< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/10/28

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: العامّ /دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

 قلنا إِنَّه لم يَتُِمّ شيء من المسلكين فِي باب دلالة الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ عَلَىٰ العموم:

المسلك الأوّل فكان يقول بدلالة الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ عَلَىٰ العموم؛ وذلك لأَنَّ >اللاَّم< الداخلة عَلَىٰ الجمع وضعت فِي اللُّغَة للعموم مباشرة وَرَأْساً، كما أنَّها وضعت لتعيّن مدخولها أيضاً (أي: وضعت مَرَّتَيْنِ وبوضعين: 1- وضعت لتعين مدخولها. 2- وضعت للعموم مباشرة).

والمسلك الثَّانِي: فهو القائل بأن هذه الدِّلاَلَة ناشئة من كون >اللاَّم< قد وضعت لتعين مدخولها، وبما أن تعيّن مدخولها ملازم للعموم، فَتَدُلُّ >اللاَّم< عَلَىٰ العموم.

أَمَّا المسلك الثَّانِي: فقد تَمَّت مناقشته وطرحه.

وأمّا المسلك الأوّل: فقد رفضناه أيضاً وذلك عَلَىٰ أساس أن من المستبعد جِدّاً أَنْ تَكُونَ >اللاَّم< مشتركاً لفظيّاً فِي لغة العرب، وذكرنا منبهاً لهذا الاستبعاد لم نكمله، وإليك التكملة:

 المنبه هو أَنَّهُ لا إِشْكَال فِي عدم العناية والتجوز فِي موارد تقييد الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ بالمقيد المتصل، كقولنا: >أكرم العلماء العدول<؛ إِذْ أَنَّ هذا التَّقْيِيد تقييدٌ لا مؤونة فيه، وهو عَلَىٰ حدّ تقييد المفرد الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ. فَكَمَا لا يحس العربي بالمئونة والتجوز فِي مثل >أَكْرِمِ الْعَالِمَ العادل<، كذلك لا يشعر بالمجاز فِي مثل >أكرم العلماء العدول<، من حيث كونهما تقييدين بمقيدين مُتَّصِلَيْنِ، مع أَنَّهُ لو كانت >اللاَّم< موضوعة للعموم (ودالةً عَلَىٰ استيعاب أفراد مدخولها) لَشعرنا بالعناية فِي مثل >أكرم العلماء العدول<، حيث أن قيد >العدول< سوف يكون منافياً ومخالفاً للمعنى الَّذي وضعت له >اللاَّم<؛ إِذْ أَنَّ >اللاَّم< (حسب فرضكم) موضوعةٌ لاستيعاب المدخول لأفراد >العالم<، فإن >اللاَّم< دخلت عَلَىٰ كلمة >علماء< لتصبح >علماء< ببركة >اللاَّم< مستوعبة لكل أفراد العالم (سواء العدول أو الْفُسَّاق)، وبعد ذلك حينما جاء قيد >العدول< أصبح هذا القيد منافياً (بحسب الدِّلاَلَة الوضعيَّة) لذاك الاستغراق الْمَدْلُول عليه باللام. أي: دخلت >اللاَّم< عَلَىٰ >علماء< قبل أن نقيِّد العلماء بالعدول، ثم بعد أن دخلت >اللاَّم< عَلَىٰ كلمة >علماء< وحوّلتها إلى المعرفة (= العلماء)، أردفنا لها وصف >العدول<. فجاء التوصيف فِي مرحلة مُتِأَخِّرَة عن دخول >اللاَّم<.

وبعبارة أخرى إن مدخول >اللاَّم< عبارة عن >علماء< فحسب، لا المجموع المركب من >العلماء< و>العدول<. فلو كان هذا المجموع المركب مَدْخُولاً للاَّم، لَوَجَبَ أن يكون وصفه نكرةً أيضاً (وَفقاً للتنكير الموجود فِي مدخول >اللاَّم<؛ إذ المدخول بواسطة >اللاَّم< يصبح معرفةً)، والحال أن الوصف معرفةٌ. فكان من المفروض أن نقول: >أكرم العلماء عدول< ولا نقول >أكرم العلماء العدول<؛ لأَنَّ المدخول عبارة عن المجموع المركب من >علماء< و>عدول<. والحال أن هذا الاستعمال خاطئ وصحيحه هو >أكرم العلماء العدول<. ومعنى ذلك أن التوصيف أتى بعد أن أصبحت كلمة >علماء< معرفةً (أي: بعد دخول >اللاَّم<)، فـ>اللاَّم< وضعت لاستيعاب أفراد مدخولها، إذن فهي تَدُلّ بدلالتها الوضعيَّة التَّصوُّريَّة (قبل مجيء >عدول<) عَلَىٰ الاستيعاب والاستغراق. إذن، بعد ذلك عندما يأتي قيد >عدول< ويُخرج >الْفُسَّاق< سوف يكون هذا القيدُ منافياً وضعاً للاستغراق الَّذي دَلَّتْ عليه >اللاَّمُ<. هذا هو المنبه عَلَىٰ أن >اللاَّم< لم توضع لاستيعاب تمام أفراد مدخولها.

وبعبارة أكثر وضوحاً أقول: إن قلنا بأن >اللاَّم< وضعت لاستيعاب مدخولها فَسَوْفَ نواجه ثلاثة احتمالات (فِي موارد تقييد الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ بقيد مُتَّصِل مثل >أكرم العلماء العدول<) كُلّهَا بعيدة وفي كل واحد منها محذور، والاحتمالات هي كالتالي:

الاحتمال الأوّل: أن نفترض أن يكون هذا القيد (هذا المقيِّد المتصل المتقدّم ذكره) أيضاً جزءاً من مدخول >اللاَّم< (أي: مدخول >اللاَّم< هو المجموع المركب من المقيِّد والقيد، أو قل: هو المجموع المركب من الموصوف والوصف).

وهذا الاحتمال بعيد جِدّاً من الناحية الإثباتية ومن ناحية المنهج الْعُرْفِيّ للتركيبات اللَّفظيَّة وذلك بحسب علماء الْعَرَبِيَّة؛ إِذْ أَنَّ مدخول >اللاَّم< عبارة عن كلمة >علماء< فحسب، وليس مدخولها عبارة عن كلمة >علماء< والكلمات الَّتي تأتي بعد كلمة >علماء< (أي: لَيْسَ القيد جزءاً من المدخول)، فهذه مِمَّا لا يعتبرها علماء الْعَرَبِيَّة مَدْخُولاً للاّم. ولو كان هذا المجموع مَدْخُولاً للام، لزم منه صحةُ قولنا: >أكرم العلماء عدول<؛ لأَنَّ مدخول >اللاَّم< مركب من الموصوف والوصف، والموصوف نكرة. فهذا الاحتمال الأوّل مُنْتَفٍ إثباتاً.

الاحتمال الثَّانِي أن نفترض أن القيد لَيْسَ جزءاً من المدخول، وإنَّما مدخول >اللاَّم< هو كلمة >علماء< فحسب، ولكن يفترض صاحب هذا الاحتمال أن >اللاَّم< وضعت لاستيعاب تمام أفراد المدخول، من دون أيّ شرط وقيد. فالمقيَّد عامّ ومستغرق لجميع الأفراد (لدخول >اللاَّم< عليه)، لكن جاء القيد وأخرج بعض الأفراد. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. المقيِّد يقول: >الكل< والقيد يقول: >لَيْسَ الكل<. فيحصل التَّنَافِي فِي مرحلة الدِّلاَلَة الوضعيَّة بين الْمَدْلُول الوضعيّ للمقيَّد والمدلول الوضعيّ للقيد. وهذا هو العناية الَّتي قلنا إِنَّنّا نشعر بها.

 أجل، إِنَّنّا نقدِّم القيد عَلَىٰ المقيِّد أخيراً وفِي مرحلة الدِّلاَلَة التصديقية الجدّيَّة؛ لأَنَّهُ قرينة متصلة. ولكن هل يحصل التَّنَافِي المذكور؟ هل يشعر العربي بنوع من التضارب والتمانع بين المدلولين التصوريين هنا (بِغَضِّ النَّظَرِ عن تلك الدِّلاَلَة التصديقية الجدّيَّة "أي: فِي الدِّلاَلَة التَّصوُّريَّة الوضعيَّة")؟!

الجواب عنه: هو أَنَّنَا لا نشعر بذاك التَّنَافِي والعناية والتجوز فِي الْمَدْلُول التَّصوُّريّ الوضعيّ (وهو العموم مثلاً) بين مدخول >اللاَّم< وبين هذا القيد المتصل. إذن، فهذا الاحتمال بعيد جِدّاً وهو خلاف الوجدان الْعُرْفِيّ الَّذي يشعر بعدم العناية وعدم التَّجوُّز فِي مرحلة الدِّلاَلَة الوضعيَّة.

الاحتمال الثَّالث هو أن نقول: إِنَّ القيد خارج عن المدخول (كالاحتمال الثَّانِي) ومدخول >اللاَّم< كلمةُ >علماء< فحسب، وَاللاَّم وضعت لاستيعاب أفراد العالم لكن بشَرْطِ (خلافاً للاحتمال الثَّانِي) أن لا يُذكر بعد المدخول قيدٌ، أَمَّا إن ذُكر بعد المدخول قيد فهذا القيد سوف لا يكون منافياً لما دَلَّتْ عليه >اللاَّم<؛ لأَنَّ >اللاَّم< حينئذٍ لا تَدُلّ عَلَىٰ العموم. فإن صَحَّ هذا الاحتمال فلا نشعر بالعناية والتجوز.

لكن هذا الاحتمال أيضاً بعيد جِدّاً وذلك لنقطتين:

النُّقْطَة الأولى: أَنَّهُ خلاف الوجدان القاضي بأن الإتيان بالقيد تقييدٌ لسعة المقيَّد وليس كاشفاً عن التَّقَيُّد؛ فإن الإتيان بالقيد (بناء عَلَىٰ هذا الاحتمال) يكشف عن أن العلماء كان مقيّداً من البداية؛ إِذْ أَنَّ هذا الاحتمال يقول: إن >اللاَّم< وضعت لاستيعاب مدخولها بشرط أن لا يُذكر قيدٌ، فمع ذكر القيد تبيّن أن الشَّرْط (شرط دلالة >اللاَّم< على العموم) غير موجود من البداية. بينما الوجدان يقضي بأن القيد لَيْسَ كاشفاً وإنَّما هو تقييد للمقيَّد من حين ذكره للمقيد، فشأنه تماماً كشأن المفرد؛ فحينما نقول: >أَكْرِمِ الْعَالِمَ العادل< لا يكشف >العادل< عن شيء مسبق، وإنَّما هو تقييد سعة المقيِّد.

النُّقْطَة الثَّانية: هي أن لازم هذا الاحتمال الثَّالث هو أنَّ الْمَدْلُول التَّصوُّريّ الوضعيّ للجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ يبقى معلقاً بين السَّماء والأرض إلى أن يُنهي الْمُتِكَلِّمُ كلامَهُ. وحينئِذٍ لا يكون أي معنى للعلماء، لأَنَّ علينا أن ننتظر الْمُتِكَلِّم لنرى هل سيذكر قيداً أو لا يذكر؟ إن ذكر قيداً فيكشف القيد عن أَنَّ >اللاَّم< لا يَدُلّ عَلَىٰ الشُّمُول، إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. وإن لم يذكر القيد فَيَكُونُ الشَّرْط متوفراً فَتَدُلُّ >اللاَّم< حينئذٍ عَلَىٰ الاستيعاب. أي: أن الدِّلاَلَة الوضعيَّة لكلمة >علماء< تبقى مذبذبة بين السَّماء والأرض، لا هي موجودة ولا هي مفقودة، إلى أن يُنهي الْمُتِكَلِّم كلامه. وهذا خطأ فادح؛ إِذْ أَنَّ كل كلمة بمجرّد أن تُلفظ تحصل عَلَىٰ مدلولها الوضعيّ اللغوي. إذن فهذا الاحتمال الثَّالث بعيد أيضاً.

 وبهذا نكون قد أكملنا الكلام فِي هذه الجهة الثَّانية من الجهات الثَّلاث الَّتي عقدناها فِي الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ، حيث عقدنا فِي البداية (فِي العامّ الماضي) ثلاث جهات:

 الجهة الأولى: فِي البحث عن تصوير دلالة الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ عَلَىٰ العموم (ثبوتاً وَعَقْلاً)، وهذا ما درسناه فِي العامّ الماضي.

 الجهة الثَّانية: البحث عن إثبات هذه الدِّلاَلَة خارجاً، وهذه هي الَّتي انتهت اليوم. وقبل الانتقال إلى الجهة الثَّالثة والأخيرة من جهات البحث حول الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ ألخص ما قلناه فِي هذه الجهة من أَنَّهُ اتَّضَحَ لنا من خلال هذه الجولة الواسعة أَنَّهُ يوجد بشأن دلالة الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ عَلَىٰ العموم تخريجان ومسلكان واتجاهان رئيسيان فِي علم الأصول:

 المسلك الأوّل: >اللاَّم< وضعت للعموم ابتداءً ومباشرة.

 المسلك الثَّانِي: لم توضع >اللاَّم< ابتداء للعموم، بل وضعت لمعنى آخر ذاك المعنى يلازم العمومَ وذاك المعنى عبارة عن تعيّن المدخول.

 أَمَّا نحن فلم يثبت عندنا شيء من المسلكين، لا ثبت وضعُ >اللاَّم< للعموم ابتداء، ولا ثبت عندنا وضع >اللاَّم< للعموم بتوسط وضعها لتعين المدخول، بل لعلّ المطمئن به عدم كلا الأَمْرَيْنِ. نعم، إِنَّنّا لا ننكر أصل دلالة الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ عَلَىٰ العموم، بمعنى أَنَّهُ إن واجهنا فِي الفقه جمعاً محلى باللام منحطاً عليه حكم من الأحكام الشَّرعيَّة نفتي بلا إِشْكَال بالعموم. إلاَّ أَنَّهُ لم يتبرهن لدينا أن هذه الدِّلاَلَة هل هي مستندة إلى الوضع (كما يقول هذان المسلكان) أو أنَّها ليست مستندة إلى الوضع. وبالمآل والنتيجة: لا يمكننا أن نسمي الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ عاماً؛ إِذْ أَنَّ العامّ بالمصطلح الأُصُولِيّ هو الَّذي دلالته عَلَىٰ العموم تكون وضعيَّة. فأصل دلالته عَلَىٰ الشُّمُول والاستيعاب واضح، إلاَّ أَنَّهُ مذبذب بين العامّ والمطلق، فلم يتبرهن لدينا أَنَّهُ من أي واحد منهما.

 هذا تمام الكلام فِي هذه الجهة الثَّانية.

 تبقى الجهة الثَّالثة وهي البحث عن أَنَّهُ هذا العموم الْمُسْتَفَاد من الجمع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ أي قسم من أقسام العموم، فعندنا عموم استغراقيّ ومجموعي وبدلي. وهذا ما سنشرع فيه فِي اليوم القادم إن شاء اللٰه تعالى. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo