< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/01/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: اسم الجنس/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 كُنَّا ندرس أن المقيِّد المنفصل هل يخلّ بالظهور والإطلاق أم لا؟ وَقُلْنَا: إِنَّ المُحَقِّق النائيني اختار أن المقيِّد المنفصل يخلّ بالإطلاق، بمعنى أن إحدى مقدّمات الحِكْمَة عنده عبارة عن عدم ذكر القيد سواء القيد المتصل أو المنفصل. فكما لو ذكر القيدَ المتصل لا ينعقد للكلام إطلاق، كذلك لو ذكر القيد المنفصل لا ينعقد للكلام إطلاق.
 ونحن أرجعنا كلامه هذا إلى أن يكون الظُّهُور الْحَالِيّ (الَّذي تحدثنا عنه) عنده عبارة عن أن ظهور حال كل الْمُتِكَلِّم أَنَّهُ بصدد بيان تمام مراده فِي مجموع كلامه، وعلى أساسه يقول الميرزا بأن الْمُتِكَلِّم إذا ذكر القيدَ فِي مجموع كلامه - وإن لم يذكره فِي شخص كلامه - وحملنا كلامه عَلَىٰ المقيَّد، لا يلزم منه خلفُ الظهور الْحَالِيّ.
 فكنا بصدد دراسة هذا الكلام وفي هذا السِّيَاق قلنا بالأمس: إن هذا الكلام يُنتَقض بأَنَّهُ إن بنينا عليه فَسَوْفَ لا يصحّ التَّمسُّك بالإطلاق فِي كُلّ مورد يحتمل فيه صدورُ المقيِّد المنفصل، وبالتَّالي لا يمكن التَّمسُّك بأصالة الإِطْلاَق.
 وقد ذكر النائيني نفسه طريقاً لِلتَّخَلُّصِ من هذا المأزق حيث قال: إن لقولنا «الإِطْلاَق مشروط بعدم ذكر القيد ولو مُنْفَصِلاً» صورتان، لا تُنتقض إحداهما بهذا النقض دون الأخرى، وهما كالتالي:
 الصُّورَة الأولى: افتراض أنَّ إجراء الإطلاق فِي كُلّ كلام مشروطٌ بعدم ذكر مقيِّد منفصل ولو فِي المستقبل، فإن جاء مقيِّد فِي المستقبل يكشف عن عدم انعقاد الإِطْلاَق لهذا الكلام من البداية؛ لأَنَّ دلالة هذا الكلام عَلَىٰ الإِطْلاَق مشروط بِنَحْوِ الشَّرْطِ المتأخر بعدم مجي المقيِّد المنفصل بعد ذلك.
 فبناء عَلَىٰ هذه الصُّورَة يأتي النقض المذكور؛ إذ طالما نحتمل أَنَّهُ قد يأتي مقيِّد منفصل فِي المستقبل، لا نحرز شرط الإِطْلاَق المتأخر، ومع عدم إحراز شرط الإِطْلاَق لا يَتُِمّ الإِطْلاَق، وعدم تَمَامِيَّة الإِطْلاَق معناها تسجيل هذا النقض عَلَىٰ الصُّورَة الأولى.
 الصُّورَة الثَّانية: أن نقول بأن الإِطْلاَق فِي الكلام مشروط بعدم المقيِّد بِنَحْوِ الشَّرْطِ المقارن (لا بِنَحْوِ الشَّرْطِ المتأخر)، بِأَنْ يَّكُونَ الإِطْلاَق فِي كُلّ كلام مشروطاً بِأَنْ لاَّ يَكُونَ فِي ذاك الوقت مقيِّد ولو مُنْفَصِلاً. فعلى سبيل المثال إن قال الْمُتِكَلِّم فِي يوم السبت: {أحل اللٰه البيع} ولم يذكر مقيِّداً مُنْفَصِلاً فِي يوم السبت ينعقد الإِطْلاَق، ولكن بقاء الإِطْلاَق إلى يوم الأحد مشروط بِأَنْ لاَّ يَكُونَ هناك مقيِّد ولو منفصل فِي يوم الأحد ولكن حدوث الإِطْلاَق لَيْسَ مشروطاً بأن لا يأتي مقيِّد فِي يوم الأحد. بحيث إن جاء يوم الأحد مقيِّد لكلامه (الصَّادر فِي يوم السبت) لا يكشف هذا المقيِّد عن عدم انعقاد الإِطْلاَق لكلامه فِي يوم السبت، بل كان لكلامه إطلاق فِي يوم السبت ولٰكِنَّه لم يبق إلى يوم الأحد الَّذي جاء فيه المقيِّد. وبالتَّالي لا يرد النقض عَلَىٰ الميرزا فِي هذه الصُّورَة الثَّانية؛ لأَنَّ الإِطْلاَق ينعقد للكلام الفاقد للمقيِّد المتصل والمنفصل فِي اليوم الأوّل ويبقى احتمال ورود المقيِّد المنفصل بعد انعقاد الإِطْلاَق فِي الأيام والسنين اللاحقة، فإن ورد مقيِّد فِي الأزمنة التالية فَسَوْفَ يهدم هذا المقيِّد ذاك الإِطْلاَق، أي: يزول الإِطْلاَقُ بقاءً لا حدوثاً.
 وهذا ينتج مقصود المُحَقِّق النائيني، وهو أَنَّهُ متى ما جاءت القرينة فِي المستقبل ينهدم الإِطْلاَق نفسه (لا حُجِّيَّته كما يقول الآخونى)، لكن ينهدم من حين مجيء القرينة. أي: القرينة تميت الَّذي كان موجوداً، لا أنّ القرينة تكشف عن موت الإِطْلاَق من الأوّل. وبهذا يمكن التَّخلُّص من المأزق الَّذي واجهه الميرزا مع إصراره عَلَىٰ المبنى.
 الجواب: إلاَّ أن هذا التَّخلُّص لا يجدي الميرزا نفعاً وذلك:
 أوَّلاً: لأَنَّ هذا غير معقول فِي نفسه أساساً؛ فَإِنَّ الإِطْلاَق بالمعنى الَّذي نتحدث عنه (أي: الظُّهُور ودلالة الكلام) لَيْسَ أمراً له حدوث وبقاء؛ فهو يختلف عن الْحُجِّيَّة الَّتي هي حكم عُقَلاَئِيّ وشرعي يمكن أن يكون ثابتاً فِي يوم السبت ولا يكون ثابتاً فِي يوم الأحد؛ إذ هو شيء له الْحُجِّيَّة فِي يوم السبت ولكن ترتفع حُجِّيَّته فِي يوم الأحد بمجيء حجّةٍ أقوى منه. أَمَّا الظُّهُور فشأنه لَيْسَ هكذا؛ فَإِنَّ دلالة الكلام وظهوره عَلَىٰ مطلبٍ إما يكون موجوداً وإما لا يكون موجوداً، أَمَّا أن يكون له ظهور الآنَ ولكن غداً لا يكون له ظهور فهذا غير معقول؛ لأَنَّ تكوّن الظُّهُور فِي اليوم الأوّل حقيقةٌ وواقعٌ ولا ينقلب الواقع عمَّا وقع عليه.
 وثانياً: إن سلمنا بأن هذا معقول، لكن مع ذلك لا يتخلص النائيني من النقض الَّذي أوردناه عليه؛ وذلك لأَنَّهُ إن صدر كلام مطلق من الْمُتِكَلِّم وشككنا فِي أَنَّهُ صدرت قرينة عَلَىٰ التَّقْيِيد منه أو لا؟ لا يمكن التَّمسُّك بإطلاق هذا الكلام بناء عَلَىٰ مبنى الميرزا؛ لأَنَّ الإِطْلاَق له حدوثٌ وبقاء (عند النائيني)، وبقاؤه مشروط بعدم القرينة عَلَىٰ القيد. ونحن قد شككنا فِي هذا الشَّرْط، وإذا شككنا فِي شرط الإِطْلاَق نكون قد شككنا فِي الإِطْلاَق نفسه. إذن، لا يَتُِمّ الإِطْلاَق وهذا هو النقض عينه؛ لأَنَّ الإِطْلاَق إِنَّمَا يَتُِمّ عندكم مع إحراز شرطه، وشرطه أن لا تكون هناك قرينة عَلَىٰ القيد، ولو بنحو الصُّورَة الثَّانية الَّتي تقولونها (وليس بِنَحْوِ الشَّرْطِ المتأخر فِي الصُّورَة الأولى).
 فإن قلت دفاعاً عن الميرزا: نستصحب الإطلاقَ، حَيْث أَنَّ الإِطْلاَق كان موجوداً أن الإِطْلاَق له حدوث وبقاء، ولكن قلتم لا يوجد يقين ببقاء الإِطْلاَق.
 قلت: لا يمكن ربط مصير الإِطْلاَق بمصير الاستصحاب، إذ لو لم نبن عَلَىٰ حجية الاستصحاب فَسَوْفَ لا يكون لدينا الإِطْلاَق، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ الإطلاقات الواردة فِي الكتاب والسنة ليست متوقّفة عَلَىٰ صحيحة زرارة المثبِتة للاستصحاب بالوجدان الفقهيّ( [1] ).
 وهذا دليل عَلَىٰ أَنَّهُ يجب علينا أن نصوغ نظريَّة الإِطْلاَق بنحو يُصَحِّح التَّمسُّكَ بالإطلاقات الواردة فِي الكتاب والسنة مباشرة ومن دون الحاجة إلى حجية الاستصحاب أو إلى حجية أي شيء آخر. فنتمسك بالإطلاق فِي موارد احتمال القرينة المنفصلة، وهذا ما لا يمكن عَلَىٰ مبنى المُحَقِّق النائيني، فلا يصحّ التَّمسُّك بأصالة الإِطْلاَق فِي كُلّ مَوْرِد نحتمل فيه القيدَ المنفصل، وهذا معناه تعطيل أصالة الإِطْلاَق، وقد تقدّم أن أصالة عدم القرينة لا تجري أيضاً، وبينا السَّبَب. فلا يمكن التَّخلُّص من هذا المأزق أبداً، فنبقى نحن والنقض عَلَىٰ قوّته.
 هذا تمام الكلام فِي المسألة الخلافية الأولى، وهي الخلاف حول المقيِّد المنفصل، وقد تبين أن الحق مع الآخوند، وليس مع الميرزا، والحق أن المقيِّد المنفصل لا يضرّ بالظهور، وإنَّما يضرّ بحجيته، لا نفس الظُّهُور.
 بعد ذلك ندخل فِي المسألة الخلافية الثَّانية، وهي عبارة عن الخلاف حول ما إذا كان وجود قدر متيقن فِي مقام الخطاب يضرّ بالإطلاق ويمنع من انعقاده؟ فمثلاً إن سأل السائل: «هل أتصدق عَلَىٰ الفقير الهاشمي»؟ وأتى الجواب من الإمام × بـ«تصدق عَلَىٰ الفقير». فَحَيْثُ توجد حصّة متيقنة من الفقير مشمولة لجواب الإمام وهي الفقير الهاشمي؛ لأَنَّهُ هو المسؤول عنه ولا يُعقل أن يشمل جواب الإمام × الفقيرَ الهاشمي ولا يشمل المسؤول عنه. فهل وجود هذا القَدْر المتيَقَّن يضرّ بإطلاق كلام الإمام × بحيث لا يمكن التَّمسُّك بإطلاق كلام الإمام والقول بأن قوله ×: «تصدق عَلَىٰ الفقير» يشمل الفقير الهاشمي كما أَنَّهُ يشمل الفقير غير الهاشمي. هذه هي المسألة الثَّانية الَّتي نريد أن ندرسها غداً إن شاء اللٰه تعالى.


[1] - مضافاً إلى وجود إطلاقات فِي أدلّة الاستصحاب نفسها. منه عفي عنه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo