< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

33/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ إذا بطلت الإجارة يرجع كل من الأجرة والمنفعة إلى وضعهما الأول
 (المسألة السادسة عشر) : إذا تبين بطلان الإجارة رجعت الأجرة إلى المستأجر، واستحق المؤجر أجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة أو فاتت تحت يده إذا كان جاهلا بالبطلان ، خصوصا مع علم المستأجر ، وأما إذا كان عالما فيشكل ضمان المستأجر، خصوصا إذا كان جاهلا لأنه بتسليمه العين إليه قد هتك حرمة ماله خصوصا إذا كان البطلان من جهة جعل الأجرة ما لا يتمول شرعا أو عرفا ، أو إذا كان أجرة بلا عوض ، ودعوى أن إقدامه وإذنه في الاستيفاء إنما هو بعنوان الإجارة والمفروض عدم تحققها فإذنه مقيد بما لم يتحقق مدفوعة ، بأنه إن كان المراد كونه مقيدا بالتحقق شرعا فممنوع ، إذ مع فرض العلم بعدم الصحة شرعا لا يعقل قصد تحققه إلا على وجه التشريع المعلوم عدمه ، وإن كان المراد تقيده بتحققها الإنشائية فهو حاصل ، ومن هنا يظهر حال الأجرة أيضا ، فإنها لو تلفت في يد المؤجر يضمن عوضها إلا إذا كان المستأجر عالما ببطلان الإجارة ، ومع ذلك دفعها إليه ، نعم إذا كانت موجودة له أن يستردها ، هذا ، وكذا في الإجارة على الأعمال إذا كانت باطلة يستحق العامل أجرة المثل لعمله دون المسماة إذا كان جاهلا بالبطلان ، وأما إذا كان عالما فيكون هو المتبرع بعمله ، سواء كان بأمر من المستأجر أو لا ، فيجب عليه رد الأجرة المسماة أو عوضها ، ولا يستحق أجرة المثل ، وإذا كان المستأجر أيضا عالما فليس له مطالبة الأجرة مع تلفها ولو مع عدم العمل من المؤجر .
 يتعرض الماتن في هذه المسألة لفرض بطلان الإجارة حيث حكم برجوع كل من الأجرة والمنفعة العوضان في الإجارة إلى وضعهما الأول، فالأجرة ترجع للمستأجر، وأما المنفعة فحيث إنها قد تصرمت فان إرجاعها يكون ببذل أجرة مثل ما فات من تلك المنافع، حيث كانت العين بيد المستأجر، سواء استوفى تلك المنافع أم لم يستوفها لكنها كانت تحت يده.
  والكلام تارة في إجارة الأعيان وأخرى في إجارة الأعمال:
 أما الكلام في الشق الأول أعني إجارة الأعيان فتارة يكون في المنفعة، وأخرى في الأجرة:
  أما الكلام في المنفعة فالبحث تارة بالنسبة للمنافع المستوفاة، وأخرى بالنسبة للمنافع الفائتة تحت يد المستأجر بلا استيفاء:
 أما الجهة الأولى: فما يصلح أن يكون دليلا مجموعة أمور:
 الدليل الأول: الإجماع حيث لم يخالف احد في ذلك رغم انه محتمل بل مظنون المدركية،
 الدليل الثاني: قاعدة الإتلاف، وان من اتلف مال الغير فهو له ضامن الواردة في موارد متفرقة من أبواب المعاملات المتضمنة لذلك ، ولا كلام في شمولها للمنافع المستوفاة، حيث يكون استيفاء تلك المنافع تدريجيا إتلافا لها كذلك، بل تشمل أيضا المنافع التي فوتها المستأجر على المؤجر، على ما تقدم من شمول الإتلاف للتفويت، الذي هو الحيلولة دون وجود الشئ، وإبقاؤه على العدم، فيكون بمنزلة إعدامها من هذه الجهة، نعم لا يشمل الإتلاف المنافع الفائتة على المؤجر تحت يد المستأجر من غير استيفاء لها، حتى لو شملها التفويت، فانه لا يصدق عليها الإتلاف لا بالمباشرة ولا بالتسبيب.
 وأما الجهة الثانية: اعني المنافع الفائتة من غير استيفاء، فالدليل على أنها مضمونة على المستأجر أمور:
 الدليل الأول: الإجماع وهو مجرد دعوى عدم وجود المخالف بالنسبة للمنافع الفائتة من غير استيفاء.
 الدليل الثاني: قاعدة على اليد التي هي من ملاكات الضمان، للنبوي المشهور من انه (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)، و( ما ) في قوله (على اليد ما أخذت)كناية عن مطلق ما يشمل الأعيان والمنافع، فتكون مضمونة على المستأجر حتى لو فاتت على المؤجر من غير استيفاء باجرة المثل وهذا معنى حتى تؤدي.
 وقد أورد على سند هذه الرواية: بأنها مرسلة بل لم تضبط في أصول الحديث، فلا ينفع استناد المشهور إليها ليكون جابرا لضعفها لو التزمنا بذلك.
 نعم سيرة العقلاء مستقرة على ذلك وليست مستحدثة بل كانت معاصرة للمعصوم عليه السلام ومعاينة من قلبه فلو كان موقفه منها سلبيا كان عليه البيان ولو برواية، ولكانت وصلت إلينا، والحال خلاف ذلك فمن عدم الردع نستكشف إمضاءه لها.
 نعم أورد على شمول القاعدة للمنافع من جهات:
 الجهة الأولى: عدم صدق الأخذ عليها، لأنها ليست بالأمر المحسوس ولا تأتي تحت اليد، فالإشكال بعدم شمول موضوع القاعدة لها.
 الجهة الثانية: عدم صدق الغاية عليها اعني حتى تؤدي، وذلك لاختصاصها بالعين دون المنفعة، فإنها غير قابلة لأن تؤدى دون تأدية العين.
 الجهة الثالثة: ما يكون تطويرا للإشكال الثاني، وهو أن المنافع لا تخلو إما أن تكون في طور الفرض والتقدير أو الفعلية، وعلى الأول حيث لا فعلية لها لا يصدق الأخذ موضوع القاعدة-، فلا تشملها القاعدة، وعلى الثاني فحيث فاتت وتصرمت فلا يصدق الأداء بنفسها لمكان تصرمها.
 الجهة الرابعة: أن المنافع موجودة في العين بالقوة، وإنما تخرج إلى الفعلية باستيفائها الذي هو إخراج لها من القوة إلى الفعلية، فمع فرض الاستيفاء يكون استيفاؤها عين وضع اليد عليها.
  إلا انه لا حاجة في المنافع المستوفاة إلى قاعدة على اليد، وذلك لكفاية قاعدة الإتلاف في التضمين،نعم في فرض عدم الاستيفاء فلا شئ موجود بالفعل ليصدق وضع اليد عليه.
 والجواب عن هذه الإيرادات بما يلي:
 أما الإيراد الأول: فقد أجاب عنه صاحب الكفاية في حاشيته على المكاسب بأننا لا نطبق القاعدة بلحاظ المنفعة، وإنما بلحاظ العين فان ضمان العين ضمان لمنافعها، التي هي من شؤون العين، فيثبت ضمان المنافع بقاعدة على اليد لدخوله في ضمان العين لا انه ضمان آخر.
 وأورد عليه المحقق الأصفهاني: بان العين في باب الإجارة ليست مضمونة، وإنما المضمون المنفعة ليس إلا، فلا يمكن تفسير ضمان المنفعة بضمان العين لفرض عدم ضمانها.
 والجواب: صدق الأخذ على المنافع، غايته أن اخذ كل شئ بحسبه، فان دخول المنافع تحت اليد يكون بتبع دخول العين تحتها.
 وان شئت قلت: انه ليس المقصود من الأخذ، الأخذ باليد الجارحة، إذ ليس المقصود باليد ذلك، وإلا لزم النقض بالنسبة لبعض الأعيان غير القابلة للأخذ باليد الجارحة، وإنما اليد كناية عن السلطنة والقدرة، والأخذ كناية عن الاستيلاء ولا شك في صدقه على المنافع، ولو من خلال صدقه على العين، فان الاستيلاء على العين هو استيلاء عليها بتمام شؤونها، من أوصافها العرضية ومنافعها، أو فقل قابليتها للانتفاع.
 وأما الإيراد الثاني فيدفعه:
  أولا: بأنه لو أريد بالأداء أداء شخص ما اخذ، لزم عدم صدقه في صورة تلف الأعيان المأخوذة، مع فرض تأدية بدله المثلي أو القيمي، وهو كما ترى؟ لعدم صدق أداء شخص ما اخذ وعليه فالمراد بالأداء، هو الأعم من أداء الشخص على تقدير وجوده، وأداء البدل على فرض عدم وجود شخص المأخوذ، فيكون شأن المنافع الفائتة شأن العين التالفة، حيث انه لا يمكن ردها بشخصها إلا أنها ترد ببدلها.
 نعم أورد المحقق الأصفهاني على هذا الجواب: أن أداء بدلها فرع دخولها في العهدة، والمفروض أن المأخوذ الذي له أداء بشخصه هو الذي يدخل في العهدة، وهذا ما لا ينطبق على المنافع إذ لا تدخل في العهدة رغم أنها هي المأخوذة لعدم انحفاظها.
 وفيه: إن هذا الكلام منقوض بالعين التي تتلف بمجرد وضع اليد عليها.
 وثانيا: إن الأداء مقابل للأخذ فإذا صدق الثاني على المنافع ،ولو باعتبار أن اخذ كل شئ بحسبه، صدق الأول عليها.
  ومن مجموع ما تقدم يظهر الجواب على الإشكال الثالث الذي هو تطوير للثاني.
 وأما الجواب على الإيراد الرابع فسوف يأتي والحمد لله رب العالمين

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo