< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/06/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجماع/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 فلنتناول المباني الثَّلاَثة بالبحث والدراسة بحسب الترتيب، فنقول:
 أَمَّا المبنى الأَوَّل: وهو مبنى كشف >الإجماع< عن >الحكم الشَّرْعِيّ< عَلَىٰ أساس حكم العقل الْعَمَلِيّ، فهو الَّذِي يُنسب إلى بعض أكابر القدماء من علمائنا وأبرزهم الشيخ الطوسي &( [1] ) وهو يبتني عَلَىٰ أساس >قاعدة اللُّطْف< الْعَقْلِيَّة المتفرّعة عَلَىٰ اصل >العدل الإلهي< فِي علم الْكَلاَم والَّذِي هو من مدرَكات العقل الْعَمَلِيّ.
 وهذه القاعدة يُرَاد بها القاعدة الَّتِي تقرّر ما يكون واجباً عَلَىٰ الله تعالى، غير أن التأدّب فِي التعبير يقتضي أن نسمّيه بـ>اللطف<. فكأن هناك مراتب من اللُّطْف يدرك العقل الْعَمَلِيّ وجوبها عَلَىٰ الله تعالى وصدورها منه؛ لأَنَّهُ عادل ولو لم تصدر منه لم يتصف بالعدل.
 إذن، فَالْمُدَّعَىٰ فِي قاعدة اللُّطْفِ هو حكم العقل الْعَمَلِيّ وإدراكه لما يكون واجباً عَلَىٰ الله تعالى بحكم كونه عادلاً، وحاصله حكم العقل بثبوت حق للعبد عَلَىٰ المولى كما يحكم العقل بثبوت حق للمولى عَلَىٰ العبد.
 وهذه القاعدة والفكرة قد تمسك بها جملة من علماء الْكَلاَم لإثبات النبوة الْعَامَّة وضرورة بعث الأنبياء والرسل وإنزال الشرائع والكتب بدعوى أن من اللُّطْف الواجب عَلَىٰ الله تعالى بحكم كونه عادلا أن يفتح للناس أبواب الهداية من قبله ويقيم الحجة للناس عَلَىٰ طريق السعادة والشقاء.
 وحاول الفقهاء الأقدمون تطبيق هذه القاعدة فِي مسألة الإجماع وجعلها مناطاً وملاكاً لاسْتِفَادَةِ حُجِّيَّتِه، بدعوى أَنَّهُ يقبح عَلَىٰ الله تعالى بحكم كونه عادلا إبقاءُ النَّاس فِي اشتباه وضلال وجَعلُهم يُجمعون عَلَىٰ خلاف الحق والواقع وتفويتُ مصلحة الواقع عليهم، فمن اللُّطْف اللازم والواجب عليه تعالى أن لا يسمح بضياع المصالح الحقيقية الموجودة فِي الأحكام الواقعيّة وفواتها عَلَىٰ النَّاس نهائيّاً، بل لاَ بُدَّ من أن لا يضيع الحق بين النَّاس، وَلاَ بُدَّ من منارةٍ ليعرف بها النَّاس ما يوجد لديهم من أخطاء وضلالات، فَلاَ بُدَّ من أن يتلطّف عليهم بإبراز الحقيقة وحفظها ولو ضمناً (أي: ضمن بعض الأقوال).
 وعليه، فإذا فرضنا أن النَّاس اتفقوا وأجمعوا عَلَىٰ حكمِ مّا فَلاَ بُدَّ من إحدى حالتين:
 فإما أَنْ يَكُونَ هذا الحكم صحيحاً فهو المطلوب.
 وَإِمَّا أن لا يكون كذلك، فَلاَ بُدَّ لله تعالى بِمُقْتَضَىٰ >قاعدة اللُّطْفِ< من أن يتدخّل لإيجاد قولٍ بالحكم الصَّحِيح لكي لا يضيع عَلَىٰ العباد مصلحة ذاك الحكم.
 إذن، فَكُلَّمَا وُجد إجماع عَلَىٰ حكمٍ حَقّاً ومن دون تشويش نستكشف أن معقد الإجماع هو الحق والمطابق للواقع، وَإلاَّ لزم خفاء الحقيقة كُلّيّاً وهو خلاف اللُّطْف.
 هذه هي الفكرة الْعَامَّة لأصل حُجِّيَّة الإجماع، وإثباتها بـ>قاعدة وجوب اللُّطْفِ عَلَىٰ الله تعالى<.
 وقد طوّرت هذه الفكرة فِي الإجماع فِي ما بعد عصر الشيخ الطوسي &، فذكر نظير ذلك بِالنِّسْبَةِ للإمام × وذلك بدعوى أن وظيفة إمام العصر - أرواحنا فداه و# - كآبائه الطاهرين × هي إبلاغ الأحكام إلى النَّاس وسدّ باب العدم من قبله ×؛ فَإِنَّ كان الحكم واصلا إليهم مِنْ قِبَلِ إمامٍ سابق ويعرفه بعضهم فليس عَلَىٰ إمام العصر × شيء؛ فَإِنَّ الإيصال واجب كفائي عليهم.
 وإن انقطع الحكم عن الجميع ولم يصل إليهم نِهَائِيّاً ووقع الإجماع عَلَىٰ خلاف الحق وجب عَلَىٰ إمام العصر × إيصاله إلى النَّاس ولو بإلقاء الخلاف فيما بينهم بأسلوبٍ لا ينافي التستّر والغيبة المطلقة، فإذا لم يكن هناك خلاف فسو نستكشف دخوله × فِي الْمُجْمِعِينَ وهو >الإجماع الدخولي<.


[1] - الطوسي، عِدَّة الداعي: ص246-247.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo