< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 {خبر الواحد/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 قلنا إن السؤال الَّذِي طرحناه في البداية حول هذا الاِسْتِدْلاَل بهذه الطائفة من الروايات (الَّتِي جعلت المعيار والميزان في قبول الخبر كونه مُوَافِقاً لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ) لا يزال باقياً وهو أَنَّهُ هل يَصِحُّ الاستدلال بهذه الروايات عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة خبر الواحد أم لا؟ حيث ناقشنا الأجوبة الَّتِي ذكرها الأصوليون، فلا بد من استئناف البحث.
 
 احتمال الشهيد الصدر:
 هناك احتمال طرحه سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & حول مفاد هذه الروايات وقال: إن هذا الاحتمال يتبادر إِلَىٰ الذهن في تفسير موافقة القرآن الكريم الَّتِي جعلت معياراً. وهذا الاحتمال إن تمَّ وبلغت شواهده ومؤيداته وقرائه إِلَىٰ درجة بحيث أوجبت لنا حصول الاطمئنان به أو انعقاد ظهورٍ للروايات فيه، فسوف تكون الرواياتُ حِينَئِذٍ أجنبيةً عن محل الكلام إِطْلاَقاً، وإن لم يبلغ الأمر إِلَىٰ درجة الاطمئنان أو الظهور بالنسبة إِلَىٰ جميع روايات الباب فَحِينَئِذٍ لاَ بُدَّ من استئناف البحث.
 وهذا الاحتمال هو أن يكون المقصود بموافقة القرآن ملائمةُ الحديث للمزاج والإطار الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ (أي: أن لا يكون مُخَالِفاً لمسلمات الشريعة الَّتِي مثالها الكامل هو القرآن الكريم)، وليس المقصود من الموافقة هو الموافقة المضمونية بحيث يكون مضمون الخبر بعينه موجوداً في القرآن الكريم، فقد لا يكون مضمون الخبر مَوْجُوداً في القرآن الكريم ولكن يكون مضمونه مسايراً للقرآن الكريم.
 هذا هو الاحتمال الَّذِي كان يطرحه سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & في بحث التعارض.
 طَبْعاً مقصود سَيِّدِنَا الأُسْتَاذِ الشَّهِيدِ & هو حمل هذه الروايات الَّتِي الآن نحن بصدد البحث عنها الواردة في تحكيم القرآن الكريم بالموافقة وعدم الموافقة عَلَىٰ الموافقة مع المزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وهذا ما يُعَبَّرُ عَنْهُ بروح الإسلام.
 أَمَّا أخبار العلاج (أي: الروايات الدَّالَّة عَلَىٰ الترجيح بموافقة القرآن ومخالفة العامة وهي الَّتِي تسمى بالأخبار الْعِلاَجِيَّة، وهي الَّتِي تقول بِأَنَّهُ إذا تعارض خبران مختلفان فخذوا بذاك الخبر الموافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وإذا كان كلاهما موافقاً لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فذاك الموافق للعامة خذوا به) فهي خارجة عن مصب بحث سَيِّدِنَا الأُسْتَاذِ الشَّهِيدِ &؛ لأنها بصدد العلاج بين الأخبار المتعارضة مع بعضها وليست شاملة لجميع الأخبار حَتَّىٰ الخبر الَّذِي لا يتعارض مع خبر آخر. فقد يكون كلا الخبرين المتعارضين موافقاً للمزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. فلو كان المقصود في تلك الأخبار الْعِلاَجِيَّة هو الموافقة للمزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ما أصبح مُرَجِّحاً؛ لأَنَّهُ قد يكون كلا الخبرين مُوَافِقاً لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَمُخَالِفاً للعامة.
 وَحِينَئِذٍ بِنَا عَلَىٰ هذا الاحتمال يكون محصل هذه الروايات هو أَنَّهُ كُلَّمَا ورد حديث لا يوافق مضمونه للمزاج الْعَامّ والذوق الْعَامّ والإطار الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ يكون هذا الحديث سَاقِطاً سواء في العقائد والكلام أو في الأحكام؛ فإننا نقطع بعدم موافقة هذا الحديث للواقع.
 ومثاله ورود حديث دال عَلَىٰ خسة طائفةٍ من الإنسان وأنهم قوم من الجن مَثَلاً؛ فَإِنَّهُ مخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، أو يرد حديث في مدح قوم عَلَىٰ قوم بملاك الدم وأنه من القومية الآرية مَثَلاً، أو لو ورد خبر دل عَلَىٰ تفضيل بشر عَلَىٰ بشر بملاك اللون. فالعنصرية والتفضيل بملاك اللون (= الأبارتاي والعنصرية) أو الدم مما يخالف روح القرآن، أو إذا ورد خبر دل عَلَىٰ رفع القلم في اليوم الفلاني، أو لو ورد حديث دل عَلَىٰ وجوب الدعاء عند رؤية الدعاء، فهذا الحديث موافق لروح القرآن الكريم، وإن لم يوافق مضموناً لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
 إذن، بِنَاءً عَلَىٰ هذا الاحتمال لا ترتبط هذه الروايات بما نحن فيه أَصْلاً ولا تدل عَلَىٰ أن خبر الواحد في نفسه ليس حجة، فإن الخبر الَّذِي لا يوجد مضمونه بعينه في القرآن الكريم ليس حجة، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَىٰ أن الخبر الَّذِي لا يوافق مضمونه المزاجَ الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ليس حجة، وهذا أمر واضح حَتَّىٰ لدى القائلين بحُجِّيَّة خبر الواحد.
 هذا هو الاحتمال وهذا أثره أَيْضاً.
 ويوجد لهذا الاحتمال بعض الأمور الَّتِي هي إما مؤيدة له أو موجبة لاستشعاره أو تكون قرينة وشاهداً عليه عَلَىٰ اختلاف مراتب التأييد، نذكر من هذه ستة شواهد:
 الشاهد الأول:
 أَنَّهُ يوجد في جملة من هذه الروايات عنوانان هما عنوان الموافقة وعنوان المخالفة، من قبيل: >ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه<. فكأنه افترض أن الأحاديث عَلَىٰ قسمين، ولم يفرض فيه شق ثالث.
 فهذا شاهد عَلَىٰ أن المقصود بالموافقة هو الموافقة المزاجية وليس المقصود الْمُوَافَقَة المضمونية؛ لأَنَّهُ لو كان المقصود هو الموافقة المضمونية (أَيْ: ما وُجد نص في القرآن عَلَىٰ طبقه، وما وجد نص في القرآن عَلَىٰ خلافه) لبقي هناك شق ثالث مسكوت عنه وهو الخبر الَّذِي لا يوافق الكتاب ولا يخالف الكتاب (أَيْ: الخبر الَّذِي لا يوجد مضمونه بعينه في القرآن ولا يوجد مخالف مضمونه في القرآن الكريم أَيْضاً) وأكثر الأحاديث من هذا القبيل، فتبقى خارجة عن هذا التقسيم، وهذا لا يتناسب مع جعل المعاير والمقياس للأحاديث، فأيّ معيار هذا الَّذِي لا ينطبق عَلَىٰ أكثر الأحاديث خارجاً؟!
 اللهم إِلاَّ أن نرتكب حِينَئِذٍ خلاف الظهور ونؤول أحد العنوانين ونقول: إن المقصود بموافقة للكتاب هو عدم المخالفة للكتاب، فتكون أكثر هذه الأحاديث حجةً؛ لأنها لا تخالف في المضمون القرآن الكريم. فتصبح المخالفة هي المانعة عن الْحُجِّيَّة..
 أو نؤول بالعكس ونقول بأن الموافقة لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ شرط للحجية، و..
 وعلى أي حال يجب أن نؤول حَتَّىٰ يكون هذا المقياس شاملا لأكثر الأحاديث.
 وهذا بخلاف ما إذا حملنا الموافقة والمخالفة عَلَىٰ الاحتمال الَّذِي أبداه سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ &، فَحِينَئِذٍ لا يوجد شق ثالث مسكوت عنه. أي: لا يوجد في الأخبار الموجودة في أيدينا شق ثالث لا يخالف القرآن الكريم ولا يوافق القرآن الكريم. وذلك لوضوح أن الأحاديث الموجودة بأيدينا إما هي موافقة للمزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أو هي مخالفة له، أَمَّا الحديث الَّذِي لا يكون لا مُوَافِقاً ولا مُخَالِفاً لمسلمات الشريعة والمزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فغير موجود.
 هذا هو الشاهد الأول عَلَىٰ أن المقصود بالموافقة هو الموافقة المزاجية، وخلاصته: بِنَاءً عَلَىٰ تفسير الموافقة بالموافقة لامضمونية سوف يرد إشكال عَلَىٰ هذه الرواية وأمثالها وهو أَنَّهُ كيف كان الإمام بصدد إعطاء معيار للأحاديث ثم أعطى معيارا لا ينطبق عَلَىٰ أكثر الأحاديث، بينما إذا كان المقصود بالموافقة الموافقة المزاجية فينطبق المعيار الَّذِي أعطاه الإمام عَلَىٰ أكثر الأحاديث.؟..
 الشاهد الثَّانِي أن ظاهر قوله: >ما وافق كتاب الله فخذوه< أَنَّهُ أمر بالأخذ وهو ظاهر في الموليوية، أي: أَنَّهُ يريد جعل الْحُجِّيَّة لهذا الخبر وتأسيس الْحُجِّيَّة لهذا الخبر الموافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. فهذا شاهد عَلَىٰ أن المقصود بالموافقة هو الموافقة المزاجية؛ إذ لو كان المقصود بالموافقة الموافقة المضمونية فما أثر جعل الْحُجِّيَّة لهذا الخبر الَّذِي مضمونه موجود في القرآن الكريم؟ فتكفينا الخبر حِينَئِذٍ ولا حاجة إِلَىٰ جعل الْحُجِّيَّة مِنْ قِبَلِ الشَّارِع لهذا الخبر. وتلك الفائدة الَّتِي ذكرناها فائدة نادرة، وغالبا لا تبقى فائدة في جعل الْحُجِّيَّة للخبر الَّذِي مضمونه موجود في القرآن الكريم.
 وهذا بخلاف ما إذا فسرنا الموافقة بالموافقة المزاجية، لأَن جعل الْحُجِّيَّة لمثل هذا الخبر يترتب عليه أثر. ومثاله: جعل زكاة التجارة، فهو موافق للمزاج الْعَامّ في القرآن الكريم، فإن الروح الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مع الزكاة. فلو دل حديث عَلَىٰ وجوب زكاة التجارة، يكون هذا الحديث مُوَافِقاً للروح الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. وَحِينَئِذٍ جعل الْحُجِّيَّة لهذا الحديث له أثر، وأثره أَنَّهُ لو جعل الشَّارِع هذا الخبر حجة فَحِينَئِذٍ نقدر أن نفتي بوجوب زكاة التجارة، وإلا فلا نقدر أن نفتي، رغم أن الخبر موافق للمزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
 إذن، توجد فائدة ويوجد أثر يترتب عَلَىٰ جعل الْحُجِّيَّة للخبر الموافق للمواج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، ولكن لا توجد فائدة لجعل الْحُجِّيَّة للخبر الموافق مضمونا مع القرآن الكريم

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo