< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/10/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجماع المنقول/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 المسألة الثانية: في نقل المنكشف
 وهو قول المعصوم ×، بأنْ نَقَلَ الناقلُ ابتداءً قولَ المعصوم × وصرّح به اعتماداً على الإجماع (أيْ: أنَّه أخرَجَ ذاك المدلول الالتزامي الذي كنّا نتحدّث عنه في المسألة السابقة من عالم المدلول الالتزامي إلى عالم المدلول المطابقي، فأصبح المدلول المطابقي لنقله عبارة عن الحكم الشرعي) فهل هذا النقل حجّة؟ وينبغي أن يُعلَم أنَّنا هنا أيضاً نغضّ النظر عن فرض المسامحات في النقل كي لا يعود الإشكال الذي ذكرناه في المقام الأول في المسألة السابقة.
  وحينئذٍ نقول: إنَّ نقله للمنكشف ولقول المعصوم × اعتماداً على الإجماع لا ينفعنا أكثر مّما كان ينفعنا نقله للإجماع الكاشف (في المسألة السابقة)؛ فإنَّ هذا النقل حدسي واستنتاج من الإجماع حسب الفرض.
 فإن كان مقدار الفتاوى التي يعتمد عليها هذا النقل والاستنتاج كافياً عندنا للكشف عن قول المعصوم × على أساس الملازمة التي تحدّثنا عنها في المسألة الأولى، إذن، فقد ثبت لدينا قول المعصوم ×.
 وإن لم يكن ذلك كافياً لدينا فلا فائدة لنقل قول المعصوم × ما دام قد عرفنا أنَّه نقل معتمد على حدسٍ غير مقبول عندنا.
 وإن شئت قلت: إن كان هذا الناقل قد عدل عن نقل الكاشف إلى نقل المنكَشَف في المورد الذي يكون الكاشف فيه كاشفاً عندنا أيضاً عن الحكم الشرعي، إذن فالكاشف هو الحجّة، وإن كان قد عدل عنه في المورد الذي لا يكون الكاشف فيه كاشفاً حقيقاً في نظرنا، إذن فهذا الإخبار والنقل لا يكون حجّة؛ لأنَّه مبني على مقدمتين: الأولى حسّية، والثانية حدسية. وهذه المقدمّة الحدسية لا يمكن إثباتها لا وجداناً؛ لأنَّه حدس غير صحيح عندنا حسب الفرض، ولا يمكن إثباتها تعبّداً؛ لأنَّ دليل الحجيّة لا يشمل القضايا والأخبار الحدسية.
 إذن، فعدول الناقل من الكاشف إلى المنكَشَف لا توجد مزيّةٌ في كلامه ونقله ولا ينفع شيئاً؛ لأنَّ إخباره عن المنكَشَف الذي هو قول المعصوم × ليس حسّياً؛ كي يشمله دليل حجيّة خبر الثقّة، وإنمّا الحسّي هو نقله للكاشف، فإن كان كافياً عندنا من الناحية الفنيّة أثّر أثره، وإلا فلا. وبهذا تمّت المسألة الثانية.
 
 المسألة الثالثة: في نقل جزء الكاشف
 كما إذا نقل الثقّة اتفاق خمسين من العلماء على رأي، ولم يكن هذا كافياً لدينا في الكشف عن قول المعصوم × بحسب حساب الاحتمالات، لكن كان ذلك كافياً عند الناقل للكشف عن الحكم الشرعي أو حتّى إذا لم يكن كافياً عنده أيضاً ، فضممنا ذلك إلى أقوال خمسين آخرين حصّلناها وجداناً أو ثبتت لدينا بنقل ثقةٍ آخر، وكانت مجموع الآراء المائة كافيةً لدينا للكشف عن الحكم الشرعي وقول المعصوم ×، فهل يكون النقل المذكور حجّة بالنسبة إلينا في إثبات جزء الكاشف ويثبت بذلك الحكم الشرعي فيما إذا حصّلنا الأجزاء الأخرى للكاشف، أم ليس حجّةً ولا يثبت به جزء الكاشف، وبالتالي فلا يثبت الحكم الشرعي حتّى مع تحصيل سائر الأجزاء الأخرى للكاشف؟
 مقتضى القاعدةِ الحجيّةُ وثبوت الجزء المنقول، إِلاَّ أنَّ المحقق الأصفهاني& استشكل في ذلك، وقال:
 إنَّ الإجماع المنقول ليس حجّة فيما إذا كان المنقول جزء الكاشف، وأنَّ دليل حجيّة خبر الثقّة لا يشمل الإخبار عن جزء الكاشف؛ وذلك لأنَّ دليل الحجيّة يدل على التنزيل والتنزيل إنمّا يكون بلحاظ الأحكام الشرعية، بينما الجزء المنقول في المقام لا هو حكم شرعي ولا هو موضوع لحكم شرعي.
 نعم، لو كان النقل نقلاً لتمام الكاشف الملازم للحكم الشرعي، لقلنا: إنَّ هذا نقلٌ للحكم الشرعي بالملازمة، فيتمّ التنزيل بلحاظ الدلالة الالتزاميّة، أمّا جزء الملازم للحكم الشرعي فليس ملازماً له كي يكون نقله نقلاً (بالالتزام) للحكم الشرعي( [1] ).
 وبتعبير آخر: إن أُريد إثبات الحجيّة لهذا النقل (أَيْ: نقل جزء السبب الكاشف) بلحاظ مدلوله الالتزامي (وهو قول المعصوم×) فهذا غير ممكن؛ إذ ليس له مدلول التزامي؛ إذ لا ملازمة بين هذا الجزء وبين الحكم الشرعي وقول المعصوم× حسب الفرض، وإنمّا الملازمة ثابتة بين تمام السبب الكاشف وبين الحكم الشرعي، فهذا النقل (إذن) لا يدل بالالتزام على قول المعصوم ×؛ لأنَّ المفروض أنَّه يحكي عن جزء السبب الكاشف، والحاكي عن جزء السبب بالمطابقة لا يحكي عن المسبَّب المنكَشَف بالالتزام.
 وإن أُريد إثبات الحجيّة له بلحاظ مدلوله المطابقي (وهو المقدار المنقول، أيْ: فتاوى خمسين عالماً مثلاً)، فهو أيضاً غير ممكن؛ لأنَّ هذا المدلول المطابقي لا هو حكم شرعي ولا هو موضوع يترتب عليه حكم شرعي. إذن، فلا معنى لجعل الحجيّة تعبّداً لنقل الشارع لنقله؛ فإن الحجية عبارة عن التنجيز والتعذير، وما يقبل التنجيز والتعذير إنما هو الحكم الشرعي أو موضوع الحكم الشرعي، وهذا بخلاف ما إذا كان المنقول تمام السبب الكاشف (أَيْ: فتاوى مائة عالم مَثَلاً)؛ فَإِنَّ ذاك الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيّ له مدلول التزامي وهو الحكم الشرعي، فيكون من المعقول جعل الْحُجِّيَّة لنقله وذلك بلحاظ مدلوله الالتزامي.
 إِلاَّ أن هذا الإشكال واضح الدفع؛ إذ يكفي في جوابه القول بأننا نريد إثبات الْحُجِّيَّة لهذا النقل بلحاظ مدلوله الالتزامي، كما أثبتناها بنفس هذا اللحاظ في نقل تمام السبب الكاشف، غاية الأمر أن المدلول الالتزامي هنا مشروط بشرط، وهو توفّر الجزء الآخر للكاشف، فالمدلول الالتزامي لهذا النقل هو أَنَّهُ إذا توفّرت فتاوى خمسين آخرين من العلماء مَثَلاً كان هذا ملازماً لقول المعصوم × وثبوت الحكم الشرعي، وهذا المقدار من الملازمة المشروط بهذا الشَّرْط كافٍ في ثبوت المدلول الالتزامي، وَبِالتَّالِي في معقوليّة جعل الحجيّة للنقل بلحاظ هذا المدلول الالتزامي الذي هو عبارة عن قول المعصوم × وثبوت الحكم الشرعي.
 والحاصل: أنَّ الحكم الشرعي في المقام وإن لم يكن لازماً لجزء الكاشف على الإطلاق، لكنَّه لازم على تقدير تحقّق الجزء الآخر؛ فالناقل ينقل (بالملازمة) الحكم الشرعي على تقدير تحقق الجزء الآخر، وقد أحرزنا الجزء الآخر بالوجدان أو بالتعبّد.
 وبكلمة أخرى: أنَّ الصور العقليّة المتصوَّرة في المقام ثلاث:
 الأولى: عدم ثبوت شيء من جزئيِّ الكاشف.
 الثانية: عدم ثبوت المنكشَف رغم ثبوت الكاشف بكلا جزئيه.
 الثالثة: ثبوت المنكشَف.
 فأمّا الصورة الأولى: فهي منتفية بإخبار الثقّة عن أحد الجزأين، وثبوت الجزء الآخر وجداناً أو بخبر آخر، إذن، فمجموع جزئي الكاشف متحقق.
 وأمّا الصورة الثانية: فهي أيضاً غير محتملة حسب الفرض؛ لأنَّ المفروض هو أنَّ الإجماع لا يتحقّق على ما هو الخطأ واقعاً (أيْ: أنَّه إذا تحقّق كلا جزئيّ الكاشف) وهذا معناه تحقق الإجماع) إذن، فالمنكشَف (وهو الحكم الشرعي الواقعي) ثابت؛ وذلك للملازمة بينهما بحسب حساب الاحتمالات كما تقدّم.
 إذن، فينحصر الأمر في الصورة الثالثة، وهي عبارة عن ثبوت المنكشَف، وكون هذا الرأي هو رأي المعصوم ×.
 وصفوة القول أنَّ نقل الجزء أيضاً كنقل الكلّ له مدلول التزامي (وهو قول المعصوم ×) لكن على نحو القضيّة الشرطيّة، فكأنَّه قال: >إذا انضّم إليه الجزء الآخر يكون المعصوم × حينئذٍ قائلاً بهذا الرأي<.
 ومن الواضح أنَّه يعقل جعل الحجيّة للنقل لإثبات هذه القضيّة الشرطيّة؛ لأنَّ جزاءها حكم شرعي (وهو قول المعصوم ×) ونحن يبقى علينا أن نتعّهد بإحراز شرطها الذي هو عبارة عن إثبات فتوى خمسين عالماً آخر وجداناً أو تعبّداً وحينئذٍ يتنقّح موضوع الحجيّة، وبذلك يثبت الجزاء.
 هذا تمام الكلام في المسألة الثالثة، وبذلك تمَّ الكلام عن الإجماع المنقول، ونكون بهذا قد أنهينا الكلام في الجهة الثالثة من جهات البحث عن الإجماع، و به تمَّ الكلام عن الإجماع.


[1] - الأصفهاني، نهاية الدراية: ج2، ص 69 و70.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo