< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدسعید الحکیم

بحث الفقه

41/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ محرماته

نص ما كتبه سيّدنا الأستاذ دام ظله

هذا ومن القريب جداً حمل نصوص النهي على الكراهة، كما تضمنه بعض نصوص الجواز كصحيح معاوية بن وهب المتقدم. وصحيح عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام: "سأله أبي وأنا أسمع عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: نكاحهما أحب إلي من نكاح الناصبية. وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية والنصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصر " [1] [2] [3] . وهو قريب جداً للسان النصوص المتضمنة للنهي عن تزوج الكتابية مع وجود المسلمة المتقدم بعضها.

نعم يشكل ذلك فيما تضمن نسخ قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [4] بقوله تعالى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ [5] وقد تقدم بعضه وبقوله تعالى ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [6] [7] . [8]

لظهور أن المراد بالآيتين الشريفتين التحريم، لا الكراهة.

إلا أن من المعلوم من سياق قوله تعالى في سورة الممتحنة ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ أنه أسبق نزولاً من قوله تعالى: ﴿والمحصنات﴾ التي هي في سورة المائدة. ولا سيما بملاحظة صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " سمعته يقول: جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وفيهم علي عليه السلام فقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح على الخفين. فقال علي عليه السلام: قبل المائدة أو بعدها؟ فقال: لا أدري. فقال عليه السلام: سبق الكتاب الخفين. إنما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين " [9] [10]

إذ هو ظاهر في عدم نسخ جميع ما تضمنته سورة المائدة من أحكام. كما هو المصرح به في غير واحد من النصوص وإن لم تكن معتبرة السند ولا يسعنا استقصاؤها وقد ذكرها في الجواهر [11]

بل هو المناسب للسان الآية الشريفة نفسها، حيث قال تعالى:﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [12]

فإن صدرها كالصريح في حدوث التحليل أو الإعلان به بعد العدم، المناسب لسبق عدم ظهور التحليل لهم قبل ذلك للآيات المتقدمة ولو لفهم المسلمين ذلك منها تبعاً.

ومن هنا تكون النصوص المتضمنة نسخها بالآيتين الشريفتين من المشكل الذي يرد علمه لقائله عليهم السلام.

فلم يبقى إلا النصوص الأخر التي يسهل حملها على الكراهة بقرينة نصوص الجواز الكثيرة الصريحة فيه.

ولا سيما أن كثيراً منها ظاهره المفروغية عن أصل الجواز مما تقدم وغيره، وإنما ورد لبعض الأحكام المترتبة، مثل ما تضمن زواج اليهودية على النصرانية وزواجهما على المسلمة وزواجها عليهما، وتحليلهم عليهم السلام للشيعة الزواج بهما لأن أهل الكتاب مماليك لهم توسعة منهم عليهم، وما تضمن أن زواجهما أحب من تزويج الناصبية [13] [14] وما تضمن أن الزوج يرث امرأته الذمية ولا ترثه أو لا يتوارثان[15] [16] [17] [18] ، وما تضمن تحصينها من الزواج بالمسلم بحيث يثبت الحد بقذفها[19] ، وما تقدم من بيان عدتها إذا أراد المسلم أن يتزوجها وغيرها.

وذلك يزيد في إشكال النصوص المتضمنة لنسخ قوله تعالى: ﴿والمحصنات . . .﴾ بالآيات الأخر. لأن النسخ لا يناسب المفروغية المذكورة.

وأما حمل نصوص الجواز على التقية لموافقتها للمعروف من مذهب العامة.

فهو موقوف على تعذر الجمع العرفي، وقد ذكرنا إمكانه. ولا سيما أن في نصوص الجواز ما يأبى ذلك، كصحيح أبي بصير المتضمن أن أهل الكتاب مماليك للإمام عليه السلام وأنهم عليهم السلام أحلوا ذلك لشيعتهم خاصة. وما تضمن جواز التمتع باليهودية والنصرانية. بل هو لا يناسب ما ذكرنا من ظهور جملة من النصوص في المفروغية عن الجواز وأن الكلام في فروع ذلك.

ومن هنا يتعين البناء على الجواز مطلقاً مع الكراهة مطلقاً أيضاً، وإن كانت أشد في الزواج من ملك اليمين، وفي الدائم من المنقطع، ولا سيما مع تيسر المسلمة، ومع توقع الولد، وكونها غير مستضعفة. فإن ذلك هو المتحصل من مجموع النصوص.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المهذبة

تقدم أنه يوجد طائفتان من النصوص، طائفة تمنع من تزويج اليهودية والنصرانية، وطائفة تجوّز، وتقدم أن الجمع بالتفصيل بين الدائم والمنقطع أو بين الضرورة وعدمها أو بين المستضعفة وغيرها لا يمكن، لأن النصوص لا تناسب هذا بلحاظ أن بعضها وارد في موارد التفصيل، فحينئذٍ الوضع العام يناسب حمل النصوص الناهية على الكراهة، كما صرّح به في بعض النصوص، كصحيح معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبدالله عليه السلام في الرجل المؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية، فقال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له: يكون له فيها الهوى، قال: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم أن عليه في دينه غضاضة. [20] [21] [22] [23]

فهذا اللسان صريح في الكراهة، فبعد أن يكون عندنا نصوص مانعة ونصوص مجوّزة، مضافاً إلى أنه بحسب الوضع الطبيعي الجمع بالكراهة ليس صعباً ومع وجود نص صريح بالكراهة، فيكون الجمع بالكراهة جداً قريب.

ومثله في ذلك صحيح عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأله أبي وأنا أسمع عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: نكاحهما أحب إلي من نكاح الناصبية، وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية ولا النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصر. [24] [25] [26] [27] [28]

فالقضية قضية خوف من النتائج وليست قضية حرمة ذاتية، ومعنى ذلك أنه مكروه من جهة الخوف على الأولاد، فهذا يناسب الكراهة ويكون الجمع بالكراهة جداً قريب.

ولكن عندنا نصوص تصرّح أن قوله تعالى ﴿وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قبلكم﴾ [29] منسوخة بقوله تعالى ﴿ولا تمسكوا بعصم الكوافر﴾ [30] وقد تقدم بعضها وبقوله تعالى ﴿وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [31] ﴿وأيضاً عندنا هكذا نصوص﴾ [32] [33] [34]

وهذه النصوص إذا تمت تبقى المشكلة، باعتبار أن الآيتان الشريفتان محمولتان على التحريم وليس على الكراهة، فإذا فرضنا أن آية التحليل منسوخة بإحدى هاتين الآيتين فيحكم بالحرمة لاعلى الكراهة، وعليه فالحمل على الكراهة لا يناسب الروايات المتضمنة للنسخ.

ولكن المشكلة في هذه النصوص، فإننا إذا نلاحظ قوله تعالى ﴿ولا تمسكوا بعصم الكوافر﴾ واردة في سورة الممتحنة، وسورة الممتحنة فيما يبدو من مساقها واردة بعد صلح الحديبية، في الوقت الذي يكون يوجد علاقة بين الكافرين والمسلمين بحيث يأتون إلى أن تصل إلى فتح مكة في قوله تعالى ﴿ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى‌ أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّـهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [35] أي البيعة التي حصلت في الفتح، والذي هو في السنة الثامنة من الهجرة، ومعنى ذلك أنهن صادقات، وتأتي الآية الكريمة في سورة المائدة وورد عندنا أنها من أواخر ما نزل من القرآن.

ففي صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وفيهم علي عليه السلام فقال: ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة بن شعبة: فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح على الخفين فقال علي عليه السلام: قبل المائدة أو بعدها، فقال: لا أدري، فقال علي عليه السلام: سبق الكتاب الخفين، إنما أنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة. [36] [37]

ومعنى ذلك أنها لم تنسخ، فَلَو كان يوجد نسخ فمعنى ذلك أن آية الوضوء أيضاً منسوخة، فاستدلال الإمام عليه السلام بقوله أنها نزلت قبل أن يُقبض بشهرين يعني هي آخر ما نزل فلم ينسخ، فآية الوضوء غير منسوخة لأنها نزلت في آخر الأيام قبل وفاته صلى الله عليه وآله بشهرين، فلو كان يمكن نسخها لما أمكن الإستدلال بها فإن الإستدلال بها لأنه لا يمكن نسخها، وعليه فكيف آية الممتحنة تنسخها، وآية المشركات أشكل لأنه ليس من المعلوم أن اليهودية والنصرانية مشركات فإن اليهودية والنصرانية عرفاً لا يسمونها مشركة قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئِينَ وَ النَّصارى‌ وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّـهَ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ شَهِيدٌ﴾[38] فالآية جعلت مقابلة بينهم وبين الشرك وهذا معلوم، وفي العرف القرآني المشركين غير أهل الكتاب، وعليه هذه الآية وردت في سورة المائدة فالرواية الشريفة تدل على أن سورة المائدة هي الناسخة وليست المنسوخة، وآية ولا تمسكوا بعصم الكوافر واردة في سورة الممتحنة، ولذا تتعرّض إلى أنه إذا جاءت المرأة وأسلمت فإن علمتم أنهن مسلمات فلا ترجعونهن إلى الكفار وآتوهم أجورهم مما يعني أنه يوجد حالة ترابط بين الطرفين، وهذا الترابط حصل بعد صلح الحديبية قبل الفتح وبيعة النساء حصلت بعد الفتح، وعليه فكيف كيف تكون هذه الآية منسوخة وهي متأخرة فإن هذا شيء جداً صعب.

مضافاً إلى أن لسان الآية لا يناسب النسخ اليوم أحل لكم الطيبات والتعبير باليوم كأنه يوجد شبهة حرمة، والحرمة إما واردة من عموم المشركات لليهوديات أو من توهم العموم، أو لأنه عندما حرمت الكافرة أيضاً حرمت اليهودية لأنها كافرة، أو لأنه عندما حرمت المشركة توهموا أن المعيار الكفر فحينئذٍ الآية تريد أن ترفع هذا، فلسانها لسان ناسخ لما سبق وليس لسان منسوخ، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ [39] وكأنه قبل هذا كأنه كان يوجد تحريم أو شبهة تحريم في نفوس المسلمين من أنه إذا حرمت المشركة تحرم أيضاً الكتابية بملاك كونها كافرة، فهم أمة ونحن أمة فاختلاف الأمم يوجب التحريم، وعليه فلسانها لا يناسب أن تكون منسوخة وكذلك تاريخها لا يناسب ذلك، والرواية التي ذكرناها توضح أن أحكامها غير منسوخة ويوجد روايات تصرّح بهذا ذكرها في الجواهر [40] [41] وإن كانت لا تخلو عن ضعف.

ومن هنا تكون الروايات من المشكل فيرد علمهم الى أهلهم عليهم السلام، فإن الروايات لا تخلو عن غموض، فإن الآية الواردة في سورة المائدة لا تناسب هذه الروايات، وحينئذ يكون الحمل على الكراهة هو المناسب للنصوص، ونحن في طبيعة الحال عندما يكون عندنا نصوص مانعة ونصوص مجوزة نحمل على الكراهة، فكيف إذا كان عندنا روايات ظاهرة في الكراهة مثل رواية معاوية، فإنه في الوقت الذي يجيز له يقول واعلم أن في دينه غضاضة، والرواية الأخرى التي تقول أخاف أن يتهود ولده بعد أن ذكر أن نكاح اليهودية أحب إليه من نكاح الناصبية، فهذا كله يناسب أن نعتمد على رواية الجواز ويكون عليها العمل.

والشيء الأهم من هذا أو مثله في الأهمية، فيما يكشف أن هذه النصوص عليها المعوّل، هو أن هذه النصوص ليست كلها واردة لبيان التحليل وإنما واردة لبيان أحكام أخر يظهر منها المفروغية عن التحليل، فيوجد شيء ينبغي الإلتفات له وهو أنه في باب الأحكام الروايات على قسمين:

تارة: تأتي الرواية وتتضمن نفس الحكم الذي نريده الحل أو الحرمة.

وتارة: تأتي الرواية بعد المفروغية عن الحل وتتكلم في بيان الأحكام المتعلقة نتيجة الحل، ولا سيما أن كثيراً منها ظاهره المفروغية عن أصل الجواز مما تقدم وغيره، وإنما ورد لبعض الأحكام المترتبة، مثل ما تضمن زواج اليهودية على النصرانية – يجوز أو لا يجوز فكأن أصل الجواز مفروغ منه - وزواجهما على المسلمة – يعني يجوز تزويجها على المسلمة وأن المسلمة لها الخيار أو يبطل على ما يأتي الكلام فيه بحيث يكون أشبه بالفضولي كما في العمة والخالة - وزواجها عليهما – وأن للمسلمة الخيار في نكاح نفسها إن لم تكن تعلم ومعنى ذلك أن أصل الحكم مسلَّم فالرواية ليست واردة لبيان الحكم -، وتحليلهم عليهم السلام للشيعة الزواج بهما لأن أهل الكتاب مماليك لهم توسعة منهم عليهم السلام عليهم – ومعنى ذلك أن التحريم ليس ذاتياً وإنما التحريم بالعرض فأصل الحل مسلَّم-، وما تضمن أن زواجهما أحب من تزويج الناصبية [42] وما تضمن أن الزوج يرث امرأته الذمية ولا ترثه أو لا يتوارثان – وهذا مما يناسب أن الحكم مسلَّم يبقى الإشكال في احكام هذا الزواج - [43] [44] ، وما تضمن تحصينها من الزواج بالمسلم بحيث يثبت الحد بقذفها [45] ، وما تقدم من بيان عدتها إذا أراد المسلم أن يتزوجها وغيرها.

فمن هنا هذه المفروغية بنفسها لا تناسب أن يكون الحكم ليس له واقع، وإنما الحكم معلوم ولَكن الكلام في فروع الأحكام، وعندما يتكلم في الفروع فإن هذا يعني أن أصل الحكم مسلَّم، وهذا يناسب رد النصوص الدالة على أن الآيتان منسوختان، لأن آية الزواج بالكتابية منسوخة فلماذا يكون يوجد مفروغية عن الحل فإن هذا الظهور في المفروغية عن الحل لا يتحقق، وهذا مما يؤكد أن الآية غير منسوخة لأن ترتب الأحكام والمفروغية معناه أن القضية واضحة نعم يبقى الكلام في الفروع، وأنه أيها الأفضل هي أو الناصبية أو اليهودية على النصرانية أو المجوسية، والمسلمة مع الشروط أو هي على المسلمة إلى آخر الأحكام المتفرعة على اصل الحل، وعليه فهذا يؤكد الحكم على الكراهة والمنع من النسخ.

ومن هنا يتعين البناء على الجواز مطلقاً مع الكراهة مطلقاً أيضاً لأن بعض الروايات صريحة في أن هذا أفضل من ذاك " واعلم أن في دينه غضاضة " ثم إن الكراهة قد تتأكد وأنها في الزواج الدائم أكثر منها في الزواج المنقطع، وأشد منها في ملك اليمين فإنه يوجد عندنا نصوص تدل على ملك اليمين ولكن إذا عنده جارية لا مانع أن يطأها، فالزواج أشد من ملك اليمين، وعليه فمراتب الكراهة تختلف باختلاف الفروع التي تضمنتها الروايات الشريفة.

يبقى عندنا احتمال أن نصوص الجواز محمولة على التقية لموافقتها للمعروف من مذهب العامة. فنحمل نصوص الجواز على التقية.

وهذا لا مجال للبناء عليه لأن الحمل على التقية فرع تعذَّر الجمع العرفي، فإذا لم يتعذر الجمع العرفي فإنه يكون مقدماً، وموافقة العامة من المرجحات بعد استحكام التعارض، أما بعد فرض إمكان الجمع فلا مجال للبناء على ذلك، خصوصاً وأن في نصوص الجواز ما يأبى الحمل على التقية مثل صحيح أبي بصير المتضمن أن أهل الكتاب مماليك للإمام عليه السلام فهذا التعبير لا يناسب التقية لأن العامة لا يعترفون بأنهم مماليك للإمام فهذه القضية الأئمة يدعونها لأنفسهم وعليه فهذا كيف نحمله على التقية فإنه حكم لا يناسب رأي العامة، وكذلك وأنهم قد أحلوا ذلك لشيعتهم خاصة ومعنى ذلك أن الآخرين لا يجوز لهم وهذا كيف يتصور فيه التقية، وكذلك ما تضمن جواز التمتع باليهودية والنصرانية فإن أصل المتعة عند العامة حرام فكيف يكون جواز التمتع باليهودية والنصرانية تقية، على أن الحمل على التقية لا يناسب المفروغية التي ذكرناها والتي تظهر من جملة من النصوص أن أصل الحكم مفروغ عنه ولكن الإشكال في توابعه وأحكامه ومتعلقاته فهذا كله مما يناسب الحل، ومن هنا فالظاهر المتعين البناء على الحل في اليهودية والنصرانية، وأما المجوسية فإنه يأتي الكلام فيها، وعليه فغض النظر عن نصوص الحل من أصعب الأشياء مع اختلاف مضامينها، فإن قسم وارد لبيان الجواز وقسم وارد لبيان الكراهة وقسم وارد لبيان الأحكام المترتبة على ذلك مثل الميراث وأمثاله فهذا كله مما يناسب البناء على الجواز فإن الجواز واضح في أعراف الأئمة عليهم السلام وليس شيئاً مجهولاً، ومن هنا فيتعين البناء على الجواز غايته على كراهة، والكراهة في الزواج الدائم أشد من المنقطع وفي الزواج أشد منه في ملك اليمين ومع عدم الضرورة أشد منه مع الضرورة حيث الرواية تصرّح مع الضرورة في أهل الروم، والجواهر أطال الكلام ونحن نحاول أن نقتصر.


[40] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج31، ص56، طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo