< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

39/07/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع:الوطن الأصلي/ قواطع السفر/ صلاة المسافر.

القسم الأول: الوطن الأصلي، وليُعلم أنه لم يؤخذ في لسان الأدلة، حتى يُصار إلى معناه اللغوي، وتعريفه الاصطلاحي، وإنما يُقصد به ذلك المكان الذي يُنسب إليه تاريخياً، ولا يكون مسافراً ولا يُعدُّ فيه غريباً، والذي يظهر من عبارة الماتن أنه يُعتبر فيه جملة شروط:

    1. قصد التوطن.

    2. وأن يكون دائمياً.

    3. مع السُكنى فيه مدة، ربما تزيد على الشهر أو تنقص عنه، حسب اختلاف الأشخاص والبلدان، ومقدار حضوره في جماعاتهم ومناسباتهم، بلا فرق بين أن يكون مدينة أو قرية أو غير ذلك من مزرعة أو دسكرة، نعم لا يُشترط فيه الملك، وأن يكون قابلاً للسكن، فسواء كان له في ذلك المكان ملك أو لم يكن، وسواء كان قابلاً للسكن أو غير قابل، بل حتى لو كانت سكناه في ملك غصباً، فإنه يكون مأثوماً، ضامناً، إلا أنه يتحقق بذلك معنى الوطن بالنسبة له.

أقول: هذا الذي ذكره وإن كان يتراءى منه النظر إلى الوطن الاتخاذي دون الأصلي، وإلا فإن الصحيح عدم اعتبار القصد، وأن يكون دائمياً، مع السُكنى فيه فترة زمانية معينة، وذلك بعد أن لم يكن إتخاذياً؛ فلذا يصدق الوطن الأصلي حتى مع عدم القصد، بل لا محصل للقصد، لا أقل حدوثاً، وإنما يحصل قهراً، فكما لا اختيار للإنسان في انتخاب والديه، كذلك لا اختيار له في انتخاب بلده الأصلي حدوثاً، نعم له الخيار بقاءاً في انتسابه إليه، وفي الإعراض عنه قصداً وعملاً، ولا يكفي مجرد القصد. ومنه يُعلم عدم المحصل لأن تكون السُكنى لأجل أن ينتسب إليه، والنسبة حاصلة بمعزل عن السُكنى فيه لمدة زمانية. نعم لا اشتراط لأن يكون له ملك فيه فضلاً عن أن يكون قابلاً للسُكنى.

نعم قد ذُكرت شروط أُخرى في الوطن الأصلي وهي:

    1. أن يكون ذلك الموضع والمكان هو موطن الآباء والأجداد، بحيث إذا أريد أن يُنسب تاريخياً يُنسب إليه ويُعرف بانتمائه إليه.

    2. مضافاً إلى أن يكون ذلك الموضع مسقط رأسه، ومحل ولادته.

    3. وأن يكون قد تربى وترعرع فيه.

كل ذلك إمعاناً في صدق الوطن الأصلي وتحقيقه، وهذا مما لا إشكال فيه في صورة اجتماع هذه القيود الثلاثة، وإنما الكلام فيما لو حصلت بعض تلك القيود، وتخلف البعض الآخر، وبعبارة أخرى: مدى شرطية هذه القيود في صدق عنوان الوطن الأصلي، سواء مستقلة عن بعضها أو منضمة إلى بعضها كذلك؟ وأنها قيود دائمية؟ أو أنها غالبية؟، بمعنى أنها تتخلف؟، فمثلاً لو كان موطن الأبناء والأجداد النبي شيت، إلا أن والده اضطر لأجل وظيفته العسكرية الذهاب إلى طرابلس، فرزق ولد هنالك، وترعرع فيه وشبَّ، ثم عاد إلى بلدته، وهو في العاشرة، او أنه هاجر إلى قم لطلب العلم، فمكث عشرين سنة، ورزق بولد، فكان مسقط رأسه قم لا النبي شيت، وترعرع وتربى في قم، ثم في الخامس عشر من عمره عاد إلى بلدته التي ينسب إليها تاريخياً بوصفها بلد الآباء والأجداد، لا سيما مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه القيود عرفية، وليست دقية مأخوذة في لسان الدليل، وليس البحث فحسب في صدق عنوان الوطن الأصلي عليه في صورة التخلف لبعض تلك القيود، وإنما في حكم صلاته من حيث القصر والتمام، بعض فرض أنه ليس مسافراً، ولا غريباً عن ذلك البلد الذي يستهجن في قصره الصلاة فيها لمجرد أنه لم يولد، أو لم يترعرع ؟.

الصحيح: حسب ما يُساعد عليه الصدق العرفي بضميمة الاستهجان الحاصل لدى آحاد المتشرعة، الناشئ من سليقتهم العرفية: أن المدار على أن يكون البلد هو بلد الآباء والأجداد الذي يُنسب إليه تاريخياً، ويعرف به، وفي الغالب يكون مسقط رأسه فيه ومكاناً لترعرعه، إلا أن ذلك كقيد غالبي، وليس دائمياً مع التسليم بأنه لو كانت بلدته النبي شيت، إلا أنه تولد في مشفى في رياق، وامتد المكث به في المشفى إلى بضعة أشهر، لا يكون مسقط رأسه رياق، وإنما النبي شيت، ولئن شُكك في صدق الوطن الأصلي، فلا ينبغي التشكيك في أنه ليس مسافراً، بل هو حاضر، وهذا ما يفسَّر استهجان قصره الصلاة فيه. وهذا ما يظهر بوضوح من عبارة السيد الشهيد في الفتاوى الواضحة، بل من استفتاء قديم للسيد القائد، وإن كان الذي ظهر من استفتاءاته المتأخرة خلاف ذلك.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo