< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/07/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجماع الْمُرَكَّب/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 وهذا الإشكال قد ظهر جوابه مِمَّا تَقَدَّمَ، فنحن لا نؤمن بالإجماع بما هو إجماع عَلَىٰ أساس بعض المباني القديمة فِي حُجِّيَّة الإجماع (كمبنى دخول الْمَعْصُوم × فِي المجمعين، وهو المسمَّى بـ>الإجماع الدخولي<، وكمبنى قاعدة اللطف المتقدمة القائلة بأن لطف الله تعالى بعباده يقتضي أن لا يجعلهم يُجمعون عَلَىٰ الخطأ) كي يقال فِي المقام: إننا نحتمل أَنْ يَكُونَ ذاك الَّذِي لم نعرف رأيه ولم نطّلع عَلَىٰ فتواه هو الإمام الْمَعْصُوم ×، فلم نُحرز دخول الْمَعْصُوم × فِي المُجمعين فلا يكون هذا الإجماع حجة، أو يقال: إننا نحتمل أَنْ يَكُونَ ذاك الَّذِي لم نعرف رأيه مخالفاً للمُجمعين فِي المسألة، فلا تنطبق قاعدة اللطف، ولا يلزم من إجماع المجمعين إجماع الكل عَلَىٰ الخطأ كي يتنافى مع لطف الله تعالى، وَإِنَّمَا نؤمن بالإجماع عَلَىٰ أساس حِسَاب الاِحْتِمَالاَتِ واستبعاد اشتباه الجميع وخطئهم؛ فقد يحصل لنا العلم واليقين من نفس آراء الجماعة الذين وصلت إلينا آراؤهم وإن لم نطّلع عَلَىٰ آراء سائر فقهاء الإمامية.
 إذن، فبالتأمل فيما قلناه فِي تقرير حُجِّيَّة الإجماع يظهر أننا لا نتبع عنوان >الإجماع< بما هو هو؛ إذ لم يقع هذا العنوان موضوعاً للحجية أو الأثر الشَّرْعِيّ، وَإِنَّمَا المناط فِي حُجِّيَّتُه هو الكشف عن ارتكاز أصحاب الأئمة × المعاصرين لهم والمعاشرين معهم، وهذا يكفي فيه الجيل الطليعي المتقدم من فقهائها الأبرار الأقدمين الذين كانوا هم حملة علم أولئك وامتداد فقههم، فضمّ غيرهم من علماء الشيعة ممّن لم يكن بمستواهم عِلْماً أو مكانةً وقرباً من محاور فقه آل البيت ^ أو اهْتِمَاماً بتلقّيه وضبطه ونقله لَيْسَ دَخِيلاً فِي ملاك الْحُجِّيَّة شرحناه وهو الكشف عن الارتكاز بِحِسَابِ الاِحْتِمَالاَتِ الكاشف عن رأي الْمَعْصُوم × ونظره.
 وَالْحَاصِلُ أَنَّنَا لسنا فِي مقام مناقشة لفظ >الإجماع< وعنوانه؛ إذ لا دليل شرعي عَلَىٰ حُجِّيَّة >الإجماع< بلفظه وعنوانه حتَّى يستشكل ويقال: إِنَّهُ كيف حصل الإجماع؟ وَإِنَّمَا الدَّلِيل عبارة عن كشف الإجماع كشفا عَقْلِيّاً قَطْعِيّاً قَائِماً عَلَىٰ أساس حِسَاب الاِحْتِمَالاَتِ.
 ولا إشكال فِي أن هؤلاء الذين وصلت إلينا آراؤهم وهي فِي معرض الوصول هم طليعة علماء الإمامية، وهذا المقدار يكفي بِحِسَابِ الاِحْتِمَالاَتِ عندنا.
 وَحِينَئِذٍ نقول: إن هذا العدد من علماء الإمامية هم الذين اتفقوا، وَبِحِسَابِ الاِحْتِمَالاَتِ تنفي أَنْ يَكُونَ اتفاقهم مِنْ دُونِ دليل ومدرك، وننفي أَيْضاً أَنْ يَكُونَ اتفاقهم لرواية حصلوا عليها، وَحِينَئِذٍ يتعيّن أَنْ يَكُونَ اتفاقهم باعتبار الارتكاز الْعَامّ الَّذِي شرحناه.
 ومن أجل أن موضوع الْكَاشِفِيَّة والحجية لَيْسَ هو >الإجماع< بعنوانه، بل موضوعها هو الارتكاز الْعَامّ بِحِسَابِ الاِحْتِمَالاَتِ، فلهذا قد يَتُِمّ الإجماع ويتحقق حتَّى فِي مورد وجود الخلاف، وذلك فيما إذا كان المخالف سنخ مخالف ونوع شخص لا يطعن بِحِسَابِ الاِحْتِمَالاَتِ ولم يكن مُضِرّاً به بلحاظ مستواه ووضعه العلمي أو بلحاظ ظرفه التَّأْرِيخِيّ، أو بلحاظ خصوصيته فِي آرائه، بأن كان منعزلاً عن التَّيَّار الفقهي الإِمَامِيّ أو مَعْرُوفاً بمبانٍ أخرى غير متعارفة وباطلة فِي الفقه الإِمَامِيّ وخارجة عن روحه وإطاره الْعَامّ، وَبِالتَّالِي كانت مخالفته غير متعارفة؛ فَحِينَئِذٍ يَتُِمّ الإجماع ويتحقق وإن وجد مخالف من هذا القبيل؛ وذلك لما عرفت بِحِسَابِ الاِحْتِمَالاَتِ.
 وهذا بخلاف ما إذا كان المخالف ممَّن هو فِي صميم المرتكزات الشَّرْعِيَّة والمتشرعية كالمفيد والصدوق - رحمهما الله - ونحوهما؛ فَإِنَّ وجود المخالف الَّذِي هو من هذا القبيل سوف يكون مُضِرّاً بتحقق الإجماع حتَّى لو كان عدده قليلاً؛ لأَنَّ المفروض هو أن هذا المخالف سنخ مخالف قد وقع فِي محور هذه الارتكازات كالشيخ المفيد والشيخ الصدوق والسيد المرتضى والشيخ الطوسي - رحمهم الله - وأمثالهم الذين هم عَلَىٰ رأس المباني الفقهية ومن صميم هذه المرتكزات، فمثل هؤلاء خلافهم يضر بِحِسَابِ الاِحْتِمَالاَتِ، وَحِينَئِذٍ يجب عَلَىٰ الفقيه أن يفتّش عن خصوصيات المخالف حتَّى يمكنه أن يُجري حِسَاب الاِحْتِمَالاَتِ أو لا يجريه.
 الإشكال الثَّانِي: هو النقاش الكبروي فِي حُجِّيَّة الإجماع بعد الفراغ عن تحصيله، وذلك بالقول بأن فقهاء عصر الغيبة كانوا محرومين من مصاحبة الإمام ×، فليس إجماعهم كاشفاً عن رأي الْمَعْصُوم ×؛ فَإِنَّ إجماع أصحاب شخصٍ إِنَّمَا يكشف عن رأي ذاك الشخص أو ذوقه فيما إذا كانوا فِي موقعٍ يمكنهم فيه الاِتِّصَال المباشر به وبأفكاره وذوقه وأخذ الرأي منه، وَأَمَّا إذا كان محجوباً عنهم وكانوا محجوبين عنه وليس بينهم إلا الظنون والحدس فاتفاقهم لا يكشف عن رأيه.
 ومقامنا من هذا القبيل؛ فَإِنَّ فقهاء عصر الغيبة وإن كانوا هم أصحاب ولي العصر الإمام الغائب - سلام الله عليه وعجل الله تعالى فرجه الشريف - لكنهم محرومون من التشرف بالوصول إليه وأخذ العلم منه، وَحِينَئِذٍ فِي مثل هذه الحالة لا يكشف اتفاقهم عَلَىٰ شيء عن رأيه ×.
 وهذا الإشكال أَيْضاً قد ظهر جوابه مِمَّا تَقَدَّمَ؛ فَإِنَّنَا فِي التطبيق الثَّانِي الأقوى والصحيح لمبدأ كاشفية الإجماع لم نحاول الكشف عن رأي الْمَعْصُوم × مباشرة من خلال إجماع الفقهاء، كي يقال: إن الْمَعْصُوم × محجوب عنهم، بل افترضنا وسيطاً بين الإجماع وبين رأي الْمَعْصُوم ×، وهو الارتكاز المتلقّى من جيل أصحاب الأئمة ×؛ فإجماع الفقهاء الأقدمين يكشف عن وجود ارتكاز فِي الطبقة الَّتِي هي أصل الروايات وهمزة الوصل بين الأئمة × وبين هؤلاء الفقهاء، وارتكاز هذه الطبقة كاشف لا محالة عن رأي الْمَعْصُوم ×؛ إذ لم يكن الْمَعْصُوم محجوباً عن هذه الطبقة، بل إن هذه الطبقة كانت معاشرة ومعاصرة للمعصوم وقد تلقّت كُلّ تصوراتها منه.
 الإشكال الثَّالِث: هو النقاش الكبروي أَيْضاً فِي حُجِّيَّة الإجماع بعد الفراغ عن تحصيله، وهو ما ذكره المحقق الإِصْفِهَانِيّ &( [1] ) ويستفاد من كلامه & الاعتراض عَلَىٰ اكتشاف قول الْمَعْصُوم × من الإجماع بنقطتين:
 الأولى: أن غاية ما يتطلّبه افتراض أن الفقهاء لا يُفتون مِنْ دُونِ دليل هو أن يكونوا قد استندوا إلى روايةٍ عن الْمَعْصُوم × اعتقدوا ظهورها فِي إِثْبَات الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وحجيّتها سنداً؛ فَإِنَّ هذا هو غاية مَا يَقْتَضِيهِ إجماع الفقهاء عَلَىٰ حكمٍ نَظَراً إلى تورّعهم وعدالتهم وعدم إفتائهم مِنْ دُونِ دليل ورواية، فَلاَ بُدَّ من افتراض أن هناك دَلِيلاً وَمَدْرَكاً استندوا إليه، وهذا يكشف إِجْمَالاً عن وجود رواية تَامَّة عرفوها ووصلت إليهم ولم تصلنا، ولذلك أفتوا.
 إلا أَنَّهُ لا ضمان لنا لافتراض أن ما تَمَّ عندهم من روايةٍ سنداً ودلالة يَتُِمّ عندنا أَيْضاً سَنَداً ودلالةً لو وصلنا، فليس من الضروري أَنْ تَكُونَ الرواية فِي نظرنا لو اطّلعنا عليها ظاهرةً فِي نفس المعنى الَّذِي استظهروه منها؛ وذلك لالتفاتنا إلى نكتةٍ خفيت عليهم كما يقع ذلك كثيراً.
 كما أَنَّهُ لَيْسَ من الضروري أَنْ يَكُونَ اعتبار الرواية سَنَداً عند المُجمعين مساوقاً لاعتبارها سَنَداً عندنا أَيْضاً؛ وذلك لاختلاف المباني فِي تصحيح الأسانيد؛ فقد لا نبني نحن إلا عَلَىٰ حُجِّيَّة الخبر الصَّحِيح وهو ما اتصل سنده إلى الْمَعْصُوم بِالإِمَامِيِّ العدل، بينما يكون المجمعون قد عملوا بالرواية لبنائهم عَلَىٰ حُجِّيَّة الخبر الحَسَن وهو ما اتصل سنده إلى الْمَعْصُوم × بِالإِمَامِيِّ الممدوح من غير نص عَلَىٰ عدالته، أو حُجِّيَّة الخبر الموثَّق وهو ما كان فِي سنده شخص نصّ الأصحاب عَلَىٰ توثيقه مع فساد عقيدته.
 إذن، فالجزم بتمامية تلك الرواية سنداً ودلالةً عندنا غير ممكن، فلا يكشف لنا إجماعهم عن قول الْمَعْصُوم × ووجود دليل معتبر عَلَىٰ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ.
 الثَّانية: أن أصل كشف الإجماع عن وجود رواية خاصة صحيحة سنداً وتامة الدِّلاَلَة عَلَىٰ الحكم قد وصلتهم ولم تصلنا أمر غير صحيح؛ فَإِنَّ إجماعهم لا يكشف عن شيء من هذا القبيل؛ لأَنَّ هذا الكشف إِنَّمَا كان يقوم عَلَىٰ أساس استبعاد إفتائهم مِنْ دُونِ دليل وعن غفلةٍ أو تقصير واستغراب ذلك بشأنهم كما قلنا، ولكن فِي قبال هذا الاستغراب والاستبعاد يوجد استبعاد آخر وهو أَنَّهُ لو كانت هناك رواية من هذا القبيل قد وصلتهم إذن فلماذا لا نراها فِي مدوَّناتهم ومجاميعهم الروائية الَّتِي هي مصادر الحديث؟ فنحن لو كنّا نجد فِي مصادر الحديث رواية من هذا القبيل إذن لكانت واصلة بنفسها إلينا لا بالإجماع، وكان لاَ بُدَّ علينا حِينَئِذٍ من تقييمها بصورة مباشرة.
 أَمَّا حيث أننا لم نجد شَيْئاً من هذا، فافتراض وجود رواية وصلتهم واستندوا إليها جَمِيعاً فِي فتواهم وهم أصحاب المجاميع والمتون الفقهية ومع ذلك لم يذكروها فِي تلك المجاميع والمتون ولم ينقلوها لنا، ولذا لم تصلنا مع أنهم هم حملة الروايات إلينا افتراض غريب وبعيد جِدّاً؛ إذ كيف نفسّر حِينَئِذٍ عدم ذكر أحد من المُجمعين لهذه الرواية فِي شيء من كتب الحديث أو الاِسْتِدْلاِل مع أَنَّهَا هي الأساس لفتواهم، عَلَىٰ الرغم من أنهم يذكرون من الأَخْبَار حتَّى ما لا يستندون إليه فِي كثير من الأحيان، فقد نقلوا الغثّ والسمين والصحيح والسقيم من الروايات؟
 وهذا الإشكال أَيْضاً قد ظهر جوابه ممّا حقّقناه وقلناه فِي كاشفية الإجماع.
 فالجواب عَلَىٰ النُّقْطَة الثَّانية من الإشكال هو أن مسلكنا فِي الإجماع لم يكن عبارة عن أن نكتشف من خلال إجماع أهل النَّظَر والفتوى من فقهاء عصر الغيبة المتقدمين وجود مدركٍ روائي وصلهم ولم يصلنا، كي يقال: إن عدم ذكر تلك الرواية وتدوينها فِي كتب الحديث والفقه أمر غريب وبعيد جِدّاً، وَإِنَّمَا طريقتنا فِي الإجماع هي أن نكتشف من خلاله (فِي حالة عدم وجود دليل لَفْظِيّ محدَّد للمُجمعين) ارتكازاً ووضوحاً فِي الرواية متلقّى من الطبقات السابقة عَلَىٰ أولئك الفقهاء المتقدمين، أَيْ: أَن الإجماع يكشف عن أن هذا الحكم المجمع عليه كان أمراً مركوزاً فِي ذهن أصحاب الأئمة ^ وواضحاً لديهم، والفقهاء لَمَسوا هذا الارتكاز والوضوح فيهم وأخذوه منهم؛ لأَنَّ أخذ هذا الارتكاز والوضوح وتلقّيه هو الَّذِي يفسّر حِينَئِذٍ إجماع فقهاء عصر الغيبة المتقدمين عَلَىٰ الرغم من عدم وجود مستند لَفْظِيّ مشخَّص بأيديهم.
 ونفس هذا الاستغراب الَّذِي ذكره المحقق الإِصْفِهَانِيّ & (وهو أَنَّهُ لماذا لا نرى أثراً لتلك الرواية فِي كتبهم؟) دليلٌ عَلَىٰ أن مدرك المُجمعين لم تكن روايةً، بل كان ارتكازاً، وهذا الارتكاز والوضوح لدى تلك الطبقات المشتملة عَلَىٰ الرواة وحملة الحديث من معاصري الأئمة ^ يكشف عادةً عن وجود مُبَرِّرَات كافية فِي مجموع السُّنة الَّتِي عاصروها من قول وفعل وتقرير أوحت إليهم بذلك الوضوح والارتكاز.
 فإجماع الفقهاء يكشف عن ارتكاز الرواة، وهذا الارتكاز يكشف إجمالاً عن جامع السُّنة، فالإجماع كاشف عن السُّنة بالواسطة، وبهذا يزول الاستغراب المذكور القائل إنهم كيف لم يذكروا هذه الرواية؟ إذ لم نفترض أن المُجمعين من فقهاء عصر الغيبة قد تلقّوا رواية محدَّدة ولم يشيروا إليها فِي كتبهم، بل نفترض أنهم تلقّوا ما هو أقوى من الرواية، أي: تلقّوا جَوّاً عَامّاً من الاقتناع والارتكاز (لدى الرواة) الكاشف عن جامع السنة كشفاً تَكْوِينِيّاً قَطْعِيّاً بِالنَّحْوِ المتقدم شرحه، فمن الطبيعي أن لا تُذكر فِي كتبهم رواية بعينها.
 وفي هذا الضوء يتضح الجواب عَلَىٰ النُّقْطَة الأولى من الإشكال أَيْضاً؛ لأَنَّ الَّذِي نريد اكتشافه من خلال الإجماع لَيْسَ عبارة عن رواية اعتيادية، كي يُعترض عَلَىٰ ذلك بأن من المحتمل عدم تَمَامِيَّة تلك الرواية عندنا سنداً أو دلالةً، بل نريد أن نكتشف بالإجماع هذا الجوّ الْعَامّ من الاقتناع والارتكاز الَّذِي يكشف بدوره عن الدَّلِيل الشَّرْعِيّ.


[1] - الإِصْفِهَانِيّ، نهاية الدراية: ج3، ص185-186..

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo