< فهرست دروس

الأستاذ السید حسین الحکیم

بحث الفقه

38/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

حرمة الغناء : نقد أدلة الجواز

4_ ما تقدم ذكره في أدلة الحرمة من ما رواه الكليني رحمه الله عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر ( عليه السلام )عن كسب المغنيات فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام والتي تدعى إلى الاعراس ليس به بأس وهو قول الله عز وجل: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) [1] .

والسند تام ظاهرا , وكذا دلالته على حرمة التكسب بالغناء الا انها تختص بالمغنيات التي يدخل عليها الرجال ، وحرمة التكسب به تدل عرفا بوضوح على حرمته

وقد يستفاد منه الجواز في ما عدا ذلك لأن مقتضى أصالة التطابق بين السؤال والجواب كون الجواب مستوعبا لكل صور السؤال وعليه فإن تركه عليه السلام التصريح بحكم كسب المغنيات اللائي لا يدخل عليهن الرجال ليس اهمالا للجواب بل لأنه ذكر ما يحرم فقط وسكت عما يحل فيدخل كل ما سكت عنه في الحلال فيكون كسب المغنية من النساء حلالا, بل وكسبها من الرجال الذين يسمعونها من وراء الستور كذلك .

وأما ذكره للمغنية التي تدعى للأعراس فهو ليس صورة في عرض صورة التكسب بالغناء مع دخول الرجال كي يقال ان الرواية ذكرت صورتين فقط من صور السؤال وبينت نموذجا بينا للحرام ونموذجا بينا للحلال وسكتت عن الباقي فلا يبقى محل لدعوى التطابق بين السؤال والجواب التي على اساسها ابتنت استفادة الجواز في ما عدا من لا يدخل عليها الرجال .

بل هو قيد لحرمة التكسب بالغناء مع دخول الرجال عليها فان الاعراس من موارده حيث يتعارف جدا خصوصا في تلك العصور ان يشارك الرجال في احتفالات الزفاف ويزفون العروس الى بيتها فالمرأة المغنية لا اشكال في تكسبها بغنائها _ بناء على هذه الرواية _ في الاعراس حتى وان دخل عليها الرجال .

نعم قد لا يمكن البناء على ذلك لما ورد في رواية الكليني عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أيوب بن الحر، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس ليست بالتي يدخل عليها الرجال[2] .

بل الظاهر من الرواية أن منشأ الحرمة ليس هو الغناء نفسه بل هو ما يكتنفه من محرمات من أوضحها دخول الرجال على النساء و ما يستلزمه ذلك عادة من اغراء واثارة للغرائز وارتكاب للذنوب فان التقييد بعدم دخول الرجال مشعر بعليته للحرمة وقد سببت هذه الرواية خلافا كبيرا فذهب الفيض الكاشاني الى ( ...اختصاص حرمة الغناء وما يتعلق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني أمية وبني العباس من دخول الرجال عليهن وتكلمهن بالأباطيل ولعبهن بالملاهي من العيدان والقضيب وغيرها دون ما سوى ذلك كما يشعر به قوله عليه السّلام « ليست بالتي يدخل عليها الرجال »). [3]

وذهب الملا محمد النراقي الى أن ( الروايات المانعة عن بيع المغنّيات وشرائهنّ غير دالة على حرمة مطلق الغناء . ضرورة أن ليس مطلق بيع من يقدر على التغنّي - وإن علم وقوع التغنّي منه - حراما، إلَّا بتقييد البيع بقصد التغنّي ، استظهارا بإشعار وصف الموضوع بالغلبة ، وهو ليس دلالة وضعية ، بل مجرّد ظهور عرفيّ ، وهو ليس بأكثر من ظهور المغنّي والمغنيّة بحكم الغلبة في أزمنة الخطاب ، على ما سمعت في من يعدّ للتغنّي بالباطل من الجواري والغلمان في مجالس اللهو من الأعراس وغيرها ، بل كان تداول فيها دخول الرجال على النساء ، وتعارف فيها التكسب بها ، كما يظهر من الآثار والأخبار ، وخصوص الصحيح : « أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأس ، ليست بالتي تدخل عليها الرجل » المشعر بمعهودية دخول الرجال عليهنّ)[4] .

وأما ما نقض به بعض الاعزة من دخول زكريا على مريم عليها السلام دخول سلمان على فاطمة الزهراء عليها السلام لإثبات أن دخول الرجال على النساء أعم من كونه حراما أو مباحا فلا يصلح الدخول بحد نفسه لأن يكون مناطا في الحرمة .

فيناقش بأن دخول الرجال على المغنيات موجب عادة لارتكاب المحرم في شهوة السمع والنظر على الاقل فلا ينبغي النظر الى مجرد دخول الرجال على النساء الذي قد يكون للرعاية والحماية أو لطلب العلم أو بذله .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo