< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: القسم3: السِّيرَة المشرِّعة/السِّيرَة/دلالة التقرير/الدَّلِيل الشَّرْعِيّ غير اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 ومن دون فارق أَيْضاً فِي هذا الثَّانِي بين أن نقول: إن الْحُجِّيَّة عبارة عن حكم ظاهري ناشئ من الملاك الموجود فِي نفس جعله وإنشائه، وبين أن نقول بما هو الصَّحِيح عندنا من أن روح الحكم الظَّاهِرِيّ (بعد فرض عدم السَّبَبِيَّة) عبارة عن تعيين درجة اهتمام المولى بأغراضه الواقعيّة؛ ففي كُلّ هذه الفروض يتصور الوجه الأَوَّل؛ فَإِنَّ الجري الْعَمَلِيّ والسيرة بأي نحو كان يقتضي تكوّن العادة عَلَىٰ طبقه.
 الوجه الثَّانِي: أَنْ يَكُونُ ذلك من باب إيمان الْعُقَلاَء بصحة النكتة الَّتِي قامت عَلَىٰ أساسها السِّيرَة، مثلاً قد يقال: إن الْعُقَلاَء بنوا عَلَىٰ التملك بالحيازة لنكتة توقف نظام المعاش عَلَىٰ ذلك، وَالْمُتَشَرِّعَة منهم أَيْضاً بنوا عَلَىٰ ذلك ومشوا عَلَىٰ هذا الطريق إيمانا منهم بصحة هذه النكتة، فعملوا عَلَىٰ طبقها فِي مورد الحكم الشَّرْعِيّ بلا التفات إلى موافقة الشَّارِع وعدم موافقته إما غفلةً أو إهمالاً.
 والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق أن الجري عَلَىٰ طبق السِّيرَة فِي مورد الحكم الشَّرْعِيّ فِي هذا الوجه لا يفرض كونه عملا ميكانيكياً بحسب العادة كما كان فِي الوجه الأَوَّل، بل يفرض عملا عن وعي وشعور بلحاظ الإيمان بصحة نكتتها.
 نعم، الشيء الَّذِي أُغفِل فِي البين ولم يُراعَ إِنَّمَا هو عبارة عن موافقة الشَّارِع وعدم موافقته.
 وهذا الوجه إِنَّمَا يَتُِمّ فِي السِّيرَة الفقهية الَّتِي يُرَاد بها إِثْبَات الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْوَاقِعِيِّ كالسيرة القائمة عَلَىٰ التملك بالحيازة، دون السِّيرَة الأصولية الَّتِي يُرَاد بها إِثْبَات الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الظَّاهِرِيّ كالسيرة القائمة عَلَىٰ حُجِّيَّة خبر الواحد، حتَّى بناءً عَلَىٰ القول بأن روح الْحُجِّيَّة والحكم الظَّاهِرِيّ عبارة عن جعل شرعي قائم عَلَىٰ أساس ملاك موجودٍ فِي نفس الجعل؛ وذلك لأننا لو افترضنا أن سيرة الْعُقَلاَء جرت عَلَىٰ أن كُلّ من تقمص بقميص الْمَوْلَوِيَّة جعل خَبَر الثِّقَةِ حجة عَلَىٰ عبده وأنهم آمنوا بصحة هذه النكتة، لم يمكن افتراض أن إيمانهم بصحة هذه النكتة يجعلهم يمشون عَلَىٰ هذا الطريق فِي موارد الأحكام الشَّرْعِيَّة إلا بمعنى أنهم يعتقدون بأن الشَّارِع أَيْضاً يوافقهم عَلَىٰ هذه النكتة ويجعل هو أَيْضاً خَبَر الثِّقَةِ حجة عَلَىٰ عبده، فلم يمكن افتراض أنهم أغفلوا موافقة الشَّارِع وعدمها؛ فَإِنَّ الْحُجِّيَّة حسب الفرض عبارة عن جعل وتشريع مِنْ قِبَلِ المولى، ولا معنى لافتراض البناء عَلَىٰ ثبوت هذا الجعل مِنْ قِبَلِ المولى لصحة نكتته مع إغفال موافقة نفس المولى.
 إذن، فلا معنى لفرض الْعُقَلاَء خبر الواحد فِي الشرعيان حجة إلا من باب العادة وهو الوجه الأَوَّل أو من باب إثبات موافقة الشَّارِع لهم فِي النكتة وهو الوجه الثَّالِث الآتي.
 الوجه الثَّالِث: أَنْ يَكُونُ ذلك من باب إيمان الْعُقَلاَء بصحة نكتة السِّيرَة مع الاعتقاد بموافقة الشَّارِع عليها من باب أَنَّهُ لا يخطأ؛ فمع فرض عدم الخطأ تجب فِي نظرهم الموافقة؛ إذ المفروض صِحَّة النكتة فِي نظرهم.
 وفرق هذا الوجه من سابقيه واضح؛ وهو يَتُِمّ فِي السِّيرَة الفقهية المبنية عَلَىٰ إيمان الْعُقَلاَء (ولو ارتكازاً) بنكتة عَامَّة موجودة فِي قريحة جميع الْعُقَلاَء، كما فِي مسألة التملك بالحيازة، وَأَمَّا فِي السِّيرَة الأصولية فإن بنينا عَلَىٰ أن روح الْحُجِّيَّة والحكم الظَّاهِرِيّ عبارة عن نفس جعل مّا مِنْ قِبَلِ المولى لمصلحة وملاك فِي الجعل، فأيضاً يمكن القول بتمامية هذا الوجه فيها بدعوى أن الْعُقَلاَء يدركون بقريحتهم العامة مصلحة معيشية اجتماعية فِي نفس هذا الجعل مثلاً، ويعتقدون بصحة هذه النكتة وبموافقة الشَّارِع عليها؛ لأَنَّهُ لا يخطأ.
 أَمَّا بناءً عَلَىٰ ما هو المختار من أن روح الحكم الظَّاهِرِيّ عبارة عن تعيين درجة الاهتمام بالأغراض الواقعيّة؛ فَإِنَّ السيرة عَلَىٰ هذا لا تكون مرتكزة عَلَىٰ أساس نكتة مُدركة بالقريحة العامة للعقلاء فقط، بل هي مرتكزة عَلَىٰ أساس نكتتين:
 إحداهما: مُدرَكة بالقريحة العامة للعقلاء وهي مطابقة خَبَر الثِّقَةِ مثلاً للواقع بدرجة 80%.
 والأخرى: نكتة لا تكون كذلك، بل تكون شخصية قد تختلف من شخص إلى شخص آخر، فلا توجد فِي شخصٍ مّا وإن كان الغالب وجودها فِي الأشخاص وهي درجة اهتمام الشخص بأغراضه؛ فَإِنَّ هذا إِنَّمَا يكون بملاك خَاصّ لِكُلّ واحد واحدٍ؛ فمن المحتمل مخالفة الشَّارِع للآخرين فِي درجة الاهتمام بأغراضه، فهذا المقدار لا يكفي فِي المقام للحصول عَلَىٰ النَّتِيجَة.
 نعم قد يضمّ إليه شيء آخر فيتم هذا الوجه وهو أن نقول (حتَّى عَلَىٰ المبنى المختار) بأن الْعُقَلاَء يجزمون بموافقة الشَّارِع لهم حتَّى فِي درجة اهتمامهم بأغراضهم الواقعيّة من باب حمل الشيء عَلَىٰ الأهم الأغلب، فيحصل لهم القطع بموافقة الشَّارِع لهم فِي درجة اهتمامهم.
 هذا كله فِي التقريب الأَوَّل لدلالة سكوت الْمَعْصُوم × وعدم ردعه عن السِّيرَة الْعُقَلاَئِيَّة عَلَىٰ الإمضاء، وهو تقريب الدِّلاَلَة العقلية كما تَقَدَّمَ؛ فَإِنَّ العقل يقول: إن الْمَعْصُوم إذا سكت عن موقف وسلوك يتخذه العقلاءُ بمرأى ومسمع منه وسكت ولم يردع ولم ينهَ عن هذه السِّيرَة، فالعقل يقول: إذن هو راض، إما بِاللِّحَاظِ الأَوَّل (بلحاظ كونه مكلَّفاً) كما تَقَدَّمَ شرحه بالأمس وَإِمَّا بِاللِّحَاظِ الثَّانِي (بلحاظ كونه مشرِّعاً وهادفاً وله أغراض ونقض الغرض مستحيل منه). هذا هو التقريب الأَوَّل لبيان أن سكوت الْمَعْصُوم يَدُلّ عَلَىٰ الإمضاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo