< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 {خبر الواحد/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 قلنا إن الاحتمال الَّذِي طرحناه وذكرناه وذكرنا له شواهد إن قُبل فتكون هذه الروايات الواردة بعنوان موافقة القرآن الكريم وعدم موافقة القرآن الكريم أجنبية عن بحثنا ولا تدل عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة خبر الواحد الَّذِي لا يكون مُوَافِقاً لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، بحيث مضمونه لا يكون مَوْجُوداً في القرآن الكريم وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَىٰ حُجِّيَّة الخبر الَّذِي يخالف المزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
 أَمَّا لو لم نقبل هذا النقاش .. بعد حملها عَلَىٰ هذا المعنى السائد أكثر روايات الباب لا تدل إِلاَّ عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة الخبر الَّذِي يخالف القرآن الكريم، أي: مضمونه يخالف مضمون القرآن الكريم. أَمَّا الخبر الَّذِي لا هو مخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مَضْمُوناً ولا هو موافق (أَيْ: مضمونه غير موجود في القرآن الكريم)، فلا تشمله هذه الروايات ولا تدل عَلَىٰ حجيته، وهذا هو الأكثر.
 هذا ادعاء يجب أن نوضحه، بِأَنَّهُ كيف ندعي أن أكثر الروايات لا تدل إِلاَّ عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة الخبر الَّذِي يخالف القرآن الكريم مَضْمُوناً.
 توضيح ذلك هو أن جملةً من الروايات ذكر فيها عنوان الموافقة والمخالفة من قبيل: >ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه، ومن الواضح أن هذا ظاهر في إعطاء المقياس والضابط الكلي للأخبار بحيث يكون هذا المقياس قَابِلاً للانطباق عَلَىٰ كل الأَخْبَار، وهذا ما لا يناسب ما نعلمه نحن خارجا من أن القسم الأكثر من الأحاديث والأخبار الموجودة بأيدنا هو الخبر الَّذِي لا هو يوافق القرآن الكريم ولا هو يخالفه، هذا المقياس المذكور لا يتناسب مع هذا الَّذِي نعلمه خَارِجاً؛ لأَن هذا المقياس لا ينطبق عَلَىٰ أكثر الروايات، إذ أَنَّهُ لا يتناول الخبر الَّذِي لا يوافق ولا يخالف، وهذا مطلب لا يتناسب مع جعل المعيار والميزان؛ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّم الَّذِي هو بصدد إعطاء ضابط ومقياس ألا ينبغي أن يذكر مقياسا ينطبق عَلَىٰ كل الأَخْبَار أو عَلَىٰ الأقل ينطبق عَلَىٰ أكثر الأخبار، أَمَّا أن يعطي مقياسا ينطبق عَلَىٰ عدد قليل من الأخبار فهو أمر لا يتناسب عرفا مع إعطاء الميزان والمعيار. فلا بد لكي يكون المقياس الكلي المذكور في هذه الروايات منطبقا عَلَىٰ أخبارنا بحيث لا يكون هناك شق ثالث من الأخبار مسكوت عنه في هذه الروايات، لاَ بُدَّ من أحد أمرين:
 الأمر الأول: أن نحمل الموافقة المذكورة في هذه الروايات عَلَىٰ عدم المخالفة المضمونية. وَحِينَئِذٍ لا يرد محذور سكوت هذه الروايات عن الشق الثالث والقسم الأكثر والغالب من الأخبار، وهو الخبر الَّذِي لا هو موافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ولا هو مخالف؛ لأَن هذا القسم الغالب من الأخبار يدخل تحت عنوان ما وافق كتاب الله. لأَنَّنَا حملنا قوله ما وافق القرآن الكريم عَلَىٰ عدم المخالفة، والأكثر الأغلب من الروايات لا تخالف كتاب الله وإن لم تكن توافقه مضمونا. ويكون الخبر المرفوض الساقط هو الخبر المخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
 الأمر الثَّانِي: أن نحمل المخالفة في هذه الروايات عَلَىٰ عدم الموافقة المضمونية. فأيضا لا يرد ذاك المحذور القائل بأن هذه الروايات سكتت عن القسم الْغَالِب من الأخبار، فهي لم تسكت، ويدخل هذا القسم .. تحت ما خالف كتاب الله؛ لأَن هذا القسم الغالب ليس .. وباعتبار أنها ليست موافقة لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فتكون مخالفةً لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
 بِنَاءً عَلَىٰ هذا الحمل الثَّانِي هذه الروايات تدل عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة القسم الغالب من أخبارنا ورواياتنا لأَن القسم الغالب منها ليست موافقة مَضْمُوناً لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
 فيكون الخبر المرفوض طبقا لهذا الضابط والمعيار الكلي عبارة عن الخبر المخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
 فالأمر دائر بين أن يكون المقياس في رفض الخبر عبارة عن مخالفة الْقُرْآن الْكَرِيم وبين أن يكون المقياس في رفضه عبارة عن عدم موافقة الْقُرْآن الْكَرِيم. وهذان العنوانان (مخالفة القرآن الكريم وعدم موافقة الْقُرْآن الْكَرِيم) من الواضح أن الثَّانِي منهما أعم من الأول؛ فَإِنَّ عدم موافقة الْقُرْآن الْكَرِيم أعم من مخالفة الْقُرْآن الْكَرِيم، فقد يكون هناك خبر غير موافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ..
 وَحِينَئِذٍ لطالما تردد الأمر بين عنوانين وهذان العنوانان أحدهما أعم من الآخر هنا بإمكانكم أن تدعوا أن الظاهر عرفا في مثل هذا المورد (في الموارد الَّتِي يدور الضابط بين عنوانين أحدهما أعم والآخر أخص) هو تحكيم الظاهر الأعم عَلَىٰ الضابط الأخص، أي: يحمل الأعم عَلَىٰ الأخص (وهو المخالف)، وَبِالتَّالِي هذه الروايات لا تدل عَلَىٰ أكثر من عدم حُجِّيَّة الخبر المخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لأَن المقياس هو المقياس الأخص وهو عنوان عدم الْحُجِّيَّة للخبر المخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فلا يمكن التمسك بهذه الروايات في بحثنا لنفي حُجِّيَّة خبر الواحد الَّذِي لا هو موافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ولا هو مخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، أي: لم يرد بمضمونه نص ولا إطلاق ولا عموم في الْقُرْآن الْكَرِيم. بل تدل عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة خصوص الخبر الَّذِي يخالف القرآن الكريم، أَمَّا القسم الغالب من رواياتنا الَّتِي لا هي موافقة ولا هي مخالفة فلا تشمله هذه الروايات، ولا تدل عَلَىٰ عدم حجيته.
 هذا إن ادعيتم أن الظاهر عرفا في أمثال هذه الموارد هو تحكيم الضابط الأخص.
 وإما لا تدعون ذلك وتقولون بأن العرف يستظهر حمل الأعم عَلَىٰ الأخص، بل نبقى نحن مرددين وشاكين في أن المقياس هل هو العنوان الأعم (عدم مخالفة الكتاب) أم المقياس هو العنوان الأخص (وهو عنوان مخالفة الكتاب) ولم نقبل هذا الاستظهار العرفي، فَحِينَئِذٍ نقول: ما دمتم حائرين فيكون المقياس مجملا ومرددا بين هذين، وَحِينَئِذٍ فأيضا لا تدل هذه الروايات عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة خبر الواحد الَّذِي لا يخالف القرآن الكريم وهو القسم الغالب؛ لأَن المقياس بعد أن بات مجملا ومرددا بين الأعم والأخص فيؤخذ بالقدر المتيقن، والقدر المتيقن هو الخبر المخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، أي: الخبر المخالف قَطْعاً ساقط عن الْحُجِّيَّة. أَمَّا أكثر من ذلك (أَيْ: الخبر الَّذِي لا هو موافق ولا هو مخالف) فغير معلوم. فَبِالتَّالِي أَيْضاً رجعنا إِلَىٰ ما ادعيناه من أَنَّ هذه الروايات لا تدل عَلَىٰ أكثر من عدم حُجِّيَّة الخبر الَّذِي لا يوافق القرآن الكريم.
 إذن، فعلى كل تقدير هذه الروايات لا تدل عَلَىٰ أكثر من عدم حُجِّيَّة ما خالف الْقُرْآن الْكَرِيم، بينما المدعى كان عبارة عن عدم حُجِّيَّة خبر الواحد، وَإِنَّمَا تدل عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة خصوص خبر الواحد الَّذِي يخالف القرآن الكريم في المضمون..
 بل بالإمكان أن نقول إن هناك شواهد أخرى عَلَىٰ تحكيم الضابط الأخص في الضابط الأعم، وحمل الأعم عَلَىٰ الأخص .. وَبِالتَّالِي حمل الموافقة عَلَىٰ عدم المخالفة لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لا موافقة القرآن الكريم.
 فنصل إِلَىٰ النتيجة نفسها وهي أن هذه الروايات لا تدل عَلَىٰ أكثر من عدم حُجِّيَّة الخبر المخالف للكتاب، فلا تشمل القسم الأغلب من الأخبار وهي الَّتِي لا هي مخالفة ولا هي موافقة. هذه الشواهد الأخرى عبارة عن بعض الشواهد المتقدمة الَّتِي ذكرناها كشواهد عَلَىٰ ذاك الاحتمال الَّذِي طرحناه.
 مَثَلاً من قبيل الشاهد الثَّانِي الَّذِي هو الأمر بالأخذ فالظاهر منه أن الأمر مولوي، فهذا الشاهد يمكن الاستشهاد به هنا عَلَىٰ حمل الموافق عَلَىٰ غير المخالف؛ وذلك بأن يقال بأن الأمر بالأخذ بما وافق الكتاب ظاهر في المولوية في كونه أَمْراً مَوْلَوِيّاً في مقام جعل الْحُجِّيَّة لهذا الخبر الموافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ومن الواضح أن جعل الْحُجِّيَّة للخبر الموافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ موافقةً مضمونية غير معقول؛ فَإِنَّهُ يكون لغواً. بينما جعل الْحُجِّيَّة للخبر غير المخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ معقول، فيكون ظهور الأمر بالأخذ في جعل الْحُجِّيَّة قرينةً وشاهداً عَلَىٰ أن المقصود من الخبر الموافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ هو الخبر غير المخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، كأكثر الأخبار الَّتِي مضامينها ليست موجودة في القرآن الكريم وَلٰكِنَّهَا ليست مخالفة لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَيْضاً، فَحِينَئِذٍ جعل الْحُجِّيَّة لهذا الخبر معقول، ولا توجد آية في القرآن الكريم تغنينا عن هذا الخبر؛ لأَن المفروض أن مضمون هذا الخبر غير موجود في القرآن الكريم.
 وكذلك الشاهد الرابع وهو استنكار صدور ما لا يوافق القرآن الكريم من الأئمة ^، فيمكن الاستشهاد به هنا وجعله شَاهِداً عَلَىٰ حمل غير الموافق عَلَىٰ المخالف، بأن يقال: إن هذا الاستنكار لا يناسب أن يكون المقصود مجرد أن لا يوافق القرآن الكريم حَتَّىٰ لو لم يكن مُخَالِفاً لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لأَنَّنَا نعلم بأن الأئمة ^ كانت تصدر منهم الأخبار والأحاديث الَّتِي لا توافق نصا معينا من نصوص القرآن الكريم (أَيْ: لا توجد بمضمونها آية معيّنة)، بينما نفي الصدور واستنكار الصدور يناسب أن يكون المقصود من عدم الموافقة هو المخالفة. هذا الَّذِي لا يناسب صدوره منهم أن يصدر منهم ^ الخبر المخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
 إذن، استنكار الصدور قرينة عَلَىٰ أن المقصود مِمَّا لا يوافق كتاب الله هو ما خالف من الحديثِ القرآنَ.
 كما أن الشاهد السادس أَيْضاً يأتي إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo