< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: حُجِّيَّة الإجماع تَعَبُّداً بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيّ/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 وتوضيح ذلك أن الحديث لم يرد فِي الصحيحين (صحيح البخاري وصحيح مسلم) وَإِنَّمَا ورد فِي >سنن ابن ماجة<( [1] ) و>سنن أبي داوود<( [2] ) وذكره الحاكم النيسابوري فِي مستدركه عَلَىٰ الصحيحين مشيراً إلى عدم نقاء السند؛ فَإِنَّهُ وإن التزم فِي مستدركه عَلَىٰ العموم بإخراج الأحاديث بأسانيد قد احتجّ بمثلها الشيخان (البخاري ومسلم) أو أحدهما، لٰكِنَّهُ فِي خصوص المقام أشار إلى ضعف أسانيد هذه الرواية محاولاً العلاج بما لا فائدة فيه، وبيان ذلك أَنَّهُ قد روى فِي مستدركه هذا الحديث عن ثلاثة: >ابن عمر< و>ابن عباس< و>أنس بن مالك<:
 وما رواه عن ابن عمر فقد رواه عن المعتمر بن سليمان بأسانيد سبعة:
 أولها: >أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الأصمّ ببغداد، عن جعفر بن شاكر عن خالبد بن يزيد القرني، عن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله : لا يجمع الله هذه الأمة عَلَىٰ الضلالة أبداً... إلخ<.
 ثُمَّ قال: >خالد بن يزيد القرني هذا شيخ قديم للبغداديين، ولو حفظ هذا الحديث لحكمنا له بالصحة<. يعني بذلك أن هذا الحديث من خالد بن يزيد إلى رسول الله صحيح السند، فلو كان قد وصلنا من خالد بشكل صحيح لَتَمَّ سند الحديث. وهذا كما ترى يعني الضعف فِي السند بِالنِّسْبَةِ للمقطع الواقع بين >الحاكم< وبين >خالد<.
 ثُمَّ يسترسل فِي ذكر باقي الأسانيد إلى المعتمر بن سليمان إلى أن يصل إلى السند الخامس وهو >أبو الحسن عبد الصمد بن علي بن حكرم البزّاز ببغداد، عن محمد بن غالب، عن خالد بن عبد الرحمن، عن المعتمر عن سلم بن أبي الذيال، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: >قال رسول الله : لا يجمع الله هذه الأمة، أو قال: أمتي، عَلَىٰ الضلالة...إلخ<.
 ثُمَّ قال: >وهذا لو كان محفوظا من الراوي [يعني المعتمر] لكان من شرط الصَّحِيح<. وهذا أَيْضاً كما ترى تضعيف للمقطع الواقع بينه وبين >المعتمر<.
 وَأَمَّا باقي الأسانيد السبعة (غير الأَوَّل والخامس) فقد وقع فيها شخص بين >معتمر بن سليمان< و>عبد الله بن دينار< غير مَن مضى فِي السند الأَوَّل (وهو أبوه) وغير مَن مضى فِي السند الخامس (وهو سلم بن أبي الذيان)، وهذا الشخص عُبّر عنه تَارَةً بـ>أبي سفيان المدني< وأخرى بـ>سفيان وابي سفيان< وثالثة بـ>أبي سفيان سليمان بن سفيان المدني< ورابعة بـ>سليمان المدني< وخامسةً بـ>سليمان أبي عبد الله المدني<.
 وقال الحاكم: >قال الإمام أبو بكر بن محمد بن إسحاق: لستُ أعرف سفيان وأبا سفيان هذا<.
 وقال فِي سبيل التخلّص من ضعف السند ما مضمونه: إن هذه أسانيد سبعة إلى المعتمر بن سليمان، وهو أحد أركان الحديث، لا يسعنا أن نحكم أن كُلّهَا محمولة عَلَىٰ الخطأ؛ لأَجل عدم معرفة سليمان بن سفيان المدني الواقع بين >المعتمر< و>عبد الله بن دينار< ونحن إذا قلنا هذا القول نسبنا الراوي (يعني المعتمر) إلى الجهالة، فَوَهَّنَّا به الحديث ولكنا نقول: إن المعتمر بن سليمان أحد أئمة الحديث، وقد روي عنه هذا الحديث بأسانيد يصح بمثلها الحديث، فَلاَ بُدَّ من أَنْ يَكُونَ له أصل بأحد هذه الأسانيد.
 أقول: كأنه يقصد بهذا الْكَلاَم أن سند الحديث إلى المعتمر ثابت بالاستضافة أو التَّوَاتُر، فلا يضر ضعف الأسانيد السبعة، ومجهولية سليمان بن سفيان المدني عندنا الواقع بين >المعتمر< و>عبد الله بن دينار< لا تضرّنا؛ لأَنَّ المناقشة فِي السند لأجل هذا الأمر تعني نسبة الراوي (أي: المعتمر) إلى الجهالة، فَلاَ بُدَّ من أَنْ يَكُونَ قد سمع هذا الحديث من ثقة، بأن يكون ابن سفيان ثقة، أو يكون قد رواه عن أبيه، أو عن سلم بن أبي الذيال كما ورد فِي بعض النُّقُول السبعة.
 إِلاَّ أَن الحاكم فِي كلامه هذا لم يذكر لنا أَنَّهُ بأيّ دليل كان يجب عَلَىٰ >المعتمر< أن لا يروي إلا عن ثقة؟ وهل هناك قاعدة تقولك إن الثِّقَة لا يروي إلا عن ثقةٍ، بحيث نلتزم بوثاقة كُلّ مَن روى عنه ثقة؟ إن هذا ما لم يلتزم به أحد.
 ثُمَّ قال الحاكم لتأييد حديث >المعتمر<: >وجدنا للحديث شواهد غير حديث المعتمر لا أدّعي صحتها ولا أحكم بتوهينها، بل يلزمني ذكرها، لإجماع أهل السنة عَلَىٰ هذه القاعدة من قواعد الإسلام<.
 وهنا ينقل الحاكم الحديث:
 تَارَةً عن ابن عباس عن النَّبِيّ بسندين، والمتن فِي أحدهما هو >لا يجمع الله أمتي< أو قال: >هذه الأمة عَلَىٰ الضلالة أبداً، ويد الله عَلَىٰ الجماعة< وفي الآخر هو >لا يجمع الله أمتي عَلَىٰ ضلالة أبدا، ويد الله عَلَىٰ الجماعة<.
 وأخرى عن أنس بن مالك عن النَّبِيّ بسند فيه مبارك بن مُسيحم، والمتن هو >إِنَّهُ سأل ربه أربعاً: سأله أن لا يموت جوعاً فأُعطي ذلك، وسأل ربه أن لا يجتمعوا عَلَىٰ ضلالة، فأعطي ذلك، وسأل ربه أن لا يرتدوا كفاراً فأعطي ذلك، وسأل ربه أن لا يغلبهم عدوُّهم فيستبيح بأسَهم، فأعطي ذلك، وسأل ربه أن لا يكون بأسهم بينهم، فلم يُعطَ ذلك<.
 ثُمَّ يقول الحاكم: >أَمَّا مبارك بن سُحيم فَإِنَّهُ ممن لا يمشي فِي مثل هذا الكتاب، لكني ذكرته اضطراراً<( [3] ).
 أقول: فقد اتضح أن الرواية الواردة عن ابن عمر غير تَامَّة سَنَداً حتَّى عَلَىٰ أصولهم.
 وَأَمَّا الواردة عن أنسب بن مالك فقد اعترف الحاكم نفسه بأن فِي سندها مَن لا يمشي فِي مثل كتاب المستدرك وهو مبارك بن سُحيم.
 وَأَمَّا الواردة عن ابن عباس فهي مشمولة لقوله >لا أدعي صحّتها ولا أحكم بتوهينها<؛ إذ هي مِمَّا لم تثبت صحته.
 وَأَمَّا إذا أراد الحاكم من سرد هذه الروايات إثبات استفاضتها فهي كما ترى ترجع كُلّهَا إلى روايات ثلاث: عن ابن عمر، وابن عباس، وأنس بن مالك، فكيف تَتُِمّ الاستفاضة بثلاث روايات؟
 هذا، إضافةً إلى ما سوف نذكره من اِحْتِمَال اختلاق هذه الروايات بنكتة سياسية مشتركة، هذا كله عن >الحاكم< ومستدركه عَلَىٰ صحيح البخاري وصحيح مسلم.
 وهناك صيغتان أخريان للحديث كما تقدمت الإشارة إليهما وردت إحداهما فِي >سسن ابن ماجة< وهي ما عن أبي خلف الأعمى قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله يقول: إن أمتي لا تجتمع عَلَىٰ ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأَعْظَم<( [4] ).
 ووردت الأخرى فِي >سنن أبي داود< وهي ما نقله شريح عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله : >إن الله أجاركم من ثلاث خصال: أن لا يدعوَ عليكم نبيّكم فتهلكوا جميعاً، وأن لا يَظهر أهلُ الباطل عَلَىٰ أهل الحق، وأن لا تجتمعوا عَلَىٰ ضلالة<( [5] ).
 فأما الأولى فهي أَيْضاً ضعيفة السند بأبي خلف الأعمى، حيث شهد بضعفه جملة من علمائهم.
 وَأَمَّا الثَّانية ففي سندها >قضمضم< الَّذِي ينقل هذا الحديث عن شريح وهو محل خلاف عندهم من حيث الجرح والتعديل.
 وَأَمَّا شريح الَّذِي نقل الحديث عن أبي مالك فهو وإن شهدوا بوثاقته إِلاَّ أَن من المظنون قويا أَنَّهُ لم يُدرك >أبا مالك الأشعري< كما شهد هو ضمناً عَلَىٰ نفسه بذلك، حيث شهد بأنه لم يدرك >سعد بن أبي وقّاص<، و>أبو مالك< قد توفي فِي حياة >سعد<.
 وهناك مَن شَكَّك فِي أصل رواية شريح مباشرةً عن الصحابة، فلقد نقل عن محمد بن >عون/عوف< أَنَّهُ سُئل: هل سمع شريح من أصحاب رسول الله ؟ فقال: لا أظن ذلك بل كان يسمع ممَّن ينقل عن الرسول ثُمَّ يرسله. وصرَّح أبو حاتم بأن كُلّ ما يرويه شريح عن أبي مالك الأشعري فهو مرسل، لما عرفت.
 وبذلك يكاد يحصل الاطمئنان بالإرسال، وعليه فالرواية الثَّانية أَيْضاً غير تَامَّة سَنَداً، إذن فالحديث؟؟؟
 هذا تمام الْكَلاَم حول سند هذا الحديث كما هو وارد فِي كتب الْعَامَّة، وقد عرفت أَنَّهُ لا يُجدينا شيئاً. كما لا يُجدينا أَيْضاً بعض المراسيل الشيعية الَّتِي نقلها صاحب >كشف القناع< عن >الاحتجاج< و>تحف العقول< وذلك بنفس نكتة الإرسال، وكذلك لا يُفيدنا ما ورد فِي >البحار<( [6] ) نَقْلاً عن >الخصال< بسند مشتمل عَلَىٰ مجاهيل عن الصادق × عن أبيه عن جده فِي قصة احتجاج عليّ × عَلَىٰ أبي بكر حيث تمسّك أبو بكر بقول رسول الله : >إن الله لا يجمع أمتي عَلَىٰ ضلال< وناقشه علي × فِي الصغرى ولم يناقش أصل الصُّدُور. فإن هذا الحديث أَيْضاً ساقط سَنَداً باشتماله عَلَىٰ مجاهيل.
 وَأَمَّا سقوط الحديث دلالةً فلأن >الصَّلاَة< إِنَّمَا هي العدول عن الحق عن عمد وتقصير، وَأَمَّا مَن خالف حكماً من الأحكام فِي مسألة من المسائل عن اجتهاد بلا تقصير فِي ذلك فلا يُعَدُّ من الضالّين، خُصُوصاً مع رجوعه إلى حكم شرعي ظاهري فِي المقام الَّذِي هو حكم الله أَيْضاً بشأنه بعد عدم وصوله إلى الحكم الْوَاقِعِيِّ، فكيف يُعتبر ضالاًّ مع أَنَّهُ تمسّك بحكم شرعي تَمَّ له موضوعه واقعاً وهو عدم العلم بالحكم الْوَاقِعِيِّ؟
 فالحديث إذن لا يَدُلّ عَلَىٰ ما يفيد فِي مسألتنا الأصولية؛ لأَنَّ الوارد فيه عنوان >لا تجتمع عَلَىٰ ضلالة< والضلالة تستبطن الإثم والانحراف، وهو أخص من الخطأ وعدم الحجة المبحوث عنه فِي الإجماع؛ فَإِنَّ خطأ الْمُجْمِعِينَ جَمِيعاً فِي مسألة فرعية لا تعني ضلالتهم كما هو واضح.
 وإن شئت قلت: إن الرواية حتَّى لو فرضنا ثبوتها عن النَّبِيّ فهي لا تفيد غرضنا الأُصُولِيّ هنا؛ لأَنَّهَا لم تقل: >إن أمتي لا تجتمع عَلَىٰ خطأ< وَإِنَّمَا قالت: >إن أمتي لا تجتمع عَلَىٰ ضلالة< والضلالة أخص من الخطأ؛ فَإِنَّ المجتهد إذا اجتهد وبذل جهده وصرف نظره فِي الآيات والروايات واستنبط استحباب قراءة السورة بعد الحمد فِي الصَّلاَة، لٰكِنَّهُ كان مخطئاً واقعاً، فلا يقال عنه: إِنَّهُ فِي ضلالة؛ لأَنَّ المتفاهم من الضلالة عرفاً هو الانحراف والإثم.
 فغاية ما يثبت بهذه الرواية هو أن جميع المسلمين سوف لا يصحون فِي يوم من الأيام فسقة وآثمين، فإذا أجمعوا عَلَىٰ استحباب السورة وكان هذا الإجماع خاطئاً فِي الواقع فهم مع ذلك لم يجتمعوا عَلَىٰ ضلالة وانحراف وإثم وبدعة، بل يقال عنهم: إنهم أَخْطَئُوا، فلا تَدُلُّ الرواية عَلَىٰ حُجِّيَّة الإجماع وكشفه تَعَبُّداً عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ.
 وعليه فالمبنى والأساس الثَّانِي من أسس حُجِّيَّة الإجماع لإثبات الحكم الشَّرْعِيّ وكشفه عنه (وهو المبنى القائل بقيام الدَّلِيل الشَّرْعِيّ عَلَىٰ حُجِّيَّتِه تعبداً) غير تَامّ أَيْضاً كسابقه.


[1] - راجع: الجزء الثَّانِي، ص1203.
[2] - راجع: الجزء الرَّابِع، ص98.
[3] - راجع: النيسابوري، المستدرك عَلَىٰ الصحيحين: ج1، ص115-117، ط مذيّلة بالتلخيص للحافظ الذهبي.
[4] - سنن ابن ماجة: ج2، ص1203.
[5] - سنن أبي داود: ج4، ص98.
[6] - المجلد الثامن من المجلدات القديمة فِي الفتن والمحن، الباب الخامس: احتجاج علي × عَلَىٰ أبي بكر فِي أمر البيعة، الحديث الأَوَّل، ص78.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo