< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/04/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

مانع آخر للمنع عن حجية مفهوم آية النبأ:
هناك مانع آخر يمنع عن حجية مفهوم آية النبأ ويتلخص هذا المانع في ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: أن مورد آية النبأ مفهوماً ومنطوقاً هو النبأ في الموضوع الخارجي؛ إذ أن منطوق الآية يتعرض لنبأ الفاسق في الموضوع الخارجي، ومفهومها يتعرض لنبأ العادل في الموضوع الخارجي أيضاً؛ لأن الآية وردت بشأن الوليد عندما أنبأ عن ارتداد جماعة والنبأ عن الارتداد موضوعٌ خارجي وليس نبأ عن الحكم الشرعي وإن كان الموضوع الخارجي مما يترتب عليه الحكم الشرعي.
النقطة الثانية: أن إخراج مورد الكلام بشكل عام عن الكلام أمر غير جائز ومستهجن، فإخراج النبأ عن الموضوع الخارجي منطوقاً ومفهوماً غير جائز؛ فقد قلنا في النقطة الأولى بأن النبأ عن الموضوع الخارجي، وبالتالي إخراج النبأ في الموضوع الخارجي عن منطوق الآية ومفهومها غير جائز.
النقطة الثالثة: أن هناك أدلة دلت علىٰ أن الخبر في الموضوعات الخارجية غير حجة حتى لو كان نبأ العادل، فلا نكتفي فيها بخبر الواحد أو الثقة بل لابد من البيّنة (الشاهدين العادلين).
والنتيجة: وقوع التعارض بين مفهوم الآية الدال علىٰ حجية خبر الواحد (سواء في الموضوع أو في الأحكام، ولا يمكن تخصيص هذا المفهوم بخبر الواحد في الأحكام، أي: إخراج الخبر في الموضوع الخارجي عن تحت المفهوم، وهذا هو إخراج المورد وهو غير جائز حسب النقطة الثانية) وبين ما دلّ علىٰ عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات الخارجية. هذا هو المانع والمعارِض الخارجي لمفهوم الآية، وبالتالي يتساقطان فلا يبقى عندنا مفهوم للآية.
جواب الشيخ الأنصاري عنه:
وقد أجاب الشيخ الأعظم الأنصاري ره عن هذا الإشكال بأن الآية جعلتْ (في منطوقها) الشرطَ لوجوب التبين مجيء الفاسق، والمقصود مجيءُ طبيعي الفاسق بالنبأ لا خصوص مجيء فاسق واحد، وشرط المفهوم الدال علىٰ حجية خبر العادل أيضاً يكون هذا (أي: مجيء طبيعي العادل وليس خصوص عادلٍ واحد). إذن، إطلاق المفهوم يشمل العادل الواحد والعادلين، أي: إن جاءكم عادل (سواء كان عادلاً واحداً أو أكثر من واحد) فلا يجب الفحص والتبيّن. إذن، إطلاق المفهوم منذ البداية يشمل العادلين، أي: يشمل البيّنة، لكن بعد ذلك جاء الدليل الدال في النقطة الثالثة ليدل علىٰ أن في خصوص الشبهات الموضوعية لابد من عادلين، فقُيِّد إطلاقُ المفهوم في الشبهات الموضوعية لتكون النتيجة حجية خبر العادل في الشبهات الموضوعية بشرط انضمام عادل آخر إليه، فلم يلزم من ذلك إخراج المورد من الكلام، فارتفع الإشكال.
والحاصل أن بالإمكان الالتزام؛ لأن الآية الشريفة تدل بالمفهوم علىٰ حجية خبر الواحد حتى في الشبهة الموضوعية (أي: حتى في موردها) من دون أن يلزم من ذلك إخراج المورد عن المفهوم، وإنما غاية ما يلزم من ذلك تقييد إطلاق المفهوم بقيد التعدد (أي: عادلين)، وهذا القيد استفدناه من دليل اشتراط البينة في الموضوعات الخارجية، فنقول: إن خبر الواحد حجة مطلقاً في الشبهات الحكمية سواء كان واحداً أو أكثر، ولكنه حجة في الموضوعات بشرط أن يكون أكثر من واحد حتى تتشكل البيّنة. إذن، إنَّ دليل اشتراط البيّنة في الموضوعات قيّد إطلاقَ المفهوم بقيد التعدد في خصوص مورد الآية وهو الشبهات الموضوعية. فهذا تقييد لإطلاق المفهوم في مورده وليس تخصيصاً للمفهوم وإخراجاً لمورده عن حكمه حتى يكون مستهجناً[1].
أقول: توجد هنا ثلاثة إشكالات:
الإشكال الأول: أصل هذا المانع الخارجي المذكور غير ثابت عندنا؛ إذ لم تتمّ عندنا فقهياً الدليل علىٰ عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات وهذا بحث نتعرض له في آخر بحثنا عن حجية خبر الواحد في جهة من جهات البحث في حدود الحجية وشروطها، وسوف نثبت هناك أن الصحيح حجية خبر الواحد في الموضوعات أيضاً كما هو حجة في الأحكام، أي: لا يشترط في الموضوعات قيام البينة، بل يكفي عادل واحد، بل ثقة واحد. طبعا، هناك موضوعات خاصة اشترط الشارع فيها البينةَ من قبيل الشهادة علىٰ الزنا وبعض الأمور المهمّة الأخرى. ومورد الآية (وهو الخبر في الموضوع الخارجيّ) ليس خارجاً عن المفهوم أساساً، فلا يتوجّه الإشكال إلينا أبداً؛ لأن الإشكال إنما يرتبط بأولئك الذين يقولون بأن خبر الواحد ليس حجةً في الموضوعات.
الإشكال الثاني: أنه حتى لو ثبت من الخارج عدم حجة خبر الواحد في الموضوعات (أي: في مورد الآية) فإن هذا لا يتنافى مع مفهوم الآية (وهذا أمر مهم)، فهذا لا يشكل مانعاً عن عدم حجية المفهوم في الآية؛ لأنه إنما يشكّل مانعاً عن حجية خبر الواحد ويتنافى مع ثبوت المفهوم في الآية فيما إذا التزمنا بالنقطة الثانية (وهي عدم جواز إخراج المورد من الكلام) في حين أنه لا مبرر للالتزام بهذه الفكرة؛ فإن الواقع أنه أساساً لا يوجد مبرر للالتزام بأن إخراج المورد عن الكلام غير جائز، بل يجوز إخراج المورد عن المفهوم وإن لم يجز إخراج المورد عن المنطوق (أي: أننا نفرّق بين المنطوق والمفهوم من هذه الناحية ونقول بأنه لا يمكن إخراج مورد الكلام عن منطوق الكلام، لكن إخراج المورد عن مفهوم الكلام لا محذور فيه).
توضيح ذلك: أنه لا إشكال في أن إخراج مورد الكلام عن منطوق الكلام غير جائز؛ فإنه لو سأل سائل: >هل أُكرم زيداً< فقيل له في الجواب: >أكرم كل فقير< وفرضنا أن زيداً فقير، فلا يجوز هنا إخراج زيد بالتخصيص عن منطوق هذا الجواب؛ فليس من المعقول أن زيداً الذي هو فقير لا يشمله الجواب؛ فإن الجواب نص في وجوب إكرام زيد وظاهر بالنسبة إِلَىٰ سائر الفقهاء بالظهور الإطلاقيّ أو العمومي؛ لأن انطباق الكلام علىٰ مورده قطعيّ، فزيد في هذا المثال هو القدر المتيقن ممن يجب إكرامه، فيقع التنافي والتعارض، لا التخصيص؛ فإن السؤال ليس عاماً قابلاً للتخصيص. هذا بالنسبة لإخراج المورد عن المنطوق، وقد تبين أن الإخراج غير جائز.
أما بالنسبة إِلَىٰ إخراج المورد عن مفهوم الكلام فمثاله أن زيداً من الناس كان هاشمياً وكان فقيراً، وسأل سائل: >هل يجب إكرام زيد؟< فأُجيب بقضية شرطية: >إن كان الإنسان فقيراً وجب إكرامُه<، وفرضنا أننا علمنا من الخارج أن زيداً بالخصوص حتى لو لم يكن فقيراً فهو هاشميّ يجب إكرامُه. فزيدٌ داخل في منطوق الكلام ولكن بالنسبة إِلَىٰ المفهوم القائل بأن الإنسان إن لم يكن فقيراً لا يجب إكرامه، فهل يجب الالتزام به بأنه لو لم يكن فقيراً لا يجب إكرامه، لكن نخرج زيداً عن تحت المفهوم (ومحذوره إخراج مورد الكلام عن المفهوم). والخلاصة أنه هل يجوز إخراج المورد عن المفهوم رأساً والالتزام بحفظ المفهوم لغير المورد (زيد)؟
فيقع التعارض بين المفهوم القائل بأن زيداً إذا لم يكن فقيراً لا يجب إكرامه وبين علمنا الخارجي بأن زيداً حتى لو لم يكن فقيراً يجب إكرامه؛ لكونه هاشمياً.
الجواب يأتي في يوم السبت إِن شاء اللـه تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo