< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/01/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: اسم الجنس/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 قلنا إن الإِطْلاَق مدلول تصديقي للكلام، وليس مدلولاً تصوُّريّاً له، وشرحنا هذا المطلب بالأَمْسِ وذكرنا اعتراضاً عَلَيه أيضاً بأنَّ الإطلاق لَيْسَ مدلولاً تَصْدِيقِيّاً للكلام بل هو مدلول تصوُّريّ، وذلك بحكم الوجدان القاضي بأننا بمجرّد سَمَاعنا «البيع» فِي قوله «البيع حلال» أو «البيع نافذ» مثلاً، تنتقش فِي ذهننا صورةٌ عن ماهيَّة «البيع» مِنْ دُونِ أي قيد زائد عليها، حتّى إذا سمعنا هذا اللَّفظ من لافظ غير جاد كالإنسان الهازل بل حتّى إذا سمعنا هذا اللَّفظ من لافظ لَيْسَ فقط لا إرادة جدية له، بل لا شعور ولا التفات له كالنائم والساهي، بل حتّى لو سمعنا هذا اللَّفظ من غير لافظ كالحجر، وعلى أي حال تأتي إلى ذهننا صورة ذهنية عن الْمَاهِيَّة «البيع» مِنْ دُونِ قيد، بواسطة سَمَاعه من أي مصدر كان، وهذا هو الإِطْلاَق؛ فقد تقدّم أن الإطلاق عبارة عن لحاظ الْمَاهِيَّة مِنْ دُونِ لحاظ قيد معها (خلافاً لِلسَّيِّد الأستاذ الخوئيّ رحمه الله الَّذي ذهب إلى أن الإِطْلاَق هو لحاظ الْمَاهِيَّة مع لحاظ عدم القيد)، وهذه الصُّورَة الذِّهْنِيَّة الَّتي تأتي إلى الذِّهْن بمجرّد سَمَاع لفظ «البيع» هي الصُّورَة المطلقة. إذن أصبح الإِطْلاَق مدلولاً تصوُّريّاً لِلَّفْظِ بلا حاجة إلى المراد الْجِدِّيّ.
 إذن، فالإطلاق مدلول تصوُّريّ لِلَفْظِ البيع، وكيف قلتم: الإِطْلاَق مدلول تصديقي منوط بالإرادة الجدّيَّة؟
 الجواب عن هذا الإشكال هو أن هذه الصُّورَة الحاضرة فِي الذِّهْن عند سَمَاع لفظ البيع من أي مصدر كان، وإن صَحَّ أنَّها صورة الْمَاهِيَّة المطلقة - كما قلتم - بحكم الوجدان، لكن بالضَّبط نريد أن نحدد أَنَّهُ أي عنصر من هذه الصُّورَة تأتي إلى الذِّهْن بسبب اللَّفظ (= لفظ البيع) وأي عنصر من هذه الصُّورَة جاء إلى الذِّهْن بسبب عامل آخر غير اللَّفظ.
 يَتُِمّ الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لِلَّفْظِ (حيث تريدون أن تجعلوا الإِطْلاَق مدلولاً تصوُّريّاً لِلَّفْظِ) فيما لو كان اللَّفظ هو السَّبَب فِي استحضار ذاك المعنى إلى الذِّهْن، نتيجة القرن الأكيد الحاصل عند الواضع بين اللَّفظ والمعنى، وليس كل تصوّر يأتي إلى الذِّهْن (بأي عامل من العوامل) يُسمى بالمدلول التَّصوُّريّ.
 هذه الصُّورَة المطلقة عن الْمَاهِيَّة الَّتي قلتم بأَنَّهُ تأتي إلى الذِّهْن صورة الْمَاهِيَّة البيع المطلقة، هذه الصُّورَة المطلقة متكونة من عنصرين هما يشكلان هذه الصُّورَة المطلقة؛ لأَنَّ هذه الصُّورَة المطلقة عبارة عن صورة الْمَاهِيَّة زائداً عدم صورة القيد. فهناك صورتان: صورة الْمَاهِيَّة حضرت إلى الذِّهْن بسبب لفظ البيع، فلولا أن لفظ البيع وضع فِي لغة العرب لماهية البيع لم تكن تأتي صورة ماهيَّة البيع إلى ذهننا عند سَمَاع لفظ «البيع»، كما أَنَّنَا حينما نسمع أي لفظ آخر لا تأتي إلى ذهننا صورة ماهيَّة البيع، كلفظ الماء الَّذي لا يسبب حضور ماهيَّة البيع إلى الذِّهْن. هذا العنصر مدلول تصوُّريّ للكلام.
 أَمَّا العنصر الثَّانِي وهو «عدم صورة عن القيد» فسببه هو أَنَّهُ لم يكن هناك لفظ يَدُلّ عَلَىٰ القيد. عدم اللَّفظ سبب لعدم تصوّر القيد، كما أن عدم العلّة علّةٌ لعدم المعلول. وهذا العنصر الثَّانِي لاَ عَلاَقَةَ لَهُ بلفظ «البيع».
 وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّورَة المطلقة عن البيع (البيع مِنْ دُونِ لحاظ قيد) وإن كانت تأتي إلى ذِهْن السَّامِع عند سَمَاع لفظ «البيع» لكن حضورها بكلا عنصريها لَيْسَ بسبب لفظ «البيع»، وإنَّما حضورها بعنصرها الأوّل بسبب لفظ «البيع»، أَمَّا حضورها بعنصرها الثَّانِي (الَّذي هو أمر عدمي) فلَيْسَ بسبب لفظ «البيع»، بل سببه عدم لفظ القيد. إذن، فإن كانت الصُّورَة موجودة عند سَمَاع اللَّفظ ولكنها ليست مدلولاً تصوُّريّاً لِلَفْظِ «البيع»، عَلَىٰ مبنانا القائل بأن الإِطْلاَق عبارة عن صورة الْمَاهِيَّة مِنْ دُونِ صورة القيد. فلا يصحّ أن نعتبر الإِطْلاَق مدلولاً تصوُّريّاً للكلام لِلَفْظِ «البيع» كما قال المستشكل، وإنَّما يبقى مدلولاً تَصْدِيقِيّاً.
 إذن، كون الإِطْلاَق ثابتاً فِي هذه الصُّورَة الذِّهْنِيَّة الَّتي تتكَوَّن فِي ذهن السَّامِع عند سَمَاع «البيع حلال» شيء، وكون هذا الإِطْلاَق داخلاً فِي الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لِلَفْظِ «البيع» شيء آخر. فالأوّل مقبول عندنا (بأن هذا الإِطْلاَق ثابت فِي الصُّورَة الذِّهْنِيَّة الَّتي تتكَوَّن فِي ذهن السَّامِع عند سَمَاع «البيع») أَمَّا كونه داخلاً فِي الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لِلَّفْظِ «البيع» لا نقبله، وثبوت الأوّل لا يقتضي ثبوت الثَّانِي.
 طبعاً هذا كُلّه بناء عَلَىٰ مبنانا المختار الصحيح من أن الإِطْلاَق هو أن تُلحظ الْمَاهِيَّة ولا تُلحظ معها شيء، ولم نقبل المبنى الآخر (مبنى السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله) القائل بأن الإِطْلاَق (=اللابشرط الْقِسْمِيّ) هو لحاظ الْمَاهِيَّة مع لحاظ عدم القيد. فقد اتَّضَحَ جواب الإشكال بناء عَلَىٰ مبنانا، وأَمَّا بناء عَلَىٰ مبنى السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله (وهو أن الإِطْلاَق عبارة عن لحاظ عدم القيد) فالإشكال يرتفع من أساسه؛ لأَنَّه وَفقاً لمبناه لا تأتي صورة الْمَاهِيَّة المطلقة إلى الذِّهْن أساساً؛ لأَنَّ الْمَاهِيَّة المطلقة عنده «لحاظ الْمَاهِيَّة مع لحاظ عدم القيد» والحجر ما عنده لحاظ، فَإِنَّنَا لاحظنا الْمَاهِيَّة عندما سمعنا لفظ «البيع» من اصطكاك حجر بحجر، فحضرت صورة ذات الْمَاهِيَّة إلى الذِّهْن إثر القرن الأكيد، لكن العنصر الثَّانِي (=لحاظ عدم القيد) فمنتفٍ لأَنَّهُ لَيْسَ من شأن الحجر أن يلحظ عدم القيد. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. وبالتَّالي لا تأتي صورة الْمَاهِيَّة المطلقة إلى الذهن بناءًا عَلَىٰ مبنى السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله؛ لأَنَّهُ لا لفظ البيع (=اسم الجنس) مَوْضُوع للماهيَّةِ المطلقة (وهذا ما يوافق عليه الكلُّ)، ولا أن هذا الإِطْلاَق معلول لسببه التَّكوينيّ؛ لأَنَّ السَّبَب فِي أن يلحظ المخاطب القيدَ هو أن يكون الْمُتِكَلِّم قد لاحظه، وَالْمُتِكَلِّم لم يلحظ القيدَ؛ لأَنَّنَا فرضنا أن الْمُتِكَلِّم غير جاد أو غير لافظ.
 وبهذا يَتَّضِح أَنَّهُ إذا أردنا أن يكون الإِطْلاَق مدلولاً للكلام، لا يكون إلاَّ مدلولاً تَصْدِيقِيّاً. نعم، إذا أريد بالإطلاق كأمر واقعي وكشيء موجود ثابت فِي ذهن السَّامِع (= توجد الآنَ فِي ذهنه صورة ماهيَّة البيع المطلقة) فهي موجودة فِي ذهن السَّامِع، لكن هذا لا يُسمى بالمدلول التَّصوُّريّ للكلام، بل نصف هذا مدلول تصوُّريّ للكلام ونصفه الآخر معلول لعلته التَّكْوِينِيَّة كما شرحنا.
 فإن قيل: ما الفرق بحسب النَّتِيجَة بين أن نفترض الإِطْلاَق الَّذي نشعر به وجداناً عند سَمَاع قوله: «البيع حلال» ثابتاً فِي الصُّورَة الذِّهْنِيَّة الموجودة فِي ذهننا كأمر واقعي (نتيجة وجود سببه التَّكوينيّ) وبَيْنَ أَنْ يَّكُونَ مدلولاً تصوُّريّاً للكلام؟ فإن المُهِمّ ما رضيتم به من حصول الصُّورَة المطلقة عن الْمَاهِيَّة فِي ذهن السَّامِع، بِقَطْعِ النَّظَرِ عن مرحلة المراد الْجِدِّيّ، ولو سُمع اللَّفظ من حجر أو من لافظ غير جاد، غاية الأمر قلتم إن هذه الصُّورَة ليست مدلولاً تصوُّريّاً لِلَفْظِ «البيع»، بل نصفها مدلول تصوُّريّ له ونصفها الآخر معلول لعلته التَّكْوِينِيَّة، وما يفيدنا هو ما رضيتم به من أن الإِطْلاَق فِي ذهن السَّامِع يحصل مِنْ دُونِ الإرادة الجدّيَّة، وهذا هو المراد، حيث أَنَّنَا نريد التركيز عَلَىٰ أن الإِطْلاَق لَيْسَ مدلولاً تَصْدِيقِيّاً للكلام، وبالتَّالي لسنا بحاجة إلى الظُّهُور الْحَالِيّ المتقدّم ذكره.
 الجواب: الفارق كبير بين أن نفترض أن هذه الصُّورَة المطلقة الحاضرة فِي ذهننا (بمجرّد سَمَاع لفظ البيع من أي مصدر، وهي صورة «الْمَاهِيَّة المطلقة») كُلّهَا مدلول تصوُّريّ لكلام الْمُتِكَلِّم وبين أن يكون نصفها مدلولاً تصوُّريّاً ونصفها الآخر معلولاً لسبب تَكْوِينِيّ؛ إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. لأَنَّنَا لو افترضنا أن كل هذه الصُّورَة بكلا عنصريها (الْمَاهِيَّة والإطلاق) مدلول تصوُّريّ لكلام الْمُتِكَلِّم فيمكننا أن ندين الْمُتِكَلِّم عَلَىٰ هذا الإِطْلاَق ونؤاخذه ونحاسبه ونتعامل معه كما نتعامل مع الْمُتِكَلِّم الَّذي تكلم بالإطلاق؛ لأَنَّنا افترضنا أن هذه الصُّورَة المطلقة مدلول تصوُّريّ لكلامه، أي: هو قالها. فنطبق عليه القانون القائل بِأَنَّ مَا قاله أراده. أي: مقتضى التَّطَابُق بين الْمَدْلُول التَّصوُّريّ (أي: ما قاله) وبين المدلول التَّصديقيّ (أي: ما أراده) هو أَنَّهُ لطالما تكلم الْمُتِكَلِّم بالإطلاق فَيَكُونُ قد أراده. والخلاصة أَنَّنَا نحمّله مسؤوليّةَ الإِطْلاَق ونقول: إنك أردت البيع المطلق.
 وهذا بخلاف الفرض الثَّانِي؛ لأَنَّ فِي الفرض الثَّانِي لا يكون كل الصُّورَة المطلقة الحاضرة فِي الذِّهْن عند سَمَاع لفظ «البيع» مدلولاً تصوُّريّاً لِلَفظ البيع، فلا يكون الْمُتِكَلِّم هو الَّذي قالها كُلّهَا، بل قال نصفها؛ لأَنَّهُ تَلَفَّظَ بلفظ «البيع» وهو يَدُلّ عَلَىٰ ذات الْمَاهِيَّة، أَمَّا الإِطْلاَق (= عدم لحاظ القيد) فهذا خارج عن معنى لفظ «البيع». إذن، هو لم يقل بالإطلاق، ولطالما لم يقل به فلا يمكننا أن نحمّله مسؤوليّة الإِطْلاَق؛ إذ هو مسؤول عمَّا قاله وليس مسؤولاً عمَّا لم يقله.
 وحينئِذٍ نتمسك بالظهور الْحَالِيّ ونثبت الإِطْلاَق، فلا يوجد طريق آخر. وللبحث صلة. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. 1241 كلمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo