< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وإن أراد & بذلك بيان أَن >النبأ< من ناحية تقييده بالشرط لا يسري إِلَىٰ جميع الأفراد وإن كان في المرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ تقييده به مطلقاً ويسري إِلَىٰ تمام الأفراد، فهو & يريد أَن يقول: إِن إطلاقه هذا إطلاق مرتبتي (أَيْ: في مرتبة وقوعه موضوعاً للحكم) وليس إطلاقا واقعياً؛ فَإِنَّ >النّبأ< وإن كان في المرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ التقييد بالشرط (أَيْ: في مرتبة كونه موضوعاً للحكم مُطْلَقاً) لكنه في المرتبة المتأخرة عن ذلك حُصِّص (بسبب التقييد بالشّرط) إِلَىٰ حصّتين: حصة مضافة إِلَىٰ الفاسق، وحصة مضافة إِلَىٰ العادل، فَتَعلَّق الحكم بالحصة المضافة إِلَىٰ الفاسق خاصَّة، فلا يسري الحكم إِلَىٰ تمام الحصص والأفراد كي يرد محذور وجوب التَّبَيُّن حَتَّىٰ عن أخبار العدول. ولعل هذا هو الظاهر من عبارته &، فهو وإن ذكر عدم لحاظ السريان في الرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ التقييد بالشرط، لكنه لم يكن يقصد بذلك أَنَّهُ ما دام لم يلحظ السريان إذاً فلا يسري الحكم، كي يرد عليه جوابنا المتقدم آنفاً القائل بِأَنَّهُ حَتَّىٰ إذا لم يلحظ السريان فإنّ الحكم يسري، بل كان يقصد بذلك أَنَّهُ ما دام لم يلحظ السريان في الرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ التقييد بالشرط (أَيْ: في رتبة الموضوع) إذن فبالإمكان تقييد الإطلاق في المرتبة المتأخرة من خلال الشَّرط؛ إذ لو كان قد لوحظ السريان في الرتبة السَّابِقَة (أَيْ: في رتبة الموضوع) لم يكن من المعقول حِينَئِذٍ التقييد بعد ذلك في المرتبة المتأخرة من خلال الشَّرط؛ لوضوح أَن التقييد عبارة عن لحاظ عدم السريان، فلا يجتمع مع لحاظ السريان. وَعَلَىٰ كُلّ حال فإن كان مقصوده & هذا فيرد عليه: أَن الَّذِي يقيَّد بالشرط عبارة عن الحكم (أَيْ: وجوب التَّبَيُّن والفحص لا الموضوع، أي: النبأ)؛ فَإِنَّ مصبّ التقييد بالشرط والتعليق عليه إِنَّمَا هو الحكم دون الموضوع، فالذي يُفحَص عنه لا زال عبارةً عن طبيعي النبأ، لكن وجوب الفحص عنه مشروط بمجيء الفاسق به. إذن، فيعود الإشكال وهو أَنَّهُ يلزم من ذلك وجوب التَّبَيُّن عن طبيعي النبأ (حَتَّىٰ أَنباء العدول) عند مجيء الفاسق بنبأ، وهو غير محتمل.
إذن، فالجواب الَّذِي ذكره المحقق الأصفهاني & عَلَىٰ الإشكال غير تام.
وأمّا أصل الإشكال فهو أَيْضاً غير صحيح، وجوابه عبارة عن انحلال القضية، ونظراً إِلَىٰ أَن هذه الآية في نفسها ليس لها مفهوم بحسب الواقع فمن المستحسَن نقل المغالطة الَّتِي ينطوي عليها الإشكال المذكور إِلَىٰ مثال آخر كي يتّضح الجواب عنها. فلنفرض أَن الآية كانت بالصيغة التالية: >النبأ إِن جاءكم به الفاسق فتبيّنوا< ومعناها أَن طبيعي النبأ إِن جاء به الفاسق فتبيّنوا، فيقال: إنه يلزم من ذلك وجوب التَّبَيُّن بالنسبة إِلَىٰ نبأ العادل أَيْضاً بواسطة ثبوت نبأ الفاسق، وهذه مغالطة نشأت من تخيّل سريان الحكم بما هو وبذاته إِلَىٰ تمام الأفراد، مع أَنَّهُ ليس الأمر كذلك؛ فَإِنَّ الحكم إِنَّمَا يسري إِلَىٰ تمام الأفراد لا بما هو وبذاته، بل بما هو معلّق عَلَىٰ الشَّرط.
وبتعبير آخر: إِن أصل القضية بما هي قضية تنحلّ إِلَىٰ قضايا عديدة، لا أَن جزءاً منها ينحل، وبكلمة أخرى: إِن الانحلال ثابت للمعلَّق والمعلَّق عليه والتعليق معاً، فقولنا: >النبأ إِن جاءكم به فاسق فتبينوا< يكون عرفاً في قوّة أَن يقال: >هذا النبأ إِن جاءكم به فاسق فتبيّنوا، وذاك النبأ إِن جاءكم به فاسق فتبيّنوا، وذلك النبأ إِن جاءكم به فاسق فَتَبَيَّنُوا، وهكذا... تنحل هذه القضية الواحدة إِلَىٰ قضايا عديدة كُلّ واحدة منها مشتملة عَلَىٰ المعلَّق والمعلَّق عليه والتعليق، ولولا هذا الانحلال لسرى الإشكال المذكور إِلَىٰ غير ما نحن فيه من موارد مفهوم الشَّرط؛ إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني لإمكان تقريبه في كُلّ قضية شرطية ذات المفهوم إذا كانت من قبيل ما نحن فيه (أَيْ: كان الموضوع الَّذِي يُبحث عن تحصّصه وعدم تحصّصه كلّياً - كما في المقام حيث أَن الموضوع هو النبأ - لا جزئياً حقيقيّاً) وكان موضوع الجزاء عائداً إِلَىٰ نفس ذاك الموضوع الموجود في الشَّرط (كما في المقام حيث أَن الضمير المستتر في الجزاء الَّذِي تعلّقت به مادَّة الجزاء الَّتِي هي عبارة عن التَّبَيُّن عائد إِلَىٰ نفس الموضوع الموجود في الشَّرط وهو النبأ). إذن، ففي كُلّ مورد يتوفّر فيه هذان الشرطان يكون من قبيل ما نحن فيه، حيث يأتي فيه الإشكال المذكور، فلا مجال لهذا الإشكال حينما يكون الموضوع جزئياً حقيقيّاً، كما في قولنا: >إِن جاء زيد فأكرمه<، ولا مجال له أَيْضاً حينما يختلف موضوع الجزاء عن موضوع الشَّرط، كما في قولنا: >إِن رزقت ولداً فتصدّق عَلَىٰ الفقراء<. والسبب في ذلك واضح؛ فَإِنَّ قوام الإشكال إِنَّمَا هو بكون الموضوع هو الطَّبِيعِيّ الكلي القابل للتّحصّص، وكونه عين ما تعلق به الحكم في الجزاء، فيقال حِينَئِذٍ: إنه يلزم ثبوت الحكم المذكور في الجزاء لكل أفراد ذاك الطَّبِيعِيّ كلّما تحقّق فرد منه؛ ففي قولنا: >إِن جاء زيد فأكرمه< حيث أَن الموضوع جزئي حقيقي فلا يرد الإشكال ولا معنى لأنْ يقال حِينَئِذٍ: إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني إنه يلزم ثبوت الحكم لكل الأفراد كلّما تحقّق فرد من الموضوع، وفي قولنا: >إِنْ رُزقتَ ولداً فتصدَّقْ عَلَىٰ الفقراء< حيث أَن موضوع الجزاء هو >الفقراء< بينما الموضوع الموجود في الشَّرط هو >الولد<، فأيضا لا يرد المحذور والإشكال؛ إذ لا ضير في الالتزام حِينَئِذٍ بثبوت الحكم لكل الأفراد (أَيْ: وجوب التصدق عَلَىٰ كُلّ الفقراء كلّما تحقق فرد من الموضوع الطَّبِيعِيّ الكلي وهو الولد؛ فَإِنَّ هذا ليس أمراً غريبا لا يلتزم به أحد، بل هو ما تقتضيه القاعدة كما هو واضح.
وبهذا ظهر عدمُ صحّة ما أفاده السيد الهاشمي حفظه اللـه من أَن الإشكال المذكور (أَعني: إشكال المحقق الأصفهاني &) لو تَمَّ أوجب سقوط المفهوم مطلقاً حَتَّىٰ فيما إذا كان الموضوع جزئياً كقولنا: >إِن جاء زيد فأكرمه<، أو كان موضوع الجزاء غير راجع إِلَىٰ موضوع الشَّرط كقولنا: >إِنْ رُزقتَ ولداً فتصدَّقْ عَلَىٰ الفقراء<؛ إذ يقال هنا أَيْضاً: إِن كان الشَّرط قيداً في موضوع الجزاء (بأن فرضنا في المثال الأول مَثَلاً أَن المجيء قيد في موضوع وجوب الإكرام) فيكون وجوب الإكرام موضوعه عبارة عن زيد الجائي، فبانتفاء الشَّرط ينتفي الموضوع، فيكون انتفاء الحكم حِينَئِذٍ من باب انتفاء موضوعه، فلا يكون للكلام مفهوم. وإن لم يكن الشَّرط قيداً في موضوع الجزاء لزم إطلاق وجوب إكرام زيد للإكرام الواقع قبل مجيئه؛ لأَنَّ المفروض كون المنطوق في طرف الجزاء عبارة عن مطلق وجوب إكرام زيد الصادق عَلَىٰ إكرامه قبل مجيئه، مع أَن هذا الإطلاق غير ثابت في طرف الجزاء قطعاً.
أقول: هذا الكلام غير صحيح؛ فَإِنَّنَا نختار الشق الثَّانِي، وهو أَن الشَّرط ليس قيدا في موضوع الجزاء، لكنه قيد في نفس الجزاء والحكم، فليس المنطوق في طرف الجزاء هو مطلق وجوب إكرام زيد الصادق عَلَىٰ إكرامه قبل مجيئه، وعليه فلا يلزم من ذلك إطلاقُ وجوب إكرام زيد للإكرام الواقع قبل مجيئه؛ وذلك لما قلناه في مناقشة الجواب الَّذِي ذكره المحقق الأصفهاني & عَلَىٰ الإشكال من أَن مصبّ التقييد بالشرط والتعليق عليه ليس هو الموضوع، بل هو الحكم؛ فَإِنَّهُ المقيَّد والمشروط بالشرط والمعلَّق عليه، فبانتفائه لا وجوب للإكرام؛ فالإكرام الواقع قبل مجيئه لم يقع عَلَىٰ صفة الوجوب كي يرد الإشكال الَّذِي ذكره السيد الهاشمي حفظه اللـه كما هو واضح.
وللبحث صلة تأتي إِن شاء اللـه في اليوم القادم والحمد للـه رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo