< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/11/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: معنى المطلق/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 قلنا إن السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله اعترض عَلَىٰ القول بأن الكلّي الطَّبِيعِيّ هو نفس الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ حيث قال: إن الكلّي الطَّبِيعِيّ هو غير الْمَاهِيَّة الملحوظة بلحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ؛ وذلك لأَنَّ الكلّي الطَّبِيعِيّ هو ما يكون صالحاً وقابلاً للانطباق عَلَىٰ كل الأفراد، بينما الملحوظ بلحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ هو ما يكون بالفعل منطبقاً عَلَىٰ تمام الأفراد وفانياً فيها؛ فَإِنَّ الملحوظ بلحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ هو المطلق (الَّذي يدور حديثنا حوله) وهو منطبق بالفعل عَلَىٰ كل الأفراد وشامل لها، لا أَنَّهُ فيه قوّة وقابلية الانطباق عَلَىٰ الأفراد. فكيف يكون أحدهما عين الآخر؟!
 جواب الاعتراض: ولكن هذا الاعتراض غير وارد فِي رأينا؛ لأَنَّنا نتساءل عن المراد من «الفعليّة» فِي قوله، فهل أن المقصود منها هو أن اللابشرط الْقِسْمِيّ تُري الأفرادَ بما هي أفراد وبما لها من خُصُوصِيّات فردية وتعكسها (ولو إراءة إجمالية وانعكاساً ضعيفاً)؟ فهذا غير صحيح؛ لأَنَّ معناه أن يكون حالُ اللابشرط الْقِسْمِيّ حالَ العامّ، كما أن العامّ يُري الأفراد بما هي أفراد كذلك اللابشرط الْقِسْمِيّ الَّذي هو المطلق يُري الأفراد بما هي أفراد. أي: قولنا «أَكْرِمِ الْعَالِمَ» حاله حال قولنا «أَكْرِمْ كُلَّ عَالِمٍ»؛ فَإِنَّ الأخير يُري الأفرادَ - كما قلنا - ولكن «أَكْرِمِ الْعَالِمَ» لا يُرِي الأفراد وإنَّما يُري الطَّبِيعَةَ، والطبيعةُ لا تُري إلاَّ نفسَها ولا تُري أفرادَها ولا تعكس مصاديقَها. إذن، إذا كان هذا هو المقصود فهذا غير صحيح؛ لأَنَّهُ خلط بين العامّ والمطلق.
 وإذا أردتم «بفعلية الفناء والانطباق» المعنى الآخر وهو أَنَّهُ لو ترتّب وثبت حكم عَلَىٰ هذا الملحوظ بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ لَسَرَى هذا الحكمُ إلى كل الأفراد، فهذا موجود ومتوفر فِي الكلّي الطَّبِيعِيّ؛ لأَنَّهُ موجود فِي الخارج بوجود أفراده. فأين تلك «الفعليّة» الموجودة فِي اللابشرط الْقِسْمِيّ وَالَّتِي هي مفقودة فِي الكلّي الطَّبِيعِيّ؟!
 إذن، الصَّحِيح كما قلنا بالأَمْسِ هو أن الكلّي الطَّبِيعِيّ هو الْمَاهِيَّة عينها الملحوظة بنحو لحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ. والمقصود من الْعَيْنِيَّة بينهما (= هو عين ذاك) هو أَنَّ الكلّي الطَّبِيعِيّ عين الملحوظ باللِّحَاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ، مِنْ دُونِ أخذ اللِّحَاظ فِي البين. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. أي: أن الكلّي الطَّبِيعِيّ هو عين الْمَاهِيَّة اللابشرط الْقِسْمِيّ، لكن لا بحدّها؛ لأَنَّ حدّها لَيْسَ داخلاً (حدها هو عدم لحاظ شيء)، وإنَّما المحدود بهذا الحدّ هو عين الكلّي الطَّبِيعِيّ.
 إذن، هذه المناقشة مِن قِبَلِ السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله غير واردة، ولعلّها نشأت من الخلط بين اللِّحَاظ والملحوظ. أي: أَنَّهُ رحمه الله اعتبر - كما تقدّم بالأَمْسِ - فِي الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللِّحَاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ خُصُوصِيَّةً زائدة عَلَىٰ ذات الْمَاهِيَّة وهي «لحاظ عدم دخل القيد». ولطالما هو رحمه الله اعتبر هذه الْخُصُوصِيَّة الزائدة فِي اللابشرط الْقِسْمِيّ وهو غير موجود فِي الكلّي الطَّبِيعِيّ فكان من حقه أن يقول: يختلف الكلّي الطَّبِيعِيّ عن الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللِّحَاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ، وَالْمَاهِيَّة المقيّدة بهذا القيد الذهني غير موجودة فِي الخارج ويستحيل أن يكون موجوداً فِي الخارج، بينما الكلّي الطَّبِيعِيّ موجود ضمن أفراده فِي الخارج، كما أسلفناه بالأَمْسِ.
 وهناك قول آخر معاكس لهذا، وهو القول بأن الكلّي الطَّبِيعِيّ هو عين اللابشرط الْمَقْسَمِيّ، لا الْقِسْمِيّ. وهذا قول الفلاسفة أو عَلَىٰ الأَقَلّ قول بعضهم كالحكيم السبزواري( [1] ) بأن الكلّي الطَّبِيعِيّ هو عين الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللابشرط الْمَقْسَمِيّ.
 هذا الكلام أيضاً مِمَّا لا يمكن المساعدة عليه وذلك لأَنَّنَا ذكرنا فِي المقدّمة التمهيدية أن اللابشرط الْمَقْسَمِيّ من المعقولات الثانوية وليس من المعقولات الأولية، بينما الكلّي الطَّبِيعِيّ من المعقولات الأولية، أي: أَنَّهُ مأخوذ ومنتَزَع من الخارج مباشرةً، كما هم يقولون فِي تفسير الكلّي الطَّبِيعِيّ. إذن هذا جامع بين المعقولات الأولية، بينما أن الكلّي الطَّبِيعِيّ جامع بين الوجودات الخارجية بناء عَلَىٰ تفسيركم لِلْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيّ.
 إذن، فلا معنى لهذا الكلام (وهو أن الكلّي الطَّبِيعِيّ هو اللابشرط الْمَقْسَمِيّ) أبداً، فكأنّه حدث خلط بين المعقولات الأولية والمعقولات الثانوية، غفلة عن أن الكلّي الطَّبِيعِيّ معقول أولي بينما اللابشرط الْمَقْسَمِيّ معقول ثانوي.
 هذا تمام الكلام فِي النُّقْطَة الأولى من النقاط الثَّلاث الَّتي عثرناها بالأَمْسِ حيث قلنا: وقع الخلاف بين الأُصُولِيِّينَ فِي نقاط ثلاث، كانت النُّقْطَة الأولى منها فِي أن الكلّي الطَّبِيعِيّ هل هو عين اللابشرط الْقِسْمِيّ أم هو عين اللابشرط الْمَقْسَمِيّ أم هو شيء ثالث؟ وقد اتَّضَحَ أن الصَّحِيح هو أن الكلّي الطَّبِيعِيّ عين اللابشرط الْقِسْمِيّ (بما هو ذات الْمَاهِيَّة لا مع أخذ اللِّحَاظ فيه).
 أَمَّا النُّقْطَة الثَّانية: فكانت عبارة عن تحقيق حال الْمَاهِيَّة المهملة أو الطَّبِيعَة المهملة، فهل هي اللابشرط الْقِسْمِيّ أو الْمَقْسَمِيّ أو أنَّها شيء ثالث؟
 من المعلوم أن الْمَاهِيَّة المهملة مصطلح يُراد به الْمَاهِيَّةَ الَّتي تَتَوَفَّرُ فيها خاصيتان:
 الخاصية الأولى: أنَّها من المعقولات الأولية المنتزعة من الخارج.
 الخاصية الثَّانية: أنَّها ملحوظة ومنظور إليها بلا إضافة أي شيء إليها حتّى أن «عدم دخل القيد» لا يُضاف إليها. فهي ملحوظة بذاتها وذاتياتها، أي: هي من حيث هي، خلافاً للابشرط الْقِسْمِيّ الَّذي كان يوجد فيه قيد «عدم وجود اللِّحَاظ» (وَالَّذِي هو الإِطْلاَق)، وهو الكلام نفسه الَّذي يقوله الفلاسفة من أن «الْمَاهِيَّة من حيث هي ليست إلاَّ هي».
 وحينئِذٍ يقع الكلام فِي أن هذه الْمَاهِيَّة الجامعة لهاتين الْخُصُوصِيَّتَيْنِ هل هي اللابشرط الْقِسْمِيّ عينه؟ أم هي اللابشرط الْمَقْسَمِيّ عينه؟ أم هي شيء ثالث؟
 يبدو أنهم متفقون عَلَىٰ أنَّها ليست هي اللابشرط الْقِسْمِيّ، ولكنهم بعد هذا الاتفاق اختلفوا فِي ماهيَّة هذه الْمَاهِيَّة المهملة، فذهب الخُراسانيّ( [2] ) إلى أنَّها هي الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللابشرط الْمَقْسَمِيّ، بينما اعترض عليه تلامذته كالمحقق الإِصْفِهَانِيّ رحمه الله( [3] ) وتلميذه السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله( [4] ) وقالوا: إن الْمَاهِيَّة المهملة أمر آخر غير اللابشرط الْمَقْسَمِيّ، وقالا فِي اعتراضهما عَلَىٰ الآخوند: إن الْمَاهِيَّة
 تارةً تُؤخذ منظوراً إلى ذاتها وذاتياتها بلا إضافة أي شيء، وحينئِذٍ لا يُحكم ولا يصحّ أن يُحكم فِي هذه المرتبة من اللِّحَاظ بأي شيء آخر غير ذاتها وذاتياتها. ذاتها مثل: «الإنسان إنسان» وذاتياتها كالحكم بما هو جنس أو فصل له مثل: «الإنسان حيوان ناطق».
 وأخرى تؤخذ الْمَاهِيَّة منظوراً إليها بالقياس إلى أشياء أخرى خارجة عن ذاتها، مثلاً ماهيَّة الإنسان تُلحظ بِالنَّظَرِ إلى صفة «العلم» الخارجة عن ذات الإنسان وذاتياته. وحينئِذٍ تارةً تُقيَّد بالعلم فتكون هي الْمَاهِيَّة بشرط شيء، وأخرى تُقيَّد بعدم العلم فتكون الماهيةُ بشرط لا، وثالثة لا تُقيَّد لا بوجود العلم ولا بعدم القيد، وهذا هو اللابشرط الْقِسْمِيّ (المطلق). فاللابشرط الْمَقْسَمِيّ جامع بين الصور الثَّلاث (البشرط شيء وَاللاَّبِشَرْطِ، وَاللاَّبِشَرْطِ الْقِسْمِيّ) للحاظات الْمَاهِيَّة بالقياس إلى الأُمُور الخارجة عن الذّات والذاتيات، أَمَّا الْمَاهِيَّة المهملة هي الْمَاهِيَّة مع قصر النَّظَر عَلَىٰ ذات الْمَاهِيَّة وذاتياتها. هذا اعتراض الشَّيْخ الإِصْفِهَانِيّ رحمه الله والسّيّد الأستاذ الخوئي رحمه الله عَلَىٰ صاحب الكفاية.
 أقول: أَمَّا ما ذهب إليه صاحب الكفاية من أن الطَّبِيعَة المهملة عين اللابشرط الْمَقْسَمِيّ فهذا واضح البطلان؛ وذلك لما تقدّم فِي المقدّمة ولما تقدّم قبل قليل أيضاً من أن اللابشرط الْمَقْسَمِيّ من المعقولات الثانوية بينما أن الْمَاهِيَّة المهملة فيها خصوصيتان تقدمت قبل قليل، إذن هي غير اللابشرط الْمَقْسَمِيّ. فهل هي اللابشرط الْقِسْمِيّ؟ أو أنَّها شيء ثالث؟ إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. بِالنِّسْبَةِ على اللابشرط الْقِسْمِيّ تقدمت قبل قليل «كأنهم اتفقوا عَلَىٰ أنَّها ليست اللابشرط الْقِسْمِيّ». وحينئِذٍ يجب أن ندقق النَّظَر فِي هذا الاتفاق، لنرى ما هو دليلهم عَلَىٰ ذلك، ويتخلص من مجموع كلماتهم فِي الاستدلال عليه أَمْرَانِ:
 الأمر الأوّل: أن الْمَاهِيَّة اللابشرط الْقِسْمِيّ أخذ فيها حدّ وقيد وهو الإِطْلاَق، أي: عدم الحدّ أخذ كحدٍ. أي: حدّها الَّذي يميزها من المقيَّد هو أَنَّهُ لَيْسَ فيها حدٌّ. بينما أن الْمَاهِيَّة المهملة (كما تقدّم قبل قليل) كانت لها خاصيتان، وكانت الثَّانية منهما أنَّها عارية عن كل حدّ وقيد، حتّى حدّ عدم الحدّ، بينما الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ يحظى بحد «عدم الحدّ».
 ويرد عليه أَنَّهُ بناء عَلَىٰ ما قلنا فِي المقدّمة التمهيدية من أن اللابشرط الْقِسْمِيّ هو أن تُلحظ الْمَاهِيَّة بهذا اللِّحَاظ، ويكون عدم الحدّ حَدّاً لها، لكن «عدم الحدّ» لَيْسَ قيداً لها، بل هو قيد للحاظ الْمَاهِيَّة ورؤيتها. ومن هنا قلنا فِي المقدّمة أن المرئي فِي اللابشرط الْقِسْمِيّ جامع بين الملحوظين فِي اللحاظين الأولين، لأَنَّهُ لحاظ لذات الْمَاهِيَّة، وإلا لما أمكنه أن يكون جامعاً لهما.
 هذا، وللبحث تتمة تأتي إن شاء اللٰه غداً. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. 1235 كلمة.


[1] - السبزواري، شرح المنظومة: ص12.
[2] - الخُراسانيّ، كفاية الأصول: ج1، ص376.
[3] - الإصفهاني، نهاية الدِّراية: ج2، ص213.
[4] - الخوئي، أجود التقريرات: ج1، ص523-525.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo