< قائمة الدروس

آیةالله السید محمدسعید الحکیم

بحث الفقه

41/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح/ الرضاع

لكن أطلق في مجمع البيان ([1] ) ومحكي فقه القرآن للراوندي ([2] ) حرمة زواج المرتضع من أولاد الرضاعة لمرضعته من دون تقييد باتحاد صاحب اللبن.

وكأنه لاشتراكهم في الأم الرضاعية، فيكونوا أخوة من الرضاع فيشملهم عموم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

ويناسبه صحيح ابن أبي نجران عن محمد بن عبيدة الهمداني: " قال: قال الرضا ( عليه السلام ): ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال: قلت: كانوا يقولون: اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنك تحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فرجعوا إلى قولك. قال: فقال: وذاك ( وذلك لأن أمير المؤمنين. يب يعني المأمون. صا ) أن أمير المؤمنين سألني عنها البارحة فقال لي: اشرح لي اللبن للفحل وأنا أكره الكلام فقال لي: كما أنت حتى أسألك عنها ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتى فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاماً غريباً أليس كل شئ من ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى محرماً على ذلك الغلام؟ قال: قلت: بلى قال: فقال أبو الحسن ( عليه السلام ): فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الأمهات وإنما ( حرم الله. يب. صا ) الرضاع من قبل الأمهات وإن كان لبن الفحل أيضاً يحرم ( [3] ).

لكن العموم المذكور مخصص بالنصوص السابقة، بل صحيح بريد حاكم عليه لتعرضه لتفسيره وبيان المراد منه.

وأما حديث محمد فمع غض النظر عن سنده – لجهالة محمد المذكور – لا مجال لرفع اليد به عن النصوص المتقدمة مع هجره عند الأصحاب وتعويلهم على تلك النصوص.

ولا سيما مع ما تضمنه من سؤال المأمون له عليه السلام عن المسألة وكراهته عليه السلام للكلام، وما تضمنه من أن عمل الأصحاب كان على التحريم لاعتبار اتحاد الفحل، الكاشف عن تسالمهم عن العمل بمضمون تلك النصوص وتلقيهم له عن الأئمة الماضين صلوات الله عليهم، حيث يمتنع عادة خطؤهم في مثل هذه المسألة – التي هي مورد النصوص والشائعة الابتلاء وقد خالفوا فيها العامة – هذه المدة الطويلة وهم بمرآى من أئمتهم ومسمع.

وإن شئت قلت: الذي يظهر من مجموع النصوص أن اعتبار اتحاد الفحل مما عرف عن الشيعة تبعاً لأئمتهم عليهم السلام وقد استفز ذلك المأمون وحاول السؤال عنه وكان الإمام عليه السلام يكره الكلام فيه، فحاول عليه السلام تجاهل ذلك ومنع الشيعة موقتاً عن تبنيه دفعاً لمصلحة هو عليه السلام أعلم بها.

ولا أقل من كون ذلك كله موجباً للريب في الحديث المذكور، ورد علمه لقائله صلوات الله عليه.

وأما ما ذكره الشيخ قدس سره ([4] ) من حمله على أولاد المرضعة النسبيين دون الرضاعيين.

فهو لا يناسب التعرض فيه من السائل لوحدة الفحل الذي سبق في النصوص وكلمات الأصحاب لبيان عدم التحريم بين الرضيعين مع اختلافه. كما لا يناسب استنكار الإمام عليه السلام فيه للتفريق فيه بين الفحل والأمهات مستشهداً بأن الرضاع من قبل الأمهات. فلاحظ.

بقي في المقام أمور:

الأول: أن جمهور الأصحاب قد اقتصروا على اعتبار اتحاد الفحل بين المرتضعين في تحقق التحريم بينهما، فلا أخوة بين المرتضعين مع اختلاف الفحل لتترتب آثارها من حرمة الزواج بينهما، وحرمة زواج أحدهما من ابن الآخر أو بنته أو غير ذلك.

وعممه في القواعد ([5] ) لسائر موارد اختلاف الفحل فقال في الفرع العاشر من الفروع الملحقة بأحكام الرضاع: " لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع ولا أختها منه ولا عمتها منه ولا خالتها منه "، ووافقه في جامع المقاصد ([6] ) وكشف اللثام ([7] )، لعموم اعتبار اتحاد الفحل في التحريم.

لكن الحكم المذكور لما كان مخالفاً لعموم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فالنصوص الثلاث المتقدمة ونحوها مختصة بالمرتضعين وما يتفرع على أخوتهما كتزويج أحدهما من ابن الآخر.

وأما ما تضمن أن اللبن للفحل وأن المعيار وحدة الفحل فالمتيقن منه ولو بضميمة تفسيره في صحيح بريد أن اتحاد الأم في الرضاع ليس معياراً في ترتب التحريم، بل المعيار اتحاد الأب فيه. وذلك يختص بما إذا كان منشأ التحريم هو العلقة الحاصلة من الاتحاد المذكور، وهي الأخوة بين الرضيعين وما يتفرع عليها، كالعمومة والخؤولة مع ابن أحدهما، دون ما إذا لم تكن هي المنشأ له، كأمومة المرضعة وأخوتها وعمومتها وخؤولتها، لظهور أن منشأ التحريم فيها ليست هي العلاقة مع الرضيع مباشرة، بل العلاقة مع مرضعته، حيث تصير أمها أمه وأخوها وأختها خاله وخالته وعمها وعمتها وخالها وخالتها عمه وعمته وخالها وخالتها العوالي.

نعم لا بد من اتحاد الفحل في الرضاع بين المرضعة وأختها وأخيها من الرضاعة، وبين أبيها أو أمها وأخويهما من الرضاعة.

وأما عموم اتحاد الفحل في التحريم فلم يثبت، بل ليس بناؤهم عليه، وإلا لجرى فيمن يتصل بالرضاع بالأب الرضاعي أيضاً، فلا تحرم البنت الرضاعية للأخ الرضاعي، فلو رضع زيد مع عمرو جاز لعمرو أن يتزوج بنت زيد الرضاعية، لعدم اتحاد الفحل.

هذا كله مضافاً إلى أن صحيح الحلبي وموثق عمار المتقدم قد تضمن حرمة تزوج الرجل أخت مرضعته لأبيها من الرضاعة، في فرض اتحاد الفحل في الأختين، بخلاف ما إذا اختلف فحلهما فيحل لعدم تحقق الأخوة بين الرضيعتين، لتكون خالته وهو صريح فيما ذكرنا، وفي خلاف ما في القواعد.

وبذلك يظهر أن ما في ذيل صحيح بريد العجلي من التفسير مطابق للمشهور أجنبي عما في القواعد. وما في الجواهر ([8] ) من أنه قد يوهمه في غير محله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

((المهذبة))

إنتهى الكلام الى أن الأخوّة بين الرضيعين إذا استندت إلى فحلين لا تتحقق وإنما يعتبر فيها أن تستند إلى فحل واحد، وهو الذي تضمنته النصوص السابقة وتقريباً كلمات الأصحاب تكاد تكون مجمعة على هذا.

لكن أطلق - في مجمع البيان ( [9] ) ومحكي فقه القرآن للراوندي ( [10] ) - حرمة زواج المرتضع من أولاد الرضاعة لمرضعته، فيحرم أن يتزوج المرتضع أولاد المرضعة ولم يقيدهم بالنسبيين وإنما أطلق أي ولو كانوا رضاعيين فسار على الوضع العام من دون أن يقيد كما قيّده الجماعة، وكأنه لاشتراكهم في الأم الرضاعية فهم أخوة للأم فيشملهم عموم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وتقدم من التنبيه على أن الحكم الذي بنينا عليه مخالف للقاعدة وأن الأمومة تقتضي عموم التحريم .

ويناسبه صحيح ابن أبي نجران عن محمد بن عبيدة الهمداني قال: قال الرضا عليه السلام: ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال: قلت كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنك تحرّم من الرضاع ما يحرم من النسب فرجعوا إلى قولك([11] ) قال: فقال لي: وذاك ( وذلك لأن أمير المؤمنين . يب يعني المأمون . صا ) لأن أمير المؤمنين سألني عنها فقال لي: اشرح لي اللبن للفحل وأنا أكره الكلام فقال لي: كما أنت حتى أسألك عنها، ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتى فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاماً غريباً أليس كل شيء من ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى محرماً على ذلك الغلام؟ قال: قلت بلى قال: فقال لي أبو الحسن عليه السلام: فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الأمهات؟ وإنما ( حرم الله . يب . صا ) الرضاع من قبل الأمهات وإن كان لبن الفحل أيضا يحرّم([12] ).

فكأن الإمام عليه السلام يسأل عن منشأ التفريق، فكما جانب الأبوة يحرّم كذلك جانب الأمومة يحرّم، فهذه الرواية تناسب التعميم، وعليه فما هو الفرق بين الأم والأب فإن في سؤال الإمام عليه السلام إستنكار عن الفرق بينهما، هذا الذي يمكن أن يستدل به لمجمع البيان أو للعموم المدّعى في المقام .

وهذا غير العموم الأول وهو " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " والرواية نفسها تتضمن أن الإمام عليه السلام إستدل بهذا وهو أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فالإمام عليه يستنكر في أنه ما هو الفرق بين الأب والأم فإنه كما يحرم من الرضاع من جانب الأب كذلك يحرم من الرضاع من جانب الأم .

وهذه الرواية - مع قطع النظر عن سندها فإن محمّد لم يوثّق – فيها مواضع للنظر من جهات :

الأول : أن الرواية تتضمن أن الشيعة كان عملهم على التفصيل في هذه المدة الطويلة، " ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال: قلت كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك " وأنه مع المأمون كان عليه السلام يكره الكلام والمأمون كأنه ألجأه للكلام فتكلم، فهذا مريب في المسألة لأن عمل الشيعة في المدة الطويلة في عصور الأئمة صلوات الله عليهم وخصوصاً في عصور الصادقين عليهما السلام حيث اتضح كلامهم واتضحت معالمهم وكذا عصر الإمام الكاظم عليه السلام والامام الرضا عليه السلام قبل أن يرى المأمون في جميع ذلك كان عملهم على التفصيل، وعليه ففي مثل هذه المسألة الشائعة الإبتلاء المخالفة للعامة تكون الفتوى السابقة التي عمل عليها الشيعة غير صحيحة هذا جدا بعيد فمن القريب أن الصحيح ما كان عليه الشيعة غايته أن الإمام عليه السلام رأى مصلحة في زمانه لعدم ظهور حالة تميّز للشيعة عن العامة في هذا الرأي فأرجعهم للعموم والعمل عليه ، فالرواية بنفسها مريبة والإمام عليه السلام يقول أكره الكلام في ذلك والمأمون سأله وهو عليه السلام لا بد أن يجاوب ورأي العامة على ذلك والشيعة على خلافهم، وفي كل هذه المدة الشيعة عملهم على التفصيل والمأمون هو الذي طلب من الإمام عليه السلام أن يتكلم والإمام يكره الكلام وأجاب بما أجاب به، فمن القريب جداً أن تكون هذه الرواية مبنية على نحو من المجاملة للمأمون، والعمدة ما تضمنته نفسها من أن التحريم سابقاً لم يكن عند الشيعة ففي هذه المدة الطويلة الشيعة حكمهم الذي هو يخالف العامة فإنه عندمًا يكون الحكم مخالف للعامة يحتاج إلى أدلة رادعة عن رأي العامة، ومعنى ذلك أن رواياتهم وعملهم على طبق الروايات السابقة كصحيح بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام وصحيح الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام وموثق عمار عن أبي عبدالله عليه السلام، فمن زمن الإمام الباقر عليه السلام الحكم بدأ يتوضح وأنه ما المراد من اللبن للفحل والإمام عليه السلام فسّره بهذا التفسير، وعليه فمن خلال هذا يبدو أنه يوجد رأي للشيعة في مقابل العامة، والشيعة عملوا على هذا الرأي في طول هذه المدة مما يقرب من مائة سنة، فكان عملهم على أن اللبن للفحل وهذه الكلمة لهم وتفسيره هذا التفسير المتقدم ومن حديث الإمام عليه السلام أنه سأله المأمون وهو يكره الكلام يبدو أنه لا يرى مصلحة في التصريح بالحكم، فالرواية بنفسها عندما نجعلها مع تلك الروايات الكثيرة ونحن ذكرنا ثلاث روايات فقط ويوجد غيرها كصحيح البزنطي عن الرضا ع كلها تؤكد أن اللبن للفحل فهذا يعني أنه يوجد قاعدة عند الشيعة مخالفة للعامة وعليه فهذه الرواية بنفسها شاذة وموافقة للعامة ويوجد فيها إشارات إلى أنه يوجد حالة تبدّل في الفقه وليست القضية مبنية على أن هذا فقهنا من الأول وإنما تقول بأنه يوجد حالة تبدّل، وهذا وحده موجب للريب في الرواية بنحو يسقطها عن الحجية،

ومن هنا فلا مجال للبناء على هذا مع أن تلك الروايات الكثيرة تؤكد على هذا المضمون وهو أن اللبن للفحل وتفسره بما تقدم، بل نفس هذه الرواية صدعت بذلك (قلت كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنك تحرّم من الرضاع ما يحرم من النسب فرجعوا إلى قولك) ، فمجموع النظر في فيما ذكرنا يوجب حصول الريب في الرواية ويكشف عن وجود نوع من المصلحة المؤقتة لإعلان خلاف ما عليه الشيعة في العصور الغابرة .

الثاني : أن هذه رواية واحدة غير معمول بها في مقابل الروايات الكثيرة التي عمل بها الأصحاب فعليها المعول فيتعين حينئذ العمل عليها، ويبقى عندنا عموم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " فإن هذا العموم صحيح لكنه قابل للتخصيص والمخصصات كثيرة لوجود نصوص كثيرة وأيضاً الشهرة وعمل الأصحاب ومخالفة للعامة، فنحن نسلم بالعموم ولكن هذا لا يعني بأنه غير قابل للتخصيص، وعندما دخلنا في أول المسألة ذكرنا بأن الحكم مخالف للقاعدة فإن معنى " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يعني كما النسب محرّم كذلك الرضاع فكما الأخ النسبي محرّم كذلك الأخ الرضاعي محرّم وأخ الأم النسبي محرّم كذلك أخ الأم الرضاعي محرّم فإن القاعدة على هذا ولَكن القاعدة تخصص والنصوص وافية بالتخصيص ومعمول بها ومخالفة للعامة، والمخالفة للعامة مما يجعل الحكم يتجلى ويتميّز رأي الشيعة في مقابل رأي الطرف الآخر، وعليه فهذا كله مما يوجب الريب في الرواية، ولو صرفنا النظر عن قضية الريب فالقواعد المتعارفة تقتضي تقديم تلك الروايات لشهرتها وعمل الأصحاب عليها وإهمالهم لهذه الرواية فإن هذا وحده كاف، فهذا الإطلاق من مجمع البيان ومحكي فقه القرآن للراوندي في غير محله .

بقي في المقام أمور تلحق بهذه المباحث :

الأمر الأول : العلامة قدس سره في القواعد عمّم الموضوع لكل علاقة رضاعية بالأم وليس فقط الأخوة، فإنه تارة الأخوة من الأم وتارة كل علاقة من جهة الأم ، فأم أمها لا تحرم وأخت أمها خالتها لا تحرم وأب أمها من الرضاع لا يحرم، فالعلامة عمّم الحكم لسائر موارد خلاف الفحل فقال رحمه الله في القواعد([13] ) في الفرع العاشر من الفروع الملحقة بأحكام الرضاع " لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع، ولا أختها منه ولا عمتها منه، ولا خالتها منه، ولا بنات أختها، ولا بنات أخيها، وإن حرمن بالنسب، لعدم اتحاد الفحل " فالقضية ليس فقط إبنها وإنما سار بها إلى كل العلاقات الرضاعية بين الأم لا تحرم، ووافقه في جامع المقاصد([14] ) وكشف اللثام([15] ) لعموم اعتبار اتحاد الفحل في التحريم، وهنا الفحل مختلف لأن الأم رضعت مع أخيها فراضع الأم غير راضع الولد فإن الراضع اختلف، فهي ذات زوجين وأرضعت ولدين وهي عندما رضعت لا بد أنها رضعت من شخص آخر فترك القضية تسير على عمومها .

وعندما نأتي لهذا الحديث فإنه قطعاً مخالف للعموم السابق " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " فلا بد أن نقتصر على المتيقن منه، والقدر المتيقن أن رواية بريد وردت شارحة للعموم المذكور " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فسر لي ذلك فقال: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام فإن ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وإنما هو من نسب ناحية الصهر رضاع ولا يحرم شيئا وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرّم. "

ففسّره بالأخوة فقط يعني بِما إذا كانت العلقة التي حدثت من الرضاع هي بنفسها علقة محرّمة مثل الأخوة، فإن الأخوة هي محرّمة وهذا هو المتيقن من النصوص فكل النصوص التي ذكرت الأمثلة ذكرت هذه الأمثلة أخوين مختلفين وهذه الرواية تشرح بأن المراد منها هذا أي من فحل واحد فإذا أرضعت من فحلين فلا يحرم بين المرتضعين، وعندنا عموم أن اللبن للفحل والمتيقن من هذا العموم ولو بضميمة رواية بريد أنه إذا كان الرضاع بنفسه محقق لعنوان محرّم مثل الأخوة - لأن في مقامنا الرضاع الذي اختلف فيه الفحل يحقق أخوة - فالأخوة هنا لا تتحقق، وما يترتب على الأخوة مثل الخؤولة كذلك كما لو أرضعت المرأة ولدين واحد عنده بنت فهل يستطيع أن يتزوجها فإنها بنت أخيه إن حصلت الأخوة ، وإذا الأخوة لم تحصل فهي ليست بنت أخيه فهذا هو المتيقن من الرواية في شرطية وحدة الفحل ، أما إذا كان الرضاع لا يحقق العلاقة وإنما العلاقة تتحق برضاع الآخر مثل عمومة أو جدودة فالمرضعة راضعة من واحدة فتعدد الفحل لم يحدث علاقة محرّمة وإنما تعدد الفحل أحدث علاقتين بسببهم حصل التحريم وهذا لا دليل على عدم محرميته فإن مقتضى شرح المطلب في رواية بريد المتيقن منه أن العلاقة إذا كانت بنفسها هي علاقة محرّمة هذه لا تحقق تحريم كالأخوة وما يتفرع على الأخوة كإبن الأخ فإنه لا يكون إبن أخ لأن ذاك ليس بأخ فاذا لم يكن أخاً فلا يصبح ابنه إبن أخ ، أما إذا كان الرضاع بنفسه حقق أمومة معها ورضاع آخر حقق أخوة مع أخيها فيكون أخوها خاله وعموم العام يشمله فهذا التعميم منهم من أين جاء،

فالنصوص إذا نلاحظها مختصة بالرضيعين وصحيح بريد تقريباً يفسّر مراد رسول الله صلى الله عليه وآله بهذا فإنه فسّره بأن هذا لا يشمله ولم يقل كل علاقة بينهما لا تشمله، وعموم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يقتضي التحريم وهنا اختلف الفحل لكنه اختلف الفحل في علاقتين وليس في علاقة واحدة، فإنه تارة يختلف الفحل في علاقة واحدة مثل الأخوة وإبن الأخ وطبيعي عندما تحصل الأخوة يصبح إبن أخ وحينئذ يتعين التحريم، أما إذا كان أمها فما حكم الأم فإنه لا يحرم على أمها إلا برضاع آخر وليس بنفس الرضاع فالتحريم لَيس بينه وبين أم الأم وإنما التحريم بينه وبين الأم وهذه الأم جعلت تحريماً بسبب رضاعها مع أمها فهذا ما هو الدليل على شموله فإنه لا يوجد عندنا دليل على شموله، فالجماعة يذكرون الأخوين والسيد قدس سره عندما ذكر ذكر الأخوة، فالأخوة لا تتحقق ومن الطبيعي أن لا يتحقق إبن الأخ سواء كان إبن الأخ نسبياً أم رضاعياً فإن هذا ليس بإبن أخ، أما إذا كانت هي أمه وحصل لها برضاع آخر أم فهذا لا يرتبط باتحاد الفحل، فتعدد الفحل لم يحقق عنواناً بنفسه وإنما حقق عنوانان جمعهم عنوان واحد بحيث حصل عنوان الأبوة لأن أم الأم جدة والجدة أم وإبنها أيضاً كذلك وأمثال ذلك فالأخوة لا تتحقق وما يتعلق بالأخوة موجود فإن الروايات مشتملة عليه ورواية بريد تفسّر به ولا تفسّر بالتعميم فالمتعين التمسك بالعموم وما هو المانع من الرجوع للعموم .

فالعلامة قدس سره فقط هو انفرد بهذه القضية فإنه أخذ العموم على إطلاقه، ولَكن العموم يفسّر بالروايات هنا والمتيقن مِنه هذا المعنى، فالعلاقة مع الأم التي تحدث بالرضاع لا تؤثّر وهنا العلاقة مع الأم التي تحدث بالرضاع ليست هي التي أثرت وإنما الذي أثّر هو الرضاع الآخر الذي حصل بينها وبين أمها أو بينها وبين أخيها أو بينها وبين جدتها وأمثال ذلك من أنحاء العلاقات المختلفة، فالتعميم منه قدس سره غير واضح.

([16] ) ( لكن الحكم المذكور لما كان مخالفاً لعموم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فالنصوص الثلاث المتقدمة ونحوها مختصة بالمرتضعين وما يتفرع على أخوتهما كتزويج أحدهما من ابن الآخر .

وأما ما تضمن أن اللبن للفحل([17] )وأن المعيار وحدة الفحل([18] ) فالمتيقن منه ولو بضميمة تفسيره في صحيح بريد أن اتحاد الأم في الرضاع ليس معياراً في ترتب التحريم، بل المعيار اتحاد الأب فيه . وذلك يختص بما إذا كان منشأ التحريم هو العلقة الحاصلة من الإتحاد المذكور، وهي الأخوة بين الرضيعين وما يتفرع عليها، كالعمومة والخؤولة مع ابن أحدهما، دون ما إذا لم تكن هي المنشأ له، كأمومة المرضعة وأخوتها وعمومتها وخؤولتها، لظهور أن منشأ التحريم فيها ليست هي العلاقة مع الرضيع مباشرة، بل العلاقة مع مرضعته، حيث تصير أمها أمه وأخوها وأختها خاله وخالته وعمها وعمتها وخالها وخالتها عمه وعمته وخالها وخالتها العوالي ) .

وعليه فالتعميم في كلامه قدس سره ليس له منشأ واضح ، فالعلاقة التي تحدثها الأم لوحدها لا تكفي أما العلاقات الأخرى التي تتحقق بالرضاع فهي أم رضاعية وفي الأثناء أمها تكون أم أمها فتكون جدة أو عمها من الرضاع أيضاً نفس الأمر وأخوها من الرضاع أيضاً نفس الشيء والخؤولة هكذا فأخيها من الرضاع يصبح خالها، فالعلاقة تكون من الأم .

نعم لا بد عندما ترضع هي وأخوها من وحدة الفحل وإلا لا يكون أخيها حتى يصبح خالها فإنما يصبح خالها اذا كان أخ لها أما إذا لم يكن أخيها فلا معنى لأن يكون خالها نعم لا بد في الأم وأخيها من اتحاد الفحل، وبعد أن حصل اتحاد الفحل فأصبح أخيها عمّ المرتضع فهذه القضية مشمولة للعموم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "، فهذا العموم اللبن للفحل غير موضّح بشكل جيد، نعم تارة يقول اتحاد الفحل في مجموع الرّضاع فهذا لا إشكال فيه، وتارة بين المرتضعين فإتحاد الفحل إنما اعتبر فيما إذا كانت العلاقة هي التي يحدثها الإتحاد أو الإختلاف، أما إذا كانت العلاقة لا يحدثها الإختلاف وإنما هي علاقة أخرى فما هو الدليل على تخريجها، فما ذكره قدس سره غير واضح والمتيقن منها ما ذكرناه وهو ما إذا كانت أخوة وما يتفرع عليها .هذه حاصل الكلام في هذا الأمر الأول.


[1] )) ج3 ص40.
[2] )) فقه القران ج2 ص90.
[3] ( ) الكافي ج5 ص441 ح7، الوسائل ج14 ص295 باب6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح9.
[4] )) التهذيب ج7 ص321 ذيل ح30، الاستبصار ج3 ص200 ذيل ح7.
[5] )) ج3 ص27.
[6] )) ج12 ص257.
[7] )) ج7 ص158.
[8] )) ج29 ص306.
[9] ( ) جزء 3 صفحة 40 .
[10] ( ) جزء 2 صفحة 90 .
[11] ()فيظهر من الحديث أنه يوجد حالة تحول بحيث كان العمل على ما عليه المشهور ولكن وردت الرواية عن الإمام عليه السلام على خلاف ما عرف بين الشيعة . منه دام ظله.
[12] ()الكافي جزء ٥ صفحة ٤٤١ حديث ٧، تهذيب الأحكام جزء ٧ صفحة ٣٢٠ حديث ٣٠، الإستبصار جزء ٣ صفحة ٢٠٠ حديث ٧، وسائل الشيعة جزء ١٤ صفحة ٢٩٥ باب٦ مِن أبواب ما يحرم بالرضاع حديث ٩، وسائل الشيعة طبعة ال البيت جزء ٢٠ صفحة ٣٩١.
[13] ()جزء ٣ صفحة ٢٧.
[14] ()جزء ١٢ صفحة ٢٥٧.
[15] ()جزء ٧ صفحة ١٥٨.
[16] ()هنا يقرأ الأستاذ مد ظله مما كتبه.
[17] ()هذا العموم الذي تمسك به جامع المقاصد وكشف اللثام . منه دام ظله.
[18] ()وهو باب في الوسائل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo