< فهرست دروس

الأستاذ السید حسین الحکیم

بحث الأصول

38/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الأوامر : منشأ دلالة مادة الأمر على الوجوب .

ومنها: أن القول بالوضع يستلزم كون الأمر المتعلق بأفعال عديدة بعضها مطلوب بنحو الوجوب وبعضها بنحو الاستحباب مستعملا في أكثر من معنى دون القول بالإطلاق فانه عليه يكون الأمر متعلقا بحسب طبعه الأولي واطلاقه بالأفعال بنحو الوجوب الا أنه عند وجود قرينة في بعضها أنها ليست مطلوبة بنحو الوجوب تحمل على الاستحباب من جهتها.

وبعبارة أوضح فإن القول بالوضع يستوجب اضطراب فهم المراد من النصوص التي فيها مادة أمر متعلقة بأفعال عديدة معطوف بعضها على بعض وفرض أن المراد من بعضها الاستحباب ومن الآخر الوجوب كما لو فرضنا أن الاحسان مستحب في قوله تعالى: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى )[1] بناء على ما روي عن علي ( عليه السلام ) أنه قال : " العدل : الإنصاف ، والإحسان : التفضل "[2] . وما قاله البعض : إن العدل : أداء الواجبات ، والإحسان : أداء المستحبات من قبيل ما في التبيان للشيخ الطوسي : يقول الله تعالى مخبرا عن نفسه " ان الله يأمر بالعدل " يعنى الانصاف بين الخلق ، وفعل ما يجب على المكلف و " الاحسان " إلى الغير ، ومعناه يأمركم بالاحسان ، فالأمر بالأول على وجه الايجاب ، وبالاحسان على وجه الندب . وفي ذلك دلالة على أن الامر يكون أمرا بالندوب إليه دون الواجب..[3]

فإنه يستلزم أن تكون كلمة (يأمر) مستعملة بمعناها الحقيقي وهو الوجوب من حيث نسبتها الى العدل ومستعملة بمعنى مجازي وهو الاستحباب من حيث نسبتها الى الإحسان فهي مستعملة في معنيين وهو باطل , أو يتكلف في حملها على معنى جامع بين الاستحباب والوجوب ولا يصار اليه الا اضطرارا.

أما القول بالإطلاق فهو في غنى عن ذلك إذ تكون مادة الامر _ بناء عليه _ مستعملة في معنى واحد وهو الطلب الذي يحمل على الوجوب عند عدم القرينة وعلى الاستحباب في مورد القرينة فحسب فإن كان في كلمة ( الاحسان ) ما يناسب أن لا تكون واجبة لما فيها معنى التفضل الذي ينبغي أن يكون بحسب طبيعته حسنا فيحمل الاطلاق على الاستحباب من جهتها فقط .

إن قلت : إن مادة الامر لو كانت متكررة في سياق واحد فسيأتي ما تقدم فان من المعقول جدا البناء على اطلاقها ودلالتها على الوجوب او تقييدها ودلالتها على الاستحباب بل يعقل ذلك حتى على القول بالوضع فتكون مستعملة في معناها الموضوعة له وهو الوجوب تارة ومعناها المجازي وهو الاستحباب تارة أما مع فرض أن مادة الأمر المستعملة مرة واحدة , والمتعلقة بأفعال عديدة فالأمر مختلف تماما فإنها عندئذ لا تخلو إما أن يكون المراد منها الوجوب في كل متعلقاتها أو الاستحباب كذلك فكيف يعقل أن يكون المراد منها استحبابا ووجوبا في آن واحد .

وعليه فلا يختلف القول بالوضع عن القول بالإطلاق .

قلت: إن المنشأ في الإطلاق والتقييد لا يرتبط بالدلالة الاستعمالية التي تحدد أن اللفظ مستعمل في معناه الموضوع له أو في غيره , بل يرتبط بالدلالة الجدية التي يمكن أن يكون اللفظ فيها على كل حال مستعملا في معناه الحقيقي ولكن المراد الجدي منه تارة يكون المطلق وأخرى المقيد وعليه فإن جهة التقييد ان كانت ناشئة من نفس الفعل الذي تتعلق به مادة الامر فانه يعقل تصور كونه مقيدا فيه ويكون مفاده الاستحباب دون الفعل الآخر الذي تتعلق به مادة الامر أيضا ويكون خاليا من أي قرينة موجبة لتقييد الأمر فيه بكونه استحبابا فيبقى الأمر فيه على الوجوب كما هو مقتضى الاطلاق فإن ورد مثلا من المولى قوله لعبده (آمرك بحراثة الأرض ونشر البذور فيها وسقيها والشبع من الطعام ) فإن الظاهر من الأمر بالشبع بمناسبة الحكم والموضوع انه ليس وجوبا بل استحبابا فينصرف الاطلاق اليه دون بقية الأفعال التي تعلق بها الأمر .

وكذلك الحال في الآية فإنه يمكن أن يحمل الأمر فيها على الطلب بنحو اللابشرط فيقتضي بحسب الإطلاق أن يتعلق بالعدل بنحو الوجوب لفقدان القرينة المقتضية لتقييد الاطلاق , وأما في الإحسان فإن ما في مضمونه من قرينة تناسب الاستحباب يوجب رفع اليد عن الاطلاق وحمله على التقييد بكون الطلب فيه طلبا استحبابيا مقترنا بالرخصة .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo