< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/04/22

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/السنة/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

قلنا: إِن ما أفاده الشَّيْخ الأعظم الأنصاري & في مقام التخلص من الإشكال بعد التسليم بأن الخبر الواحد في الموضوعات غير حجة، وبعد التسليم أَيْضاً بأن إخراج مورد الآية عن مفهوم الآية غير جائز، بعد التسليم بهذين المطلبين قال &: إِنَّنَا لا نخرج المورد من الآية، وَإِنَّمَا نلتزم بمفهوم الآية غاية الأمر إِنَّنَا نقيِّد إطلاق هذا المفهوم في خصوص الموضوعات الخارجية بقيد التعدد؛ فَإِنَّ المفهوم مطلق يَدُلُّ عَلَىٰ حجية خبر العادل مُطْلَقاً سواء كان واحداً أم كان اثنين، من دون أَن نُخرج مورد الآية وهو الخبر في الموضوع الخارجي (أَيْ: يبقى موضوع الآية شاملاً للخبر حَتَّىٰ في الموضوع الخارجي لكن بقيد التعدد).
قلنا بالأمس بأن هذا الكلام إِنَّمَا يَصِحّ فيما إذا استظهرنا من كلمة >فاسق< في الآية الشريفة معنى الجنس وَالطَّبِيعَة، حِينَئِذٍ يكون اسم الجنس شاملاً للواحد وللمتعدد فيصح كلام الشَّيْخ؛ لِأَنَّ المفهوم يكون حِينَئِذٍ دالا عَلَىٰ حجية خبر العادل سواء كان واحداً أم متعدداً، فنقيِّد إطلاق هذا المفهوم بقيد التعدد، لكن إذا استظهرنا عرفاً من هذه الكلمة الواردة في الآية الشريفة بقرينة التنوين >فاسق< الدال عَلَىٰ الوحدة (أي: طبيعة الفاسق مقيدة بقيد الوحدة)، فكأن الآية قالت: إِن جاءكم فاسق واحد، أو إِن جاءكم فرد من الفساق، وَحِينَئِذٍ يكون مفاد الآية الفاسق الواحد أو الفرد من الفساق وَحِينَئِذٍ يكون قيد الوحدة مأخوذاً في منطوق الآية وفي مفهوم الآية معاً.
المنطوق يَدُلُّ عَلَىٰ عدم حجية النبأ عند مجيء فاسقٍ واحدٍ.
المفهوم يَدُلُّ عَلَىٰ حجية النبأ عند مجيء عادلٍ واحدٍ.
فكأَنَّ الآية الشريفة بناء عَلَىٰ هذا وردت في خصوص خبر الشخص الواحد بقرينة تنوين الوحدة، أي: علقت وجوبَ التبين عن خبر الشخص الواحد عَلَىٰ فسق المخبر. فهنا في مثل هذا الفرض لا يَتُمُّ كلامُ الشَّيْخ الَّذِي قال: >إِن الالتزام بالتعدد في الموضوعات تقييدٌ لإطلاق المفهوم<؛ فَإِنَّهُ بناء عليه يكون إلغاءً لقيد الوحدة؛ فَإِنَّهُ لا إشكال في تقييد المطلق ولٰكِنَّ إلغاء القيد المذكور في الآية غير جائز؛ فَإِنَّنَا لو قلنا لَا بُدَّ من البينة فمعناه أَنَّنَا قلنا بإلغاء قيد الوحدة الواردة في الآية. فيقع التنافي إذن بين المفهوم من جهة وبين ما دل عَلَىٰ عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات.
فلو أردنا أَن نعمل بالمفهوم من دون أَن نخرج الموضوعات (كما هو مفروض كلام الشَّيْخ) تعارضنا مع ما دل عَلَىٰ عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات. فيعود الإشكال ولا ينفع كلام الشَّيْخ.
فالصحيح ما ذكرناه في جواب الإشكال من أَنَّهُ:
أَوَّلاً: مورد الآية أساساً غير خارج عن مفهوم الآية فقهياً؛ فَإِنَّ مفهوم الآية يَدُلُّ عَلَىٰ أَن خبر الواحد حجة سواء في الموضوعات أم في الأحكام (فنحن لم نقبل بعدم حجية خبر الواحد في الموضوعات).
وثانياً: حَتَّىٰ لو كان خارجاً عن مفهوم الآية فهذا لا يشكل مانعاً لحجية المفهوم، بل يقيِّد إطلاق المفهوم (أَيْ: إطلاقَ الجزاء).
وبهذا تم البحث الثَّانِي وهو البحث عن المانع الخارجي المنفصل عن الآية الَّذِي يمنع من حجية ظهور الآية في المفهوم، وعرفنا أَن الصحيح هو عدم وجود مانع من هذا القبيل. وانتهينا به عن المقام الثَّانِي وتبين أَن هناك مانعاً داخلاً يمنع من انعقاد ظهور فعلي للآية في المفهوم والمانع عبارة عن عموم التعليل حيث آمنا بهذا المانع.
وبهذا تم الكلام حول الآية الأولى آية النبأ من الآيات الَّتِي اسْتَدَلَّ بها عَلَىٰ حجية خبر الواحد، وخلاصة ما انتهينا إليه في هذه الآية الشريفة هي أَن دلالة هذه الآية عَلَىٰ حجية خبر الواحد غير تامة عندنا؛ أَوَّلاً لا مقتضي في الظهور في مفهوم الشرط (فإن مفهوم الوصف غير موجود) في هذه الآية؛ لما قلنا من أَن الآية مجملة بين أَن يكون موضوعها النبأ، وبين أَن يكون موضوعها نفس الفاسق، ومع الإجمال لا يبقى اقتضاء للظهور في المفهوم، هذا أَوَّلاً.
وثانياً حَتَّىٰ لو سلمنا بأن فيها مقتضياً للظهور في المفهوم لكن للأسف يوجد في داخل الآية مانعٌ داخلي متصل يمنع من أثر هذا المقتضي وهو انعقاد ظهور فعلي للآية في المفهوم، وهذا المانع الداخلي عبارة عن عموم التعليل المذكور في ذيل الآية، فلا تدل آية النبأ عَلَىٰ حجية خبر الواحد.
الآية الثانية: آية النفر
وهي قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفُرُوا كَافَّةً، فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[1] [2].

فقد اسْتَدَلَّ بهذا الآية من قبل بعض الأصوليين عَلَىٰ حجّيّة خبر الواحد ووجوب العمل بخبر الواحد، حَتَّىٰ أَن بعض الأصوليين شَدد عَلَىٰ دلالة هذه الآية عَلَىٰ الْحُجِّيَّة، فعلى سبيل المثال جعلها المحقق النائيني من أوضح الآيات دلالةً عَلَىٰ الْحُجِّيَّة. راجع عنه: الكاظمي، فوائد الأصول: ج2، 77، واعتبر السَّيِّد الأستاذ الخوئي & دلالة هذه الآية عَلَىٰ الْحُجِّيَّة أظهر من آية النَّبَأ كما في دراسات في علم الأصول: ج3، ص166.
وقد شّدد البعض الآخر في المقابل عَلَىٰ عدم دلالة هذه الآية عَلَىٰ الحجية إِلَىٰ حدّ أَنه جعلها من حيث وضوح عدم الدلالة عَلَىٰ الحجية عَلَىٰ وزان دلالة الحديث النبوي المعروف: >من حفظ عَلَىٰ أمتي أربعين حديثاً بعثه اللـهُ يوم القيامة فقيهاً عالماً< المذكور في جامع أحاديث الشيعة: ج 1، باب حجّيّة أخبار الثِّقَات، وفيه مجموعة من الأحاديث مرقمة من 68 إِلَىٰ 73، أَيْضاً في خصال الصدوق: ج2، ص541، ويذكر في أربعين الشَّيْخ البهائي ص 40-41: أَن الاستدلال بحجية خبر الواحد بهذا الحديث ليس بأدون من الاستدلال عَلَىٰ الْحُجِّيَّة بآية النفر).
وَعَلَىٰ كُلّ حال هناك وجوه عديدة ذكرت لتقريب الاستدلال بهذه الآية عَلَىٰ الْحُجِّيَّة، ويوجد قدر مشترك بين هذه الوجوه حيث أَن هذه الوجوه بأجمعها تحاول أن تستفيد من الآية الشريفة وجوب الحذر عند إنذار المنذر، وتستفيد أَيْضاً من الآية أَن وجوب الإنذار وجوب مطلق، سواء حصل لك العلم بصدق المنذر أم لم يحصل لك العلم. بقلم الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه فإذا ثبت هذا الوجوب بطريق مّا، فَحِينَئِذٍ يُجعل برهاناً عَلَىٰ حجّيّة خبر الواحد، وذلك بالقول بِأَنَّهُ لو لم يكن خبر الواحد حجةً لما وجب الحذر عند الإنذار إِلَّا في فرض حصول العلم لنا بصدق المنذِر، إذن فوجوب الحذر عند الإنذار حَتَّىٰ وإن لم يعلم بصدقه ملازمٌ لحجية إنذار المنذر وإخباره.
هذا هو القدر المشترك الَّذِي تنصب عليه كُلّ الوجوب.
أما نقطة الاختلاف في هذه الوجوه رغم اشتراكها في هذا المطلب، عبارة عن كَيْفِيَّة استفادة وجوب الحذر من الآية؛ فَإِنَّ كلها تقول بأن الآية تدل عَلَىٰ وجوب الحذر كما سوف يتضح من خلال استعراض الوجوه.
إذن، وجه الاستدلال بالآية عَلَىٰ حجية خبر الواحد هو أَن يقال: إِن كان الحذر عند إنذار المنذر واجباً حَتَّىٰ مع عدم حصول العلم واليقين من خبره، إذن فخبره حجةٌ (أَيْ: قضية شرطية، فيها مقدم وفيها تالي). ويثبت المقدَّم فيها بالآية الشريفة، فيثبت التالي (وهو أَن خبر الواحد حجة) أَيْضاً.
فهذا الاستدلال له ركنان:
الركن الأول: دعوى الملازمة بين وجوب الحذر عند إنذار المنذر حَتَّىٰ ولو لم يحصل العلم وبين الحجية.
والدليل عَلَىٰ هذه الملازمة هو أَنَّهُ لو لم يكن إنذار المنذر وإخبارُه حجةً لَمَا تنجّز الواقعُ عَلَىٰ المكلف بسبب إخبار هذا المنذر؛ لِأَنَّ إخباره ليس حجّة، فلا يحتمل المكلفُ العقابَ عَلَىٰ المخالفة، ومع عدم احتمال العقاب لا يجب الحذر؛ فَإِنما يحذر مَن يحتمل العقاب، وإذا لم يكن معنى للحذر من العقاب، فلا يكون الحذر واجباً. هذه طريقة بيان الملازمة بين وجوب الحذر وبين الْحُجِّيَّة.
يبدو أَن الأصحاب بأجمعهم (سواء من يقول بتَمَامِيَّة الاستدلال أم من يقول بعدم تَمَامِيَّته) تَسَالَموا عَلَىٰ هذه الملازمة (بين وجوب الحذر وبين الْحُجِّيَّة)، وَإِنَّمَا ركّزوا كلامَهم عَلَىٰ الركن الثَّانِي الَّذِي نذكره، فآمن به مَن آمن بتَمَامِيَّة الاستدلال بهذه الآية، وأنكر (الركنَ الثَّانِي) مَن أنكر (تماميةَ الاستدلال بهذه الآية).
والركن الثَّانِي هو دعوى أَن الآية الشريفة تَدُلّ عَلَىٰ وجوب الحذر مُطْلَقاً حَتَّىٰ إن لم يحصل العلمُ، والخلاف كلّه هنا بأن الآية هل تدل عَلَىٰ وجوب الحذر مُطْلَقاً أو لا؟
كُلّ الوجوه الثلاثة الَّتِي سوف نذكرها إِن شاء اللـه تعالى تحاول إثبات الركن الثَّانِي. وهذا ما يأتي إِن شاء اللـه غدا والحمد لله رب العالمين.


[2]ويجدر الإشارة هنا إِلَىٰ أَن >النَّفر< في الآية الشريفة قد استعمل في الجهاد في سبيل اللـه، أعني: أَن معنى الآية الشريفة هو أَنَّهُ لا يجوز للمؤمنين كلهم أَن يخرجوا وينفروا إِلَىٰ الجهاد والقتال في سبيل اللـه، بل يجب عَلَىٰ طائفة منهم أَن يتفقهوا في الدين؛ فَإِنَّ التفقه في الدين هو شريان الإمداد الأساسي لأولئك الخارجين إِلَىٰ القتال في سبيل اللـه. ويُستدل بهذه الآية في محله عَلَىٰ حرمة خروج الكل إِلَىٰ الجهاد ووجوب بقاء بعض العلماء والمتعلمين، كما يستدل بها عَلَىٰ سقوط خدمة العَلَم والتجنيد الإجباري عن طلاب العلوم الدينية. ومن هنا يظهر أَن ما أفاده السيد الأستاذ الحائري غريب وبعيد عن الآية الشريفة؛ فقد فَسَّرَ حفظه اللـه صدر الآية بِأَنَّهُ حيث لا يمكن لجميع المؤمنين الخروج والنفر إِلَىٰ تعلم الفقه والأحكام الشرعية، فلا أقل من أَن يخرج طائفة منهم إِلَىٰ المدينة لتعلم الفقه من النبي .’؛ الهامش من الشَّيْخ محسن الطهراني عفى اللـه عنه بحق محمد وآله الطاهرين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo