< قائمة الدروس

الأستاذ السید عبدالمنعم الحکیم

بحث الفقه

40/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الكلام في حدود العذر المسوغ للبناء على الصوم السابق

ثم ان الاصحاب ـ حسب ما يبدوا ـ انهم اختلفوا في حدود وتفسير قوله ع في التعليل المتقدم في معتبرة سليمان بن خالد: "هذا مما غلب الله عليه، وليس على ما غلب الله عز وجل عليه شيء"[1] .

فعن صاحب المستند انه فسره بما لا يكون لإرادة العبد مدخل في تحقق السبب الموجب للإفطار مثل المرض والحيض العارضين من دون اختيار للمكلف فيه.

وفي الجواهر قوى "انه لا ينافي التتابع الا التعمد للإفطار"[2] . وكأنه يريد ان ما كان للتشريع الإلهي دخل فيه فهو مما غلب الله عليه.

ويستفاد مما عن المعتبر وغيره تفسيره بانه خصوص ما اضطر اليه من غير فرق بين المرض وال والحيض وغيرهما.

ومن ثم تفرع عليه خلاف في السفر الواقع أثناء الصوم المشروط فيه التتابع من حيث انه ينافي التتابع او لا على أقوال ثلاثة:

فقد ذهب في المستند الى أن السفر قاطع للتتابع من غير فرق بين الاختياري والاضطراري، بل استظهر الإجماع عليه، واختاره في محكي الوسيلة والسرائر، وظاهر الخلاف نظرا الى استناد السفر ـ حتى الاضطراري منه ـ الى فعل العبد وارادته، فلا يكون مما غلب اللّه عليه.

وبإزاء ذلك ما قواه في الجواهر من عدم القطع مطلقا استنادا إلى أنه بعد السفر حتى الاختياري محبوس عن الصوم مقهور من قبل اللّه تعالى على الإفطار.

وذهب المحقق في المعتبر وتبعه جمع منهم العلامة الى التفصيل بين السفر الاختياري فيقطع التتابع دون الاضطراري.

هذا وقد عرفت ان مبنى النزاع هو الاختلاف في تفسير المراد مما غلب اللّه. وحيث اختار في المستند تفسيره بما لا يكون لإرادة العبد مدخل في تحقق السبب الموجب للإفطار فلا تشمله الصحيحة،

وعلى تقدير الشمول فهو معارض بإطلاق قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي: "وان صام شهرا ثمَّ عرض له شي‌ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع أعاد الصوم كله"[3] فان العارض يشمل السفر أيضا، و بعد التساقط يرجع الى عمومات أدلة التتابع.

واما صاحب الجواهر فقد عرفت انه فسره بما إذا كان الإفطار المخل بالتتابع مما غلب اللّه وألزم عليه بحيث يكون هو الذي حبسه ومنعه عن الصوم سواء أ كان السفر الذي هو السبب المؤدي للإفطار المزبور اختياريا للمكلف أم اضطراريا، فهو (قده) يقصر النظر على المسبب أعني الإفطار و يجعله مركزا لغلبة اللّه في قبال الإفطار الذي يفعله المكلف من تلقاء نفسه كما ان نظر صاحب المستند مقصور على السبب فقط، الموجب للإفطار حسبما عرفت.

وعن المحقق في المعتبر: الفرق بين السفر الاضطراري فلا يقطع التتابع، والاختياري فيقطعه، وعن العلامة (ره): القطع به، وكذا عن الدروس إذا حدث سببه بعد الشروع في الصوم

والصحيح لزوم الجمع بين النظرين وملاحظة كلا الأمرين الذي نتيجته اختيار حد وسط بين القولين معتدل بين جانبي الإفراط والتفريط، وهو الذي اختاره المحقق، إذ لا وجه لقصر النظر على المسبب وإلغاء السبب ضرورة ان الإفطار بعد اختيار السفر وان كان مما ألزم عليه الشارع الا ان هذا المقدار لا يكفي في جعله مما غلب اللّه بعد أن كانت تلك المقهورية الشرعية مستندة الى اختيار المكلف فإنه هو الذي أوقع نفسه في هذه الورطة باختيار مقدمتها وهو السفر من غير ضرورة تقتضيه. فمجرد الحبس التشريعي غير كاف في صدق الغلبة بعد أن كان مستندا ومسببا عن الاختيار التكويني فلا يكون الإخلال بالمتابعة حينئذ الا من قبل المكلف نفسه باختياره ما يؤدي إلى الافطار.

كما لا وجه لقصر النظر على السبب فان السفر وان كان فعلا اختياريا للعبد، الا أنه إذا كان مسبوقا بالاضطرار أو بالإكراه، أي كان‌ الباعث عليه الإلزام من قبل العقل أو الشرع بحيث لا يسعه التخلف عنه فهو لا جرم مقهور عليه في إرادته لا مفر منها ولا مخلص عنها، ومثله مصداق لغلبة اللّه بطبيعة الحال. أ ترى ان الصائم لو شاهد غريقا يمكنه استنقاذه المتوقف على الارتماس وهو حينئذ ملزم من قبل الشارع بهذا الارتماس مقهور عليه لا يكون ذلك مما غلب اللّه عليه كلا، بل هو من أظهر مصاديق هذا العنوان في نظر العرف وان كان الارتماس فعلا اختياريا له.

وعلى الجملة فالتعليل ينطبق على السفر أيضا فيما إذا كان اضطراريا كما ينطبق على الحيض والمرض بمناط واحد وبذلك يرتكب التقييد في إطلاق صحيح الحلبي المتقدم ويحمل على ما إذا كان العارض من سفر ونحوه امرا اختياريا بحيث لا يكون مما غلب اللّه عليه جمعا بينه وبين التعليل المزبور.

فتحصل ان التفصيل المذكور بين السفر الاختياري والاضطراري هو المتعين، ويجري مثله في المرض والحيض بنفس المناط كما لا يخفى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo