< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/04/20

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:  {السنة/أدلة عدم الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 الوجه الخامس
 الوجه الخامس من الوجوه الَّتِي يتمسك بها لإثبات حُجِّيَّة خَبَر الْوَاحِدِ من الآية الشريفة (آية النبأ)، يمكن جعل هذا الوجه تطويرا وتعميقا لكلام الشَّيْخ الأنصاري وهو أن يقال: إن حُجِّيَّة الخبر لها مقتضٍ وهناك أَيْضاً ما قد يمنع عن تأثير هذا المقتضي، ودائماً إذا كان الشيء له مقتض وله مانع يمنع عن هذا المقتضي، إذا انعدم هذا الشيء وكان انعدامُه نتيجة عدم وجود المقتضي لوجوده هنا يُسند عدمُ وجود هذا الشيء إِلَىٰ عدم المقتضي، ولا يُسند إِلَىٰ وجود المانع، فعلى سبيل المثال تلاقي الجسم للنار يقتضي الاحتراق، وهناك ما يمنع عن تأثير هذا المقتضي وهو رطوبة الجسم مَثَلاً. فإذا لم يحترق جسمٌ من باب أَنَّهُ لم يلاقي النار أَصْلاً فهنا نُسنِد عدم احتراقه إِلَىٰ عدم وجود المقتضي (وهو عدم ملاقاته للنار). إِنَّمَا يَتُِمّ هذا الإِسناد فيما إذا كان المقتضي موجوداً، لكن لم يحترق، هنا نقول: لم يحترق لرطوبته.
 وخبر الفاسق في المقام ليس حُجَّةً، إِلاَّ أن عدم حجيته ليس لعدم المانع (وهو كون المخبر فاسقاً) بل هو لعدم وجود المقتضي فيه.
 فصاحب الوجه يقول هنا: إن خبر الفاسق بما هو خبر واحد وبمعزل عن القطع، لو كان فاقدا لمقتضي الْحُجِّيَّة، فهذا معناه أن عدم حجيته مستند إِلَىٰ عدم المتقضي للحجية، وليس مستندا إِلَىٰ الفسق (الَّذِي هو أمر وجودي ويكون تأثيره في عدم الْحُجِّيَّة من باب المانع الَّذِي يمنع عن تأثير المقتضي)، والشيء إذا كان فاقدا لمقتضيه لا يُسند عدمُه إِلَىٰ وجود المانع.
 خبر الفاسق مَثَلاً إذا كان فاقدا لمقتضي الْحُجِّيَّة لا يُسند عدمُ حجيته إِلَىٰ الفسق (وجود المانع)، بل المفروض أن يسند إِلَىٰ عدم المقتضي. بينما أسندت الآية عدم الْحُجِّيَّة ووجوبَ التَّبَيُّن إِلَىٰ الفسق، وهذا يَدُلُّ عَلَىٰ أن مقتضي الْحُجِّيَّة موجود في خبر الفاسق (أَيْ: كون الخبر خبرا) ولكن في خصوص الفاسق لم يؤثر هذا المقتضي لوجود المانع. من قبيل أن نقول: >لم يحترق هذا الجسم؛ لأَنَّهُ كان رطباً< حيث نفهم منها أن المقتضي كان مَوْجُوداً والجسمُ لاقى النارَ، ولا أحد يفهم من هذا الكلام أن الجسم لم يلاقي النار أَصْلاً.
 إذن، فإذا انتفى هذا المانع (وهو الفسق) فيؤثر المقتضي أثره ويدل عَلَىٰ أن خبر غير الفاسق (وهو خبر العادل) حُجَّة.
 إذن، بدلاً من أن نقول في هذا الوجه بوجود عنوانين وصف ذاتي ووصف عرضي (وَفْقاً للوجه الثالث) هنا يقال بأن منشئية عدم المقتضي أسبق من منشئية وجود المانع. ولو كان منشأ وجوب التَّبَيُّن هو العنوان الذاتي بحيث يكون الخبر في حد ذاته فَاقِداً لمقتضي الْحُجِّيَّة لكان يُسند عدم الْحُجِّيَّة إِلَىٰ عدم المقتضي وإلى فقدان المقتضي؛ لأَن عدم الشيء عند عدم مقتضيه يُسند إِلَىٰ عدم المقتضي ولا يُسند إِلَىٰ وجود المانع، وَأَسَاساً المانع إِنَّمَا يكون مانعا فيما إذا كان المقتضي مَوْجُوداً وَإِلاَّ فالمانع يمنع عن ماذا؟
 
 مناقشة الوجه الخامس:
 إِلاَّ أن هذا الوجه لا يمكن قبوله والمساعدة عليه، وذلك لأَنَّهُ:
 
 الإشكال الأَوَّل:
 أَوَّلاً يرد عَلَىٰ هذا الوجه نفس الإشكال الَّذِي أوردناه عَلَىٰ كلام الشَّيْخ & في الوجه الثالث حيث قلنا إن كلامه قاصر عن إثبات المطلوب إِلاَّ أن نضم إليه ما ذكرناه في الوجه الثَّانِي؛ لأَنَّنَا حَتَّىٰ لو سلمنا بما يقوله هذا الوجه (وهو وجود مقتضي الْحُجِّيَّة في الخبر في حد ذاته وَإِنَّمَا الفسق هو المانع عن تأثير المقتضي) مع ذلك لا يثبت المطلوب (وهو أَنَّهُ إذا انتفى المانع "وهو الفسق" فسوف يؤثر المقتضي أثره ويدل عَلَىٰ أن خبر العادل حُجَّة)، فإننا لا نسلم أن الفسق هو المانع الوحيد المنحصر، فَلَعَلَّ هناك مَانِعاً آخر غير الفسق يكون أَيْضاً كالفسق مَانِعاً عن تأثير المقتضي، كما هو في بعض أمثلة خبر العادل الَّتِي ذكرناها سَابِقاً مثل خبر العادل الَّذِي لا نثق بمضمونه، فَلَعَلَّ عدم الوثوق بكلام الثقة مانع آخر، أو المانع الآخر الَّذِي ذكرناه سَابِقاً من الظَّنّ والوثوق بخلاف مضمون خبر العادل، فقد يكون الظَّنّ أو الوثوق بالخلاف مَانِعاً عن تأثير المقتضي، وَإِنَّمَا ينتفي هذا الاحتمال بالبيان الَّذِي سبق أن ذكرناه في الوجه الثَّانِي حيث قلنا إننا لا نحتمل هذا الاحتمال؛ لأَنَّنَا نقطع بأن العدالة لَيْسَتْ كالفسق مانعة عن الْحُجِّيَّة، بحيث يكون الخبر غير حُجَّة لوجود العدالة في مخبره، هذا ما نقطع بعدمه. وَحِينَئِذٍ إذا ضممنا هذا الكلام بهذا الوجه يعود هذا الوجه إِلَىٰ ذاك الوجه ويكون الجواب عنه نفس الجواب هناك.
 
 الإشكال الثَّانِي:
 وَثَانِياً أن المقتضي أَسَاساً عبارة عن كاشفية الخبر عن الواقع؛ فَإِنَّ لِكُلّ خبر كاشفية عن الواقع ولو بدرجة ضئيلة، والمانع عن الْحُجِّيَّة هو احتمال كون الخبر مخالفاً للواقع (أَيْ: 50% الأخرى في الخبر من احتمال الكذب أو الخطأ) وهذا المانع موجود في كل خبر كما أن المقتضي موجود في كل خبر، لكن كُلَّمَا اشتد وقوي هذا المانع وكثرت قرائنُه اشتدت المانعية وتَقَوَّى المانعُ أكثر فأكثر. ولا شك أن الفسق قرينة عَلَىٰ الخلاف مِمَّا يُشدِّدُ المانعيةَ ويقوّيها وهذا ما يرفع احتمال مخالفة الخبر للواقع. إذن، فالفسق ليس هو المانع وَإِنَّمَا الفسق أوجب تشديد المانع. فإذا افترضنا أن خَبَر الْوَاحِدِ في نفسه ليس حُجَّةً لكن لا لعدم المقتضي فيه فإن المقتضي موجود فيه، لكن بالرغم من وجود المقتضي فيه يوجد مانع دَائِماً في خَبَر الْوَاحِدِ يمنع عن تأثير المقتضي فيه، والمانع عبارة عن كشف المقابل، أَيْ: احتمال الخلاف برمّتها وَالَّذِي من جملتها الاحتمال القوي الناشئ من فسق المخبر، وهذا ما صنعتهُ الآيةُ الشريفةُ، فهي أناطت عدم الْحُجِّيَّة بفسق المخبر فهذه إناطة لعدم الْحُجِّيَّة ببعض مراتب المانع، وهذا لا يمنع من أن تكون المراتب الأخرى موجودة في غير خبر الفاسق وصالحة للمانعية.
 والحاصل أَنَّهُ لا محذور أَسَاساً في أن نفترض أن خَبَر الْوَاحِدِ ليس حُجَّة في حد ذاته وبقطع النظر عن الفسق؛ وذلك لا بسبب عدم المقتضي فيه للحجية بل بسبب وجود المانع معه دَائِماً وهو احتمال الخلاف، غاية الأمر الفسق في المخبر يقوي احتمال الخلاف وَحِينَئِذٍ لا يلزم منه المحذور الَّذِي ذكر في هذا الوجه من إناطة عدم الشَّيء بوجود المانع رغم عدم المقتضي؛ وذلك لأَن الآية أناطت عدم الْحُجِّيَّة بالمانع الأقوى وهو الفسق دون المانع الأضعف (وهو كون الخبر خبراً وَاحِداً) رغم أن هناك مانع أضعف منه وهو أصل وجود احتمال الخلاف (بالكذب أو الخطأ أو النسيان أو..) الَّذِي يُعَدُّ مَانِعاً في الأخبار كافةً، وهذا أمر صحيح ومناسب عقلائيا وعرفا.
 وإن شئتم قلتم: إن ذكرَ الفسق فِي الآيَةِ الشريفة إِنَّمَا هو من باب إسنادِ عدمِ الْحُجِّيَّةِ إِلَىٰ المانع الشديد رغم وجود المقتضي للحجية (وهو الكاشفيةُ الناقصة الموجودة في الخبر عن الواقع)، وهذا لا يمنع من أن نفرض عدمَ الْحُجِّيَّة عند انتفاء الفسق أَيْضاً؛ ذلك لوجود المانع عن الْحُجِّيَّة وهو أصل وجود احتمال الخلاف في كل خبر. والآية الشريفة لأجل هذه الأقوائية أناطت عدم الْحُجِّيَّة بالفسق.
 إذن، لا دلالة للآية أَبَداً عَلَىٰ أَنَّهُ عند انتفاء الفسق ينتفي المانعُ عن الْحُجَّة نهائياً وبكل مراتبه ودرجاته كي يثبت المطلوب.
 هذا هو الإشكال الثَّانِي عَلَىٰ هذا الوجه الخامس، وقد تبين عدم تمامية الوجه الخامس لإثبات حُجِّيَّة خَبَر الْوَاحِدِ كالوجوه السابقة، بقي الوجه السادس وهو الوجه الأخير وهذا ما سوف ندرسه غدا إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo