< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

40/02/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: كلام المشهور/ الوطن الشرعي/ أحكام الوطن/ قواطع السفر/ صلاة المسافر.

وأما ما ذهب إليه المشهور:

أن يكون له فيه ملك مطلقاً مع الاستيطان ستة أشهر مطلقاً على ما في المبسوط والشرائع والإرشاد، بل في المدارك في سائر كتب الفاضل ومن تأخر عنه، وفي الذخيرة والحدائق أنه المشهور بين المتأخرين، بل دعوى الإجماع على كفاية الستة أشهر مطلقاً، كما عن روض الجنان والتذكرة، بل لم ينسب خلاف هذا القول إلا للصدوق.

والاستيطان لا يخلو إما يُراد به الإسكان، أو الإسكان مع عده وطناً عرفاً، فعلى الأول: يكون المعتبر في الوطن أمرين: الملك وإقامة ستة أشهر، وعلى الثاني: أموراً ثلاثة مضافاً إلى الأمرين السابقين، يعتبر التوطن العرفي ستة أشهر، فلا بد من حصوله في وقت ما، ولا بد من بقاء الملك حتى يجب عليه التمام.

الدليل عليه: أما على اعتبار الملك، فمثل صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي [1] الوارد فيها: قال" إذا نزلت قراك وأرضك فأتم الصلاة، وإذا كنت في غير أرضك فقصَّر.

وأما الدليل على كفاية مطلق الملك من غير حاجة إلى المنزل: فمثل صحيحة عمران بن محمد[2] التي اوجبت التمام في الضيعة التي له على خمسة فراسخ، ويقيم فيها الثلاثة أيام والخمسة إلخ... حيث قال (ع): " قصَّر في الطريق وأتم في الضيعة. وصحيحة سعد بن أبي خلف عن الدار للرجل في بمصر والضيعة، فيمر بها قال (ع):" إن كان مما قد سكنه أتم".

إلا أن المولى النراقي بعد تسليمه بدلالة روايات الباب على شرطية الملك، إلا أنها معارضة مع الأخبار المستفيضة المصرحة بوجوب التمام في الدار، والبيت، والمنزل، والأهل، وأن أهل كل بلد يتمون في بلدهم، وهذه المعارضة بالعموم الوجهي، ولما كان التعارض مستقراً، وإن لم يكن مستوعباً لتمام المدلول، أفاد أن الترجيح لصالح الأخبار الأخيرة، وذلك لنكان ثلاثة:

    1. أكثرية هذه من روايات شرطية الملك.

    2. أن الروايات المشترطة للملك موافقة للعامة، وهذه مخالفة لهم؛ لأنهم ذهبوا إلى الإتمام في الملك دون غيره.

    3. الموافقة لمفهوم قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[3] فإن من يدخل وطنه العرفي الذي لا ملك له فيه ليس على سفر بلا إشكال.

أقول: أما ما سلم به أولاً فتام، فمثل أن يكون له منزل ظاهر في كون العين له؛ لأن إسناد جوهر ما إلى موضوع مثل المنزل لزيد ظاهر في كون النسبة المتحققة باستعمالها هي بين الذاتين، بخلاف مثل زيد ضرب في الدار؛ فإن لفظة في أوجدت النسبة بين الضرب والدار، فتكون من تتمة المقولة، لا أنها تمام المقولة، ثم لو كان طرفها قابلاً للملكية الاعتبارية فتكون اللام للملكية، وإن لم تكن قابلة لها أفادت الاختصاص مثل جلال الفرس، فعدم قبلية طرف النسبة يكون هو القرينة على أن اللام ليست للملكية، ومن دونها يكون مفادها الملكية، ولا يحتاج حملها على الملكية إلى قرينة، بل يكفي نفس الاطلاق، نعم حملها على الملكية هو الذي يحتاج إليها، ولما كان مالك الضيعة قابلاً لملك المنزل؛ فلذا يُحمل عليه. ودعوى: حمل القيد على الغالب مدفوعة بأنه بعد أن كان البحث عن الوطن الشرعي، فالقيد تعبدي وليس غالبياً.

أقول: ما ذكره من المعارضة مبني على ما نستفيده من روايات الباب الرابع عشر المشترطة للملكية، فإن كان المستفاد منها الوطن الشرعي فلا معارضة مع الأخبار المستفيضة التي فيها الصحاح، الآمرة بالتمام من دون حاجة للرجوع إلى كون هذه أكثر ومخالفتها للعامة وموافقة تلك لهم زائد موافقتها لمفهوم قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾[4]

وأن من يدخل وطنه العرفي الذي لا ملك له فيه ليس على سفر، والنكتة أن تلك الروايات المستفيضة إنما مفادها الوطن العرفي، لا سيما الاتخاذي، ونظر هذه إلى الوطن الشرعي، فلا وحدة للموضوع حتى ننفي ما هو شرط في الوطن الشرعي بالنقض بما هو واضح عدم الشرطية في الوطن العرفي. نعم لو كان مفاد روايات الباب الرابع عشر الوطن العرفي، لا سيما الاتخاذي لاتجه الإشكال والنقض بمن يدخل وطنه العرفي الذي لا يكون على سفر، رغم أنه لا ملك له فيه.

إلا أنه مع ذلك يمكن الإجابة بما محصله: أن المهم من هذه الروايات صحيحة ابن بزيع، بلحاظ كونها أخص مضموناً ومشتملة على شرح وتفصيل لا يوجد في سائر روايات الباب، ولم يُقيد الوطن العرفي فيها بالضيعة، حيث إن السؤال فيها عن الضيعة، فموضوعها ما فيه الملك، لا أنه اشترط بالملك، وقد قيدها في الجواب بالضيعة في موضعين، وحينئذٍ لا مانع من دعوى حمل القيد على الغالب؛ إذ ليس البحث عن الوطن الشرعي حتى يكون تعبدياً، وإنما الوطن العرفي الذي يناسبه حمل القيد على الغالب إستطراقاً للإستيطان والإقامة.

وأما اعتبار الاستيطان فمثل صحيحة ابن بزيع[5] ، وصحيحة الحلبي[6] ، وصحيحة سعد بن أبي خلف[7] ، وهكذا صحاح علي ابن يقطين، حيث اشترطت الاستيطان والتوطن حتى يتم في الضيعة.

وأما اشتراط الستة أشهر في تحقق الاستيطان شرعاً، فقد دلت عليه صحيحة ابن بزيع[8] .

والمتحصل: هو دلالة الروايات لا سيما صحيحة ابن بزيع على ثبوت الوطن الشرعي، والذي يتحقق بثبوت منزل مملوك له في ضيعة أو قرية قد سكنته ستة أشهر قاصداً لذلك، ومريداً، حسبما تقتضيه هيئة الاستيطان؛ لدلالتها على الاتخاذ المتقوم بالقصد، فإذا تحقق ذلك أتم المكلف صلاته متى دخلها إلى أن يزول ملكه.

بقي في المقام التنبيه على:

    1. أنه ربما ينسب إلى المشهور اعتبار أن يكون قصد التوطن أبدياً حتى يتحقق الوطن الشرعي، بحيث يكون التوطن ستة أشهر مع قصد التوطن الدائم، فلا يكفي التوطن الفاقد لقصد ذلك دائماً.

وهذا الكلام إن تمت نسبته إلى المشهور، فإنه لا دليل يقتضيه، لا من صحيحة ابن بزيع ولا من سائر روايات الباب، فإن مفاد الصحيحة أن الوطن في نظر الشرع عبارة عن التوطن ستة أشهر في منزله المملوك شرط أن يكون قد قصد كما هو مقتضى هيئة الاستفعال، وأما التأبيد فليس في الصحيحة ما يدل عليه، بل غاية ما دلت عليه هو التوطن خارجاً ستة أشهر عن قصد لذلك، مجرد عن نية التأبيد والتوطن الدائم.

اللهم إلا أن يكون نظرهم إلى المنافاة ما بين قصد التوطن والتقييد الناشئ من عدم قصد التأبيد، لاشتماله على الإعراض المضر بأصل نية التوطن، فإن حقيقة الإعراض والإنصراف في قبال الإتخاذ المقوم للوطن الشرعي، إلا أنه لا يرجع إلى محصل، فإنه على تقديره يضر بالبقاء لا بأصل الثبوت.

    2. إن التحديد بمدة ستة أشهر الوارد في الصحيحة ظاهر في إتصال هذه المدة شأن كل التحديدات، كالثلاثة أيام خيار الحيوان والعشرة أيام بالنسبة للإقامة في بلد ما، فإنها ظاهرة بحسب الفهم العرفي في اعتبار الاتصال وأن تكون مستمرة بحيث يكون التقطيع مضراً فيها.

والحاصل: أنه لا بد من اتصال المدة المحددة وعدم السفر المتعارف المضر في ذلك. وهذا هو الذي يظهر في تقدير كل ما يكون قابلاً للإستمرار بأن يكون الزمان المحدود ظرفاً له، واعتبار وحدته وعدم انفصال أبعاضه عن بعض.

والحاصل: أنه ذهب صاحب المعاد إلى أنه لا يُشترط التتابع ونسبه إلى جماعة منهم الفاضل والشهيدان، وما يصلح أن يكون مستنداً لهم تارة التمسك بإطلاق الستة أشهر، أو الثلاثة أيام أو العشرة أيام، الشامل للمتصل والمنفصل من دون خصوصية للمتصل منها، فإن الستة أشهر المنفصلة بعضها عن بعض هي ستة أشهر كالستة المتصلة بعضها، وأخرى التمسك بأصالة عدم إشتراط الاتصال، حيث يُشك في شرطية الاتصال.

إلا أن الصحيح خلافه وفاقاً لظاهر المعتبر، وذلك لجملة نكات:

    1. أن المتبادر والمنساق إلى الفهم من لفظة الستة أشهر أو العشرة أيام أو الثلاثة خصوص ما كان متصلاً منها، دون المنفصل.

    2. أن الإطلاق المدعى غير تام لكون المنصرف منه في أمثال المقام خصوص ما لو كانت الأيام والأشهر متوالية ومتصلة، وليس هذا الانصراف على أساس غلبة الوجود حتى يمنع صغرى وكبرى، وإنما كثرة الاستعمال، فإنه فيما بأيدينا تمَّ التحديد بذلك، لم يُستعمل إلا في خصوص الأيام أو الشهر المتوالية المتصلة دون المنفصلة حتى في مثل كفارة الجمع، فإنه لولا نهوض الدليل الخاص على كفاية شهر ويوم من الشهر التالي، لكان الحكم وجوب التتابع في تمام الشهرين.

    3. أن الظاهر من تقدير وتحديد شيء قابل للإستمرار بجعل الزمان ظرفاً له هو اعتبار وحدته وعدم انفصال أجزائه بعضها عن بعض. وإن شئت قلت: إن الذي يظهر منها أنها كتلة زمانية واحدة، وأنها ذات وحدة اعتبارية متوالية الأبعاض لا انقطاع فيما بينها. ولعل منشأ التبادر هو ذلك.


[5] نفس المصدر ح11.
[6] نفس المصدر ح8.
[7] نفس المصدر ح9.
[8] نفس المصدر ح11.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo