< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/11/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: معنى المطلق/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 كُنَّا نناقش ما أفاده السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله حيث قال: لا يكفي فِي اللابشرط الْقِسْمِيّ مجرّد لحاظ الْمَاهِيَّة مِنْ دُونِ أن يلحظ معها دخلَ القيد، بل يشترط فيه أن يُلحظ عدم دخل القيد. قلنا: إِنَّه ماذا تقصدون من هذا الاشتراط؟
 1- الشق الأوّل: هل هذا شرط فِي ثبوت الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة أو هو شرط فِي تصوّر الْمَاهِيَّة بما هي هي فِي نفسها وبقطع النَّظَر عن ترتّب الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة، بحيث إذا لم يلحظ «عدم دخل القيد» لا يثبت الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة. مثلاً لو قال: «يحرم قتل الإنسان» فهل أن الحكم (وهو حرمة القتل) لا يترتَّب عَلَىٰ الْمَاهِيَّة ولا يثبت عَلَىٰ ماهيَّة الإنسان إلاَّ إذا كان الْمُتِكَلِّم قد لاحظ ماهيَّة الإنسان إلى جانب لحاظه عدم دخل أي قيدٍ. إذا كان هذا هو المقصود فيرد عليه:
 أوَّلاً: أن هذا أجنبي عن محلّ الكلام؛ لأَنَّ الحديث دائر حول تصورات الْمَاهِيَّة فِي نفسها وبما هي هيَ وبمعزل عن ترتّب الحكم عليها. أَمَّا أَنَّهُ ماذا يشترط فِي الْمَاهِيَّة لكي يترتَّب الحكم عليها وماذا لا يشترط فهذا خارج عن محلّ بحثنا؛ إذ أَنَّنَا نريد أن نرى كيفيَّة تصوّر الْمَاهِيَّة بما هي هيَ (أي: نريد أن نعرف أنحاء الْمَاهِيَّة وكم لها من الوجودات الذِّهْنِيَّة؟)، ولسنا بصدد دراسة أَنَّهُ إذا أريد إثبات حكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة فكيف يترتَّب هذا الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة، وما هو الطَّرِيق؟
 وثانياً: لنفترض أن كلامنا فِي «ما هو دخيل فِي ترتّب الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة وما هو غير دخيل فيه» مع ذلك لا مبرِّر لهذا الشَّرْط (القائل باشتراط لحاظ عدم دخل القيد فِي اللابشرط الْمَقْسَمِيّ)؛ لأَنَّ الأثر المتوخى والمطلوب من هذا العنصر الَّذي ذكرتموه (وهو لحاظ عدم دخل القيد) لكي يثبت الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة (ويكون مَوْضُوع الحكم عبارة عن ماهيَّة الإنسان مطلقاً) حتّى يسري الحكم إلى تمام أفراد الإنسان يحرم قتل الإنسان الجاهل، ويحرم قتل الإنسان العالم، وكذلك يحرم قتل باقي أفراد الإنسان من الإنسان العادل والفاسق و...
 نقول: هذه الغاية وَالنَّتِيجَة (= حتّى يسري إلى تمام الأفراد) تحصل مِنْ دُونِ اشتراط لحاظ عدم دخل القيد؛ فَإِنَّ سريان الحكم إلى تمام الأفراد لَيْسَ مَنُوطاً وَمَشْرُوطاً بأن يُلحظ عدم دخل القيد، بل يكفي أن لا يُلحظ دخلُ القيد، ولا يحتاج إلى «لحاظ عدم دخل القيد».
 وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: إِن الإِطْلاَق (= سريان الحكم إلى كل أفراده) الَّذي تريدون استفادته إِنَّمَا هو من نتائج عدم دخل القيد وليس من نتائج لحاظ عدم دخل القيد. أي: «نفس عدم دخل القيد» ينتج أن يسري الحكم إلى كل الأفراد وليس لحاظ ورؤية عدم دخل القيد.
 2- الشق الثَّانِي: وأمّا إذا كان مقصودكم أن «لحاظ عدم دخل القيد» شرط فِي تصوّر الْمَاهِيَّة بما هي هيَ فِي نفسها وبقطع النَّظَر عن ثبوت الحكم عليها أو عدم ثبوت الحكم عليها وترتب الحكم عليها. أي: تريدون أن تقولوا: إن الْمَاهِيَّة إذا لوحظت ولوحظ معها عدم دخل القيد، حينئذٍ تكون هذه الْمَاهِيَّة متميزة ومتصفة بأنها موجودة فِي الذِّهْن وحدها، فنسألكم: لحاظ عدم قصد القيد الَّذي جعلتموه شرطاً لتصوّر الْمَاهِيَّة، هل المقصود منه «التَّصديق بعدم دخل القيد» أم المقصود منه «تصوّر عدم دخل القيد»؟ فإن كليهما لحاظ، ولكن الأوّل لحاظ تصديقي لعدم دخل القيد وَالثَّانِي لحاظ تصوّري له. فأي واحد منهما شرط فِي اللابشرط الْقِسْمِيّ؟
 إن كان الأوّل (أي: شرط تصوّر الْمَاهِيَّة هو التَّصديق بأنها وحدها وليس معها شيء، أي: «التَّصديق بعدم دخل القيد وجوداً وعدماً» شرط فِي لحاظ الْمَاهِيَّة، بحيث أنني إن لم أصدّق بأن الْمَاهِيَّة وحدها فلا أكون مصدّقاً للماهيَّةِ) فهو محال؛ إذ كيف يكون التَّصديق شرطاً للتصور والحال أن التَّصديق متوقّف عَلَىٰ التَّصَوُّر؛ فَإِنَّ الصُّورَة حينما تأتي إلى الذِّهْن تكون معلومة لدى النَّفس بالعلم الحضوري (أي: حاضرة لديها)؛ فإن علم النَّفس بصورها الذِّهْنِيَّة علم حضوري، كعلم النَّفس بالجوع، فهو لَيْسَ علماً بصورة الجوع فِي النَّفس، وإنَّما هو علم بواقع الجوع.
 وإن كان الثَّانِي وهو اللِّحَاظ التَّصوُّريّ (لحاظ عدم قصد القيد = تصوّر عدم قصد القيد) لا التَّصديق الَّذي هو فِي طول تصوّر الْمَاهِيَّة، فهو أيضاً غير معقول؛ لأَنَّنَا نتكلّم عن اللابشرط الْقِسْمِيّ، وهو عبارة عن لحاظ من اللحاظات الثَّلاثة الموجودة لدى النَّفس عن الْمَاهِيَّة؛ لأَنَّ اللابشرط الْقِسْمِيّ من المعقولات الأولية كما تقدّم فِي المقدّمة، والمعقولات الأولية هي الأُمُور المنتزعة من الخارج مباشرة. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. فالملحوظ فِي هذا اللِّحَاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ هو ذات الْمَاهِيَّة، ومن هنا قلنا إن الملحوظ فِي اللابشرط الْقِسْمِيّ جامعٌ بين لحاظَيْ «بشرط شيء» و«بشرط لا»، وإن كان اللِّحَاظ مبايناً لهما. فعلى كل تقدير لا يمكن أن نشترط «لحاظ عدم دخل القيد» فِي الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ. وهذا مطلب له آثاره كما سوف نرى فِي البحوث المقبلة.
 هذا تمام الكلام فِي هذه المقدّمة التمهيدية حول اعتبارات الْمَاهِيَّة وأقسام تصوّرها ولحاظها فِي الذِّهْن. والآن ندخل فِي صلب الْمَوْضُوع ونقول:
 هناك خلاف بين الأُصُولِيِّينَ فِي نقاط ثلاث:
 النُّقْطَة الأولى: هي أَنَّهُ بعد وضوح عدم انطباق الكلّي الطَّبِيعِيّ عَلَىٰ لحاظين من تلك اللحاظات وهما «البشرط شيء» و«البشرط لا» (أي: ليست ماهيَّة الإنسان المقيّدة بالعلم كلّيّاً طبيعيّاً، كما أن ماهيَّة الإنسان المقيّدة بالجهل - أي: اللاعالم - ليست كلّيّاً طبيعيّاً) وقع الكلام فِي انطباق الكلّي الطَّبِيعِيّ عَلَىٰ اللحاظين الآخرين وهما:
 1- الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ.
 2- الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللابشرط الْمَقْسَمِيّ.
 أو أَنَّهُ ينطبق عَلَىٰ ما يُعَبَّر عنه بالماهية المهملة؟
 النُّقْطَة الثَّانية: فِي معرفة الْمَاهِيَّة المهملة من أنَّها تلك الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ أم غيرها؟
 النُّقْطَة الثَّالثة: فِي معرفة أن أسماء الأجناس موضوعة لأي واحد من هذه الأنحاء؟
 أَمَّا النُّقْطَة الأولى: فَالصَّحِيحُ أن الكلّي الطَّبِيعِيّ هو نفس الْمَاهِيَّة الملحوظة بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ وذات المرئي الملحوظ بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ، مِنْ دُونِ دخل اللِّحَاظ والرؤية. ولطالما أن هذا هو معنى الكلّي الطَّبِيعِيّ فالكلي الطَّبِيعِيّ من المعقولات الأولية المنتزعة من الخارج مباشرةً. وقد قلنا فِي المقدّمة التمهيدية إن الملحوظ بلحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ جامع بين الملحوظ بشرط شيء والملحوظ بشرط لا (أي: جامع بين الوجودين الخارجيين للماهيَّةِ).
 وهذا بخلاف ما لو بنينا عَلَىٰ ما ذهب إليه السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله وَالَّذِي ناقشناه اليوم وبالأمس، حيث قلنا يترتَّب عَلَىٰ هذا الخلاف بعض الآثار، وهذا من تلك الآثار؛ إذ بناء عَلَىٰ كلامه رحمه الله فَسَوْفَ يكون الملحوظ باللحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ شيئاً غير الكلّي الطَّبِيعِيّ؛ لأَنَّ الملحوظ باللحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ يصبح - وَفقاً لهذا المبنى - مقيَّداً بالقيد (وهو لحاظ عدم دخل القيد). واللحاظ يعني التَّصَوُّر والرؤية، فهو أمر ذهني. إذن، الملحوظ بلحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ مقيَّد بقيد ذهني، والْمُقَيَّد بقيد ذهني غير موجود فِي الخارج. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. فلا توجد مشكلة بناء عَلَىٰ ما قلناه، أي: لا يكون الملحوظ فِي لحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ مغايراً لِلْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيّ؛ لأَنَّ الملحوظ فيه هو الْمَاهِيَّة ذاتها، لا أن يكون مقيّداً بقيد ذهني (وهو لحاظ عدم دخل القيد المتقدّم ذكره، حتّى لا يكون موجوداً فِي الخارج، حتّى يتغاير مع الكلّي الطَّبِيعِيّ).
 اعتراض السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله: حيث وجَّه رحمه الله اعتراضاً عَلَىٰ هذا الكلام القائل بأن الكلّي الطَّبِيعِيّ هو الْمَاهِيَّة عينها الملحوظة بنحو اللابشرط الْقِسْمِيّ، حيث يقول: كيف يصحّ هذا الكلام والكلي الطَّبِيعِيّ عبارة عمَّا يكون صالحاً وقابلا للانطباق عَلَىٰ كل أفراده؟! بينما الملحوظ بلحاظ اللابشرط الْقِسْمِيّ هو المطلق والمنطبق بالفعل عَلَىٰ أفراده. فهناك عنصر موجود ومأخوذ فِي اللابشرط الْقِسْمِيّ هذا العنصر غير موجود فِي الكلّي الطَّبِيعِيّ عبارة عن فِعْلِيَّة الانطباق. اللابشرط الْقِسْمِيّ يعني ما هو منطبق بالفعل على أفراده. فعلى سبيل المثال عندما نقول: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ» يكون «العالم» مطلقاً، أي: اللابشرط الْقِسْمِيّ، يعني أَنَّهُ ينطبق بالفعل، لا أَنَّ هناك قابليةً للانطباق، بينما فِعْلِيَّة الانطباق غير موجود فِي الكلّي الطَّبِيعِيّ. وهذا إِشْكَال ندرسه غداً إن شاء اللٰه تعالى وتجدونه فِي أجود التقريرات( [1] ). إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. 1185 كلمة.


[1] - الخوئي، أجود التقريرات (تقريراً للنَّائيني): فِي هامش ص523.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo