< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 {السنة/أدلة عدم الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 كان الكلام فيا لوجه الخامس من وجوه التمسك بمفهوم الوصف في آية النبأ، وهذا الوجه قلنا هو الظاهر الَّذِي يُتراءى من كلمات الشَّيْخ الأنصاري & وذكرنا هذا الوجه وكان حاصله أن خبر الفاسق فيه وصفان:
 الأَوَّل: وصف ذاتي وهو كونه خبر واحد.
 الثَّانِي: وصف عرضي وهو كونه خبر فاسق.
 فإن كانت العلة في وجوب التَّبَيُّن في خبر الفاسق الوصف العرضي فهذا يُثبت المطلوب؛ إذ بِانْتِفَاءِ الوصف العرضي ينتفي وجوبُ التَّبَيُّن، وهذا معناه أَنَّهُ لا يجب التَّبَيُّن في خبر العادل غير الفاسق.
 أَمَّا لو فرضنا أن علة وجوب التَّبَيُّن هو الوصف الذاتي، أو كلٌ من الوصفين علة، فهذا خلاف ظاهر الآية حَيْثُ أَنَّهَا أناطت وجوبَ التَّبَيُّن بالفسق.
 وقلنا يرد عَلَىٰ هذا الوجه إشكالان، ذكرنا الأَوَّل منهما وبقي الثَّانِي.
 
 الإشكال الثَّانِي
 الإشكال الثَّانِي هو أن بإمكاننا أن نفرض أن كلا من الوصف الذاتي والعرضي علة لوجوب التَّبَيُّن، أي: أصل كونه خبر واحد في حد ذاته علة وسبب في وجوب التَّبَيُّن، ومن جهة أخرى يُعَدُّ الفسق علة لوجوب التَّبَيُّن في حد ذاته، ولا يرد أي محذور. والمحذور الَّذِي ذكره الشَّيْخ بِنَاءً عَلَىٰ هذا الفرض هو أَنَّهُ لو كان كل من الوصفين علةً لوجوب التَّبَيُّن كان المفروض أن يُسند وجوبُ التَّبَيُّن إِلَىٰ الوصف الذاتي؛ لأَن الوصف الذاتي أسبق من الوصف العرضي، والمعلول دَائِماً يُنسب إِلَىٰ أسبق علله.
 هذا الكلام لا نقبله؛ فَإِنَّ قاعدة أن المعلول يُسبق إِلَىٰ أسبق علله موردها السبق الزمني، بينما المقام لا يوجد فيه أي سبق زمني بين الوصف الذاتي والوصف العرضي، نعم هناك سبق رتبي بينهما باعتبار أن رتبة الذات متقدمة عَلَىٰ رتبة العرض، أَمَّا زَمَنِيّاً فلا يوجد سبق بينهما. أَيْ: أصل خبرية الخبر ليس أسبق زمانا من فسق المخبر، بل هما متعاصران زَمَنِيّاً ولا يوجد سبق ولحوق زمني بينهما كي يقال بِأَنَّهُ: كان المفروض أن يُسند وجوب التَّبَيُّن إِلَىٰ الوصف الذاتي، فيُستند وجوب التَّبَيُّن إِلَىٰ كليهما مَعاً، ويشكل كل منهما جزء العلة. وَبِالتَّالِي يُمكن أن يُسند المعلول إِلَىٰ الوصف الذاتي كما يمكن إسناده إِلَىٰ الوصف العرضي، كذلك يمكن أن يُسند إِلَىٰ كليهما مَعاً. إذن، إن ما أفاده الشَّيْخ من أنه خلاف ظاهر الآية حَيْثُ أَنَّهَا أناطت وجوبَ التَّبَيُّن بالفسق، غير صحيح.
 فلا يَتُِمّ هذا الوجه الثالث أَيْضاً.
 
 الوجه الرابع:
 ما ذكره الميرزا عَلَىٰ ما في تقريرات بحثه( [1] ) من بيان عرفي حيث لم يذكر الميرزا البرهان العقلي المتقدم في الوجه الثالث وقال: إن الأمر دائر بين أن يكون الوصف الذاتي علةً لوجوب التَّبَيُّن في خبر الفاسق (وهو كونه خبرا وَاحِداً) وبين أن يكون الوصف العرضي علة لوجوب التَّبَيُّن فيه (وهو كونه خبرا فاسقا). وإذا دار الأمر بينهما فإن كانت العلة هي الوصف العرضي فثبت المطلوب (وهو أن أصل الخبرية - أصل كون الخبر خبرا وَاحِداً - لا يكون سببا لوجوب التَّبَيُّن، وَإِنَّمَا السَّبَب كون المخبر فاسقاً، فيثبت أن خبر العادل حُجَّة). أَمَّا إذا كان كلا الوصفين علة وسببا لوجوب التَّبَيُّن فمعنى ذلك أن الوصف الذاتي كافٍ في ثبوت الحكم (وهو وجوب التَّبَيُّن) لطالما فرضنا أن كلا من الوصفين علة لوجوب التَّبَيُّن، وَحِينَئِذٍ فلا يُناسب عُرفاً أن يُناط الحكمُ بالوصف العرضي؛ فَإِنَّ العنوان الذاتي دَائِماً إذا كان كافيا لثبوت الحكم يستهجن عرفاً أن ننيط الحكم بالأمر العرضي. كما لو قال قائل: >الدم الملاقي للنجس نجسٌ<؛ فَإِنَّ الدم بذاته نجس ولا نرتب نجاسة الدم عَلَىٰ كونه لاقى النجسَ.
 إذن، يقول الميرزا: لو حملنا الآية الشريفة الَّتِي أَنَّهَا أناطتْ وجوبَ التَّبَيُّن بالفسق، لو حملناها عَلَىٰ أن علة وجوب التَّبَيُّن علتان: يجب التَّبَيُّن في خبر الفاسق لأَنَّهُ فاسق، ولأنه خبر واحد أَيْضاً، بحيث يكون نفس كون الخبر خبرا وَاحِداً علةً لوجوب التَّبَيُّن، هذا جِدّاً يخالف ظاهرَ الآية، وَإِلاَّ كانت الآية تقول: >لو جاءكم مخبِر بنبأ فتبيّنوا<.
 هذا هو الوجه الرابع الَّذِي ذكره الميرزا.
 هذا الوجه وإن كان لا يخلو من وجاهة، لكن مع ذلك هو كالوجوه السابقة غير تام؛ لأَنَّهُ يرد عليه:
 أَوَّلاً: أَنَّهُ ناقص وقاصر عن إثبات المطلوب ما لم ينضم إِلَىٰ ما تقدم في الوجه الثَّانِي؛ إذ بالإمكان أن يختار شخص الفرضَ الأَوَّل من الفرضين الذين ذكرهما الميرزا، وهو أن يكون الوصف العرضي هو العلة (أَيْ: كون الخبر خبر فاسق هو السَّبَب في وجوب التَّبَيُّن)، لكن مع ذلك لا يثبت المطلوب (الْحُجِّيَّة وعدم وجوب التَّبَيُّن في خبر العادل)؛ لأَنَّهُ يبقى احتمالُ وجودِ وصفٍ عَرَضي آخر غير الفسق علةً أخرى لوجوب التَّبَيُّن.
 وبعبارة أخرى: أن هذا الوجه لا يُثبت أن غير الفاسق (العادل) حُجَّة، بل يثبت أن خبر الفاسق غير حُجَّة وسبب عدم حجته الفسق، وَحِينَئِذٍ نحتمل أن يكون خبر العادل غير حُجَّة وَالسَّبَب لعدم حجيته كونه عادلاً. وهذا الاحتمال ننفيه بأننا نقطع أن من المستحيل أن تكون عدالة الشخص سبباً لعدم الْحُجِّيَّة وعدم إمكانية الأخذ بروايته في الشريعة الإسلامية.
 وإذا ضممنا إِلَىٰ هذا الوجه تلك المقدمة الخارجية يعود هذا الوجه إِلَىٰ الوجه الثَّانِي والجواب عنه حِينَئِذٍ يكون الجواب المذكور هناك.
 وَثَانِياً: أن بالإمكان الأخذ بالاحتمال الآخر وهو أن نفرض أن كلا من الوصفين علةٌ، وما قاله الميرزا في رد هذا الفرض من أَنَّهُ >لو فرضنا أن كلا منهما علة لوجوب التَّبَيُّن كان المناسب عُرفاً أن تُنيط الآية وجوبَ التَّبَيُّن بالوصف الذاتي؛ لأَنَّهُ مع وجود الوصف الذاتي (مع فرض كون الخبر خبراً وَاحِداً سبب لوجوب التَّبَيُّن) تُستهجن إناطة الحكم بالوصف العَرَضي<.
 نقول: هذه المناسبة العرفية وإن لم تخل من وجاهة، إِلاَّ أنها إِنَّمَا تكون وجيهة فيما إذا لم تكن هناك نكتة عرفية تقتضي التركيز عَلَىٰ الوصف العرضي والعدول من الوصف الذاتي إِلَىٰ العرضي، فهنا لا يكون العدول مستهجنا، وفي الآية الشريفة توجد نكتة عرفية اقتضت أن تُنيط الآية وجوب التَّبَيُّن بالفسق، رغم أن أصل كون الخبر خبرا وَاحِداً سببا لوجوب التَّبَيُّن، فالآية تريد أن تفضح الوليد في المجتمع. أي: كان هناك غرضان فِي الآيَةِ:
 الأَوَّل: بيان وجوب التَّبَيُّن.
 الثَّانِي: أن هناك مخبرا في القضية الخارجية الَّتِي نزلت الآية بشأنها والآية تريد أن تفضحه.
 إذن، هناك نكتة وليس الأمر كمثال نجاسة الدم الملاقي للنجس، وهذا المطلب (تنبيه النَّاس عَلَىٰ فسق الوليد) لم يكن ليتحقق لولا التركيز عَلَىٰ الوصف العرضي، فلو كانت الآية تقول: >لو جاءكم مخبِر بنبأ فتبينوا< لما عرفت النَّاس فسق وليد ولما انتبهت إِلَىٰ فسقه.
 فالتنبيه عَلَىٰ فسق الوليد نكتة عرفية صالحة لتكون هي السَّبَب في عدول الآية من إناطة وجوب التَّبَيُّنِ عَلَىٰ الوصف الذاتي إِلَىٰ الوصف العرضي.
 وَعَلَىٰ كل حال توجد نكتة عرفية تقتضي ذلك، وَبِالتَّالِي تلك المناسبة العرفية الَّتِي أفادها الميرزا رغم كونها صحيحة في أصلها إِلاَّ أنها غير تامة في خصوص الآية الشريفة. إذن لم يَتُِمّ هذا الوجه الرابع أَيْضاً.


[1] - الكاظمي، فوائد الأصول: ج2، 85.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo