< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: دلالة الْفِعْل أو التَّرْك الصادر من الْمَعْصُوم عليه السلام/الدَّلِيل الشَّرْعِيّ غير اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 دلالة الفعل أو الترك الصادر من المعصوم عليه السلام
 
 البحث الثَّانِي من بحوث الأَدِلَّة هو عبارة عن البحث عن دلالات الدَّلِيل الشَّرْعِيّ غير اللَّفْظِيّ، و هو عبارة عمّا يصدر من المعصوم عليه السلام وليس من نوع اللَّفْظ والكلام وله دلالة بنحو من الأنحاء عَلَىٰ الحكم الشَّرْعِيّ.
 وهذا له مصداقان: أحدهما الفعل أو الترك، والآخر التقرير. فلا بد من البحث عن دلالة كُلّ منهما.
 أَمَّا الفعل فلو صدر من المعصوم فعل معيَّن أو تركُ فعلٍ معيَّن، فتارةً يقترن بقرينة (حاليةٍ أو مقاليةٍ) تَدُلُّ عَلَىٰ مطلب مُعَيَّنٍ فَحِينَئِذٍ يتحدّد مدلول الفعل أو الترك عَلَىٰ أساس تلك القرينة، كما إذا دلّت قرينة عَلَىٰ أن عملية الوضوء التي قام بها الإمام عليه السلام كانت بغرض تعليم الوضوء لِلْمُكَلَّفِ، فَيَدُلُّ الفعل حِينَئِذٍ عَلَىٰ أن الوضوء الشَّرْعِيّ إِنَّمَا هو بذاك النحو الَّذِي صدر من المعصوم عليه السلام، وكما إذا دَلَّتْ قرينةٌ عَلَىٰ أن الفعل الَّذِي قام به كان وَاجِباً أو مُسْتَحَبّاً أو مُبَاحاً، أو عَلَىٰ أن الفعل الَّذِي تركه كان حَرَاماً أو مَكْرُوهاً أو مُبَاحاً؛ فَإِنَّ الْفِعْلَ أو التَّرْكَ حِينَئِذٍ يكتسب مدلوله من تلك القرينة وَيَدُلُّ الأَوَّلُ بموجبها عَلَىٰ الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة، والثاني عَلَىٰ الْحُرْمَة أو الكراهة أو الإباحة.
 وأخرى يفترض عدم اقتران الْفِعْل أو التَّرْك الصادر منه بقرينة من هذا القبيل. بل وقع مجرداً عنها، فَحِينَئِذٍ تثبت له بعض الدلالات:
 منها: دلالة صدور الْفِعْل منه عَلَىٰ عدم حرمة ذاك الْفِعْل فِي الشريعة؛ وذلك بحكم عصمته، ولا يَدُلّ عَلَىٰ وجوب ذاك الْفِعْل ولا عَلَىٰ استحبابه، فَلَعَلَّهُ مباح، وهل يَدُلّ عَلَىٰ عدم كراهته أم لا؟ سيأتي الكلام فيه.
 ومنها: دلالة تركه فِعْلاً مُعَيَّناً عَلَىٰ عدم وجوب ذاك الفعل فِي الشريعة؛ وذلك بنكتة العصمة، ولا يَدُلّ عَلَىٰ حرمته ولا عَلَىٰ كراهته، فَلَعَلَّهُ مباح، وهل يَدُلّ عَلَىٰ عدم استحبابه أم لا؟ سيأتي الكلام فيه.
 ومنها: دلالة صدور الْفِعْل عَلَىٰ وجهٍ عِبَادِيٍّ عَلَىٰ مَطْلُوبِيَّةِ ذاك الْفِعْل ورجحانه، كما إذا رأيناه يصوم فِي يوم الخميس مثلاً، أو يصلّي فِي مكانٍ مّا أو زمانٍ مّا صلاةً مُعَيَّنَةً؛ وذلك لأن عدم حرمة الْعَمَلِ العِبَادِيِّ مساوق لمشروعيّته ورجحانه.
 ومنها: دلالة تكرار صدور الْفِعْل منه ومواظبته عليه مع كونه من الأعمال الَّتِي لا يقتضي الطبعُ تكرارها والمواظبة عليها عَلَىٰ رجحان ذاك الْعَمَل فِي الشَّرِيعَة؛ لأَنَّهُ مع التَّكْرَار والمواظبة فِي مثل ذلك نحرز عدم وجود أيّ حافزٍ ومحرِّكٍ غير شرعي له عَلَىٰ ذلك، فَيَتَعَيَّنُ كون الحافز والمحرِّك له شَرْعِيّاً من دليل آخر غير التَّكْرَارِ والمواظبة.
 يبقى أن نرى أن صدور الْفِعْل هل يَدُلّ عَلَىٰ عدم كونه مَرْجُوحاً وَمَكْرُوهاً أم لا يَدُلّ عَلَىٰ أكثر مِمَّا تَقَدَّمَ من عدم الْحُرْمَة؟ وأن تركه لفعلٍ هل يَدُلّ عَلَىٰ عدم كون ذاك الْفِعْل راجحاً ومستحبّاً أم لا يَدُلّ عَلَىٰ أكثر مِمَّا تَقَدَّمَ من عدم الوجوب؟ هناك وجوه ثلاثة:
 الوجه الأَوَّل: أن يقال بأنه يَدُلّ عَلَىٰ ذلك مُطْلَقاً، سَوَاء تكرر منه ذلك أم لا.
 الوجه الثَّانِي: أن يقال بعدم دلالته عَلَىٰ ذلك مُطْلَقاً.
 الوجه الثَّالِث: أن يقال بدلالته عَلَىٰ ذلك فِي فرض تكرار صدور ذاك الْفِعْل أو ذاك التَّرْك من المعصوم عليه السلام وعدم دلالته عَلَىٰ ذلك فِي فرض عدم التَّكْرَار.
 وهذه الوجوه الثَّلاَثة مبنيةٌ عَلَىٰ:
 1)- أن المعصوم عليه السلام هل يجوز فِي حقه ترك الأولى وفعل المكروه بشرط عدم التَّكْرَار؟
 2)- أم يجوز حتَّى مع التَّكْرَار والمواظبة عَلَىٰ ذلك؟
 3)- أم لا يجوز شيء من ذلك بِالنِّسْبَةِ إليه؟
 فعلى الأَوَّل: تكون النَّتِيجَة عبارة عن الوجه الثَّالِث.
 وعلى الثَّانِي: تكون النَّتِيجَة عبارة عن الوجه الأَوَّل.
 وعلى الثَّالِث: تكون النَّتِيجَة عبارة عن الوجه الأَوَّل.
 وعليه، فَيَكُونُ صدور الْفِعْل منه دَالاًّ عَلَىٰ عدم كراهته؛ إذ لا يفعل المكروهَ. كما هو دال أَيْضاً عَلَىٰ عدم كون ترك ذاك الْفِعْل مُسْتَحَبّاً وأولى من فعله؛ إذ لا يترك الأولى. كما أنَّ تركَ الْمَعْصُومِ لفعلٍ مُعَيَّنٍ يكون دَالاًّ حِينَئِذٍ عَلَىٰ أن تركه لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ؛ إذ لا يرتكب الْمَكْرُوهَ. كما يَدُلّ أَيْضاً عَلَىٰ عدم كون ذاك الْفِعْل مُسْتَحَبّاً وأولى من تركه؛ إذ لا يترك الأولى.
 والصحيح بِالنِّسْبَةِ إلى النَّبِيِّ الأَعْظَمِ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم أفضل الصَّلاَة والسلام هو عدم صدور فعل المكروه وترك الأولى والمستحب منهم؛ لا لأَنَّ عصمتهم تقتضي ذلك كي يناقَش بأن العصمة إِنَّمَا تعين عصمتهم عن العصيان وعن الخطأ والسهو والنسيان، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ فعل المكروه وترك الأولى لا هو عصيان ولا خطأ أو سهو أو نسيان، بل لما دَلَّ من الروايات عَلَىٰ أنهم أفضل من جميع الأنبياء السابقين، ولا شك فِي أن مُقْتَضَىٰ الأفضلية ذلك؛ فَإِنَّ من وجوه الأفضلية عدم صدور ما كان قد يصدر من الأنبياء السابقين أو من بعضهم من ترك الأولى.
 هذه هي دلالات الْفِعْل أو التَّرْك الصادر من الْمَعْصُوم عليه السلام.
 تبقى هنا نقطة ينبغي الالتفات إليها، وهي أن هذه الدَّلاَلاَتِ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ وتثبت حكماً لِلْمُكَلَّفِ وَتَدُلُّ عليه بشرط افتراض وحدة الظَّرْف الَّذِي يعيشه الْمُكَلَّف وَالظَّرْف الَّذِي صدر فيه الْفِعْل أو التَّرْك من الْمَعْصُوم وتُماثِل هذين الظرفين فِي جميع الجهات الَّتِي يحتمل كونها دخيلة فِي الحكم الشَّرْعِيّ ومؤثرة فِي ثبوته؛ ذلك لأن الفعل أو التَّرْك الصادر من الْمَعْصُوم عليه السلام دليل صامت لَيْسَ له إِطْلاَقٌ؛ إذ لَيْسَ من نوع اللَّفْظ والكلام كي يتمسك بِإِطْلاَقِهِ لكل الظروف والحالات ويقال: إن هذا اللَّفْظَ يَدُلّ ُ ببركة الإِطْلاَق عَلَىٰ عدم دخل ظرف خَاصّ أو حالة خاصة فِي ثبوت الحكم.
 وعليه، فهو لا يعيّن ما هي الظروف الَّتِي لها دخل فِي إثبات ذلك الحكم للمعصوم عليه السلام. إذن، فاللازم هو الأخذ بالقدر المتيقن وهي صورة المماثلة فِي جميع الخصائص المحتمل كونها مؤثرة فِي ثبوت الحكم ولا يمكن تعميم الحكم المستكشف من فعل الْمَعْصُوم عليه السلام أو تركه لكل الحالات، بحيث نقول: إن هذا الحكم ثابت لغير الْمَعْصُوم أيضاً فِي كُلّ حالاته وخصوصياته، بل ما لم نحرز وحدة الظروف المحتمل دخلُها لا يمكن إثبات الحكم، وَبِالتَّالِي يثبت (من خلال فعل الْمَعْصُوم عليه السلام أو تركه) ذلك الحكم فِي كُلّ حالة مماثلة لحالة الْمَعْصُوم عليه السلام من جميع الجهات المحتمل دخلها فِي ثبوت ذاك الحكم له، فيثبت ذلك الحكم فِي حقّنا أَيْضاً فيما إذا كانت الصفات والخصائص الَّتِي توفّرت فِي الْمَعْصُوم عليه السلام حين صدور الْفِعْل أو التَّرْك منه والتي نحتمل كونها مؤثرة فِي ثبوت ذلك الحكم له متوفرة فينا أيضاً. فإذا رأيناه مثلاً يدعو بدعاء معيّنٍ حين البدء بالأكل، واحتملنا مدخليّة حالة البدء بالأكل فِي ثبوت رجحان هذا الدعاء له، فلا يثبت الرجحان لنا إلاَّ فِي نفس الظَّرْف المحتمل دخله فِي ثبوت الرجحان للمعصوم، وهو ظرف البدء بالأكل.
 ومن هنا فقد يُثار اعتراض عَامّ فِي المقام وهو أنَّ نفس «النبوة» و«الإمامة» ظرف يميّز الْمَعْصُوم دائماً من غيره، فكيف يمكن أن نثبت الحكم عَلَىٰ أساس فعل الْمَعْصُوم أو تركه؟
 والجواب عن ذلك هو أن احتمال دخل هذا الظَّرْف فِي ثبوت الحكم له بحيث يكون الحكم من مختصاته مَلْغِيٌّ بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ

}( [1] ) وما يناظره من الأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة الدالة عَلَىٰ جعل النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام قدوةً( [2] )؛ فَإِنَّ فرض ذلك يقتضي إلغاء دخل النبوة والإمامة فِي سلوكهما المتمثّل فِي الْفِعْل أو التَّرْك الصادر منهما لكي يكون هذا السلوك قدوةً لغيرهما، فما لم يثبت بدليلٍ أن الْفِعْل أو التَّرْك الْمُعَيَّن من مختصات النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام، يُبنى عَلَىٰ عدم الاختصاص، لكن بشرط المماثلة معه فِي الحالات والخصائص المحتمل دخلها فِي ثبوت الحكم له كما عرفت آنفاً.
 هذا تمام الكلام فِي دلالة الْفِعْل أو التَّرْك الصادر من الْمَعْصُوم عليه السلام.


[1] - سورة الأحزاب (33): الآية 21.
[2] - بحار الأنوار: ج92، ص96، وج102، ص163.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo