< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

32/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الفقه \ كتاب الإجارة \ أركان الإجارة \ الإجارة من العقود اللازمة

 بعد أن استكملنا الحديث عن المسألة السابقة وهي فيما يرتبط بموت المؤجر نشرع في المسألة التالية

( مسألة ) : إذا آجر الولي أو الوصي الصبي المولى عليه مدة تزيد على زمان بلوغه ورشده بطلت في المتيقن بلوغه فيه ، بمعنى أنها موقوفة على إجازته وصحت واقعا وظاهرا بالنسبة إلى المتيقن صغره ، وظاهرا بالنسبة إلى المحتمل ، فإذا بلغ ، له أن يفسخ على الأقوى ، أي لا يجيز ، خلافا لبعضهم فحكم بلزومها عليه لوقوعها من أهلها في محلها في وقت لم يعلم لها مناف ، وهو كما ترى ، نعم لو اقتضت المصلحة اللازمة المراعاة إجارته مدة زائدة على زمان البلوغ بحيث يكون إجارته أقل من تلك المدة خلاف مصلحته تكون لازمة ليس له فسخها بعد بلوغه ، وكذا الكلام في إجارة أملاكه [1] .

 تعرض الماتن في هذه المسألة لحكم الإجارة فيما لو آجر الولي أو الوصي مال الصبي أو نفس الصبي وذكر فيها ثلاثة أقوال .

الأقوال في المسألة

القول الأول : تصرفه نافذ في حالة الصغر ، وتتوقف الإجارة على إجازة المولى عليه بعد بلوغه أي يكون عقد الإجارة فضوليا .

القول الثاني : تصرف الولي أو الوصي نافذ مطلقا سواء في صغر الصبي أو بعد بلوغه

القول الثالث : التفصيل بين كون متعلق الإجارة نفس الصبي فيحتاج إلى إجازة ، وبين أن يكون ماله فلا تحتاج لأنها صدرت من اهلها ووقعت في محلها.

أدلة القول الأول

الدليل الأول : ولابد من بيان وجه الصحة في كل من كون متعلق الاجارة نفس الصبي ، أو كونه ماله، أما بالنسبة للأموال ، فلاشك أن الولي أو الوصي لهما الولاية الشرعية على الصبي إلا أنها ولاية مقيدة ومحددة على أمواله بما هي مضافة إلى الصبي فإذا كبر فلا يصدق عليه أنه مال مضاف إليه ،بل هو مال مضاف إلى البالغ،وبالتالي إذا فيما بعد بلغ الصبي فلا ولاية لهما على مال الصبي وتكون تصرفهما فضوليا ، فلو آجر الولي دار الصبي عشر سنين ثم بلغ الصبي في الأثناء فقبل البلوغ يصدق على منفعة الدار أنها مال مضاف للصبي وللولي ولاية عليها ، واما بعد البلوغ فحيث لا ولاية للولي على مال البالغ فلا تصح تصرفاته ولا تكون نافذة ،لأنه بعد البلوغ لا يصدق على الدار أنها مال مضاف للصبي بل هي مضافة له بوصفه بالغا ، وعليه فالإجارة في السنوات المتبقية أعني بعد البلوغ تحتاج إلى إجازة الصبي .

ويرد عليه

 نقضا في صورة بيع مال الصبي من قبل وليّه ، وكانت للصبي مصلحة في ذلك ، فلم يتوهم أحد عدم صحة البيع واحتياجه إلى اجازة مع أنه تصرف مخرج للعين عن ملك الصبي ، وليس ذلك الا لأن تصرفات الولي أو الوصي محكومة بالنفوذ اذا توفرت الشروط ، وذلك لأن الصبي مالك للمنافع التي هي بعد البلوغ من الآن لنفس النكتة التي ذكرناها في المسألة السابقة في صورة موت المؤجر من أن ملكيته للمنافع تبعا لملكية العين هي مرسلة ومطلقة ، وليست مقيدة بزمن حياته ، كذلك الحال في موردنا فالصبي مالك للمنافع ملكية مطلقة غير مقيدة بزمن صغره ، ولم يتوهم أحد أنه حال الصغر غير مالك للمنافع بعد البلوغ ، وبالتالي كما يجوز له البيع فكذلك يجوز نقل المنافع مطلقا سواء المنافع حال الصغر أو المنافع بعد البلوغ ،بل للولي أن يؤجر منافع العين حال الكبر من الآن على نحو تكون مدة الإجارة منفصلة عن زمن العقد اذا كان للصبي مصلحة في ذلك ،والتأخر لأصل وجود المنفعة لأنها تدريجية الحصول وليس لماليتها فإن ماليتها ثابتة من الآن والصبي مالك لها ، ولوليّه أن يتصرف بها بما ينسجم مع مصلحة الصبي ، وعليه فما ذكر من أنه لا يحق للولي أن يتصرف إلا بالأموال المضافة للصبي صحيح ولكن المنافع بعد الكبر هي مضافة للصبي من الآن ، وعليه فالإجارة صحيحة مطلقا ولا تحتاج لإجازة الصبي .

الدليل الثاني : فحوى أدلة الولاية تكمن في حفظ مال الصبي وعدم ضياعه ، وهذه النكتة تتم في فترة صغر الصبي اما بعد بلوغه فإنه قادر على ذلك ، وبالتالي فولاية الولي تكون مقيدة بحال الصغر ولا يحق له التصرف بمنافع العين التي يملكها الصبي تبعا للعين حال الكبر فإذا آجر العين ، فالإجارة متوقفة بعد البلوغ على إجازة الصبي .

وبعد بيان هذا الدليل نقول :

تماميته متوقفة على إستفادة هذه الفحوى من أدلة الولاية وبالتالي تكون ولايته دائرة مدار هذه النكتة سعة وضيقا ، وجودا وعدما ، تقييدا وإطلاقا ، وعليه فتصرفات الولي بعد الكبر لا قيمة لها لأنها تكون سالبة بانتفاء الموضوع ، لأنه بعد بلوغ الصبي يصبح قادرا على حفظ ماله ، فمناسبة الحكم للموضوع تقتضي انتفاء الولاية عن الولي والوصي بعد البلوغ ، ولكن هذا كله مرهون بتمامية هذه النكتة كما أسلفنا .

 وبعد ذلك نشير إلى أن الماتن قسم الأزمنة إلى ثلاثة أقسام :

زمن إحراز الصغر وزمن إحراز الكبر وزمن الشك في ذلك بأن يحتمل

 والماتن حكم في القسم الأول بنفوذ تصرفات الولي أو الوصي ،واقعا وظاهرا بمعنى عدم توقفها على إجازة الصبي ، وفي القسم الثاني حكم بالبطلان بمعنى توقفها على إجازة الصبي وذلك لأنه بناء على الوجهين المتقدمين لا نفوذ لتصرفاتها ، واقعا لا تكون تصرفات الولي نافذة وكذلك الحال ظاهرا ، أما القسم الثالث أي في صورة الشك فيحكم بالصحة ظاهرا ولكن لو تبين فيما بعد أنه كان بالغا فلا بد من إجازة الصبي لأنه بحسب الواقع لم تكن تصرفات الولي نافذة ، وهذا مراده بقوله (فإذا بلغ ، له أن يفسخ على الأقوى ، أي لا يجيز)،والحكم بالصحة ظاهرا عملا بالاستصحاب ، وتصويره بأحد وجهين :

الوجه الأول: وهو الاستصحاب الموضوعي ، وهو استصحاب صغر الصبي حيث إنه من المتيقن أنه كان صغيرا وبعد ذلك شككنا ،فنستصحب صغره ، وذلك حتى يلتئم موضوع الاستصحاب المركب من جزأين أحدهما محرز بالوجدان والآخر بالتعبد

الوجه الثاني: الاستصحاب الحكمي ، وهو استصحاب نفوذ تصرفاته ، حيث كنا على يقين من أن تصرفات الولي كانت نافذة ، والآن نشك في ذلك ، فنستصحب نفوذها .

 وبعد ذلك اذا جاء الدليل القاطع على انه كان كبيرا حين التصرف ، نرفع اليد عن الحكم الظاهري هذا ونحكم بأنه لا بد من الإجازة ، ولكن هذا كله بناء على مذهب الماتن من احتياج تصرفاته للإجازة حال الكبر وأما بناء على نفوذ تصرفات الولي حال الكبر لأنها صدرت من اهلها ووقعت في محلها ، فلا داعي لهذه الأقسام الثلاثة لأن تصرفات الولي سوف تكون نافذة حال الكبر فضلا عن حالتي الصغر والشك ، هذا والماتن يستثني صورة واحدة من ذلك ياتي الحديث عنها في الدرس التالي والحمد لله رب العالمين

[1] - العروة الوثقى ، السيد اليزدي ج5 ص 31

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo