< قائمة الدروس

الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

40/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة استثناء من تابع الصوم اكثر من نصف الشهرين.

(مسألة 17): إذا نذر صوم شهرين متتابعين جرى عليه الحكم المذكور(1) إلا أن يقصد تتابع جميع أيامها.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) وفي الجواهر أنه ظاهر الفتاوى ومعاقد الإجماعات. لكن في بلوغها مرتبة الحجية إشكال، بل منع. فاللازم النظر في نصوص المسألة. وقد وردت في الحكمين السابقين.

الأول: الاجتزاء في التتابع بالتتابع في شهر ويوم، وعدم لزومه فيما زاد على ذلك، بل يجوز الإخلال به اختياراً. فإن كان مبنى الحكم المذكور على تفسير التتابع المعتبر شرعاً بذلك، كان قاصراً عن النذر، الذي أخذ التتابع فيه من قبل الناذر، بل يتعين فيه الرجوع إلى قصده، فإن قصد التتابع بالمعنى المعتبر شرعاً ـ بالتنصيص عليه، أو لانصرافه إليه ارتكازاً ـ تعين الاكتفاء فيه بما سبق، وإن قصد التتابع الحقيقي التام ـ نصاً أو انصرافاً ـ كان اللازم البناء عليه. وإن كان مبنى الحكم المذكور على الاجتزاء بالناقص تعبداً مع كون التتابع المعتبر شرعاً هو التتابع التام أمكن عمومه للنذر، تبعاً لإطلاق دليله لو تم.

إذا عرفت هذا فمن الظاهر أن النصوص المذكورة وإن كانت محتملة للوجهين بدواً، إلا أن الاكتفاء بالناقص اختياراً بعيد جداً، خصوصاً مع جواز التفريق تكليفاً. بل يلغو معه اعتبار التتابع التام في مقام الجعل، وذلك صالـح للقرينية على حمل النصوص على الأول. بل هو الظاهر من قوله ع في صحيح الحلبي المتقدم: "والتتابع أن يصوم شهراً ويصوم من الآخر شيئاً..."[1] . ومن هنا لا مجال للبناء على عمومه للنذر. إلا أن يكون المنذور هو التتابع الشرعي.

الثاني: عدم قدح الإفطار عن عذر في الامتثال، فلا يجب معه إعادة الصوم السابق على العذر. ولا يخفى أن تعليل الاجتزاء في النصوص بأن الله حبسه، وأنه ليس على ما غلب الله عليه شيء، ظاهر في أن ذلك يبتني على الاجتزاء بالناقص تخفيفاً وامتناناً على المكلف، لا لتحقق التتابع المعتبر شرعاً، وحينئذٍ فمقتضى إطلاق جملة من نصوص الحكم المذكور وعموم التعليل المشار إليه فيها العموم للنذر.

وربما يستدل عليه بحديث علي بن أحمد بن أشيم: "كتب الحسين إلى

الرضا ع: جعلت فداك رجل نذر أن يصوم أياماً معلومة فصام بعضها، ثم اعتل فأفطر، يبتدئ في صومه أم يحتسب بما مضى؟ فكتب إليه: يحتسب بما مضى"[2] .

لكن يشكل بظهوره في نذر أيام معينة، فيكون التدارك بعد الإفطار من باب قضاء المنذور المضيق، لا من باب أداء النذر الموسع الذي هو محل الكلام، فغاية ما يدل عليه الحديث عدم وجوب قضاء ما أتي به قبل الإفطار، وهو مطابق للقاعدة، إذ لا وجه لقضائه بعد أدائه، ولا يكفي في ذلك الإخلال بالتتابع، لعدم التقييد بالتتابع في النذر وإنما وجب لتتابع الأيام المنذورة، نظير تتابع صوم شهر رمضان. فهو أجنبي عما نحن فيه.

ودعوى: أن حمل الأيام المعلومة على ذلك لا يناسب السؤال عن الاستئناف، الظاهر في المفروغية عن وجوب إكمال الصوم، بل المناسب له السؤال عن إكمال الصوم، لجهل السائل بوجوب قضاء الصوم المنذور المعين.

مدفوعة: بإمكان علم السائل بوجوب قضاء الصوم المنذور المعين، وإنما سأل عن استئناف ما صامه لاحتماله وجوب التتابع في القضاء تبعاً لتتابع الأيام المنذورة، وإن لم يكن التتابع منذوراً.

وبعبارة أخرى: ظهور الأيام المعلومة في الأيام المعينة أقوى من ظهور السؤال في أخذ التتابع في المنذور، ليكون مما نحن فيه. ولا أقل من إجمال الحديث وعدم نهوضه بالاستدلال لما نحن فيه، بل العمدة فيه ما عرفت من الإطلاق وعموم التعليل، ولأجله يتعين البناء على ذلك حتى لو نصّ الناذر على التتابع الحقيقي التام.

نعم لو نصّ على عدم الاجتزاء بالصوم مع تخلل الإفطار عن عذر تعين العمل على ذلك، لرجوعه إلى نذر الاستئناف بعد العذر، فينفذ بمقتضى عموم نفوذ النذر، من دون أن ينافي أدلة المقام، لأنها إنما تحكم على نذر التتابع، لا على النذر المذكور. فلاحظ.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo