< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/11/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: معنى المطلق/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 كُنَّا نناقش هذا الأمر الَّذي يبدو أَنَّهُ متفق عليه بينهم، وهو أن الْمَاهِيَّة المهملة هي غير اللابشرط الْقِسْمِيّ، وقلنا إِنَّه يتحصل من مجموع كلماتهم دليلان عَلَىٰ هذا المطلب، ذكرنا بالأَمْسِ الدَّلِيل الأوّل وناقشناه.
 الدَّلِيل الثَّانِي: هو أن الْمَاهِيَّة المهملة يُقصر النَّظَر فيها عَلَىٰ ذاتها وذاتياتها، ولا يُنظر فيها إلى شيء خارج عن ذاتها وذاتياتها (كما تقدّم بالأَمْسِ فِي الخاصية الثَّانية للماهيَّةِ المهملة)، فمن هنا فهي عارية عن أي قيد حتّى قيد «عدم القيد»، فلا يمكن أن يُحكم عليها بشيء خارج عن ذاتها وذاتياتها، بينما نحن نرى أن الماهية الملحوظة بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ يُحكم عليها بأمور خارجة عن ذاتها وذاتياتها ويصح هذا الحكم، مثلاً نقول: «الإنسان عالم» أو «الإنسان يحرم قلته» أو «الإنسان يجب إكرامه» وهكذا. فهذا دليل عَلَىٰ أن أحدهما غير الآخر.
 ولكن هذا الدَّلِيل غير تامّ عندنا كسابقه، وذلك لأَنَّهُ يحتوي عَلَىٰ الخلط بين النَّظَر التَّصوُّريّ للماهيَّةِ وبين النَّظَر التَّصديقيّ الحملي للماهيَّةِ؛ فَإِنَّ بإمكان الْمَاهِيَّة أن يُنظر إليها بنحوين من النَّظَر:
 تارةً يُنظر إلى الْمَاهِيَّة بِالنَّظَرِ التَّصوُّريّ المحض، وهذا النَّظَر مقصور بذات الْمَاهِيَّة وذاتياتها فحسب.
 وأخرى يُنظر إلى الْمَاهِيَّة بِالنَّظَرِ التَّصديقيّ الحملي، لا التَّصوُّريّ. أي: بِالنَّظَرِ الَّذي يُراد فيه حمل شيء عَلَىٰ الْمَاهِيَّة، ولا يُراد تصوّر الْمَاهِيَّة فحسب، أي: يراد فِي هذا النَّظَر أن يقال: إن هذا المحمول ثابت للماهيَّةِ. وهذا النَّظَر الثَّانِي أيضاً عَلَىٰ قِسْمَيْنِ:
 القسم الأوّل: ما إذا أريد ثبوت هذا المحمول للماهيَّةِ فِي مرحلة الذّات، فَيَصِحُّ فِي هذه المرحلة حملُ الذّات أو الذاتيات عَلَىٰ «الإنسان»، ولا يمكن بحسب هذا النَّظَر أن يُحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة بأمر خارج عن ذاتها وذاتياتها. فلا يصحّ حمل «العلم» عَلَىٰ الإنسان فِي مرتبة الذّات؛ لأَنَّ العلم خارج عن الذّات.
 القسم الآخر: ما إذا نُظر إلى الْمَاهِيَّة فِي مرتبة الواقع، لا فِي مرتبة الذّات؛ فَإِنَّ مرتبة الواقع أوسع من مرتبة الذّات وَالْمَاهِيَّة فِي مرتبة ذاتها أضيق منها فِي مرتبة الواقع. أي: إذا أريد حمل شيء عَلَىٰ الْمَاهِيَّة فِي عالم الواقع، لا حمل شيء عَلَىٰ الْمَاهِيَّة فِي مرحلة الذّات. فَيَصِحُّ فِي هذه المرحلة الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة بما هو خارج عن ذاتها وذاتياتها (أي: بالعَرَضيّ).
 وحينئِذٍ نأتي إلى استدلالهم القائل بـ«أن الْمَاهِيَّة المهملة غير الْمَاهِيَّة اللابشرط الْقِسْمِيّ، بدليل اقتصار النَّظَر فِي الْمَاهِيَّة المهملة عَلَىٰ ذاتها وذاتياتها ولا يصحّ الحكم عليها إلاَّ بذاتها وذاتياتها، بينما نحن نرى أن الْمَاهِيَّة اللابشرط الْقِسْمِيّ يصحّ الحكم عليها بأمور خارجة عن ذاتها وذاتياتها» ونقول: إن هذا الاستدلال غير تامّ؛ لأَنَّ كون النَّظَر فِي الْمَاهِيَّة المهملة مقصوراً عَلَىٰ الذّات والذاتيات صحيح، لٰكِنَّهُ لا يعني عدم صحَّة الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة بما هو خارج عن ذاتها وذاتياتها. أي: قصر النَّظَر فِي الْمَاهِيَّة المهملة عَلَىٰ الذّات والذاتيات لا يعني بوجهٍ من الوجوه أَنَّهُ لا يصحّ الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة المهملة بما هو خارج عن الذّات والذاتيات (أي: بالعرضي)؛ لأَنَّ قصر النَّظَر فِي الْمَاهِيَّة عَلَىٰ الذّات والذاتيات إِنَّمَا هو بِالنَّظَرِ التَّصوُّريّ المحض، لكن لَيْسَ معنى ذلك عدم إمكانية النَّظَر إلى هذه الْمَاهِيَّة نفسها بنظرة أخرى غير النَّظَر التَّصوُّريّ المحض كالنظرة التصديقية؛ فَإِنَّهَا ممكنة للماهيَّةِ بأن ننظر إلى «الإنسان» بالنظرة الحملية التصديقية، وحينئِذٍ فإن أردت أن تحمل شيئاً عَلَىٰ الإنسان فِي مرتبة ذاته تحمل عليه الحيوانية والناطقية، فهذا شيء زائد عَلَىٰ النَّظَر التَّصوُّريّ؛ فَإِنَّ فِي النَّظَر التَّصوُّريّ لا يوجد حمل أساساً ولا يحمل شيء عَلَىٰ الإنسان، وإنَّما يُتَصَوَّر الإنسانُ. ولكن فِي النَّظَر التَّصديقيّ يُحمل شيء عَلَىٰ الإنسان، لكن يُحمل شيء عَلَىٰ الْمَاهِيَّة فِي مرتبة ذاتها، فلا يصحّ الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة بالعرضي؛ لأَنَّ هذا حمل فِي مرتبة الذّات والعرضي لَيْسَ فِي مرتبة الذّات.
 وأخرى تنظر إلى ماهيَّة الإنسان بِالنَّظَرِ الحملي التَّصديقيّ الَّذي تريد فيه أن تحمل شيئاً عَلَىٰ ماهيَّة الإنسان لا فِي مرحلة الذّات بل عَلَىٰ ماهيَّة الإنسان كواقع من الواقعيات، فهنا يصحّ أن تحمل عَلَىٰ الإنسان حتّى العَرضيّ؛ لأَنَّ الإنسان كواقع يتّصف بالعرضي أيضاً كما أَنَّهُ يتّصف بذاتياته، فنقول: «قصير» و«طويل» و«عالم» و«جاهل» و«فقير» و«غني».
 إذن، فمجرّد القول بأَنَّهُ لطالما أن النَّظَر فِي الْمَاهِيَّة المهملة مقصور عَلَىٰ الذّات والذاتيات، بينما الْمَاهِيَّة اللابشرط الْقِسْمِيّ يُحمل عليها العَرضيّ، فليس معنى ذلك أن الْمَاهِيَّة اللابشرط الْقِسْمِيّ هي غير الْمَاهِيَّة المهملة. فالماهية المهملة هي عين الْمَاهِيَّة الملحوظة بلحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ (عين ذات الملحوظ وليس مع أخذ اللِّحَاظ فيه كقيد)، ولا يتنافى هذا مع قولهم: «إن الْمَاهِيَّة المهملة يُقصر النَّظَر فيها عَلَىٰ ذاتها وذاتياتها» ولا يتنافى مع ما نرى من أَنَّهُ يحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة اللابشرط الْقِسْمِيّ بالعرضي؛ فَإِنَّ كل هذا شيء واحد (تارةً يُسمى بالماهية المهملة وأخرى باللابشرط الْقِسْمِيّ) ولكن تارةً يُتَصَوَّر وأخرى يحكم عليه، إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. والحكم أيضاً تارةً فِي ذاتها وذاتياتها وأخرى يحكم عليه بالعرضيات، ولٰكِنَّهُ شيء واحد، ولا يوجد دليل عَلَىٰ الاثنينية، وما ذكرتموه من أَنَّهُ «بما أنهم ذكروا فِي خاصيات الْمَاهِيَّة المهملة أَنَّهُ يُقصر النَّظَر فيها عَلَىٰ الذّات والذاتيات ولا يصحّ أن يحكم عليها بالعرضي، بينما نرى أن الْمَاهِيَّة اللابشرط الْقِسْمِيّ يحكم عليها بالعرضي، إذن يُبيّن أن هذا غير ذاك» غير تامّ.
 إذن، هذا تمام الكلام فِي النُّقْطَة الثَّانية من النقاط الثَّلاث الَّتي طرحناها للبحث، وهي أن الْمَاهِيَّة المهملة هل هي عين اللابشرط الْمَقْسَمِيّ أو هي عين اللابشرط الْقِسْمِيّ أو هي شيء ثالث؟ فقد اتَّضَحَ أن الصَّحِيح أن الْمَاهِيَّة المهملة عين الْمَاهِيَّة الملحوظة باللحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ، خلافاً لما قالوه. بعد ذلك ننتقل إلى النُّقْطَة الثَّالثة.
 النُّقْطَة الثَّالثة: تحقيق المعنى الَّذي وضع له اسم الجنس لغةً. فهل أن اسم الجنس مَوْضُوع فِي اللُّغَة لذات الْمَاهِيَّة وَالطَّبِيعَة (فمن الآنَ وصاعداً نعبر عن الْمَاهِيَّة المهملة بالمهملة أو الطَّبِيعَة أو الكلّي الطَّبِيعِيّ، فقد تبين أن كُلّهَا واحد) أو أَنَّهُ مَوْضُوع للماهيَّةِ المطلقة؟ وندرس هذه النُّقْطَة ضمن خطوات:
 الخطوة الأولى: لماذا يختصّ هذا البحث باسم الجنس؟ الجواب واضح؛ لأَنَّهُ لا يوجد فِي مقابل اسم الجنس من الأسماء إلاَّ اسم العَلَم (كأسماء الأعلام للأمكنة والأزمنة والأشخاص)، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ اسم العلم غير مَوْضُوع لِلطَّبِيعَةِ أساساً حتّى نبحث عن أَنَّهُ هل وُضع لِلطَّبِيعَةِ المهملة أو وضع لِلطَّبِيعَةِ المطلقة؟ ومن هنا اختص بحثنا باسم الجنس.
 الخطوة الثَّانية: فِي أن اسم الجنس لَيْسَ مَوْضُوعاً للماهيَّةِ اللابشرط الْمَقْسَمِيّ؛ لأَنَّهُ - كما عرفنا خلال البحوث السَّابِقَة - جامع بين اللحاظات الذِّهْنِيَّة، وليس جامعاً بين الأفراد الخارجية؛ لأَنَّهُ معقول ثانوي يجمع الموجودات فِي وعاء المعقولات الأولية، بينما الألفاظ فِي اللُّغَة ليست موضوعة للأمور الذِّهْنِيَّة بما هي ذهنية. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. كما أَنَّهُ لا شكّ أيضاً فِي أن اسم الجنس لَيْسَ مَوْضُوعاً للماهيَّةِ الملحوظة بلحاظ بشرط شيء، ولا للماهيَّةِ المأخوذة بشرط لا؛ فَإِنَّ لفظ «الإنسان» لَيْسَ مَوْضُوعاً للإنسان المقيَّد بالعلم، كما أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعاً للإنسان المقيِّد بعدم العلم. إذن، يَتَعَيَّنُ أن نقول: «إن اسم الجنس مَوْضُوع للماهيَّةِ الملحوظة بلحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ».
 إلى هنا لا ينبغي الإشكال فيه، وإنَّما الكلام والخلاف فِي نقطة أخرى وهي أَنَّهُ لطالما أن اسم الجنس مَوْضُوع للابشرط الْقِسْمِيّ بلا إِشْكَال، نريد أن نعرف هل أَنَّهُ مَوْضُوع للابشرط الْقِسْمِيّ مع حدّه الَّذي يتميز به (وحدّه عدم اللِّحَاظ، أي: عدم لحاظ وجود القيد وعدم لحاظ فقدان القيد، أي: الْمَاهِيَّة مع حدّ الإطلاق)، أي: هل أن هذا الحدّ الإِطْلاَقيّ داخل أيضاً فِي المعنى الَّذي وضع له اسم الجنس لغة، بحيث أن لفظ «الإنسان» وضع لماهية الإنسان المطلقة. أي: يَدُلّ لفظ «الإنسان» بِالدِّلاَلَةِ الوضعيَّة عَلَىٰ الإِطْلاَق، بحيث أَنَّنَا نستفيد الإِطْلاَق من الْمَدْلُول الوضعيّ لِلْكَلِمَةِ، مِنْ دُونِ حاجة إلى قرينة الحِكْمَة، ليصبح كالعموم، أو أن اسم الجنس وضع للماهيَّةِ الملحوظة للابشرط الْقِسْمِيّ لكن مِنْ دُونِ حدّه هذا. هذا هو البحث الَّذي أمامنا. والحمد لله رب العالمين. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. 1157 كلمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo