< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/03/12

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

التقريب الثَّانِي: أَن المفهوم في القضية الشرطية إِنَّمَا يستفاد بملاك كون الشَّرط قيداً للحكم، وبهذا يتميّز الشَّرط من الوصف في القضية الوصفية؛ فَإِنَّ الوصف قيد للموضوع لا للحكم (أَيْ: أَن مرجعه إِلَىٰ تحديد الموضوع قبل طروّ الحكم عليه، وكل ما يكون كذلك فلا مفهوم له؛ لوضوح أَن تقيّد الحكم بموضوعه وانتفاءه بانتفائه أمر ثابت في كُلّ قضية حكمية.
وعليه، ففي القسم الأول حيث أَن الشَّرط مساوق للموضوع ونفسه ذاتاً، فلا يعقل إعمال المتكلم لتقييد حقيقي؛ لأَنَّ الحكم هنا ذاتاً متقيّد بموضوعه وليس الشَّرط سوى تقييدٍ نحوي للحكم بحسب الصياغة، أما بحسب الروح فليس تقييداً للحكم وراء تقييده بموضوعه، ومن الواضح أَن تقييد الحكم بموضوعه أمر ثابت في كُلّ جملة حكمية، فيتعامل مع هذه القضية هنا معاملة القضية الحملية، وعليه فمادام لا يُتصوَّر في المقام تقييد زائد عَلَىٰ تقييد الحكم بموضوعه، إذن فلا يتصور للقضية مفهوم؛ لأَنَّ المفهوم منتزع من التقييد.
وكلا التقريبين لا يصحّ في القسم الثالث؛ وذلك:
أما التقريب الأول فلأن الشَّرط في القسم الثالث مادام ليس هو الأسلوب الوحيد لتحقيق الموضوع كما هو المفروض فنختار الشق الأول وهو أَنَّنَا نريد بالمفهوم نفي نفس مفاد الجزاء عند انتفاء الشَّرط، ولا يلزم من ذلك تحصيل الحاصل؛ لأَنَّ مفاد الجزاء وإن كان متقوّماً بموضوعه المتقوّم بالشرط، إِلَّا أَن الموضوع قيد يتقوّم بغير الشَّرط ويتحقق به، فوجوب التَّبَيُّن وإن كان متقومّاً بالنبأ المتقوّم بإنباء الفاسق به، إِلَّا أَن النبأ قد يتقوّم بإنباء العادل به. إذن، فني وجوب التَّبَيُّن عن النبأ إذا لم يُنبئ به الفاسق بأن أَنبَأَ به العادل ليس تحصيلا للحاصل، وليس هذا النفي سالبة بانتفاء الموضوع، بل سالبة مع وجود الموضوع، وهو المفهوم.
وإن شئت قلت: إِن الموضوع في القسم الثالث محفوظ ذاتاً حَتَّىٰ مع انتفاء الشَّرط؛ لأَنَّ الشَّرط حصته خاصَّة من إيجاد ذاك الموضوع، فلا يكون انتفاء الشَّرط مساوقاً لانتفاء الموضوع كي يكون الانتفاء عقلياً.
وأما التقريب الثَّانِي فلأن الشَّرط في القسم الثالث قيد حقيقي للحكم وليس مجرد تقييد لَفْظِيّ صياغي نحوي؛ وذلك لأَنَّ الحكم وإن كان ذاتا متقيّداً بموضوعه، فوجوب التَّبَيُّن في النبأ مَثَلاً متقيّد ذاتاً بوجود النبأ، إِلَّا أَن وجود الموضوع (أَيْ: النبأ في المثال) وتحققه لمّا كان من الممكن حصوله عن طريق آخر غير الشَّرط (أَيْ: غير إنباء الفاسق به) فلو لم يكن المتكلم قد أناط الحكم (أَيْ: وجوب تبين النبأ) بالشرط (أَيْ: بإنباء الفاسق به) لكنّا نقول: إِن الموضوع (أَيْ: النبأ) كلّما تحقق وبأيّ نحو وطريق حصل (سواء عن طريق الشَّرط وإنباء الفاسق به أم عن طريق آخر كإنباء العادل به) يترتب عليه حكمه ووجوب تبيّنه، لكن حينما ذكر المتكلم الشَّرط يكون بذلك قد ضيق دائرة الحكم وقيّده بما إذا تحقق الموضوع عن طريق الشَّرط. إذن، فهنا تقييد زائد وراء ذاك التقيّد الثابت في كُلّ جملة حكمية وَالَّذِي هو عبارة عن تقيد الحكم بموضوعه، وهذا التقيد الزائد عبارة عن تقيّد الحكم بتحقق الموضوع عن طريق الشَّرط، وعليه فالتقييد الحقيقي في هذا القسم معقول وليس مستحيلاً كما كان في القسم الأول، ومادام التقييد الحقيقي هنا متصوَّراً ومعقولاً، إذن فيُتصوَّر للقضية مفهوم.
فالصحيح هو أَن المفهوم ثابت في القسم الثالث أَيْضاً كالقسم الثَّانِي.
يبقى علينا بعد هذا أَن نشخّص أَن القضية الشرطية المذكورة في الآية الشريفة هل هي من القسم الأول الَّذِي يفترض فيه أَن الشَّرط هو الأسلوب الوحيد لتحقق الموضوع كي يكون من الواضح عدم ثبوت المفهوم، أم هي من القسم الثَّانِي الَّذِي يفترض فيه أَن الشَّرط أجنبي عن أصل وجود الموضوع وتحققه كي يكون من الواضح ثبوت المفهوم لها بناءً عَلَىٰ قبول مفهوم الشَّرط بشكل عام، أم هي من القسم الثالث الَّذِي يفترض فيه أَن الشَّرط هو أحد أساليب تحقق الموضوع وحصة خاصَّة من وجوده كي يكون ثبوت المفهوم لها هو الصحيح المختار؟
والجواب عَلَىٰ هذا السُّؤَال يرتبط بالمفاد الَّذِي نستظهره من تركيب الجملة في الآية الشريفة؛ وذلك لأَنَّ الحكم في الآية هو وجوب التَّبَيُّن، لكن موضوعه ما هو؟ وشرط ثبوته لموضوعه ما هو؟
هناك أنحاء ثلاثة تُتصوَّر في المقاد لتحديد الموضوع والشَّرط:
النحو الأول: أَن يكون موضوع الحكم عبارة عن نبأ الفاسق ويكون الشَّرط عبارة عن مجيء الفاسق به، فكأنّه قال: نبأ الفاسق إِن جاءكم به فتبيّنوا أو قال: يجب التبيّن في نبأ الفاسق إِن جاءكم به، فإذا استظهرنا من الآية هذا المفاد، كانت القضية الشرطية المذكورة في الآية من القسم الأول؛ لأَنَّ الشَّرط حِينَئِذٍ (أَيْ: مجيء الفاسق بالنبأ) هو الأسلوب الوحيد لتحقيق الموضوع الَّذِي هو عبارة عن نبأ الفاسق، فبانتفاء الشَّرط ينتفي الموضوع قهراً وعقلاً؛ فالقضية مسوقة لبيان الموضوع وتحقيقه، فلا مفهوم لها قطعاً؛ وذلك للتقريبين المتقدّمين آنفاً.
النحو الثَّانِي: أَن يكون الموضوع هو النبأ، ويكون الشَّرط هو مجيء الفاسق به، فكأنه قال: النبأ إِن جاءكم به فاسق فتبيّنوا. فإذا استظهرنا ذلك من الآية، ولو باعتبار أَن الضمير الواقع موضوعا لوجوب التَّبَيُّن راجع إِلَىٰ النبأ وهو مطلق، وليس راجعاً إِلَىٰ نبأ الفاسق؛ إذ لم تقل الآية: إِن جاءكم نبأ الفاسق فتبيّنوا، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه كانت القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة في الآية من القسم الثالث؛ لأَنَّ الحكم الثابت عَلَىٰ ذات النبأ، ومجيء الفاسق به شرط، وهذا الشَّرط وإن كان محقَّقاً لوجود الموضوع، لكنه ليس هو الأسلوب الوحيد لتحقق الموضوع (أَيْ: النبأ)؛ إذ قد يتحقّق النبأ بمجيء العادل به، فبانتفاء الشَّرط لا ينتفي أصل وجود الموضوع، فيثبت المفهوم عَلَىٰ ما اخترناه في القسم الثالث؛ لعدم تماميّة التقريبين المتقدّمين آنفا (لإثبات عدم المفهوم في القسم الأول) في القسم الثالث كما عرفت.
النحو الثالث: أَن يكون الموضوع هو الجائي بالنبأ ويكون الشَّرط هو الفسق، فكأنه قال: الجائي بالنبأ إِن كان فاسقاً فتبيّنوا. فإذا استظهرنا ذلك من الآية، كانت القضية الشرطية فيها من القسم الثَّانِي؛ لأَنَّ الشَّرط (وهو فسق الجائي بالنبأ) أجنبي عن أصل تحقق الموضوع (وهو الجائي بالنبأ) وطارئ عليه وليس نحو وجودٍ للجائي بالنبأ ولا يتحقق به وجوده، بل هو صفة أخرى فيه غير الإنباء. فبانتفاء الشَّرط (أَيْ: الفسق) هنا لا ينتفي أصل موضوع الحكم (أَيْ: الجائي بالنبأ)، فيثبت المفهوم بلا إشكال بناءً عَلَىٰ كبرى ثبوت مفهوم الشَّرط.
هذا كله عن الشَّرط وعن موضوع الحكم. ونقصد بموضوع الحكم ما هو مقوّم للحكم، ولا نقصد بالمقوِّم ما هو مقوِّم للحكم في عالَم جعل الحكم وتشريعه (أَيْ: ما أخذ مفروض الوجود في علام الجعل والتشريع)؛ إذ من المعلوم أَن الشَّرط أَيْضاً داخل في الموضوع بهذا المعنى؛ ضرورةَ أَنه جزء ممّا أُخذ مفروض الوجود في مقام جعل الحكم، بل نقصد بالموضوع المقوِّم للحكم ما تعلّقت به مادّة الجزاء في المرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ تقييد الجزاء بالشرط وتعليقه عليه، كالنبأ في الآية الشريفة بناءً عَلَىٰ أَنَّهُ الَّذِي تعلّقت به مادّة التبيّن وأنّ قوله تعالى {فتبيّنوا} يعني: فتبيّنوا النبأ؛ فَإِنَّ الشَّرط خارج عن الموضوع بهذا المعنى.
وقد عرفت آنفاً (في النحو الثَّانِي من الأنحاء الثلاثة المتقدمة) أَن القضية الشرطية في الآية الشريفة بلحاظ موضوع الحكم (بهذا المعنى) ليست مسوقة لبيان أصل تحقق هذا الموضوع، بل هي لبيان تحقق حصّة خاصَّة منه بناءً عَلَىٰ استظهار النحو الثَّانِي من الآية الشريفة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo