< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/10/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجماع المنقول/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 وأمّا الجهة الثالثة: أي البحث عن الإجماع المنقول، فهل هو حجة وكاشف عن الحكم الشرعي أم لا؟ ولابدَّ من الفراغ في هذا البحث عن أن هذا الإجماع الذي نقله الناقل لو كان محصَّلاً للفقيه لكان حجّةً وكاشفاً عن الحكم الشرعي؛ وذلك لتوفّر الشروط المتقدّمة المساعدة على الكشف فيه، وحينئذٍ يقع الكلام تارةً في نقل الكاشف وهو الإجماع، وأخرى في نقل المنكشَف وهو الحكم اعتماداً على الإجماع، وثالثةً في نقل جزء الكاشف، بأَن ينقل الناقل مثلاً أقوال عشرة من العلماء مع أن الكاشف لدينا عبارة عن قول مائة مثلاً، فأضفنا إلى العشرة ما حصّلناه من قول تسعين من العلماء كي يتمَّ الكاشف.
 فالكلام يقع إذن في ثلاث مسائل:
 المسألة الأولى: في نقل الكاشف (أعني: الإجماع وأقوال العلماء) بحيث يَنصّب النقل على فتوى الفقهاء المتفّق عليها، والتي هي السبب (إثباتاً) لاستكشاف رأي المعصوم ×، بأن يقول الناقل: أجمع الفقهاء على كذا ..
 ومن الواضح أنَّ ثبوت الحكم بهذا الطريق متوقّف على أمرين:
 أحدهما: حجيّة هذا النقل؛ لإثبات فتوى الفقهاء وإجماعهم في المسألة.
 ثانيهما: الملازمة بين >الإجماع< وبين >الحكم الشرعي< كي ننتقل عن هذا الطريق إلى ثبوت الحكم الشرعي، أمّا مجرّد أقوال العلماء وإجماعهم ما لم ينته إلى الحكم الشرعي بالملازمة مثلاً فمن الواضح أنَّه لا معنى لحجيّة ذلك. فالكلام يقع في مقامين:
 
 المقام الأوّل:
 في ثبوت فتوى الفقهاء وإجماعهم بخبر الواحد، ولا إشكال في ثبوت ذلك به بمقتضى القاعدة، وعلى ضوء الأصول الموضوعية المفروغ عنها في هذا البحث، والتي هي عبارة عن أصل حجيّة خبر الثقة، واختصاص الحجيّة بالخبر الحسّي، والبناء على أصالة الحسّية عند الشك في كون الخبر حسّياً، فبعد الفراغ عن ذلك كله لا يبقى إشكال في المقام، إلا من الناحية التي سنشير إليها، وأمّا بغض النظر عنها فالمفروض توفّر شروط حجيّة الخبر في النقل المذكور، فيثبت به ما يدّل عليه هذا النقل بحسب ظهور لفظه وبحسب القرائن الحالية والمقالية التي تكتنفه والتي هي دخيلة في اقتناص المعنى من اللفظ.
 والوجه في حجيّة هذا الخبر هو أنَّه إخبار من ثقةٍ عن حسٍّ و واقعةٍ حسّية، ولا استبعاد في ذلك خصوصاً إذا كان الناقل للإجماع من المتقدّمين الذين يترقب في شأنه أن تكون فتاوى المُجمعين محسوسةً لديه أو قريبة من الحسّ، وعند الشك واحتمال الحدسيّة تجري أصالة الحسّ، ويثبت بكلامه المقدار الذي يدل عليه كلامه، وهو الاجماع.
 والمفروض أنَّ هذا المقدار نعتبره نحن سبباً كافياً للوصول إلى قول المعصوم × وثبوت الحكم الشرعي؛ باعتبار أنَّ مثل هذا الكلام له مدلول التزامي في الواقع وهو الإخبار عن قول المعصوم ×، وهذا الإخبار بالدلالة الالتزامية عن قول المعصوم × يكون حجّةً؛ باعتبار أنَّ هذا الإخبار قد تحصّل من مجموع مقدمتين:
 إحداهما: حسّية للناقل وهي عبارة عن الإجماع وفتاوى مائة عالم مثلاً.
 والأخرى: حدسية وهي عبارة عن استكشاف قول المعصوم × من ذاك الإجماع وتلك الفتاوى، ولكن هذا حدس صحيح لدينا أيضاً.
 إذن فتكون الدلالة الالتزامية حجّة هنا؛ لأنها وإن كانت نتيجة مقدّمة حسّية ومقدّمة حدسية، لكن تدّخُل المقدّمة الحدسية هنا لا يضر بحجيّة المدلول الالتزامي؛ لأنَّ هذه المقدّمة الحدسية قطعية عندنا، فلا يحتاج في إثباتها إلى التعبّد في حجيّة خبر الواحد كي يُقال: إِنَّ الخبر ليس حجّة في الحدسيات.
 وأمّا المقدّمة الأولى فهي وإنْ لم تكن قطعية لدينا لكنَّها حسّية للناقل، فيكون إخباره بها حجّةً عندنا وتثبت.
 إذن، فلا يقدح في الحجّية في المقام كون الملازمة حدسية وكون المدلول المطابقي الحسّي (وهو الإجماع وفتاوى مائة عالم مثلاً) ليس بنفسه حكماً شرعياً ولا موضوعاً للحكم الشرعي؛ فإنَّ المقدار اللازم هو أن يكون الإخبار حسّياً، وهو كذلك في المقام.
 وأمّا لوازم الإخبار الحسّي فهي تثبت في باب الأمارات ولو كانت برهانية ونظريّة وحدسية، كما أنَّه لا يُشترط في حجيّة الأمارة في مدلولها الالتزامي في ترتب أثر بلحاظ مدلولها المطابقي، وإنما اللازم بقاء المدلول المطابقي على الحجيّة وعدم سقوطها عنها بسبب التعارض ونحوه، بناءً على ما هو الصحيح من تبعيّة الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجيّة.
 إذن: هذا كله مما لا إشكال فيه.
 إنمّا الإشكال الذي يمكن أن يُثار في المقام هو من ناحية كثرة التسامحات الواقعة من قبل ناقلي الإجماع، كما أشار إليها الشيخ الأعظم الأنصاري & في الرسائل، وقد أُشير في بعض الكتب إلى أن عُشراً من معشار ما وقع من المسامحات كثير، فضلاً عن جميعها.
 وهذه المسامحات ترجع:
 إمّا إلى المسامحة في معقد الإجماع، بأن يكون الإجماع واقعاً على كبرى من الكبريات، والناقل ينقل الإجماع على أمرٍ يراه هو نتيجةً لتلك الكبرى، بينما هو في الواقع نتيجةً لكبرى اتفاقية وصغرى خلافية.
 وأمّا إلى المسامحة في حدود الإجماع، بأن يحصل للناقل القطع بالحكم الشرعي بسبب كمّية معيّنة من أقول الفقهاء وفتاواهم، فيُسمّي ذلك مسامحةً >إجماعاً<.
 وإمّا إلى المسامحة في أصل الإجماع، بأن يرى الناقل مثلاً مقداراً من الأقوال والفتاوى فيقطع بمخالفة الآخرين على ذلك، أو يرى مدرك الحكم في غاية الوضوح فلا يحتمل مخالفة أحد في ذلك فينقل الإجماع.
 ولو اكتفينا بهذا المقدار من البيان في تقريب الإشكال فقد يُجاب عليه بأن ظاهر كلام الناقل هو نقل الإجماع بلا أي مسامحةٍ في معقده ولا في حدوده ولا في أصله، وظهور الكلام حجّة ما لم يثبت خلافه، ففي أيّ موردٍ عرفنا فيه مسامحة الناقل في النقل يسقط نقله عن الحجّية، ولكن تبقى لنا الموارد الأخرى التي لا نعلم فيها بذلك، فنتمسّك فيها بظاهر النقل، ولم يثبت تغيّر مصطلحهم في الإجماع؛ بأن يفترض أنَّهم أصبحوا يقصدون بـ>الإجماع< المعنى المسامحي له، بل الظاهر من كلماتهم في >الأصول< بقاؤهم على المصطلح السابق في الإجماع.
 إذن: فما يصدر منهم في >الفقه< من نقل الإجماع مع المسامحة إنما هو خروج عن المصطلح ومجاز في التعبير وليس من باب تغير المصطلح، وعليه فكلما شككنا في هذا التجوّز أخذنا بظاهر الكلام وهو المعنى المصطلح كما هو واضح.
 إلا أنَّ التحقيق هو أنَّ هذا الإشكال وارد و مسجَّل على الإجماع المنقول؛ وذلك لأننا حينما رأينا سبعين بالمائة مثلاً من نُقُولِ الإجماع مشتملة على المسامحة، فسوف يوجب هذا الاطمئنانَ لنا بوقوع المسامحة في الجملة ضمن الثلاثين في المائة الباقية من تلك النُّقُول؛ فكلّ واحد من تلك النقول الباقية وإن كان ظاهراً في كونه نقلاً للإجماع بلا مسامحة والظهور حجّة، إلا أنََّ ذاك العلم أو الاطمئنان الإجمالي يوجب وقوع التعارض فيما بين هذه الظهورات المرتبطة بالثلاثين بالمائة الباقية، وتتساقط جميعاً عن الحجّية، كما هو الحال في سائر موارد العلم الإجمالي.
 هذا مضافاً إلى أننا حتى لو غضضنا النظر عن هذا العلم الإجمالي، فإن ما شاهدناه من المسامحة في الموارد السبعين بالمائة مثلاً:
 إمّا أنَّه يعني كثرة تورّطهم في الخطأ والغفلة في خصوص نقل الإجماع، وبه تسقط أصالة عدم الغفلة العقلائية، وحتّى أنَّ دليل حجّية خبر الواحد لو كان يدل على نفي احتمال الغفلة فإنما هو أيضاً في حدود أصالة عدم الغفلة العقلائية، ولا يدل على نفي ذلك حتى في الموارد التي لا يُجري العقلاء فيها أصالة عدم الغفلة.
 وإمّا أنَّه يعني أن دأبهم وديدنهم في باب نقل الإجماع قد جرى على المسامحة في التعبير وإرادة خلاف الظاهر من لفظ >الإجماع<، وعند ذلك يسقط البناء العقلائي على حجيّة الظهور في باب نقل الإجماع، وليس هذا حاله حال مجرّد الظن الشخصي بالخلاف، الذي لا يُسقط الظهور عن الحجّية، بل هو سنخ ما نقوله من سقوط أصالة الظهور العقلائية في عمومات واطلاقات الشارع لجريان دأبه وديدنه على كثرة الاعتماد على المقيّدات والمخصّصات المنفصلة.
 غاية الأمر أنه هناك يبقى لنا التمسّك بسيرة المتشرعة القائمة على العمل بالعمومات والإطلاقات الشرعية، أمّا في باب الإجماعات المنقولة فلا معنى للتمسّك بسيرة المتشرعّة كما هو واضح، فتسقط الإجماعات المنقولة عن الحجّية.
 نعم، لو وجِدَ في موردٍ مّا نقل للإجماع سالم عن الإشكال المذكور؛ وذلك بسبب علمنا مثلاً بالاهتمام الكثير من قبل ناقله بالفحص والتتبّع عن واقع الحال وعدم المسامحة أصلاً، فإنَّه حينئذٍ يكون النقل حجّة لإثبات الإجماع؛ لخروج المورد المذكور عن كونه من أطراف ذاك العلم أو الاطمئنان الإجمالي، وأيضاً لجريان أصالة عدم الغفلة وأصالة الظهور العقلائيتين؛ لعدم وجود ما يسقطهما كما هو واضح.
 هذا كله في المقام الأول، وهو ثبوت الإجماع بخبر الواحد.
 
 المقام الثاني:
 في ثبوت الملازمة بين الإجماع وبين الحكم الشرعي بعد فرض حجّية نقل الإجماع، فلو كان نقل الإجماع مؤدّياً ولو بالملازمة إلى أثرٍ شرعي فكيف يمكن أن نثبت في المقام الانتهاء إلى الأثر الشرعي؟
 والإشكال في المقام هو أنّنا لو بنينا على افتراض الملازمة العقلية بين الإجماع المحصَّل والحكم الشرعي؛ لكان نقل الإجماع نقلاً بالملازمة للحكم الشرعي وكان حجّةً، ولكننا قلنا فيما سبق أنَّ كشف >الإجماع< عن صحّة الحكم المجمع عليه، وكذلك كشف >التواتر< عن صدق الخبر المتواتر وصحّته ونحوهما مّما سبق ليس قائماً على أساس الملازمة، بل هو قائم على أساس حساب الاحتمالات الذي ينتهي إلى تضعيف الاحتمال، وبالتالي حصول العلم في ذهن الإنسان طبعاً وذاتاً، لا من جهة برهان عقلي على استحالة الصدور أو التواطؤ على الكذب والخطأ.
 ومن الواضح أنَّ حساب الاحتمالات إنمّا يؤثّر أثره في >الإجماع< أو >التواتر< المعلومين وجداناً، أي: أنَّ هذا الحساب إنمّا يجري ويفيد في حق من يحصل عنده ذاك الإجماع أو التواتر، لا مَن يُنقل له الإجماع أو التواتر؛ فالإجماع المحصَّل المعلوم وجداناً للفقيه يؤثّر فيه حساب الاحتمالات ويجري؛ لأنَّ هذا الإجماع يُكوّن للفقيه حساباً للاحتمال مؤدّياً إلى إثبات صحة المجمع عليه.
 وكذلك الحال في التواتر المحصَّل المعلوم وجداناً للإنسان؛ فإنَّه يكوّن في النفس حساباً للاحتمال مؤدّياً إلى اليقين.
 وأمّا مجرّد نقل >الإجماع< أو >التواتر< للإنسان فلا يكوّن في نفس الإنسان حساباً للاحتمال مؤدّياً إلى إثبات صحّة المصبّ، وعليه فلا يوجد في المقام تلازم بين المدلول المطابقي لنقل ناقل الإجماع (وهو الإجماع وفتوى مائة عالم مثلاً) وبين ما سُمّي بالمدلول الالتزامي لنقله (وهو الحكم الشرعي المجمع عليه)؛ كي يكون نقله حجّةً في إثباته نظراً إلى أنَّه إخبار بالدلالة الالتزامية عنه.
 وبعبارةٍ أٍُخرى: ليس لنقل الإجماع هنا مدلول التزامي أصلاً، وإنّما كل واحد من الفتاوى يخلق احتمالاً في النفس، فإذا تراكمت وتجمّعت الاحتمالات يزول حينئذٍ احتمال الخلاف.
 وهذا إنّما يكون فيما إذا حصّل الفقيه بنفسه فتاوى الفقهاء؛ كي يخلق كل واحد منها احتمالاً في نفسه، دون ما إذا نقل له ناقلٌ فتاوى الفقهاء؛ فإنَّ هذا النقل حينئذٍ ليس له ذلك الأثر.
 وعليه فنقل الإجماع لا يُدّعى بالدلالة الالتزامية على قول المعصوم ^ وثبوت الحكم الشرعي؛ لأن هذا النقل لم يُفد العلم، وإنمّا يُراد إثبات فتاوى الفقهاء من خلال التعبّد بهذا النقل.
 فلو أُريد إجراء التعبّد وتطبيقه على المدلول المطابقي لنقل الإجماع، ففيه أنَّه ليس حكماً شرعياً ولا موضوعاً لحكم شرعي.
 وإن أُريد إجراء التعبّد وتطبيقه على المدلول الالتزامي لنقل الإجماع، ففيه أنََّ هذا فرع ثبوت الملازمة العقلية، أي: فرع ثبوت قضية شرطية كليَة حقيقية مفادها أنّه كلّما تحقق الإجماع أو التواتر كان المصّب ثابتاً واقعاً، وثبوت هذه القضية فرع ثبوت الملازمة العقلية واستحالة الانفكاك وقد أنكرناها سابقاً، فلا تتشكّل الأدلَّة الالتزامية لنقل الإجماع على الحكم الشرعي.
 وبتعبير آخر: إنَّ الملازمة عندنا لم تكن بين الإجماع وصحّة الحكم المجمع عليه؛ كي يثبت الثاني بنقل الأوّل، وكذلك في التواتر لم تكن الملازمة عندنا بين التواتر وصحّة الخبر؛ كي يثبت الثاني بنقل الأوّل، وإنّما الملازمة عندنا كانت بين العلم بالإجماع والعلم بصحّة الحكم المجمع عليه، وكذلك بين العلم بالتواتر وبين العلم بصحّة الخبر، ومن الواضح أنَّ نقل الإجماع وكذلك نقل التواتر لا يورث العلم بهما.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo