< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/03/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 {خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 كان الكلام قبل العطلة في الاستدلال بالسنة عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة خَبَر الْوَاحِدِ وقلنا إن هناك طائفتين من الروايات قد يستدل بهما عَلَىٰ هذا المطلب:
 الطائفة الأولىٰ: ما تقدم الكلام عنها.
 الطائفة الثَّانِيَة: هي الروايات الآمرة بعرض الخبر عَلَىٰ القرآن الكريم، وقلنا بشأن هذه الطائفة أَنَّهَا وردت بعنوانين:
 العنوان الأول: عنوان موافقة القرآن الكريم. وهذا أَيْضاً تقدم الكلام عنه.
 العنوان الثَّانِي: وهو عنوان مخالفة الكتاب، وهو عنوان ورد في روايات عديدة تنهى وتردع عن الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ، ويمكن تقسيم هذه الروايات إِلَىٰ ثلاثة أقسام:
 القسم الأول: ما يَدُلُّ عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ:
 النموذج الأول: رواية السكوني عن أبي عبد الله × قال: قال رسول الله : إن عَلَىٰ كل حق حقيقةً وعلى كل ثواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه<( [1] ). والشاهد هي الجملة الأخيرة >ما خالف كتاب الله فدعوه<، إِلاَّ أن سند هذه الرواية ضعيف بالنوفلي كما تقدم.
 النموذج الثَّانِي (وهو تام السند): ما رواه جُميل بن درّاج عن أبي عبد الله ×: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهَلَكة، إن عَلَىٰ كل حق حقيقةً وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه<( [2] ).
 وهذا القسم يشمل كل خبر مخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ بأي نحو من أنحاء المخالفة؛ فَإِنَّ المخالفة عَلَىٰ أنحاء:
 1- أن تكون المخالفة بين الآية والخبر مخالفة من نوع العموم والخصوص المطلق، فإن الْخَاصّ يخالف الْعَامَّ في عمومه.
 2- أن تكون المخالفة بينهما بنحو العموم والخصوص من وجه.
 3- المخالفة بنحو التباين.
 وهذا القسم الأول من الروايات (الدَّالَّة عَلَىٰ أن الخبر المخالف ليس بحجة) يشمل كل هذه الأنحاء الثلاثة من المخالفة.
 سؤال: كيف ينسجم هذا مع علمنا إجمالاً بصدور أخبار وروايات مخالفة لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ من المعصومين ^؟! وكيف التوفيق بين هذين الأمرين (بين شمول هذا القسم الأول من الروايات للخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ بِالأَخَصِّيَّةِ وبين العلم الإِجْمَالِيّ الموجود لدينا بصدور روايات من الأئمة ^ بنحو العموم والخصوص المطلق)؟!
 الجواب: لا منافاة بين العلم الإِجْمَالِيّ بصدور بعض الأخبار وبين عدم ْحُجِّيَّتها؛ فإننا نعلم إجمالاً بأن بعض الأخبار الَّتِي تخالف الْقُرآن الْكَرِيم بنحو الأخصية صادرة من المعصومين ^ لكن ذلك لا يتنافى مع عدم حُجِّيَّة تلك الأخبار؛ فإننا لو ألقينا نظرة عَلَىٰ كتاب صحيح البخاري مَثَلاً يمكننا أن ندعي وجود علم إجمالي بأن جملة من رواياته صادرة وليست كلها غير مطابقة للواقع لكن في الوقت نفسه لا يتنافى هذا العلم الإِجْمَالِيّ مع عدم حُجِّيَّة جميع تلك الروايات. وكذلك لو ألقينا نظرة عَلَىٰ روايات غير الثُقات وجردناها جرداً وعلمنا إجمالاً أن بعض تلك الروايات صادقة، لكن في نفس الوقت كل تلك الروايات غير حُجَّة.
 غاية الأمر أن العلم الَّذِي يحصل لنا بالصدور:
 تارة يكون علماً تَفْصِيلِيّاً فنعمل وفق علمنا وهذا سوف يكون خارجاً حِينَئِذٍ عن مفاد رواية جميل الرادعة عن العمل بالخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ؛ فَإِنَّهُ لا شبهة مع وجود العلم التفصيلي (والشبهة هي الَّتِي وردت في صدر رواية جميل).
 وأخرى يكون علماً إجمالياً وَحِينَئِذٍ نعمل وفق قواعد العلم الإِجْمَالِيّ.
 فعلى كل حال هذا هو القسم الأول من الروايات الدَّالَّة عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ، وقلنا إن هذا القسم يشمل كل أنحاء المخالفة من العموم والخصوص المطلق، والعموم والخصوص من وجه، والتباين.
 القسم الثَّانِي من الروايات هي الروايات الَّتِي تدل عَلَىٰ عدم صدور الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ من المعصوم × لكن من دون أن تُبيّن نكتةً لعدم الصدور, من قبيل رواية ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم، وغيره، عن أبي عبد الله × قال: >خطب رسول الله بمِنى فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلتُه، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أَقُلْهُ<( [3] ).
 والشاهد هو الجملة الأخيرة: >لم أقله< حيث يوجد فيها احتمالان:
 الاحتمال الأول: أَنَّهُ يريدنا أن نتعبد بعدم صدور هذا الكلام منه . وبنا عَلَىٰ هذا الاحتمال تدخل الروايةُ في القسم الأول (أي: أنها ليست حُجَّةً).
 الاحتمال الثَّانِي: أَنَّهُ يخبرنا بعدم صدور هذا الكلام منه من دون ذكر النكتة عَلَىٰ عدم الصدور.
 إِلاَّ أنها ضعيفة السند؛ لأَن لها سندان وطريقان يوجد في أحد طريقيه أبو أيوب المدني وهو ضعيف، وفي الطريق الآخر يوجد محمد بن إسماعيل وهو مشترك، لكن في أكبر الظَّنّ هو محمد بن إسماعيل النيسابوري وهو أَيْضاً لا دليل عَلَىٰ وثاقته إِلاَّ وروده في أسانيد كامل الزيارات، فبناء عَلَىٰ المبنى الَّذِي يصحح كل من ورد في أسانيد كامل الزيارات يَتُِمّ توثيقه، ولكننا لم نقبل هذا المبنى وَإِنَّمَا قبلنا بخصوص الذين روى عنهم ابن قولويه مباشرة.
 أَمَّا بالنسبة لشمول هذا القسم الثَّانِي لأنحاء المخالفة فيجب أن نقول بأن القسم الأول من أنحاء المخالفة (وهو العموم والخصوص المطلق) مِمَّا لا تشمله هذه الرواية قَطْعاً (كالخبر الَّذِي تكون نسبته إِلَىٰ الْقُرآن الْكَرِيم نسبة الْخَاصّ إِلَىٰ الْعَامّ)؛ لأَنَّ من المقطوع به صدور أخبار مخالفة لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ من المعصومين ^ بنحو العموم والخصوص المطلق، ومعه لا يَصِحُّ أن يقول النبي إنني لم أقله، فلا يكون هذا النحو من المخالفة مقصوداً ومنظوراً إليه في كلام النبي (أَيْ: لا يمكن أن يكون هذا القسم شاملاً للخبر المخالف للكتاب بنحو الأخصية وإلا لكان هذا الخبر معلوم الكذب).
 إذن، وجود هذا العلم الإِجْمَالِيّ كالقرينة المتصلة للخطاب وتوجب صَرْفَ ظهور هذه الرواية إِلَىٰ خصوص الخبر الَّذِي يخالف كتاب الله بنحو التباين أو بنحو العموم والخصوص من وجه.
 فهذا القسم لا يشمل النحو الأول من المخالفة وَإِنَّمَا يشمل النحو الثَّانِي والنحو الثالث فحسب (أَيْ: التباين والعموم والخصوص من وجه).
 القسم الثالث: من الروايات عبارة عن الروايات الَّتِي تدل عَلَىٰ عدم الصدور لكن مع بيان نكتة لعدم الصدور (وليس كالقسم الثَّانِي من دون بيان نكتة لعدم الصدور)، والنكتة هي أنها تقول بأن صدور ما يخالف الْقُرآن الْكَرِيم ليس من شأننا ولا يناسبنا، من قبيل ما رواه الكشي بسند تام
 - كش: محمد بن قولويه، والحسين بن الحسن بن بندار معا، عن سعد، عن اليقطيني، عن يونس بن عبد الرحمن أن بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر فقال له: يا أبا محمد ما أشدك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا فما الذي يحملك على رد الأحاديث ؟
 فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقو الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه واله، فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله عز وجل، وقال رسول الله صلى الله عليه واله. قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السلام متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السلام وقال لي: إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنا إن تحدثنا ((1) وفى نسخة: إن حدثنا.) حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، إنا عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول: قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا، إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا، وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا: أنت أعلم و ما جئت به، فإن مع كل قول منا حقيقة وعليه نور، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك قول الشيطان.
 عن محمد بن عيسى بن عُبيد عن يونس بن عبد الرحمن أن بعض أصحابنا سأله (أي: سأل يونسَ) وأنا حاضر: >قال يا أبا محمد ما أشدك في الحديث وأكثر إنكارَك لما يرويه أصحابُنا، فما الَّذِي يحملك عَلَىٰ رد الأحاديث؟ فقال: حدّثني هُشام بن الحكم أَنَّهُ سمع أبا عبد الله × يقول: >لا تقبلوا علينا حديثا إِلاَّ ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون عليها شاهداً من أحاديثنا المتقدمة؛ فَإِنَّ .. دسّ في كتب .. فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا .. فإنا إذا حدّثنا قلنا: قال الله عز وجل وقال رسول الله<. قال يونس: وافيت العراقَ فوجدتُ بها قطعةً من أصحاب أبي جعفر (الباقر) .. ووجدت أصحاب أبي عبد الله متوافرين فسمعتُ منهم وأخذتُ كتبَهم فعرضتها من بعدُ عَلَىٰ أبي الحسن الرضا × فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من روايات أبي عبد الله وقال لي: إن أبي الخطاب كذب عَلَىٰ أبي عبد الله × لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إِلَىٰ يومنا .. إنا عن الله وعن رسوله نتحدث ولا نقول: قال فلان وقال فلان.. وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك .. ( [4] )
 الجواب: هذا القسم لا يشمل المخالفة عَلَىٰ القسم الأول ولا المخالفة عَلَىٰ القسم الثَّانِي، وَإِنَّمَا يشمل الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ بنحو التباين؛ لأَن هذه الرواية تقول بأن هذه الرواية لا يصدر منا خبر لا يناسبنا، أَمَّا الخبر الَّذِي يخالف القرآن الكريم بنحو العموم والخصوص من وجه ليس مِمَّا لا يناسبهم، إِنَّمَا الَّذِي لا يناسبهم هو صدور الخبر.


[1] - العاملي، وسائل الشيعة: ج27، ص110، ح10 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي.
[2] - العاملي، وسائل الشيعة: ج27، ص119، ح35 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي.
[3] - العاملي، وسائل الشيعة: ج27، ص111، ح15 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي.
[4] - العاملي، وسائل الشيعة: ج27، ص99، ح73 من الباب 14 من أبواب صفات القاضي، والطوسي، اختيار معرفة الرجال: ج2، ص489-491، الرقم401؛ والمجلسي، بحار الأنوار: ج2، ص250، الحديث 63.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo