرب من التسامح يطلق البلد على ما كان خارج السور، لكنه داخل حد الترخص باعتبار أنه من حريم البلد، فتكون نية الذهاب والتردد إليه كنية التردد داخل البلدة إلى المواضع المتعددة منها، كالمسجد والحرم والمشفى وغير ذلك، مما لا ينافي وحدة المكان المقصود الإقامة فيه، بل السيرة مستمرة على أن من نوى الإقامة في بلد ينوي الخروج إلى تلك الأماكن لجلب الماء والحطب والخضار والفاكهة، ولتشييع جنازة.

وأما ما يكون خارج حد الترخص، فلا تسامح بنظر العرف في اعتباره من حريم البلد حتى يكون التردد إليه كالتردد إلى بعض أماكن بلدة الإقامة، كما لا تسامح في الإقامة في بلد بأن تطلق على من يقيم خارج حد الترخص، وإنما الكلام في قادحية الخروج إلى خارج الحد لمفهوم الإقامة، وفي قادحية قصد الخروج لنية الإقامة، وقد ربط جملة من الفقهاء ذلك بشرح المقصود من الإقامة، وأنها هل تكون بمعنى إقامة شخص المسافر؟، بأن تكون موضع تواجده وحضوره؟ أو أن تكون مكان محط رحله؟ حتى يشكل كما عن بعض شراح المتن، بأنه قد لا يكون للمسافر رحل، وقد اختلفت كلماتهم، فمنهم من يرى قادحية الخروج هذا، ومنهم من لا يرى قادحيته مطلقاً، أو بشرط أن يكون الخروج يسيراً من حيث الوقت كالساعة والساعتين والثلاثة كل يوم، أو هذا الكم والمقدار على مدار العشرة أيام الإقامة، هذه جملة أقوال، ومن المعلوم أنه لو كان قصده من رأس التواجد في المكان الآخر، سواء خارج حد الترخص، أو داخلها خارج السور، وسواء كان قريباً من خارج حد الترخص، وملاصقاً له، أو كان متاخماً للمسافة الملفقة، أي قبل بضع أمتار من رأس الأربعة فراسخ، فإنه في كل ذلك لا يكون قد نوى الإقامة الواحدة المستمرة عشرة أيام في مكان واحد، وإنما في أمكنة متعددة لا تجمعها وحدة إعتبارية، فلذا يبقى تحت عموم القصر على كل مسافر، ولا يشمله المخصص، وإنما الكلام فيما لو كان من نيته التردد إلى خارج حد الترخص، وما دون المسافة دون قصد إقامة اليوم ونحوه، وفي مثله يحصل الشك، والأقوى عدم جواز ذلك، لمكان المنافاة مع مفهوم الإقامة والقادحية لقصد الإقامة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo