< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

40/02/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: المسألة السادسة/ التردد بعد العزم على التوطن/ قواطع السفر/ أحكام الوطن/ صلاة المسافر.

(مسألة 6):

"إذا تردد بعد العزم على التوطن أبدا فإن كان قبل أن يصدق عليه الوطن عرفا بأن لم يبق في ذلك المكان بمقدار الصدق فلا إشكال في زوال الحكم وإن لم يتحقق الخروج والإعراض، بل وكذا إن كان بعد الصدق في الوطن المستجد[1] وأما في الوطن الأصلي إذا تردد في البقاء فيه وعدمه ففي زوال حكمه قبل الخروج والإعراض إشكال[2] لاحتمال صدق الوطنية[3] ما لم يعزم على العدم، فالأحوط الجمع بين الحكمين[4]

ما لو حصل له التردد في العزم على التوطن، فهل يقدح ذلك في صدق الوطن؟ وهذا تارة يبحث بالنظر للوطن الشرعي، وأخرى بالنسبة للوطن الاتخاذي، وثالثة بلحاظ الوطن الأصلي، وعلى الأولين تارة يحصل التردد قبل تحقق ما هو قيد معتبر في صدق الوطن الشرعي أو الاتخاذي، وأخرى يحصل هذا التردد بعد تحقق الوطن الشرعي، أو الاتخاذي، وعليه: فالصور خمسة:

    1. ما لو اشترى منزلاً في قم-مثلاً-وسكن فيه شهرين أو ثلاثة بقصد التوطن الدائم، ثم قبل إكمال الستة أشهر حصل له التردد في العزم على الإقامة كذلك، وهنا لا شك في أنه سوف لا يتحقق بالنسبة له الوطن الشرعي؛ لاتخاذ قيد الإقامة ستة أشهر متتالية في ملكه بنية التوطن الدائم، وهذا لم يحصل في الفرض، فلا يصدق في حقه الوطن الشرعي، رغم شرائه منزلاً وإقامته مدة الشهرين والثلاثة؛ لعدم تحقق ما هو قيد الوطن الشرعي. نعم هنا دعوى صدق الوطن الاتخاذي بعد تلك الإقامة، وهذا ما سوف يأتي البحث عنه ضمن الصور الآتية.

    2. نفس الصورة السابقة، لكن مع حصول التردد بعد الإقامة ستة أشهر متتالية في منزل مملوك له بنية التوطن الدائم، وفي مثله لا إشكال في عدم قدح التردد في صدق الوطن الشرعي، إذ حتى العزم على الاعراض وتركه التوطن في ذلك المكان والإنصراف منه خارجاً لا يقدح في صدق الوطن الشرعي، ما دام الملك باقياً مع قيد الإقامة ستة أشهر متتالية بنية التوطن الدائم، فكيف إذا حصل له التردد؟ مع بقاء الملك، ولم يكن من نيته الإعراض ولا الانصراف خارجاً.

    3. ما لو سكن قم بنية التوطن الدائم، ثم بعد إقامته الأسبوعين والثلاثة وقبل حصول ما يعتبر قيداً في صدق الوطن الاتخاذي، أعني مضي فترة من السكن كالشهر والشهرين حتى ينتسب ويُضاف إلى ذلك المكان، حصل له التردد، وفي مثله لا إشكال في عدم صدق الوطن الاتخاذي عليه؛ لاشتراط الإقامة الشهر والشهرين بنية التوطن الدائم، وهذا ما لم يحصل، وذلك لطرو التردد بعد مضي الأسبوع والأسبوعين، ولا يعني ذلك تعبدية نية التوطن مدة الإقامة، وإنما يؤخذ ذلك كطريق لإحراز صدق الوطن عليه بنظر العرف. ثم إن الماتن أفاد في هذه الصورة بزوال حكم الوطن.

وأورد عليه: أنه لم يثبت الوطن حتى يُحكم بزواله، والمراد عدم ترتيب حكم الوطن بمجرد النية السابقة مع التردد، وكأنه زال حكم الوطن.

    4. ما لو أقام في قم مدة الشهرين بنية التوطن الدائم، ثم بعد صدق الوطن الاتخاذي على ذلك المكان بالنسبة له حصل له التردد، فقد أفاد (قده) أنه يزول عنه حكم الوطن المستجد؛ وذلك لاشتراط نية التوطن الدائم حدوثاً وبقاءاً؛ لأن صيرورة قم وطناً له بسبب نيته وقصده التوطن الدائم، وكأنه صدق الوطن الاتخاذي متقوم بالقصد حدوثاً وبقاءاً، ويدور مدار النية حدوثاً واستمراراً، فلو زال القصد بقاءاً نتيجة التردد في النية سوف يزول عنوان الوطن بالضرورة.

وأورد عليه: بأنه لا أثر للتردد؛ لأن الحكم بالتمام لم يثبت لعنوان الوطن حتى يدور مداره، ويُدعى أنه متقوم بالقصد، وإنما هو ثابت لكل من لم يكن مسافراً، سواء صدق على المكان أنه وطن له أو لم يصدق، فالحكم بالقصر والتمام له ربط بصدق السفر وعدمه، ولا ربط له بصدق الوطن وعدمه، وهذا ما تقدم في أول بحث المسافر، أن الوظيفة الطبيعية هي التمام، خرج عنه عنوان المسافر، حيث يجب عليه القصر، وكل من ليس مسافراً يجب عليه التمام.

والنتيجة: أنه لا ينبغي الاشكال في عدم زوال عنوان الحاضر بمجرد تردده وانقلابه إلى عنوان المسافر، بل يُقال في حقه: أنه يُحتمل أن يُسافر، فهو ما زال في مقره ومسكنه، فلا محصل لزوال الحكم بمجرد التردد وعدم الجزم بالبقاء، بل تقدم في المسألة الأسبق أن الأمر كذلك حتى مع العزم على الاعراض ما لم ينصرف خارجاً، فكيف بمجرد التردد، فلا يزول حكم التمام بمجرد التردد ما لم يحصل الانصراف خارجاً مع نية الاعراض، وذلك لعدم صدق المسافر قبل ذلك، وإنما هو قاصد للسفر، لا أنه مسافر بالفعل، وانتفاء حكم التمام لا يكون بمجرد نية السفر، بل بفعلية التلبس بالسفر.

والحاصل: أن الجزم بالإعراض لا يوجب الزوال وانقلاب عنوان الحاضر إلى المسافر ما لم يتحقق الانصراف خارجاً، فكيف في صورة التردد؟

وقد تلخص: أن نية التوطن الدائم ليست قيداً حدوثاً وبقاءاً، بمعنى أنه ليس القصد مما به قوام الوطن سعة وضيقاً، وإنما هو قيد حدوثاً حتى إذا ما صدق عليه الوطن فإنه لا يُشترط بقاءاً أزيد من صدق الوطن عليه كذلك.


[1] الأقوى بقاؤه فيه فضلا عن الوطن الأصلي والاحتمال المذكور في غاية الضعف. (الإمام الخميني). * الظاهر أن الوطن المستجد كالأصلي في الإشكال في التردد. (الحكيم).
[2] أقواه العدم وكذا في المستجد خصوصا مع قدم العهد باستيطانه. (الجواهري). * أقواه بقاؤه على الوطنية إلى الإعراض والخروج فعلا بل لا يبعد ذلك في المستجد منه أيضا. (البروجردي). * أقواه عدم خروجه عن الوطنية بذلك بل لا يبعد أن يكون المستجد أيضا كذلك. (النائيني). * والأظهر عدم الزوال بل الحال كذلك في المستجد. (الخوئي). * لا فرق ظاهرا بينه وبين المستجد والجمع أحوط. (الشيرازي). * الأقوى العدم. (الفيروزآبادي). * والأظهر عدم الزوال حتى يتحقق الخروج والإعراض. (كاشف الغطاء). * الأقوى بقاء الوطنية ما لم يتحقق الإعراض والخروج كما لا يبعد ذلك في المستجد بعد الصدق. (الگلپايگاني).
[3] هذا الاحتمال قوي جدا لا يبعد ذلك في المستجد أيضا لكن الاحتياط بالجمع فيه لا يترك. (الأصفهاني). * هذا هو الأقوى في المستجد وفي الأصلي ولكن لا يترك الاحتياط بالجمع فيهما. (الخوانساري).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo