< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

40/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: اشتراط وحدة المكان/ الإقامة عشرة أيام / القاطع الثاني/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.

بقي في المقام اشتراط وحدة المكان وعدم جواز قصد الإقامة في أماكن متعددة:

تارة في مدرك هذا الاشتراط، وأخرى في توضيح المقصود منه، مع ذكر بعض المصاديق.

أما مدرك الاشتراط، فإن المستفاد من الأدلة كون الموضوع الذي رتب عليه التمام هو الإقامة الواحدة المستمرة عشرة أيام، ومن الواضح أن ذلك يتطلب وحدة المكان المنوي الإقامة فيه، بحيث لو كان المنوي أمكنة متعددة لم تصدق الإقامة الواحدة المستمرة، بل سوف تتعدد الإقامة، والتي لا تكون إقامة عشرة أيام، وإنما إقامة بضع أيام في هذا المكان، وبضع أيام أُخَر في المكان الآخر وهكذا.

وأما المقصود من وحدة المكان، فالاحتمالات تارة يُراد بها الوحدة الحقيقية الدقية، كالفندق في قم، بحيث لا يجوز له الخروج إلى المسجد، ولا الحرم، ولا مكان صلاة الجمعة، ولا مكان انعقاد حلقات الدرس، وأخرى يُراد منها الوحدة الاعتبارية بأي لحاظ كان، والتي مدارها الوحدة بلحاظ شيء آخر لا يكون مقيماً فيه، كأن يُقال: إقامته على الأرض، وليس الفضاء، أو في قارة آسيا، لا في سائر القارات، أو في غرب آسيا، أو في إيران، أو في مدينة قم، فإن هذه اللحاظات كلها اعتبارات، ولو بالقياس إلى ما سواها من إقامته على الأرض، لا على المريخ، او في آسيا، لا في غيرهما، وهكذا. وثالثة يُراد منها الوحدة الاعتبارية التي يُلحظ من خلالها وحدة الإقامة، لا تعددها، وإن شئت قلت: يُراد من وحدة المكان، الوحدة الاعتبارية التي توجب وحدة الإقامة المستمرة عشرة أيام، لا تعددها الموجب لتعدد الإقامة.

أقول: أما الاحتمال الأول: فغير مراد جزماً، ضرورة جواز نية الإقامة في مكان يتردد فيه من مكان إقامته إلى مثل السوق والمسجد والحرم وغير ذلك.

وأما الوحدة الاعتبارية بعرضها العريض، ومعناها الوسيع الذي يشمل مثل الإقامة على الأرض، أو في آسيا، أ في غربها، أو في إيران ونحو ذلك، والتي ضابطتها الوحدة الاعتبارية بالنسبة لغير المكان الذي لا يقيم فيه، مثل أستان مركزي، وهكذا فمن الواضح عدم تحقق وصدق وحدة الإقامة المستمرة عشرة أيام لمجرد وحدة المكان المنوي الإقامة فيه بهذه الوحدة الاعتبارية المطلقة، كمن نوى الإقامة في إيران، فأقام يوماً في طهران، وأخرى في مشهد، وثالث في أصفهان، وهكذا إلى نهاية العشرة أيام.

وعليه: يتعين أن يُراد الوحدة الاعتبارية بلحاظ ما يُحقق وحدة الإقامة، وهذا يترتب عليه أولاً: أنه لو تعددت الأمكنة مع هذه الوحدة لا تكون الإقامات متعددة، وإنما هي إقامة واحدة، حيث لا يوجب تعدد الأمكنة مع وحدتها إعتباراً بهذا اللحاظ، وبالتالي هي مكان، وثانياً: أنه لو كان تعدد الأمكنة موجباً لتعدد الإقامة، كانت متعددة وغير محققة لوحدة المكان الاعتبارية، ونكتة ذلك، أن اشتراط وحدة المكان كما عرفت لاعتبار وحدة الإقامة المستمرة، فالميزان في وحدة المكان وتعدده دخالتها في وحدة وتعدد الإقامة، وعليه: فإن تعدد الأمكنة في مثل قم ، مثل مكان السكن والمسجد والحرم ومكان صلاة الجمعة، لا يوجب تعدد الإقامة، وإنما هي إقامة واحدة مستندة إلى الوحدة الإعتبارية الجامعة فيما بين تلك الأمكنة على تعددها وكثرتها، وهذا بخلاف ما لو كانت الأمكنة بحسب نظر العرف بحيث تُعد الإقامة في بعضها غير الإقامة في الأخرى، كانت الأمكنة متعددة؛ لعدم تحقق الوحدة الاعتبارية الجامعة فيما بيت تلك الأمكنة على تعددها؛ لعدم تحقيقها إقامة واحدة مستمرة، وإنما إقامات متعددة، ومثال ذلك لو نوى الإقامة في بلدة النبي شيت، وسكن في طرفها المتاخم لقرية سرعين، بحيث كان التباعد بين مكان السكن وسرعين لا يتجاوز الألف متر حيث أن التباعد بين طرف النبي شيت الذي يلي سرعين، وطرفها الآخرة الذي يلي الخضر المنوي الإقامة فيه نتيجة نية الإقامة في كل النبي شيت، بما فيه ذلك الطرف الشرقي، هو أزيد من ألفي متر، وما ذلك إلا لأنه تختلف الإقامة الواحدة العرفية نتيجة اختلاف الأمكنة، فإن النبي شيت وسرعين لمَّا كانتا مفصولتين عن بعضها البعض، فإن العرف يرى تعدد الإقامة فيهما، وأن الإقامة في أحدهما غير الإقامة في الأخرى، وهذا بخلاف محلات وأماكن النبي شيت وإن كان التباعد فيما بينها أزيد من التباعد فيما بين القريتين، فإنه لا تعدد الإقامة في طرف القرية الغربي، غير الإقامة في طرفها الشرقي، ونكتة ذلك كما ذكر السيد الحكيم في شرحه وتعليقته: أن التعدي من المكان الأول إلى الآخر هل يُعد ترك للأول وارتحال عنه إلى الآخر؟ أو لا؟ فعلى الأول ثبت التعدد دون الثاني.

ثم إن ما ذكرنا من ضابطة لا يفرق فيه بين المدن الصغيرة والمدن الكبيرة، ولا يفرق في الثانية بين أن تكون ممتدة إمتداداً واسعاً، وبين أن تكون خارقة للمتعارف من البلدان أولا !، وضابطة ذلك: ما أشرنا إليه من أنه كلما كانت الإقامة في بعض تلك الأمكنة التي تحويها المدن الكبرى غير الإقامة في الأخرى، كما لو كانت ذات أحياء متباعدة ومفصولة عن بعضها، فالأمكنة والأحياء بنظر العرف متعددة لا تجزي نية الإقامة فيها جميعاً، وذلك لتعدد الإقامة وعدم وحدتها، وكلما كانت الإقامة في بعضها نفس الإقامة في بعضها الآخر، كما لو كانت متصلة وغير متباعدة عن بعضها، فالأمكنة واحدة بنظر العرف، فإن نية الإقامة فيها جميعاً من خلال نية الإقامة في الجامع ما بين تلك الأمكنة وهي المدينة الكبيرة الممتدة الواسعة الشاملة لكل تلك الأحياء صحيحة بلا إشكال، نعم في مثل الرستاق الذي يجمع كذا قرية متباعدة عن بعضها ولا يجمعها إلا وحدة مكان إعتبارية لا تُساهم في وحدة الإقامة، فلا تكفي نية الإقامة فيها جميعاً؛ لأن الإقامة في واحدة من تلك القرى غير الإقامة في الأخرة، حيث يُعد إنتقالاً وارتحالاً عنها إليها، فلا يحقق وحدة الإقامة المستمرة المستفادة من الأدلة، والتي هي معتبرة في الإقامة القاطعة لحكم السفر.

ثم إن الماتن فصَّل في البلدان الكبيرة الخارجة عن المتعارف في الكبر، بين ثلاث فرضيات، فرضية ما لو كانت البلدة الكبيرة المشتملة على محلات متعددة، كانت المحلات متباعدة ومفصولة عن بعضها، وقد حكم في هذا الفرض بلزوم نية الإقامة في محلة واحدة، وعدم كفاية نية الإقامة في البلد الكبير الواسع، والفرضية الأخرى نفس الأولى، إلا أن المحلات كانت متصلة وغير متباعدة عن بعضها البعض، وفي مثلها حكم الماتن بكفاية نية الإقامة في البلد الوسيع المشتمل على هذه المحلات؛ لكونها محققة بنظر العرف للوحدة المكانية التي هي شرط في وحدة الإقامة، بخلاف الفرضية الأولى، فإنها غير محققة لهذه الوحدة، وأما الفرضية الثالثة فهي نفس الثانية، إلا أنها رغم إتصال محلاتها إلا أنها كبيرة بحد لا يصدق معها وحدة المكان، ومثل لذلك بالقسطنطينية.

وأورد السيد الخوئي على هذا الفرض الثالث: بأنه ليس الميزان في خروج البلد في الكبر عن المتعارف، وإنما الميزان في وحدة المكان المعتبرة في وحدة الإقامة بحسب الصدق العرفي، ثم يُفيد أنه حاصل في الفرض، رغم خروج البلد في الكبر عن المتعارف، وكان خارقاً، ثم أفاد أن قضية البلدان الكبيرة الخارجة عن المتعارف ليس حادثاً، بل كان في عصر النص، فهذه الكوفة كانت مساحتها أربعة فراسخ في أربعة، فلو نوى المسافر الإقامة في الكوفة الممتدة يصدق أنه نوى الإقامة في مكان واحد، ثم أفاد أنه قد يكون اتساع البلد الكبيرة إلى الحد الخارق للعادة جداً، كما لو كانت مساحته مائة فرسخ، فلا تجزي الإقامة فيه؛ لعدم صدق وحدة المكان المعتبرة في وحدة الإقامة، بل لا بد من نية الإقامة في محل واحد يتحقق معه وحدة المكان، ولا تكفي الإقامة في مثل هذه البلد رغم اتصال محلاتها وأحيائها، وذلك لعدم صدق وحدة المكان المعتبرة في وحدة الإقامة بحسب نظر العرف.

ثم إنه تعرض لصورة الشك في صدق وحدة المكان وتعدده، وقد أفاد أنه تارة تكون الشبهة موضوعية، كما لو قصد الإقامة في مكانين يشك في اتصال أحدهما بالآخر وأنه إمتداد له، أو بحيث لا تكون إقامتين، وإنما هي إقامة واحدة، وأخرى قد تكون الشبهة حكمية، كما لو علم بانفصال المكانين مثلاً، إلا أنه كان بمقدار يسير يشك معه في كون هذا الانفصال يقدح في وحدة المكان، وفي الأولى ذكر أنه يُشك في كون هذه الإقامة هل هي من مصاديق الإقامة عشرة أيام الموجبة للتمام؟ وحيث أن هذا الموضوع عنوان حادث مسبوق بالعدم فيستصحب عدمه، وبالتالي حكمه القصر.

وأما في الصورة الثانية، فإن المرجع إطلاقات أدلة القصر على كل مسافر، حيث أن مخصصه مجمل مردد بين الأقل وأكثر، فيقتصر على القدر المتيقن، حيث لا شك ويُقطع معه بصدق الإقامة عشرة أيام، وفي غيره بما فيه المشكوك يكون المرجع عمومات أدلة القصر، حيث لا يُحرز الصدق.

أقول: ما ذكره أخيراً يرد عليه أنه سبق في أصل هذا القاطع الثاني أن تخصيص الحكم مرجعه إلى تقييد الموضوع، ضرورة أنه بعد خروج المقيم عن حكم المسافر يكون موضوع الحكم بالقصر، المسافر الذي لا يكون مقيماً، فيتقيد الموضوع بغير المقيم، ولا يمكن بقاؤه على إطلاقه، لمنافاة الاطلاق مع التقييد، فإذا صار المسافر مقيماً انقطع موضوع الحكم بالقصر. فإنه بناءاً على ذلك لا يصح التمسك بإطلاق وجوب القصر على كل مسافر؛ لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية لنفس العام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo