< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/01/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 {خبر الواحد/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 كان الكلام في الجواب الرابع والأخير عن الاستدلال بهذه الطائفة الأولىٰ من الروايات الَّتِي استدل بها عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وهي الطائفة المتمثلة في الرِّوَايَتَيْنِ اللتين وردتا بمضمون >كل خبر لا تعملون بِأَنَّهُ قولنا فاتركوه ولا تعملوا به<.
 وقلنا في هذا الجواب الرابع بأن هذه الطائفة حِينَئِذٍ تتعارض مَعَ أَدِلَّةِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، فهي تدل عَلَىٰ عَدَمِ الْحُجِّيَّةِ وفي المقابل أدلة الْحُجِّيَّة (الَّتِي يأت الحديث عنها مفصلاً) تدل عَلَىٰ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، ولكي نعرف نتيجة هذا التعارض يجب أن نلاحظ ما هي أدلة الْحُجِّيَّة المتعارضة معها، فقد قلنا بِأَنَّهَا عبارة عن القرآن الكريم والسنة والسيرة.
 
 القسم الأول: القرآن الكريم
 أَمَّا القرآن الكريم فالعمدة فيه آية النفر وآية النبأ، ولدى ملاحظة النسبة بين هاتين الرِّوَايَتَيْنِ وبين هذه الطائفة من الروايات المتمثّلة في هاتين الرِّوَايَتَيْنِ نلاحظ أنها عبارة عن نسبة العموم والخصوص من وجه، وقد شرحنا هذه النسبةَ في البحث السابق. وَحِينَئِذٍ إذا وقع التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه:
 فتارة لا نفرض التواتر في هذه الطائفة من الروايات، بل نفرض أنهما خبر واحد ثقة، فيكون التعارض واقعاً بين خبر واحد ثقة وظني وبين آيتين من القرآن الكريم عَلَىٰ نَحْوِ العموم والخصوص من وجه، فيسقط خبر الواحد المعارض للقرآن الكريم في مادة الاجتماع؛ لأَن الخبر الظني المعارض للكتاب بنحو العموم والخصوص من وجه في مادة الاجتماع يسقط عن الْحُجِّيَّة، ومادة الاجتماع هي محل بحثنا وهي خَبَر الْوَاحِدِ الظني في فروع الأحكام؛ ذلك لما يأتي إن شاء الله تعالى في بحث التعارض من ورود الردع في الروايات عن الخبر الظني المعارض للقرآن.
 إن قلت: لماذا لا يقع الترادع من الطرفين؟ أي: كما أن هناك روايات دالة عَلَىٰ الردع عن الخبر الظني المخالف للقرآن كذلك هاتان الروايتان تدلان عَلَىٰ الردع عن العمل بالخبر الواحد، وتلك الأخبار الدَّالَّة عَلَىٰ أن مخالف الكتاب من أخبار الآحاد فتسقط عن الْحُجِّيَّة.
 قلت: لو تم هذا الترادع وتَسَاقَطَ الطرفانِ فَحِينَئِذٍ نرجع إِلَىٰ الآيات الدَّالَّة عَلَىٰ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ كآية النفر وآية النبأ الدالتانِ عَلَىٰ حُجِّيَّة الخبر الظني في الفروع، وَبِالتَّالِي يكون النصر للقول بالحجية.
 هذا في فرض أن تكون أخبار الطائفة الأولىٰ واحدةً ولم نعثر عَلَىٰ أكثر من هاتين الرِّوَايَتَيْنِ (كما هو الحال)، أَمَّا لو فرضنا التواتر في هذه الطائفة فَحِينَئِذٍ يقع التعارض بين هذه السنة قطعية الصدور وبين القرآن الكريم، فيتساقطان. وَحِينَئِذٍ نقول إن مثل هذا الإطلاق حَتَّىٰ لو كان في نفسه (لو لم يكن له معارض) صالحاً للردع عن السيرة العقلائية القائمة عَلَىٰ العمل بخبر الثقة (مع أن لدينا كلام في مثل هذا الإطلاق الَّذِي لا يصلح في نفسه للردع عن السيرة) لكنه قَطْعاً لا يصلح للردع عن السِّيرَةِ في مثل ما نحن فيه؛ لأَنَّهُ معارَض بالقرآن الكريم، وَبِالتَّالِي تبقى السيرة العقلائية محكِّمةً.
 هذا القسم الأول من أدلة الْحُجِّيَّة (وهي الآيات)، وقد لاحظنا أن الطائفة الأولىٰ الَّتِي يراد الاستدلال بها عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لا يمكنها أن تقاوم هذا القسم من أدلة عدم حُجِّيَّة خَبَر الْوَاحِدِ وهو القرآن الكريم.
 
 القسم الثَّانِي: السنة القطعية
 وَأَمَّا السنة القطعية فهي كالأخبار المتواترة؛ فَإِنَّهُ يأتي إن شاء الله تعالى أن من أهم الأدلة الدَّالَّة عَلَىٰ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ هو السنة القطعية (حَتَّىٰ لو لم تكن متواترة؛ فَإِنَّهُ لم تنزل آيةٌ في التواتر، وما يهمنا هو القطع). وَحِينَئِذٍ يقع التعارض بين هذه السنة القطعية الدَّالَّة عَلَىٰ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وبين هذه الطائفة الأولىٰ، وهنا:
 تارة لا نفرض تواتر هذه الطائفة الأولىٰ (كما فعلاً هي غير متواترة) فهي خبر واحد يكفي في سقوطها عن الْحُجِّيَّة معارضتُها للسنة القطعية الدَّالَّة عَلَىٰ الْحُجِّيَّة؛ فَإِنَّ الخبر الظني إذا عارض الخبر القطعي يسقط عن الْحُجِّيَّة؛ لأَن الخبر القطعي مثل القرآن، فكما يسقط الخبر الظني عن الْحُجِّيَّة بمعارضته للقرآن كذلك يسقط الخبر الظني بمعارضته للخبر القطعي.
 وأخرى نفرض وجود التواتر في هذه الطائفة الأولىٰ، ولكن نقول بِأَنَّهُ حَتَّىٰ لو فرضنا التواتر فيها مع ذلك تَتَقَدَّمُ السنةُ القطعيةُ الدَّالَّةُ عَلَىٰ الْحُجِّيَّةِ بموجب الأخصية؛ أي: تلك السنة أخص من هذه الطائفة؛ لأَنَّهَا إِنَّمَا تدل عَلَىٰ حُجِّيَّةِ خبر الثقة، بينما هذه الطائفة من الروايات تدل عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة الخبر الظني والخبر الظني أعم من خبر الثقة وخبر غير الثقة، بينما تلك السنة القطعية مختصة بخبر الثقة ولا تشمل كل خبر، فتتقدم عليها بنكتة الأخصية.
 وقد يُتوهم هنا أَنَّ النسبة ليست الأخصية فلا تكون النسبة هي العموم والخصوص المطلق وَإِنَّمَا هي العموم والخصوص من وجه؛ لأَن السنة القطعية الدَّالَّة عَلَىٰ حُجِّيَّة خبر الثقة أَيْضاً أعم من هذه الطائفة من جهة أخرى؛ لأَنَّهَا تشمل خبر الثقة المفيد للعلم وكذلك تشمل خبر الثقة الظني غير المفيد لِلْعِلْمِ، فيقع التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه في مادة الاجتماع وهي خبر الثقة الظني، فالنسبة هي العموم والخصوص من وجه وليست العموم والخصوص المطلق حَتَّىٰ تقولوا إن تلك السنة القطعية تتقدم عَلَىٰ هذه الطائفة بِالأَخَصِّيَّةِ، فلا وجه لتقديم السنة القطعية عَلَىٰ هذه الطائفة، بل يجب القول بالتعارض والتساقط.
 إِلاَّ أن جواب هذا التوهم واضح؛ لأَن السنة القطعية بحكم الأخص؛ لأَن السنة القطعية الدَّالَّة عَلَىٰ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ إذا قلنا أنها أعم تشملُ خبر الثقة المفيد للعلم وكذلك تشمل خبر الثقة الظني غير المفيد للعلم، فَحِينَئِذٍ ماذا يكون معنى جعل الْحُجِّيَّة التعبدية للخبر الَّذِي أفاد القطعَ واليقين؟ فلو أردنا أن نخصص السنةَ القطعية الدَّالَّة عَلَىٰ جعل الْحُجِّيَّة التعبدية مِنْ قِبَلِ الشَّارِع بخصوص الخبر المفيد للعلم فهذا عبارة أخرى عن إلغاء السنة القطعية؛ فهل أن كل هذا اللف والدوران للوصول إِلَىٰ الخبر المفيد للقطع؟! كلا، فإن الخبر القطعي مفيد للقطع ولا يمكن جعل الْحُجِّيَّة له أو سلبها عنه عَلَىٰ شرح تقدم في مباحث القطع.
 فيلزم من تخصيص السنة القطعية بهذه الطائفة إلغاءُ السنة القطعية، وهذا بخلاف العكس، أي: إذا خصصنا هذه الطائفة بالسنة القطعية وقلنا بأن هذه الطائفة الدَّالَّة عَلَىٰ عدم الْحُجِّيَّة وإن كانت تشمل خبر الثقة وتشمل خبر غير الثقة، لكن بموجب السنة القطعية الدَّالَّة عَلَىٰ حُجِّيَّة خبر الثقة نخرج خبر الثقة عن تحت هذه الطائفة، فتبقى تحت هذه الطائفة خبر غير الثقة، وهذا ليس إلغاءً لهذه الطائفة، بل يبقى تحت هذه الطائفة فرد وهو خبر غير الثقة.
 إذن، عندنا سنة قطعية لو خُصصت بهذه الطائفة لزم إلغاؤها وعندنا هذه الطائفة الَّتِي لو خصصت بالسنة القطعية لا يلزم إلغاء هذه الطائفة، بل يبقى تحتها فردٌ وهو خبر غير الثقة. وهذه هي النكتة في تقديم الْخَاصّ عَلَىٰ الْعَامّ، فنحن نقدِّم الْخَاصَّ عَلَىٰ الْعَامّ في باب الْعَامّ والخاص لأجل أَنَّهُ لو قدمنا الْخَاصّ عَلَىٰ الْعَامّ لا يلزم من ذلك إلغاء الْعَامّ بل يبقى تحت الْعَامّ أفراد أخرى، ولكن لو قدمنا الْعَامّ عَلَىٰ الْخَاصّ لا يبقى تحت الْخَاصّ شيئاً.
 وهذه النكتة موجودة هنا؛ فلو قدمنا هذه الطائفة عَلَىٰ السنة القطعية يجب إلغاء السنة القطعية بينما ليس العكس، فالسنة القطعية بحكم الأخص، فتتقدم السنة القطعية عَلَىٰ هذه الطائفة.
 ولو تنزلنا حَتَّىٰ عن هذا وفرضنا التعارضَ بين السنة القطعية الدَّالَّة عَلَىٰ الْحُجِّيَّة وبين هذه الطائفة في مادة الاجتماع وهي عبارة عن خبر الثقة الظني الَّذِي لا يفيد العلمَ، فبالتالي يتساقطان ونرجع إِلَىٰ السيرة العقلائية القائمة عَلَىٰ حُجِّيَّة خبر الثقة الظني؛ لأَن هذه السيرة لم تردع عنها؛ لأَن هذه الطائفة لا تصلح للردع عن السيرة؛ باعتبار أن هذه الطائفة عارضها معارض فتساقطا.
 هذا كله مُضَافاً إِلَىٰ أن هذه الطائفة إذا لم يفرض تواترُها فلابد من التمسك بمثل السيرة لإثبات حجيتها، كما تقدم في منهج الاستدلال بالسنة عَلَىٰ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حيث قلنا بأن السنة الَّتِي يراد الاستدلال بها عَلَىٰ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لا بد أن نثبت أَوَّلاً حجيتَها بدليل، وهذا الدليل ليس إِلاَّ السيرة، فنحتاج إِلَىٰ السيرة لإثبات حُجِّيَّة هذه الطائفة، وَحِينَئِذٍ نقول: إن السيرة العقلائية إِنَّمَا انعقدت عَلَىٰ العمل بخبر الثقة إذا لم يعارضه خبر ثقة آخر مثله، بينما هذه الطائفة من الروايات معارَضة بالسنة الدَّالَّة عَلَىٰ الحُجِّيَّة، فلا تشملها السيرةُ وَبِالتَّالِي لا دليل عَلَىٰ حُجِّيَّةِ هذه الطائفة.
 هذا بالنسبة إِلَىٰ القسم الثَّانِي من أدلة حُجِّيَّة خبر الواحد، وهي السنة القطعية، وقد لاحظنا فيه أن هذه الطائفة من الروايات لا يمكنها أن تقاوم السنة القطعية.
 
 القسم الثالث: السِّيرَة
 نأتي إِلَىٰ القسم الثالث من أدلة الْحُجِّيَّة وهي السيرة، وقد عرفنا عند البحث عن الآيات الناهية عن العمل بالظن أن إطلاق الآية القرآنية لا يصلح للردع عن السيرة الراسخة المستحكمة المتجذرة عند العقلاء، فإذا لم يكن إطلاق القرآن الكريم صالحاً للردع عن السيرة الراسخة فما ظنُّكَ بإطلاق هذه الطائفة من الروايات؛ فَإِنَّ الشَّارِع المقدس قد ردع عن سيرة الربا بحجم يناسبها ومن هنا أعلن المحاربة للسيرة القائمة عَلَىٰ الربا، وكذلك ما ورد من الردع عن القياس في روايات عديدة وبصراحة.
 إذن هذه الطائفة نظراً لابتلائها بالمعارض الدَّالِّ عَلَىٰ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وعدم تمكّنها من مقاومة هذا المعارض كما رأينا، فهي لا تصلح للاستدلال بها في المقام.
 هذا هو الجواب الرابع عن الاستدلال بهذه الطائفة عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وبهذا تم الكلام عن الطائفة الأولىٰ من الروايات الَّتِي يستدل بها عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وهي الروايات الدَّالَّة عَلَىٰ عدم جواز العمل بالخبر الَّذِي لا يُعلم بصدوره من المعصوم ×، وقد عرفنا أن الاستدلال بهذه الطائفة عَلَىٰ عدم الْحُجِّيَّة استدلال غير تام وذلك بهذه الأجوبة الأربعة الَّتِي ذكرناها.
 بعد ذلك ننتقل إِلَىٰ الطائفة الثَّانِيَة من الروايات المستدل بها عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وهذه الطائفة الثَّانِيَة عبارة عن روايات العرض عَلَىٰ كتاب الله تعالى الدَّالَّة عَلَىٰ تحكيم القرآن الكريم في قبول الخبر أو رفضه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo