< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/10/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: العامّ /دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 بقيت الجهةُ الثَّالثة من جهات البحث عن الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ وهي عبارة عن البحث عن نوعية العموم الْمُسْتَفَاد من الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ. والسؤال المطروح هو أَنَّهُ هل يُستفاد العمومُ الْمَجْمُوعِيُّ من هذا الجمعِ. فهل يُستفاد من قوله «أكرم العلماء» وجوبُ إكرامِ مجموع العلماء، بحيث يكون لدينا حكم واحد وهو وجوب إكرام هذا المجموع بما هو مجموع. فلو كان عدد مجموع العلماء مائة، فهناك حكم واحد نحن مكلفون بامتثاله وهو وجوب إكرام هذه المائة. فلو أكرمنا تسعة وتسعين ولم نكرم واحداً لم نمتثل هذا الحكم أبداً؛ لأَنَّهُ كان يجب علينا إكرام مجموع المائة بما هو مجموع. إن كان هكذا فَسَوْفَ يكون العموم الْمُسْتَفَاد منه عموماً مجموعيّاً.

 أم أن الْمُسْتَفَادَ من هذا الجمع عموم استغراقيّ شُمُولِيّ، ليكون الواجبُ في مثل هذا المثال «إكرام هذا العالم» وإكرامُ عالم آخر بوجوب آخر وإكرام عالم ثالث بوجوب ثالث وهكذا إلى تمام المائة، بحيث يَنْحَلُّ الحكمُ إلى أحكامٍ عديدة بعدد أفراد العالم. فإن امتثلنا الجميع نكون ممتثلين لجميع الأحكام، ولو أكرمنا بعضهم نكون قد امتثلنا البعض وتركنا البعض.

 ومن الطَّبِيعِيّ أن هناك عموماً ثالثاً لَيْسَ مستفاداً من الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ قَطْعاً، ألا وهو العمومُ الْبَدَلِيّ؛ فَإِنَّه إذا استفيد العمومُ من الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ سوف يكون عموماً وشمولاً للأفراد بنحو عَرضِيّ، لا بنحو تبادليّ، بحيث يكون أحد الأفراد بَدِيلاً عن الآخرين. فالعموم الْبَدَلِيّ لَيْسَ مراداً وليس مستفاداً من الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ قَطْعاً. وإنَّما هو يستفاد من مثل قوله: «أكرم أحد العلماء»، فهو عامّ بدليّ بإمكانه الانطباق عَلَىٰ كل واحد من أفراد العلماء، لكن انطباقه عَلَىٰ الفرد الأول لَيْسَ فِي عَرض انطباقه عَلَىٰ الأفراد الأخرى، وإنَّما ينطبق عليه بنحو البدل. فالعموم الْمُسْتَفَاد من الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ منحصر فِي نحوين، والعموم فِي كلا النحوين عَرضِيّ، أي: يشمل الأفراد فِي عَرض واحد. غاية الأمر: العموم الْمَجْمُوعِيّ فيه عناية توحيد الأفراد وجعلهم أجزاء لمركب واحد، أَمَّا فِي المركب الْبَدَلِيّ لَيْسَ فيه هذا التوحيد والتركب.

 الجواب عن هذا السُّؤَال هو أَنَّهُ اتَّضَحَ مِمَّا تقدّم فِي العامّ الدراسي الماضي فِي الجهة الرَّابعة من الجهات الَّتي بحثنا فيها عن كلمة «كُلٍّ»، حيث طرحنا نفس هذا السُّؤَال بِالنِّسْبَةِ إلى هذه الكلمة (كلمة «كُلٍّ»)، وأجبنا عنه بجواب ينطبق فِي المقام أيضاً؛ لأَنَّ «اللاَّم» الداخلة عَلَىٰ الجمع (بناء عَلَىٰ استفادة العموم منها) تكون مثل كلمة «كُلٍّ»، فكما أَنَّنَا اعتبرنا كلمة «كُلٍّ» من أدوات العموم ودالاًّ عَلَىٰ استيعاب مدخولها لكل الأفراد، كذلك «اللاَّم» (إن بنينا عَلَىٰ أنَّها موضوعة للعموم)، فنطبّق عليها ما ذكرناه هناك.

 وحاصل ما ذكرناه هناك مع تطبيقه عَلَىٰ ما نحن فيه هو أن نَقُول: إِنَّ مقتضى الطبع الأوّلي ومقتضى أصالة التَّطَابُق بين مقام الإثبات ومقام الثُّبوت هو أن «اللاَّم» لطالما قد وضعت لاستيعاب مدخولها إذن فمقتضى الطبع الأوّل فِي هذا الاستيعاب هو أن يكون هذا الاستيعاب استيعاباً مجموعيّاً. أي: أَنْ يَكُونَ العموم عموماً مجموعيّاً. هذا هو المفاد الأوّليّ للام؛ وذلك لأَنَّ الْمَجْمُوعِيَّة وإن كانت فيها عناية تقييد بعض الأفراد بالبعض الآخر، وتحويل هذه المائة إلى أجزاء لمركب واحد، لكي نَصُبَّ بعد ذلك الحكم (وهو وُجُوب الإِكْرَامِ) عَلَىٰ هذا المجموع المركب، لٰكِنَّهَٰا ملحوظة لِلْمُتِكَلِّمِ عَلَىٰ كل حال، وداخلة فِي المراد الاستعماليّ لِلْمُتِكَلِّمِ؛ لأَنَّ «اللاَّم» حَسَبَ الْفَرْضِ وضعت وتدلّ عَلَىٰ استيعاب مدخولها، فلا بُدَّ من أن يكون مدخولها عبارة عن مفهوم واحد يُحيط بتمام الأفراد، وأَمَّا مِنْ دُونِ أَنْ يكون معنى «اللاَّم» معنىً واحداً (أي: أَنْ يَكُونَ الملحوظ هو الأفراد الْمُتِكَثِّرَة بما هي مُتِكَثِّرَة) فلا يمكن أن تدخل «اللاَّم» عليها؛ إذ «اللاَّم» تدخل عَلَىٰ كلمة واحدة، والكلمة الواحدة تحكي عن مفهوم واحد (عن معنىً وحداني) ولا يمكن أَنْ تَكُونَ الكلمة الواحدة تَدُلّ عَلَىٰ الكثيرين بما هم كثيرون، مِنْ دُونِ توحيد هذه الأفراد الْمُتَكَثِّرَة.

 «اللاَّم» وضعت لكي تَدُلّ عَلَىٰ استيعاب مدخولها، فلا بُدَّ من أن يكون مدخولها معنىً واحداً. فالمتكلم لا بُدَّ له فِي مقام الاستعمال من إعمالِ عناية توحيد الكثير. أي: هذه العناية مأخوذة فِي الْمَدْلُول الاستعماليّ لكلمة «العلماء»؛ لأَنَّ اللَّفظ لا يمكن استعمالُهُ فِي المتكثرات بما هي متكثرات. فاللام تَدخل عَلَىٰ هذا الْمَفْهُوم الوحداني الواحد الَّذي توحدت فيه المتكثرات، كي يمكن استعمال هذا اللفظ فِي هذا الْمَدْلُول والمعنى الواحد. إذن، المراد الاستعماليّ والمدلول الاستعماليّ هو المعنى الواحد المركب.

 إذن هذا ما نفهمه من مقام الإثبات والاستعمال. فلفظ «العلماء» فِي مقام الإثبات استُعمل فِي معنىً واحد (أي: استعمل فِي مجموع العلماء، لا فِي الجميع). هذا شأن الاستعمال. فمقام الإثبات عبارة عن العموم الْمَجْمُوعِيّ.

 وحينئِذٍ نضم إلى هذا المطلب مطلباً آخر وهو أن الأصل هو تطابق مقام الإثبات مع مقام الثُّبوت. فهناك أصل عُقَلاَئِيّ يبنيه العقلاء والعرف فِي المحاورات والاستعمالات، وهي عبارة عن أصالة التَّطَابُق بين ما يقوله (فِي مقام الإثبات) وما يريده (فِي مقام الثُّبوت) فما يقوله يريده أيضاً. وهو قال: «أكرم العلماء» (= العموم الْمَجْمُوعِيّ) فهو يريد العموم الْمَجْمُوعِيّ. فبهذا الأصل نثبت أن عناية توحيد العلماء المتكثرين فِي معنىً واحد جاءت فِي مقام الاستعمال والإثبات؛ لأَنَّهُ مِنْ دُونِ هذه العناية لم يكن بالإمكان استعمال لفظ «العلماء» فِي الكثيرين بما هم كثيرون. فهذه العناية طرحت إثباتاً مِن قِبَلِ الْمُتِكَلِّم فتقول أصالة التَّطَابُق: إن الأصل أن يتطابق ما طُرح إثباتاً مع ما هو موجود فِي قَرارَة نفس الْمُتِكَلِّم ثبوتاً. إذن، فالموجود فِي قرارة نفسه هو العموم الْمَجْمُوعِيّ أيضاً.

 هذا معنى ما قلنا فِي بداية البحث أن مقتضى الطبع الأوّليّ ومقتضى أصالة التَّطَابُق هو العموم الْمَجْمُوعِيّ.

 لكن هناك نكتة زائدة تتدخل فِي هذا الموقف، وهذه النُّكتة ذكرناها سابقاً فِي بحث «كُلٍّ» (فَإِنَّنَا نعيد ما ذكرناه فِي بحث «كُلٍّ»([1]

[2]

[3]

[4]

[5]

[6]

[7]

[8]

[9]

[10]

[11]

[12] ) ولكن مع تطبيقه عَلَىٰ «اللاَّم» فيما إذا بنينا عَلَىٰ أن «اللاَّم» تَدُلّ عَلَىٰ العموم). إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه وبموجب تلك النُّكتة الزائدة الَّتي تقدّم ذكرها هناك، نلغي هذه العناية (عناية توحيد الكثير)، ويكون الْمُسْتَفَاد من قوله «أكرم العلماء» هو العموم الاستغراقيّ، لا العموم الْمَجْمُوعِيّ. والنُّكتة هي أن هذه العناية اعتبارٌ صادر من المستعمِل فِي مقام الاستعمال لمجرّد الاستطراق إلى التمكن من استعمال لفظ «العلماء» فِي الأفراد الْمُتِكَثِّرَة فحسب. أي: اعتبر كل المائة مُرَكَّباً واحداً لضرورة الاستعمال. فهذه الضَّرورة ضرورة اِسْتِعْمَالِيَّة، مِنْ دُونِ اعمال هذه العناية لم يكن بإمكان الْمُتِكَلِّم من أن يستعمل لفظ «العلماء» ويريد منه هذا العالم وهذا العالم وذاك العالم (مِنْ دُونِ أن يُلقي نظرة وحدانية إلى هؤلاء ويصبّهم فِي قالب واحد).

 فإن الْمُتِكَلِّم فِي مثالنا يريد أن يستعمل لفظ «العالم» فِي هذه الأفراد الْمُتِكَثِّرَة العديدة والمشتركة فِي صفة «العلم»، فلا بُدَّ له من أن يُلبس هذه الأفراد ثوباً واحداً، وهو ثوب الوحدة، ويجعلهم مركباً واحداً ثم يستعمل اللَّفظ فيه. ولكن هذه العناية لَيْسَ لها محكيّ وما بإزاء فِي الخارج؛ إذ ليست إلاَّ صرف اعتبار اعتبره الْمُتِكَلِّم (طبعاً لا أَنَّهُ تبرع بهذه العناية مِنْ دُونِ الحاجة إليها ومن دون ضرورتها) ولكنها عَلَىٰ أي حال حاجة اعتبارية اقتضتها ضرورة الاستعمال.

 وبعبارة أخرى: هذه الصفة المشتركة وهي صفة العلم فِي هؤلاء المائة لَيْست قائمة فِي الخارج بمجموع هؤلاء المائة، بل هي قائمة بكل فردٍ فرد منهم؛ فَإِنَّ كون زيد عَالِماً فِي الخارج لا يتقوّم بكون «عمر» عَالِماً، وكون عمر عالم خارجاً لا يتقوّم بكون «بكر» عَالِماً. فكل واحد منهم عَالِمٌ برأسه. وهذا معنى أن صفة العلم فِي الخارج ليست قائمة فِي الخارج بالمجموع بما هو مجموع، بل هي قائمة بالجميع، أي: هي قائمة بكل فرد فردٍ بما هو هو.

 ومعنى ذلك أن صفة العلم لم تعط هؤلاء المائة توحداً فِي الخارج، بل هذا التوحد كان فِي ذهن المستعمل الْمُتِكَلِّم الَّذي أعمل هذه العناية لحاجةِ الاستعمال، وإلا فلا يوجد توحد فِي الخارج بين هذا الاستعمال وذاك الاستعمال، فكل واحد من الأفراد عالمٌ برأسه؛ فقد تقدّم فِي بحث «كُلٍّ» أن قوله: «أَكْرِمْ كُلَّ عَالِمٍ» يختلف عن قوله: «أكرم كل الجيش». فإن عنوان «الجيش له محكي فِي الخارج» ومحكيه هو المجموع بما هو مجموع، بحيث لو نظرنا إلى الجندي الواحد لا نراه جيشاً، كما لا يكون الجنديان أو ثلاثة جنود جيشاً؛ إِذْ أَنَّ عنوان «الجيشية» وصفة «الجيشيّة» قائمة خارجاً بمجموع الجنود بما هم مجموع. فيستفاد العموم الْمَجْمُوعِيّ من «أكرم كل الجيش»؛ لأَنَّهُ فِي مقام الإثبات ذكر الْمُتِكَلِّم العموم الْمَجْمُوعِيّ فتقتضي أصالة التَّطَابُق أن يكون هو المراد فِي مقام الثُّبوت؛ لأَنَّهُ فِي عَالَمِ الإِثْبَاتِ ذكر كلمة «الجيش» وكلمة الجيش إثباتاً تَدُلّ عَلَىٰ مجموع الجنود بما هم مجموع، ولا تَدُلّ عَلَىٰ الجميع، فإِنَّهُ لَيْسَ كل جندي بما هو هوَ جيشاً، لكن كل عالم بما هو هوَ عالمٌ.

 إذن، لا يوجد شيء وراء «العلماء» اسمه التوحد الحقيقي والخارجي، فلا تجري أصالة التَّطَابُق فِي مثله؛ فَإِنَّها أصل عُقَلاَئِيّ لا يجريها العقلاء فيما إذا كان ما ذكره الْمُتِكَلِّم إِنَّمَا ذكره لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ يذكره لم يكن قادراً عَلَىٰ الاستعمال، فذكره لأجل أن يقدر عَلَىٰ استعمال اللَّفظ. فلا تقول أصالةُ التَّطَابُق أن ما ذكره المستعمل رغم أنفه لضرورة الاستعمال، يكون قد أراده أيضاً. فإن لِلْمُتِكَلِّمِ أن يقول بِأَنَّ مَا ذكره لَيْسَ داخلاً فِي مراده الْجِدِّيّ، وإنَّما الَّذي ذكره مجرّد اعتبار يمكّنه من الاستعمال، لا أكثر.

 وهذا بخلاف عنوان الجيش، فإن الوحدة فيه خارجي أيضاً، وليست وحدة اعتبارية يعتبرها الْمُتِكَلِّم عندما يستعمل لفظ «الجيش»، بل توجد هناك وحدة حقيقيَّة خارجيّة هي الَّتي تصحح استعمال لفظ الجيش عَلَىٰ الجنود. أي: لا يكون الجنود جيشاً مِنْ دُونِ هذه الوحدة.

 إذن، نحن بموجب هذه النُّكتة نقول بأَنَّهُ بناء عَلَىٰ أصل استفادة العموم من دخول «اللاَّم» عَلَىٰ الجمع سوف يكون العموم الْمُسْتَفَاد من «اللاَّم» هو العموم الاستغراقيّ لا الْمَجْمُوعِيّ. هذا تمام الكلام فِي الجهة الثَّالثة، وبذلك تَمَّ الكلام عن الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ الَّذي هو اللَّفظ الثَّانِي من ألفاظ العموم، فكان اللَّفظ الأوّل هو كلمة «كُلٍّ» وقد درسناها فِي العامّ الماضي، واللَّفظ الثَّانِي من ألفاظ العموم وصيغه هذا الَّذي انتهينا منه الآنَ وهو «الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ». بعد ذلك إن شاء اللٰه نتعرض لِلَّفْظِ الثَّالث أو الصيغة الثَّالثة من صيغ العموم وهي عبارة عن النَّكِرَة الواقعة فِي سياق النَّفْي أو فِي سياق النَّهْي.

[1] - ذكرنا ذلك فِي الجلسة 89، من اليوم 19/06/1432 وما قبلها، وإليك بعضاً مِمَّا تقدّم:

[2] النَّحْو الأوّل: أَنْ يَكُونَ توحيد الكثير أمراً أخذ فِي مقام الإثبات ومقام الاستعمال لضرورة الاستعمال فقط وفقط ولا أكثر. أي: الْمُتِكَلِّم فِي مقام الاستعمال باعتبار أَنَّهُ لا يمكنه أن يستعمل اللَّفظ فِي الْمُتَكثّرَات بوصفها متكثرات، فكان مضطراً إلى أن يعتبر هذه المتكثرات أمراً واحداً ويُلبسها ثوبَ الوحدة ويعتبر لها لوناً من الوحدة ويتصور فيها نَوْعاً من الوحدة فيها لكي يتمكن من أن يستعمل اللَّفظ فيها؛ باعتبار أن الأفراد مشتركة فِي صفة واحدة كصفة العلم، وهو يريد أن يعبر عنهم جميعاً بلفظ واحد وهو لفظ «كل»، فلم يكن له خيار غير أن يُلبس هذه الأفراد المتكثرات ثوب الوحدة ويجعلها شيئاً واحداً ويستعمل اللَّفظ فيه.

[3] إذن هذه عناية، ولكنها من شؤون الاستعمال ومن شؤون إراءة المعنى، وليس لها محكي وراء ذلك فِي الخارج؛ لأَنَّ هذه الصفة المشتركة (= العلم) فِي الأفراد الْمُتِكَثِّرَة ليست قائمة فِي الخارج بمجموع الأفراد، بل هي قائمة بالجميع؛ فَإِنَّ «صفة العلم» قائمة بكل فرد فردٍ بما هو هو ومستقلاً. أي: هذا عالم سَوَاءٌ كَانَ الآخرون علماء أم لا، وذاك عالم أيضاً سَوَاءٌ كَانَ هذا وآخرون علماء أم لا. فصفة العلم ليست قائمة فِي الخارج بمجموع هؤلاء المائة (إذا افترضنا أن مجموعهم مائة عالم)، بحيث إذا كان 99 منهم عَالِماً ولم يكن الأخير عَالِماً يسقط المجموع عن كونها عَالِماً، لا هذا لَيْسَ صحيحاً؛ لأَنَّ صفة العلم قائمة بالجميع لا بالمجموع. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه فلم تُعطي هذه الصفة توحّداً للأفراد فِي الخارج، بحيث يصيّرهم مركّباً واحداً، وإنَّما توحيد هؤلاء أمر اعتباري اعتبره المستعمِل لضرورة الاستعمال، بعد أن كان مكتوف اليد ولم يكن بإمكانه أن يستعمِل اللَّفظ فِي المتكثرات بما هي مُتِكَثِّرَة.

[4] فعناية توحيد الكثير هنا ضرورة اِسْتِعْمَالِيَّة لا أكثر، وإلا فلا يوجد وراء هذه الضَّرورة محكيٌّ فِي الخارج (فقد قلنا بأَنَّهُ لا يوجد توحد خارجي بين العلماء، فكل فرد مَوْضُوع مستقلّ). أي: لم تقم صفة العلم بمجموع المائة من العلماء بل قامت بكل واحد واحدٍ من المائة، أي: بالجميع.

[5] وإذا كانت عنايةُ توحيد الكثير بهذا النَّحْو فالحق مع القول الأوّل، وهو القول بأن مقتضى الأصل هو كون العموم الْمُسْتَفَاد من لفظة «كل» عموماً اِسْتِغْرَاقِيّاً. أي: كل فرد فردٍ مَوْضُوع مستقلّ، وليست هذه العناية مأخوذةً فِي المُراد الْجِدِّيّ لِلْمُتِكَلِّمِ فِي مقام الثُّبوت. نعم هي مأخوذة فِي مقام الإثبات والاستعمال.

[6] لا يقال: إن هذا خلاف أصالة التَّطَابُق بين مقامي الإثبات والثُّبوت.

[7] إذ يقال: بأنَّها أصل عُقَلاَئِيّ يجريه العقلاء عندما كان المأخوذ لا لضرورة الاستعمال وَالتَّعْبِير، بل أخذ فِي مقام الإثبات لأَنَّ له محكياً فِي الخارج وله ما بإزاء فِي الخارج وراء الاستعمال. أَمَّا فيما نحن فيه أخذ فِي مقام الإثبات والاستعمال عناية التوحيد لكن لأجل ضرورة التَّعْبِير فقط. فلا تنطبق أصالة التَّطَابُق المذكور هنا ولا يُشَكِّل أفراد العالم (فِي هذا المثال) مُرَكَّباً واحداً فِي الخارج، نعم وَحَّدَهُم المستعمِلُ اعتباراً لكي يتسنى لهم أن يستعمل كلمة «كُلٍّ» فيهم ويمكنه التَّعْبِير بلفظ واحد. أي: ضرورة تعبيرية وبيانية واستعمالية، وإلا فهم ليسوا واحداً فِي الخارج.

[8] إذن هذا التركب والتوحد أمر اعتباري محض لضرورة الاستعمال لَيْسَ أكثر، ومثل هذا (أي: التَّطَابُق بين الإثبات وَالثُّبُوت) لا يقتضي حفظَه فِي مقام الثُّبوت والمراد الْجِدِّيّ لِلْمُتِكَلِّمِ. فالحق مع العموم الاستغراقيّ فِي مثل هذا المورد.

[9] النَّحْو الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ هذه العناية (عناية توحيد المتكثرات وتركيبها) مأخوذة فِي الْمَدْلُول الاستعماليّ بمعنى أنَّ هذا التركيب والتوحيد أمر واقعي فِي الخارج، أي: له ما بإزاء خارجاً وليس أمراً اعتباريّاً بَحْتاً مِن قِبَلِ المستعمِل، بل هو أمر واقعي فِي الخارج وراء شؤون الاستعمال وبقطع النَّظَر عن اعتبار المستعمِل وبمعزلٍ عن طروّ الأداة واستعمالها مِن قِبَلِ الْمُتَكَلِّم ولها ما بإزاء خارجاً؛ باعتبار أنَّ الأفراد الْمُتَكَثِّرَة مشتركة فِي صفة واحدة، هذه الصفة قائمة بمجموع الأفراد خارجاً، لا بالجميع. أي: الأفراد الْمُتِكَثِّرَة تشترك فِي عنوان واحد أعطاها نَوْعاً من التوحد والتركب، فأصبحت الأفراد بمجموعها (لا بجميعها) مركزاً لهذا العنوان والصفة، وذلك من قبيل عنوان «الجيش» و«العسكر»، فهذا العنوان قائم بمجموع الجنود والعساكر، والجندي الواحد لَيْسَ جيشاً، بخلاف العالم الواحد فإِنَّهُ عالم والعنوانُ محفوظ فيه. فهذا العنوان فِي الخارج قائم بمجموع الأفراد، أي: قائم فليس قَائِماً بكل فرد فردٍ مستقلاًّ.

[10] ففرق كبير بين عنوان العالم وبين عنوان الجيش والعسكر؛ حيث لم يعط عنوانُ «العالم» توحّداً وتركّباً لأفراد العالم، بينما العنوان الأخير (الجيش أو العسكر) وحّد الأفراد توحيداً حقيقيّاً، فليس توحيده لضرورة التَّعْبِير وإنَّما هو فِي مرحلة أسبق من التَّعْبِير، حيث يوجد توحد حقيقي وواقعي بين الأفراد.

[11] فإذا كانت العناية من هذا القبيل، عندما يقول: «أكرم كل الجيش» أو «أكرم كل العسكر» تفيد كلمة «كُلٍّ» العموم الْمَجْمُوعِيّ، فلا يوجد ألف وجوب بعدد الجنود (وهم ألف فرد)، بل الوجوب مجموعيّ.

[12] فالحاصل: أَنَّنَا نفرق بين قوله: «أَكْرِمْ كُلَّ عَالِمٍ» وبين قوله: «أكرم كل العسكر» أو «كل الجيش»؛ فإن مقتضى الإِطْلاَق فِي الأوّل هو أن العموم عموم استغراقيّ؛ وذلك لما قاله صاحب القول الأوّل من أنَّ الْمَجْمُوعِيَّة عناية إضافية وتحتاج إلى بيان زائد ولا يوجد فِي المقام بيان زائد. أي: تحتاجُ عنايةُ توحيد الكثير فِي مرحلة المراد الْجِدِّيّ إلى قرينة ولا قرينة فِي المقام. بينما فِي الثَّانِي «أكرم كل الجيش» مقتضى الأصل هو أن يكون العموم مجموعيّاً؛ لأَنَّ تركب الكثير وتوحّده هناك له محكي خارجاً وراء عالم الاستعمال.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo