< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: معنى المطلق/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 قلنا فِي البحث الماضي إن الْمَاهِيَّة إذا لوحظت فِي الذِّهْن وتُصورت فِي الذِّهْن فهناك ثلاثة أنحاء من هذا التَّصَوُّر الذهني عن الْمَاهِيَّة، رغم أن هذه الْمَاهِيَّة نفسها إذا لاحظنا وجودها فِي الخارج لَيْسَ لها أكثر من وجودين خارجيين:
 1- وجود الْمَاهِيَّة المتّصفة بالقيد والواجدة للقيد.
 2- وجود الْمَاهِيَّة الفاقدة للقيد.
 ولكن توجد فِي الذِّهْن ثلاث صور ذهنية وثلاثة أنحاء من لحاظ الْمَاهِيَّة:
 1- لحاظ الْمَاهِيَّة بشرط شيء، مثل لحاظ ماهيَّة الإنسان بشرط العلم (= الإنسان العالم).
 2- لحاظ الْمَاهِيَّة بشرط لا، كلحاظ ماهيَّة الإنسان بشرط عدم العلم (= الإنسان اللاَّعالم).
 3- لحاظ الْمَاهِيَّة لا بشرط، مثل لحاظ ماهيَّة الإنسان مِنْ دُونِ كلا اللحاظين السابقين.
 وقلنا أيضاً: إن لحاظ الْمَاهِيَّة بشرط شيء يُري وجوداً خارجياً للماهيَّةِ (وهو الوجود الخارجيّ للماهيَّةِ الواجد للقيد وهو الإنسان العالم)، كما أن لحاظ الْمَاهِيَّة بشرط لا أيضاً يُري وجوداً خارجيّاً للماهيَّةِ (وهو الإنسان الفاقد للعلم، الإنسان اللاعالم وَالَّذِي هو موجود فِي الخارج أيضاً). أَمَّا اللِّحَاظ الثَّالث فقد تقدّم أن ميزته عدم اللحاظين السابقين، و«عدم اللِّحَاظ» لَيْسَ لحاظاً، والعدمُ لا يُري شيئاً؛ فإن اللِّحَاظ هو تصوّر والتصوّر يُري شيئاً، ولكن «عدم اللِّحَاظ» عدمٌ للتصوّر وعدم التَّصَوُّر لا يُري شيئاً.
 إذن، لا يَرى الإنسانُ فِي اللِّحَاظ الثَّالث إلاَّ ذات الْمَاهِيَّة؛ لأَنَّ المقطع الأخير (وهو اللابشرط) لا يُري شيئاً، بل يبقى لحاظُ الْمَاهِيَّة. فبالتالي يكون المرئي والملحوظ فِي هذا اللِّحَاظ الثَّالث هو ذات الْمَاهِيَّة، وذات الْمَاهِيَّة محفوظة فِي المطلق كما أَنَّهَا موجودة فِي الْمُقَيَّد أيضاً. ومن هنا تكون «ذات الْمَاهِيَّة» جامعةً لهما. فيمكن القول بأن الملحوظ فِي اللِّحَاظ الثَّالث جامع بين الملحوظ فِي الرؤيتين الأولى والثانية. نعم، إذا نظرنا إلى هذه الرُّؤْيَة الثَّالثة بوصفها رؤيةً ولحاظاً فَسَوْفَ تكون رؤية ثالثة وراء الرؤيتين الأوليين ومستقلّة عنهما. هذا بِالنِّسْبَةِ إلى وعاء المعقولات الأولية.
 أَمَّا وعاء المعقولات الثانوية فلا يلتفت الذِّهْن فيه إلى الخارج حتّى ينتزع منه مفاهيمَ مُعَيَّنَة، بل يلتفت إلى وعاء المعقولات الأولية (الَّتي سبق وأن انتزعها من الخارج) فينتزع منها بعض الْمَفَاهِيم. وهذا الَّذي ينتزعه الذِّهْن يُسمى بالمعقول الثانوي.
 إذن، عرفنا أن الذِّهْن انتزع من الخارج ثلاثة مفاهيم:
 1- مفهوم الْمَاهِيَّة بشرط شيء.
 2- مفهوم الْمَاهِيَّة بشرط لا.
 3 مفهوم الْمَاهِيَّة لا بشرط.
 الآنَ يلقي الذِّهْنُ نظرةً أخرى إلى هذه اللحاظات الثَّلاثة فينتزع منها مفهوماً اسمه «لحاظ الْمَاهِيَّة» وهذا هو «اللابشرط الْمَقْسَمِيّ» الجامع بين «البشرط شيء» و«البشرط لا» و«اللابشرط الْقِسْمِيّ».
 إلى هنا اتَّضَحَ أن لدينا نحوين من الوجود الخارجيّ للماهيَّةِ، ولدينا أيضاً ثلاثة أنحاء من لحاظ الْمَاهِيَّة وتصورها مأخوذة من الخارج مباشرة وتُسمى بالمعقولات الأولية، ولدينا مفهوماً آخر أعمّ انتزع من هذه اللحاظات الثَّلاثة وهو مفهوم «لحاظ الْمَاهِيَّة» الَّذي سمّيناه بـ«اللابشرط الْمَقْسَمِيّ».
 هناك كلام لِلسَّيِّد الأستاذ الخوئيّ رحمه الله بِالنِّسْبَةِ إلى «اللابشرط الْقِسْمِيّ» يقول فيه: إن تركيبة هذه الصُّورَة الذِّهْنِيَّة الثَّالثة الَّتي نسميها بـ«اللابشرط الْقِسْمِيّ» ليست عبارة عن «لحاظ الْمَاهِيَّة» مع «عدم لحاظ لا وجود القيد ولا فقدان القيد»؛ لأَنَّهُ لا يكفي فيه هذا المقدار، بل لا بُدَّ فِي هذا اللِّحَاظ الثَّالث من أن يُلحظ عدم القيد. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. أي: أن تُلحظ الطَّبِيعَة ويُلحظ معها «عدم دخل القيد، لا دخل وجود القيد ولا دخل فقدان القيد» (أي: يُلحظ عدم دخل القيد وجوداً وعدماً»، لا أَنَّهُ «لا يُلحظ دخل وجود القيد» و«لا يلحظ دخل عدم القيد». فلا بُدَّ من لحاظ عدم دخل القيد وجوداً وعدماً لكي يكون اللِّحَاظ من القسم الثَّالِث( [1] ) و( [2] ).
 مناقشة كلام السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله: لا يمكن مساعدة هذا الكلام، وذلك لأَنَّنَّا نتساءل عمَّا يترتَّب عَلَىٰ «اللابدية» فِي قولكم «لا بُدَّ من لحاظ عدم دخل القيد وجوداً وعدماً»، فهل يُشترط فِي ترتّب الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة أن تُلحظ الْمَاهِيَّة ويُلحظ معها عدم دخل القيد؟ مثلاً: إذا قال المولى: «يحرم قتل الإنسان»، فلكي يترتَّب هذا الحكم (= حرمة القتل) عَلَىٰ ماهيَّة الإنسان، بصورة مطلقة ويسري إلى جميع أفراد الإنسان، لا بُدَّ من أن يُلحظ عدم دخل قيد العلم مثلاً، عدم دخل قيد العدالة وعدم دخل قيد الفقر مثلاً أو أي قيد آخر.
 إن كان هذا هو المقصود، فيرد عليه أوَّلاً وثانياً:
 أَمَّا أوَّلاً فَلأَنَّ كلامنا هنا (فِي المقدّمة التمهيدية) فِي نقطة أخرى؛ وهي شرح أنحاء تصوّر الْمَاهِيَّة (أي: اعتبارات الْمَاهِيَّة) فِي نفسها وفي أقسام النظر التَّصوُّريّ الواقع عَلَىٰ الْمَاهِيَّة. وليس الكلام فِي كيفيَّة ترتّب الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة (أي: بِغَضِّ النَّظَرِ عن أَنَّهُ أيّ حكم يترتَّب عَلَىٰ الْمَاهِيَّة).
 وأَمَّا ثانياً إذا سلمنا بأننا نريد أن نرى ما هو دخيل فِي ترتّب الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة، لكن مع ذلك نَقُول: لا حاجة لـ«اشتراط عدم دخل القيد» فِي ترتّب الحكم عَلَىٰ الْمَاهِيَّة، سواء لاحظ الْمَاهِيَّةَ ولاحظ عدم دخل القيد، أم لاحظ الْمَاهِيَّة ولم يلحظ معها شيء أصلاً؛ لأَنَّ النَّتِيجَة نفسها الَّتي تتمخض عن «لحاظ عدم دخل القيد» تؤخذ وتُستنتج من «عدم اللِّحَاظ»؛ لأَنَّ الطَّبِيعَة - كما قلنا - فِي نفسها صادقة عَلَىٰ تمام أفرادها، فلا حاجة إلى أن يُلحظ عدم دخل القيد. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. أي: ذات الطَّبِيعَة المهملة أيضاً فِي قوّة المطلقة. ما إن لوحظت الطَّبِيعَةُ مِنْ دُونِ لحاظ شيء معها حتّى يَتُِمّ الإِطْلاَق ويسري الحكم إلى جميع الأفراد والمصاديق، بلا حاجة إلى هذا الشَّرْط (لحاظ عدم دخل القيد) الَّذي اشترطتموه.
 إذن، يقول السّيّد الأستاذ الخوئي رحمه الله: إِنَّمَا نجعل عالم الإثبات دَلِيلاً عَلَىٰ عَالَمِ الثُّبُوتِ بشرط أن يكون عالم الإثبات كاشفاً عن عَالَمِ الثُّبُوتِ الَّذي هو لحاظ الطَّبِيعَة مع لحاظ عدم دخل القيد. هذا الَّذي يجب أن يكشف الإثبات عنه لكي يَتُِمّ الإِطْلاَقُ. ونجيب عنه بأَنَّهُ لَيْسَ من الضروري أَن يكون الْمُتِكَلِّم ثبوتاً لاحظ الطَّبِيعَةَ ولاحظ معها عدم دخل القيد، بل يكفي أن يكون قد لاحظ الطَّبِيعَة ولم يلحظ معها شيئاً. وللبحث تتمة تأتي إن شاء اللٰه غداً. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه.


[1] - الفياض، محاضرات فِي علم الأصول (تقريراً لِلسَّيِّد الخوئيّ): ج5، ص362 وما بعدها.
[2] - فكأنه يقال: إن الْمَاهِيَّة إذا لوحظت ولوحظ معها عدمُ دخل القيد (أي: لوحظ السريان والإطلاق مِن قِبَلِ الْمُتِكَلِّم) فحينئذٍ يَتُِمّ الإِطْلاَق (أي: يسري الحكم إلى جميع الأفراد)، فهو لاحظ الطَّبِيعَة ولاحظ معها السريان (الإِطْلاَق). أَمَّا إذا لاحظ الطَّبِيعَة ولم يلحظ السريان - كما لم يلحظ التَّقْيِيد أيضاً - فَيَكُونُ من الطَّبِيعَة المهملة وهي لا تصلح لأَنْ تَكُونَ مَوْضُوعاً للحكم؛ لأَنَّ الإهمال مستحيل فِي مقام الثُّبوت. طبعاً هناك خلاف بين الْمَشْهُور وبين سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رحمه الله حيث ذهب الأخير إلى أن الإِطْلاَق «ذاتيّ» بينما قال الْمَشْهُور بأن الإِطْلاَق «لحاظيّ»، أي: لا بُدَّ وأن يُلحظ الإِطْلاَق وعدم دخل القيد مضافاً إلى لحاظ ذات الطَّبِيعَة، وسيأتي توضيحه إن شاء اللٰه تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo