< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

33/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ ما يتحقق به التسليم
 الكلام في الدليل الرابع: وهو ما ذكره السيد الأستاذ [1] تبعا للمحقق الأصفهاني من أن متعلق الإجارة في إجارة الأعمال هو إيجاد الخياطة، وتحقيق تلك النتيجة في الثوب، والتي فيها المنفعة للمستأجر وتسليم المنفعة المملكة بالإجارة التي صبت فيها نتيجة العمل، فالتسليم لها لا يكون إلا بتسليم تلك الأعيان، وجعلها تحت سلطان المستأجر تكوينا وخارجا حتى يتمكن من الانتفاع بها بما له من صفة المخيطية مثلا وعليه فلا يتحقق تسليم العمل المملوك للمستأجر بالإجارة ما لم يسلم المستأجر العين بان بقت العين تحت يد الأجير وسلطانه الخارجي، باعتبار التسليم هو الغرض النوعي في المعاوضات ولا يكتفوا بمجرد لقلقة الإنشاء ولولاه لما انشأوا التمليك والتملك، وبالتالي فان وجوب التسليم هو مقتضى لزوم الوفاء بالإجارة.
 أقول: ما ذكره السيد الأستاذ لا يخرج عن دائرة ما أورده على السيد الخوئي من أن مقتضى وجوب الوفاء بالإجارة عملا بعموم أوفوا بالعقود هو تسليم العين حتى يتمكن المستأجر من الانتفاع بها بالصفة الحادثة فيها، وأما حق الامتناع عن تسليم ما عنده حتى يسلم الغير ما له عنده وبالتالي حق حبس العين بالصفة الجديدة رغم أنها ملك لذلك الغير، فهذا ما لم تذكره نكتته إلا ما أشار إليه من أن تسليم المنفعة المملكة إنما يكون بتمكين المستأجر تلك العين التي صبت فيها منفعة العمل المملك بالإجارة.
 وقد صرح بذلك المحقق الأصفهاني في إجارته [2] :، ولذا أفاد (قده) أن ما هو تحت اختيار كل منهما المتعاقدين ليس إلا تمكين المستأجر من استيفاء المنفعة أو من استيلائه خارجا على العين فهو تحت اختيار المستأجر.
  وفي مكان آخر أفاد: ومرجع ما ذكرناه إلى عدم المقتضي لأزيد من التمكن، الذي هو شرط لاستقرار الأجرة المملوكة بنفس العقد المقيد لإطلاق دليل السلطنة، وفي غيره يتمسك بإطلاق دليل السلطنة، فله المطالبة بالأجرة مع التمكين المذكور وليس للغير الامتناع عن أدائها، عملا بعموم سلطنة الناس على أموالهم حيث ليس للغير مزاحمته فيما له سلطان عليه بالامتناع عن تسليم المملوك له بالعقد، وهذا المبدأ لا يُقرُّ بقانون لزوم التسليم المعاوضي باعتبار أن كل مالك له السلطنة المطلقة على مطالبة ملكه، سواء سلّمه العوض أم امتنع عنه فان ظلم احد لا يسوغ ظلم الآخر، ولذا ذكر المحقق الأصفهاني أن بناء المتعاملين في عقود المعاوضات على التسليم بإزاء التسليم كالتمليك بإزاء التمليك فهو التزام ضمني في العقد على التسليم المعاوضي.
 والحاصل: انه يرد أولا: سلمنا أن المناط كامن في تمكين المستأجر من استيفاء المنفعة من العين إلا أن التمكين ليس بمعنى أن يسلبه الثوب المخيط، وإنما يكفي في صدقه إيجاد الصفة التي بموجبها يتمكن المستأجر من استيفاء المنفعة، وهذا المقدار حاصل بمجرد انجاز العمل والفراغ منه، أو فقل إخراج الثوب عن كونه مجرد قطعة قماش لا يتمكن المستأجر من استيفاء المنفعة الخاصة منه إلى تلبسه بصفة المخيطية، التي على أساسها يمكن للمستأجر استيفاء المنفعة منه ولا يشترط تمكينه من الثوب وتسليطه عليه، بل يكفي إخراج العين المستأجرة من اللاقابلية إلى قابلية استيفاء المنفعة منه.
 ثانيا: إن غاية ما دل عليه هذا الوجه لو أغمضنا النظر عن الشرط الضمني ألارتكازي انه لا بد لأجل أن يتمكن المستأجر من استيفاء المنفعة من تسليم العين بالهيئة الجديدة ولا يدل على أن التسليم كالتمليك بنحو المعاوضة بمعنى أن له حق الامتناع عن تسليم ما عنده حتى يسلم الطرف المقابل ما عنده، وبحثنا ليس في لابدية التسليم أو فيما يصدق به التسليم، وإنما في حق حبس ما للغير عنده حتى يسلم الغير ما عنده.
 هذا ولا بد من ذكر الضابطة التي أفادها الميرزا [3] وحاصلها: أن مالية العمل إذا كانت باعتبار صدوره من العامل كالعبادات مثلا وحفر البئر فالفراغ عن العمل تسليمه.
 وفيه: إن مالية الأعمال المذكورة ليست بمجرد صدوره من العامل، وإنما هو بلحاظ ما يترتب عليها من الآثار لا بلحاظ ذات الفعل بما هو في نفسه، نعم الأثر في مثل العبادات غير محسوس بخلاف بناء الجدار فانه محسوس.
 ثم أفاد المحقق النائيني ايضا: وان كان المناط في ماليته باعتبار الأثر المتولد منه فذلك الأثر يملك تبعا لتملك العمل ويتوقف تسليم ما اجر نفسه له على تسليمه بتسليم مورده ونظَّر له بخياطة الثوب.
 وفيه: انه لا فرق بين خياطة الثوب وبناء الجدار فان الصفة الحادثة في الثوب من الخياطة هي نفسها الصفة الحادثة في الدار من بناء الجدار والتي هي منشأ اعتبار المالية فيهما لكونها محط رغبة النوع ومحط غرضهم التي على أساسها يبذل المال بإزائها.
 نعم قد يدعى الفرق: بان الأثر المترتب على العمل في الصورة الأولى لا وجود له خارجا فلا يترتب على بناء الجدار إلا اتصال الحجارة بعضها ببعض أي المترتب مجرد الإضافات الخاصة بخلاف صبغ الثوب إذ له حظ من الوجود خارجا علاوة على وجود الموضوع.
 وفيه: إن ما ذكر من فرق ينسحب على مثل خياطة الثوب حيث إن المترتب عليه مجرد الهيئة الخاصة الحاصلة من تقارب الأجزاء مضافا إلى انه لا يستوجب ذلك الفرق بينها في جميع الأحكام حتى إذا ما كانت هذه مملوكة فلا ينبغي أن تكون تلك مملوكة، وهكذا بالنسبة لما هو المناط في المالية وفيما يصح تمليكه بالإجارة وهكذا بالنسبة للتسليم، ثم إن الأثر وان كان مملوكا تبعا لملكية العمل لتولده منه إلا أن مجرد هذا لا يعني كون الأثر متعلقا للمعاوضة لكونه مباينا مع العمل الذي هو تمام الموضوع للمعاوضة، فلا تكون الإجارة موجبة لتسليمه في ظرف تسلم الأجرة.
 أضف إلى ذلك أن تملك الأثر بالتبعية لا يتوقف على كون مالية العمل بلحاظ ترتب الأثر عليه، بل حتى لو كانت مالية العمل بلحاظ ذاته وجهة صدوره من العامل، وفرضنا انه يترتب اثر خارجي عليه فانه يكون مملوكا له حتى لو لم يكن ترتبه منشأ لمالية العمل المستأجر عليه.
 ثم انه بعد ما عرفت من عدم تمامية شئ من الوجوه السابقة بما في ذلك الشرط ألارتكازي لأن أقصى ما يدل عليه مبادلة التسليم بالتسليم بنحو الكبرى الكلية، ولا يضر بوجود ما يدل على أن المبادلة في المقام بين تسليم الأجرة وانجاز العمل، ولا يشترط أزيد من هذا، وذلك بعد التسليم بان ما تم تمليكه بالإجارة، إنما عمل الخياطة وليست صفة المخيطية أي الخياطة الملحوظ فيها جهة صدورها من الأجير، لا كصفة قائمة بالثوب والتي تكون نسبتها إلى عمل الخياطة نسبة المسبب إلى السبب، فان ما يملكه الخياط وقد ملَّكه بالإجارة هو عمل الخياطة السبب- لا صفة المخيطية المسبب- وان كان الذي يحمل المستأجر على بذل الأجرة للخياط هو صفة المخيطية، حتى يتمكن من استيفاء المنفعة الموجودة في الثوب على صفة المخيطية، إلا أن بذل الأجرة إما يكون بإزاء أمر يملكه الأجير، وقد ملَّكه للمستأجر، وهو عمل الخياطة، وإيجاد صفة المخيطية في الثوب من دون أن تكون الصفة مملوكة له، رغم انه قادر عليها من خلال القدرة على سببها، وعليه فإذا تمت المبادلة بين الأجرة وعمل الخياطة وقد أتم عمل الخياطة في الثوب، وبالتالي أصبح المستأجر قادرا على استيفاء ما يفي بغرضه من الثوب بفضل صب منفعة العمل فيه فسوف تستقر الأجرة في ذمة المستأجر، ويكون للأجير حق المطالبة بالأجرة من دون شرط ارتكازي يقتضي خلاف ذلك، لأن هذا الشرط إنما ينفع على مستوى الكبرى لا في خصوص المقام، مضافا إلى أن غاية هذا الشرط تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين على صفة المخيطية، وهذا ما هو حاصل في الفرض بلا حاجة إلى فرض تسليم العين، فان شرطية التمكين لا يراد منها أزيد من ذلك، أي إخراج العين عن اللاقابلية للانتفاع الخاص بها إلى القابلية، وهذا ما يحصل بمجرد انجاز العمل.
 والحمد لله رب العالمين


[1] الإجارة للسيد محمود الهاشمي ج 1 ص 325
[2] كتاب الإجارة للمحقق الأصفهاني ص
[3] العروة الوثقى للسيد اليزدي ج 5 ص 55

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo