< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/01/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 {خبر الواحد/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 كان الكلام في الاستدلال بالسنة عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وقلنا إنه لاَ بُدَّ في البداية من أن نحدد ونوضح المنهج الَّذِي يجب اتباعه في هذا الاستدلال وتوضيح هذا المنهج هو أن السنة الَّتِي يراد الاستدلال بها عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لها فروض ثلاثة:
 الفرض الأول: أن تكون هذه السنة قطعية الصدور، كما لو عثرنا عَلَىٰ الخبر المتواتر القطعي الدال عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، فيكون الاستدلال في هذا الفرض تاماً ولا محذور فيه أَبَداً.
 الفرض الثَّانِي: أن تكون هذه السنة الَّتِي يراد الاستدلال بها عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ سنة ظنية الصدور (أَيْ: هو خبر الواحد أَيْضاً) لكن يفترض أن هذا الخبر الظني الَّذِي يُراد جعله دَلِيلاً عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة سائر أخبار الآحاد أننا نقطع بِأَنَّهُ لا ميزة ولا خصوصية فيه توجب جعل الحجية له بالخصوص وعدم جعل الحجية لسائر أخبار الآحاد (أي: نقطع بالملازمة بين حجيته وحجية غيره).
 إِلاَّ أن هذا الاستدلال باطل؛ لأَن هذا الخبر ليس حجةً؛ لأَنَّهُ يستحيل أن يكون حجة؛ لأَن جعل الحجية له لغو؛ لأَنه بمجرد أن تُجعل الحجية له وتصلنا حجيته سوف نقطع بكذبه؛ لأَنَّهُ يقول: إن غيري من سائر أخبار الآحاد ليس حجة، ونحن نقطع بِأَنَّهُ إن لم يكن غيره حجة فهو ليس بحجة أَيْضاً (أَيْ: نقطع بالملازمة)، وَبِالتَّالِي ما إن نقطع بحجيته حَتَّىٰ نقطع بكذبه. ومثل هذا الخبر الَّذِي يلزم من جعل الْحُجِّيَّة له القطع بكذب مضمونه محال؛ لأَنَّهُ لغو ويستحيل صدوره من الشَّارِع.
 الفرض الثالث: كالفرض الثَّانِي أن تكون السنة ظنية الصدور مع افتقارنا إِلَىٰ القطع الموجود في الفرض الثَّانِي بالملازمة بين حُجِّيَّة هذا الخبر وبين حُجِّيَّة غيره من أخبار الآحاد، وَإِنَّمَا نحتمل وجودَ خصوصيةٍ وميزة في هذا الخبر أوجبت جعلَ الحجية له بالخصوص من دون سائر أخبار الآحاد حيث لم تجعل هذه الْخُصُوصِيَّة لها، ومعنى ذلك أَنَّهُ لا يلزم من حُجِّيَّة هذا الخبر القطعُ بكذب مضمونه (وهو أن سائر أخبار الآحاد ليس حجة)، وَحِينَئِذٍ يَتُِمّ الاستدلال بهذا الخبر الظني عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ ويعقل للشارع أن يجعل الحجية لهذا الخبر؛ لأَن حجيته ليست مساوقة للقطع بكذب مضمونه كالفرض السابق.
 هذا فرض معقول وممكن ثُبُوتاً (أَيْ: من الممكن أن تُجعل الحجيةُ لهذا الخبر الَّذِي يقول بأن سائر أخبار الآحاد ليست بحجة)، أَمَّا أن الشَّارِع هل جعل الْحُجِّيَّةَ لشخص هذا الخبر (هذا الخبر الدال عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة سائر الأخبار) في مقام الإثبات أم لا فهو ما نتناوله فيما يلي:
 
 دراسة الفرض إِثْبَاتاً:
 والدليل الإثباتي عَلَىٰ حُجِّيَّة شخص هذا الخبر هو السيرة العقلائية (الَّتِي يأتي شرحها عند الكلام عن أدلة الْحُجِّيَّة) القائمة عَلَىٰ العمل بخبر الثقة، والمفروض أن هذا الخبر الظني الَّذِي نريد الاستدلال به عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة أخبار الآحاد ثقةٌ. ومضمون هذا الخبر هو أن سائر أخبار الآحاد ليست بحجة، أي: مضمونه هو الردع عن السيرة في سائر أخبار الآحاد، فيتم هذا الاستدلال.
 هذا هو منهج الاستدلال بالسنة عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وبعد ذلك ندخل في صلب الروايات الَّتِي استدل بها عَلَىٰ عَدَمِ حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ ويمكن تقسيمها إِلَىٰ طائفتين:
 الطائفة الأولى: الروايات الَّتِي تدل عَلَىٰ مضمون >كل خبر لا يُعلم بصدوره من المعصوم × لا يجوز العمل به<.
 الطائفة الثانية: الروايات الَّتِي تدل عَلَىٰ مضمون >كل خبر عُرض عَلَىٰ كتاب الله فوافقه فاقبلوا به وإن خالف القرآن فردّوه< (مضمون تحكيم القرآن في قبول الخبر أو رفض الخبر).
 
 أَمَّا الطائفة الأولى من الروايات:
 هناك روايتان عثرنا عليهما بهذا المضمون:
 الرواية الأولى: رواية محمد بن علي بن عيسى كَتَبَ إليه (إِلَىٰ الإمام العسكري ×) يسأله عن العلم المنقول إلينا من آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه فكيف العمل به عَلَىٰ اختلافه أو الرد إليك فيما اختلف فيه؟ فكتب ×: >مَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ قَوْلُنَا فَالْزِمُوهُ وَمَا لَمْ تَعْلَمُوا فَرُدُّوهُ إِلَيْنَا<( [1] ).
 فتدل هذه الرواية عَلَىٰ وجوب الأخذ بالخبر المقطوع بصدوره دون الخبر الَّذِي لا تعلمون بِأَنَّهُ صادر منّا فردّوه إلينا.
 الرواية الثانية: رواية محمد بن عيسى قال: أقرأني داوود ابن فَرْقَد الفارسي كتابه إِلَىٰ أبي الحسن الثالث (الهادي) × وجوابه × بخطه قال: نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه كيف العمل به عَلَىٰ اختلافه؟ فكتب وقرأته: >مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَوْلُنَا فَالْزَمُوهُ وَمَا لَمْ تَعْلَمُوا فَرُدُّوهُ إِلَيْنَا<( [2] ).
 إِلاَّ أن الصحيح أن الاستدلال بهذه الطائفة عَلَىٰ عدم الحجية غير تامة وذلك لوجوه أربعة:
 الوجه الأول: أن هذه الطائفة لا دلالة فيها عَلَىٰ أن خبر الواحد في نفسه ليس حجةً، وَإِنَّمَا تدل عَلَىٰ أَنَّ الخبرين إذا تعارضا واختلفا فيكون الحكم والمقياس هو أن الخبر الَّذِي تقطعون بصدوره منا خذوا به وارفضوا الخبر المعارض، وهذا ما نؤمن به ولا مشكلة فيه.
 
 
 فإن قلت: كيف يكون مورد هذه الطائفة عبارةً عن فرض تعارض الخبر الَّذِي يُعلم بصدوره من الأئمة ^ والخبر الَّذِي لا يُعلم بصدوره، والحال أَنَّهُ لا تعارض بين الخبر الَّذِي نعلم بصدوره من الأئمة ^ وبين الخبر الَّذِي لا نعلم بصدوره منهم ^؛ 38
 قلت: العلم بصدور أحد الخبرين من المعصوم × لا يلازم دَائِماً العلم بعدم صدور الآخر من المعصوم ×، فقد يكون الآخر صادراً منه × أَيْضاً ومع ذلك هما يتعارضان في الدَّلاَلَة، فليس العلم بصدور أحدهما مستلزماً للعلم بعدم صدور الآخر.


[1] - العاملي، وسائل الشيعة: ج18، 86، الباب 9 من صفات القاضي، ح 36.
[2] - النوري، مستدرك الوسائل، ج 3، ب 9 من صفات القاضي، ح 10، ص 186 نقلاً عن بصائر الدرجات، وكذلك البحار، ج 2، ب 29 من كتاب العلم، ح 33، ص 241 نقلاً عن بصائر الدرجات أيضاً. وفي هامش البحار: (وفي نسخة: >إذا أفرد إليك<).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo