< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/03/20

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

ومنها: أَنَّهُ في القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة المذكورة في الآية الشريفة سوف يكون اندفاع الإشكال القائل بأن القضية مسوقة لتحقق الموضوع أوضح، ويكون ثبوت المفهوم لها أجلى، وذلك فيما إذا استظهرنا من الآية الشريفة أَن للقضية موضوعاً حملياً بالمعنى الَّذِي قلناه، فلا يعقل حِينَئِذٍ أَن يكون الشَّرط مسوقاً لتحقق الموضوع.
وتوضيحه:
أَنَّنَا تارة نفترض أَن القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة المذكورة في الآية الشريفة لا موضوع حملي لها، وذلك بأن نقول: إِن كُلّ مدخول أداة الشَّرط فيها هو شرط، فَحِينَئِذٍ يمكن أَن يُثار (حول هذا الشَّرط) الإشكال القائل بِأَنَّهُ شرط مسوق لتحقيق الموضوع؛ لِأَنَّهُ يكون حِينَئِذٍ من النحو الأول من الأنحاء الثلاثة الَّتِي ذكرناها سابقاً المتصوَّرة للشرط ولموضوع الحكم في الآية، وهو أَن موضوع الحكم حِينَئِذٍ عبارة عن >نبأ الفاسق<؛ لرجوع الضمير المقدَّر (الواقع موضوعاً لوجوب التَّبَيُّن) إِلَىٰ نبأ الفاسق، والشرط عبارة عن مجيء الفاسق بالنبأ، فيكون الشَّرط هو الأسلوب الوحيد لتحقيق الموضوع، وبانتفائه ينتفي الموضوع قهراً وعقلاً فتكون سالبة بانتفاء الموضوع، فلا مفهوم لها.
وأخرى نفترض أَن لها موضوعاً حملياً انصبّ عليه تعليق الجزاء عَلَىٰ الشَّرط (أَيْ: تعليق وجوب التبيّن عَلَىٰ مجيء الفاسق) وهو >النبأ< بحيث يكون >النبأ< هنا بمثابة >الختان< في تلك الرواية، فهو موضوع حملي للقضية الحملية قبل القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة، ولذا يَصِحّ تقديمه عَلَىٰ أداة الشَّرط، فيقال: >النبأ إذا جاءكم به فاسق فتبيّنوا<، من دون أَن يختلّ المعنى؛ فهو ليس داخلاً في نطاق الفرض والتقدير الشرطي الَّذِي تَدُلّ عليه الأداة وإلا لَما صحَّ تقديمه عَلَىٰ الأداة. إذن، فهو ليس شرطاً؛ لأَنَّ الشَّرط لا يَصِحّ تقديمه عَلَىٰ أداة الشَّرط، إعداد الشَّيْخ محسن الطّهرانيّ عفي عنه بل هو موضوع لنفس القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة قد انصبّ عليه التعليق، فهو بَناء عَلَىٰ هذا مقدَّر الوجود ومحفوظ ومفروغ عن وجوده. وعليه فلا يعقل أَن يكون الشَّرط مسوقاً لتحقّقه؛ لأَنَّ الشَّرط والتعليق قد لوحظ في الرتبة المتأخرة عن فرض الفراغ عن وجود >النبأ<، فيتعين حِينَئِذٍ أَن يكون الشَّرط في مقام بيان صفة ثانوية بعد الفراغ عن وجود النبأ، وهي صفة الفسق في المخبِر وأَن تكون القضية جاءت لإناطة الحكم بهذه الصفة مع الفراغ عن أصل وجود النبأ، فلا يتوهم ولا مجال حِينَئِذٍ لدعوى أَن الشَّرط مسوق لتحقيق الموضوع، فيكون اندفاع الإشكال وثُبوت المفهوم للآية أجلى وأوضح.
إذن، تحصل مِمَّا قدمناه إِلَىٰ الآن أَن القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة المذكورة في الآية الشريفة ليست مسوقةً لبيان الموضوع.
إِلَّا أَن الصحيح مع ذلك كله عدم ثبوت المفهوم في القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة المذكورة في الآية رغم البناء عَلَىٰ كبرى ثُبوت مفهوم الشَّرط؛ وذلك لأَنَّ كُلّ ما قدمناه لحد الآن كان مبنيّاً عَلَىٰ افتراض أَن موضوع الحكم بوجوب التبيّن في الآية (أَيْ: الَّذِي تعلّقت به مادّة التَّبَيُّن) عبارة عن >النبأ< كما عرفت، في حين أَن هناك احتمالاً آخر، وهو أَن يكون موضوع الحكم فيها عبارة عن نفس الفاسق، بأن يكون المقصود وجوب التبيّن عن حال الفاسق وأنه هل له غرض وداعٍ إِلَىٰ الكذب في هذا الإخبار، وهل توجد بينه وبين الَّذِينَ نسب إليهم ما يُشينهم عداوة أم لا؟ فإن هذا الاحتمال وارد في الآية ويمنع من أَن نستظهر منها رجوع الضمير الواقع موضوعاً لوجوب التَّبَيُّن المذكور في الجزاء إِلَىٰ >النبأ< وَحِينَئِذٍ فبناءً عَلَىٰ هذا الاحتمال يكون من الواضح عدم ثبوت المفهوم لهذه القضية؛ لأَنَّ قوام المفهوم إِنَّمَا هو بأن يكون لموضوع الحكم (في الرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ تقييده بالشرط) إطلاق يشمل فرض عدم وجود الشَّرط، حَتَّىٰ يكون التقييد بالشرط هدماً لذاك الإطلاق في الرتبة المتأخرة وتقييداً له وينتزع من ذلك المفهوم، أما إذا لم يكن كذلك فلا يتصور أصلا تقييده بالشرط في الرتبة المتأخرة حَتَّىٰ ينتزع من ذلك المفهوم؛ فَإِنَّ التقييد فرع وجود إطلاق للموضوع في ذاته، فإذا قيل مَثَلاً: >إِن حيّاك شخص بتحيّة رُدَّ عليه التحيّة< لم يكن لهذا الكلام مفهوم يَدُلُّ عَلَىٰ عدم وجوب الرد إذا لم يبتدأ شخص بالتحية؛ لأَنَّ الرد (الَّذِي هو موضوع الحكم) في نفسه لا يُعقل إذا لم يكن هناك ابتداء بالتحية من شخص؛ إعداد الشَّيْخ محسن الطّهرانيّ عفي عنه فهو ليس له إطلاق في المرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ تقييده بالشرط يشمل فرض عدم وجود الشَّرط وعدم الابتداء بالتحية كي يكون التقييد بالشرط هدماً لهذا الإطلاق وَبِالتَّالِي ينتزع منه المفهوم. وعليه فبناءً عَلَىٰ أَن يكون موضوع الحكم في الآية الشريفة عبارة عن نفس الفاسق، فإن هذا الموضوع ليس له في الرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ تقييده بالشرط (أَيْ: بمجيء الفاسق بالنبأ) إطلاق يشمل فرض عدم وجود الشَّرط (أَيْ: فرض العدالة كما هو واضح)، ضرورةَ أَن موضوع الحكم إذا كان هو >الفاسق< فهو لا يشمل العادل، وَحِينَئِذٍ فلا يُتصوَّر أصلا تقييده بالشرط، وَبِالتَّالِي فلا يُنتَزع المفهوم.
إذن، فإذا كان هذا الاحتمال وارداً في الآية (وهو احتمال كون موضوع الحكم هو الفاسق) فسوف تكون الآية مجملة ومردَّدة بين هذا الاحتمال وبين احتمال أَن يكون موضوع الحكم هو النبأ، فعلى أحد الاحتمالين (وهو أَن يكون الموضوع هو النبأ) لا يكون انتفاء الشَّرط (أَيْ: مجيء الفاسق بالنبأ) موجباً لانتفاء الموضوع، وَعَلَىٰ الاحتمال الآخر (وهو أَن يكون الموضوع هو الفاسق) يكون انتفاء الشَّرط موجباً لانتفاء الموضوع، وعليه فالقضية عَلَىٰ أحد الاحتمالين مسوقة لبيان الموضوع، وَعَلَىٰ الاحتمال الآخر ليست كذلك، فبالتالي لا ظهور للآية الشريفة في المفهوم.
هذا تمام الكلام في الإشكال الأول عَلَىٰ الاستدلال بمفهوم الشَّرط في الآية، وذلك من خلال القول بأن القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة فيها مسوقة لبيان الموضوع، وقد عرفتَ أَن الإشكال وارد بِالنَّحْوِ الَّذِي قلناه.
وللبحث صلة تأتي إِن شاء اللـه في يوم السبت والحمد للـه رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo