< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

32/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: العامّ /دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول

الجهة الثَّانية من جهات البحث حول الْجَمْعِ الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ هو البحث الإثباتيّ بعد الفراغ من البحث الثُّبوتيّ (فِي الجهة الأولى) والانتهاء إلى إمكان دلالة الْجَمْع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ على العموم ثبوتاً، وصوَّرنا هذه الدِّلاَلَة بما يتلخص فِي أن اللاَّم تَدُلّ على استيعاب مدلول الهيئة (وهو الجمع الَّذي لا يقل عن ثلاثة) بمدلول الْمَادَّة (وهو طَبِيعِيّ العالم)، لتَدُلّ اللاَّم على استيعاب الأوّل لأفراد الثَّانِي.

 فبعد الفراغ عن هذا المطلب الثُّبوتيّ آن الأوان للبحث إثباتيّاً عن إمكانية إثبات هذه الدِّلاَلَة؟ وما هو الدَّلِيل على أنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ يَدُلّ على العموم بهذا النَّحْو من الدِّلاَلَة الَّتي صورناها ثبوتاً؟ فكيف نخرّج هذه الدِّلاَلَة إثباتاً؟ كيف نثبت دلالة اللاَّم (الداخلة على الجمع) على العموم والاستيعاب؟!

 هذا هو البحث فِي هذه الجهة الثَّانية. وهنا يوجد مسلكان:

المسلك الأوّل: يقول إن اللاَّم وضعت فِي اللُّغَة فِي العموم (بهذا النَّحْو الَّذي صورناه فِي الجهة الأولى)، وله أدلّته التي تأتي إن شاء اللٰه.

 فلا محالة يفترض هذا المسلك أنَّ هناك وضعين للاَّم فِي اللُّغَة الْعَرَبِيَّة؛ لأَنَّنَا نجد الفرق بين اللاَّم الداخلة على الجمع مثل «العلماء» وَاللاَّم الداخلة على المفرد مثل «العالم»؛ فَإِنَّ اللاَّم الأخيرة لا تَدُلّ على العموم بلا إِشْكَال. فالْجَمْع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ من أدوات العموم ومن ألفاظه وَضْعاً، أَمَّا المفرد الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ فلا يَدُلّ على العموم وَضْعاً، فإن دلَّ «العالم» على الاستيعاب إِنَّمَا يَدُلّ عليه لا بالوضع، بل بِمُقَدِّمَاتِ الْحِكْمَةِ.

المسلك الثاني: يقول اللاَّم مطلقاً (سواء الداخلة على الجمع أو المفرد) وُضِعَتْ لغةً لمعنى واحد وهو عبارة عن تعيّن مدخولها وتميّزه وتشخّصه، غَايَة الأَمْرِ أَنَّ مدخولها إذا كان مُفْرداً مثل «العالم» فهنا يكفي فِي التعيّن الَّذي تتطلبه اللاَّم وتدلّ عليه اللاَّم تعيُّنُ الجنس، باعتبار أن «العالم» اسم جنس والجنس له نحوُ تعيّن وتميّز ذهني فِي الذِّهْن؛ فإن الطَّبِيعَة (أيا كانت كالنار والماء والهواء) لها تميّز وتشخّص فِي الذِّهْن عن سائر الطَّبَائِع، فإن طبيعة «الماء» فِي الذِّهْن غير طبيعة «التُّرَاب» وغير طبيعة «الهواء» وهكذا. فيوجد انطباع مُعَيَّن في ذهن الإنسان لكل جنس من الأجناس، يشكل هذا الانطباعُ نوعاً من الاستئناس الذهني لِلْمَفْهُومِ.

 فاللام الداخلة على اسم الجنس تَدُلّ على تعيّن الجنس، فكلمة «النار» تختلف عن كلمة «نار»، فإن كلمة «نار» تَدُلّ على ذات الْمَفْهُوم، بينما كلمة «النار» تَدُلّ على ذاك الْمَفْهُوم الَّذي يأنس به الذِّهْن وله انطباع عنه، أي: حصيلة ذاك الانطباع العامّ.

 أَمَّا إذا دخلت اللاَّم على الجمع، فاللام تكون للتعيّن أيضاً، لكن التعيّن هنا يجب أن يكون عبارة عن تعيّن الجمع بما هو جمع، فَتَدُلُّ على أن هذا الجمع بما هو جمع متعيّن ومتميّز. يعني لا يكفي ذاك التّعيّن الجنسي والتميز الذهني لِلطَّبِيعَةِ الَّذي شهدناه فِي المفرد؛ لأَنَّ ذاك تعيّن لِلطَّبِيعَةِ بما هي طبيعة، ولكن اللاَّم هنا لأَنَّهَا دخلت على الجمع (أي: دخلت على هيئة «العلماء» وليس على الْمَادَّة، وإلا لكان «عالم»)، فلا بُدَّ أن تَدُلّ على تعيّن الجمع بما هو جمع، لا تعيّن الطَّبِيعَة بما هي طبيعة. ويا تُرَىٰ كيف يحصل التميز للجمع؟

 للإجابة عن هذا السُّؤَال يقول صاحب المسلك الثَّانِي: إنَّ تعيّن الجمع بما هو جمع إِنَّمَا يحصل من خلال تحديد الأفراد الداخلة فِي الجمع وتميّزها عن الأفراد الخارجة عن الجمع؛ وذلك فيما إذا تَحَدَّدَ وتَشَخَّصَ أَنَّهُ أي فرد داخل فِي الجمع وأي فرد خارج عن الجمع. أَمَّا إذا بقي مُرَدَّداً (بأَنَّهُ لا يعرف بأن هذا الفرد داخل فِي الجمع أو خارج عنه) فالجمع غير متعين. وهذا التَّشَخُّص لا يحصل إلاَّ من خلال إرادة المرتبة العليا والأخيرة من الجمع (أي: تلك المرتبة المساوقة للعموم والاستيعاب)؛ لأَنَّهَا هي المرتبة الَّتي تتميز فيها الأفراد الداخلة فِي الجمع. أَمَّا لو أريد مرتبة أخرى من الجمع غير تلك المرتبة الأخيرة لما تعيّن الجمع.

 مثلاً فِي نفس مثال «أَكْرِم العلماء» إذا افترضنا أنّ كل العلماء خارجاً مائة. فاللام وضعت لتعين مدخولها، ومدخولها هو الجمع، فلا بُدَّ أن يكون هذا الجمع مُتعيّناً، ولا بُدَّ لإشباع تعيّن اللاَّم أن نفترض أن الجمع متعين، ويحصل التّعيّن للجمع هنا بأن نقول إن مراد الْمُتِكَلِّم من «العلماء» كلّ المائةِ، أي: المرتبة العليا والأخيرة، أي: العموم والاستيعاب. فالمرتبة الأخيرة المتعيّنة والمتميزة عبارة عن المائة. أَمَّا لو أراد الْمُتِكَلِّم من «العلماء» التسعين من المائة، فَحَيْثُ أَنَّ التسعين من المائة جمع ولٰكِنَّهُ جمع غير متعيّن؛ لأَنَّ هناك تسعينات عديدة تُتَصَوَّر داخل المائة. فهذا الفرد داخل فِي التسعين أو خارج عن التسعين؟ أي: إذا وضعنا يدنا على كل فرد من هؤلاء المائة نجده مُرَدَّداً بين كونه داخلاً فِي التسعين أو خارجاً عنه؛ لأَنَّنَا نتصور عدّةَ تسعينات.

 إذن، فالجمع غير متعيّن. فأي مرتبة من مراتب الجمع غير المرتبة الأخيرة (الَّتي هي العموم والاستيعاب، وهي كل المائة) هي فِي الواقع مرددة وغير مُعَيَّنَة. فاللام الداخلة على الجمع تَدُلّ على تعيّن مدخولها وتعينه لا يكون إلاَّ بالمرتبة العليا المستوعِبة لجميع الأفراد.

 فهذان مسلكان لإِثْبَاتِ دلالة الْجَمْع الْمُحَلَّىٰ بِاللاَّمِ على العموم (مسلك الوضع ومسلك التّعيّن). وقبل دراسة هذين المسلكين واستعراض المناقشات الَّتي يمكن توجيهها إلى كل من هذين المسلكين، لا بأس أن نشير إلى الفوارق بين هذين المسلكين، وهي كما يلي:

الفارق الأوّل: هو أن يقال إن الفارق بين المسلكين هو أَنَّهُ:

بناءًا على المسلك الأوّل تكون دلالة اللاَّم على العموم والاستيعاب دلالةً وضعيَّة ثابتة بمقتضى أصالة الحقيقة فِي استعمال الْمُتِكَلِّم للاَّم (باعتبار أن اللاَّم وضعت للعموم والاستيعاب). فإذا استعمل المتكلم اللاَّم تقول أصالة الحقيقة: إن الأصل أن يكون مراد الْمُتِكَلِّم من اللاَّم هو المعنى الحقيقي (أي: العموم) وأقل من العموم مجاز وأصالة الحقيقة تنفي المجاز. فإذا شككنا فِي مورد أَنَّهُ هل أراد الْمُتِكَلِّم من «العلماء» العمومَ والاستيعاب أم أراد جمعاً أقل من العموم؟ ففي الواقع يرجع شكنا هنا إلى أن الْمُتِكَلِّم هل أراد المعنى الحقيقي للاَّم أو أراد المعنى المجازي؟ هذا بناءًا على المسلك الأوَّل.

أَمَّا بناءًا على المسلك الثَّانِي، فدلالة اللاَّم على العموم ليست وضعيَّة بل تَدُلّ وَضْعاً على تعين مدخولها، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ تعيَّن مدخولها يحصل بطريقين:

أحدهما: أن يُراد المرتبة العليا والأخيرة (كما قلنا) المساوقة للعموم.

وثانيهما: أن يُراد جمعاً معهوداً، أي: أن لا يريد بقوله: «أكرم العلماء» كل المائة، بل يريد مجموعة خاصّة من العلماء، والعهد نوع من التّعيّن (وليست المرتبة الأخير من الجمع هي المتعيّنة فقط، وإنَّما العهد أيضاً نوع من التّعيّن). فإذا شككنا بأن الْمُتِكَلِّم أراد العموم بقوله: «أكرم العلماء» أو أراد جماعة معلومة وخاصة من العلماء، فكيف ندرأ الاحتمال الثَّانِي؟ هل ندرؤه بأصالة الحقيقة؟! من الواضح أَنَّهُ لا يمكن ردّه بأصالة الحقيقة لأَنَّ اللَّفظ مستعمل فِي معناه الحقيقي (وهو التّعيّن) على كل حال (أي: سواء أراد العموم أو أراد جماعةً معهودة).

 فإذا أردنا أن ننفي العهد نحتاج إلى قرينة إضافية تَدُلّ عَلَى أَنَّ العموم يَدُلّ على المرتبة الأخيرة، فإذا كانت هذه القرينة موجودة فبها، وإلا فمع عدم وجود القرينة على العموم تصبح اللاَّم هنا مجملة لا دلالة لها لا على العموم ولا على العهد، وتبقى مُرَدَّداً؛ لأَنَّ كليهما مُرَدَّد ومعنى كليهما حقيقي. فبناءًا على المسلك الثَّانِي لا تنفع أصالةُ الحقيقة شيئاً؛ لأَنَّهَا لا تقتضي غير أن مدخولها متعيّن، وتعيّن المدخول أعمّ من العموم، فلعلّ مدخولها متعين فِي جماعة معهودة من العلماء.

 هذا الفارق الأوّل الَّذي قد يُذكر بين المسلكين. وحاصله أَنَّهُ على المسلك الأوّل لا نبتلي بالإجمال (عندما نشك بأن المراد هل هو العموم أو غير العموم؟) بل تنفعها أصالة الحقيقة فِي أن المراد هو المعنى الحقيقي وهو العموم، بينما على المسلك الثَّانِي نواجه مشكلة الإجمال (إذا لم تكن هناك قرينةٌ ترفع الإشكال وبقينا نحن وَاللاَّم الداخلة على الجمع)، حيث تقول أصالة الحقيقة: الأصل أن يكون المراد معناها الحقيقي، والمعنى الحقيقي عبارة عن تعيّن المدخول، وتعين المدخول له نحوان وشكلان. أيهما المراد؟ لا يُعرف.

 إلاَّ أن سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رحمه اللٰه ناقش تَمَامِيَّةَ هذا الفرق؛ وذلك لأَنَّ هذا الفرق إِنَّمَا يَتُمّ لو كان المسلك الأول القائل بالوضع (للعموم) يدعي أنَّ اللاَّم الداخلة على الجمع وُضعت فِي اللُّغَة للعموم فقط، ولم تُوضع لشيء آخر (كتعيّن مدخولها) لغةً، فحينئذٍ كان يَتُمّ الفرق الَّذي ذُكر؛ لأَنَّهُ بناءًا على هذا سوف يكون استعمال اللاَّم فِي العهد مجازاً؛ لأَنَّ العهدَ لَيْسَ عموماً (والمفروض أن اللاَّم لَيْسَ للعهد بل للعموم فقط) والمجاز يُنفى بأصالة الحقيقة، وبالتَّالي لا تكون اللاَّم مجملة (أي: لا نبتلي بالإجمال على المسلك الأوّل بخلاف المسلك الثَّانِي الَّذي نبتلي فيه بالإجمال) فيكون الفرق المذكور بين المسلكين تامّاً، لكن بشرط أن يكون أصحاب المسك الأوّل يدّعون هذا المُدَّعى.

 أَمَّا إذا ادعوا أنّ اللاَّم موضوعة فِي اللُّغَة بنحو الاشتراك اللَّفظيّ لمعنيين (مثل لفظ «عين» الَّذي له معانٍ عديدة) بنحو الاشتراك اللَّفظيّ، أحدهما هو العموم، والمعنى الثَّانِي هو تعيّن المدخول. وحينئِذٍ يكون كل واحد من المعنيين مَوْضُوع له (معنى حقيقي). فلا استعمالُ اللاَّم فِي العهد مجاز ولا استعمال اللاَّم فِي العموم مجاز.

 وعليه ففي موارد احتمال إرادة العهد لا يمكن نفي هذا الاحتمال بأصالة الحقيقة؛ لأَنَّ الاستعمال حقيقي على كل حال، سَوَاءٌ كَانَ مراد الْمُتِكَلِّم العموم، أم كان مراده جماعة خاصّة من العلماء، فلا بُدَّ من قرينة تَدُلّ على العموم، فإذا لم تكن هذه القرينة موجودة وبقينا نحن وقوله: «أكرم العلماء» يكون هذا الكلام مُجْمَلاً، لا دلالة له لا على العموم ولا على العهد، فنبتني بالإجمال على كلا المبنيين حتّى المسلك الأوّل منهما، فلا فرق بين المسلكين، والإجمال موجود فِي كليهما.

 وقد يُقال فِي قِبَال هذا الكلام: بأن المسلكين لا يتفقان فِي الإجمال، بل لا نبتني بالإجمال على المسلك الثَّانِي خلافاً للمسلك الأوّل حيث نبتني فيه بالإجمال (أي: الفارق موجود بين المسلكين، لكن على عكس الفارق الَّذي ذُكر من أَنَّهُ لا إجمال على المسلك الأوّل بينما يوجد إجمال على المسلك الثَّانِي)؛ لأَنَّ اللاَّم على المسلك الثَّانِي (القائل بأن اللاَّم وضعت فِي اللُّغَة لتعيّن المدخول، وتعين المدخول جامع كلي وضعت له اللاَّم، فـ)تكون اللاَّم مشتركاً معنوياً لا لفظيّاً، وهذا المشترك المعنويّ له مصداقان:

 1)- التّعيّن من خلال العموم (أي: إرادة المرتبة العليا والأخيرة المساوقة للعموم).

 2)- التّعيّن العهديّ (أي: أَنْ يَكُونَ المراد جماعة خاصّة معهودة من العلماء).

 فاللام وضعت لمعنى كلي له مصداقان، أي: مشترك معنوي. فلا بُدَّ أن نثبت أن أيا من التَّعَيُّنَيْنِ هو المراد؟ وهذا إِنَّمَا يَتُمّ من خلال دالّ آخر، لأَنَّ اللاَّم لا يَدُلّ على ذلك، بل يَدُلّ على ذاك الجامع الكلّي الَّذي وضعت اللاَّمُ له وهو تعيّن المدخول.

 وحيث أن التّعيّن العهديّ بحاجة إلى مؤونة زائدة (أي: لو أراد الْمُتِكَلِّم من قوله: «أكرم العلماء» جماعةً خاصّة معهودة، فهذه الإرادة تحتاج إلى بيان إضافي وزائد)، وهذا بخلاف إرادة العموم (فيما إذا كان يريد بقوله «أكرم العلماء» التّعيّن العمومي والجمعي) فذاك لا يحتاج إلى بيان زائد، فإنَّ نفسَ قوله: «أكرم العلماء» باعتبار أن اللاَّم دخل على الجمع، والجمع المتعين ذاتاً هو المائة، فلا يحتاج إلى بيان إضافي.

 فأحد التَّعَيُّنَيْنِ بحاجة إلى بيان إضافي، والآخر لا يحتاج إلى بيان إضافي، فمقتضى الإِطْلاَق هو الثَّانِي، شأن الإِطْلاَق فِي سائر الموارد حيث نقول بأن القيد يحتاج إلى بيان إضافي وحيث أَنَّهُ لا يوجد بيان إضافي فعدم البيان على القيد دليل على عدم إرادة القيد، فكذلك الحال هنا؛ إذ التّعيّن العهديّ بحاجة إلى بيان زائد وعدم وجود هذا البيان الزَّائِد إثباتاً يَدُلّ على أَنَّهُ لَيْسَ التّعيّن العهديّ مراداً ثبوتاً، فيتعيّن الأمر فِي التّعيّن العموميّ، فلا نبتلي بالإجمال؛ إذ التّعيّن العمومي يكون هو المراد لِلْمُتِكَلِّمِ (أي: تصبح الدِّلاَلَة على العموم دلالة إطلاقية)، وبالتَّالي لا يوجد إجمال.

 وهذا بخلاف المسلك الأوّل حيث نبتلي فيه بالإجمال؛ لأَنَّ على المسلك الأوّل تكون اللاَّم من المشترك اللَّفظيّ لا المعنويّ (كما تقدّم)، أي: صاحب المسلك الأوّل يقول: إن للاَّمِ وضعان لغةً، وضعت للعموم ووضعت لتعيّن المدخول. فلها معنيان حقيقيان وهو مشترك لَفْظِيّ. ومن الواضح أَنَّ فِي موارد استعمال المشترك اللَّفظيّ مِنْ دُونِ قرينةٍ معيِّنةٍ لأحد المعنيين فِي قِبَال الآخر، يصبح اللَّفظ مُجْمَلاً. مثل لفظ «العين» إذا استعملت مِنْ دُونِ قرينة تعيّن أَنَّهُ أي معنى من معاني «العين» أُرِيدَ، وهذا ما يدّعيه علماءُ السنة بأَنَّهُ «من كنت مولاه فهذا عِلِّيّ مولاه»، بأن لفظ «المولى» مشترك لَفْظِيّ له معان عديدة، من معانيه: «المُحِبّ» و«الناصر» و«الولي»، وحيث لا توجد قرينة على إرادة الولاية الخاصّة فلا طريق لإِثْبَاتِ العموم حتّى بِمُقَدِّمَاتِ الْحِكْمَةِ.

 وللبحث تتمة تأتي إن شاء اللٰه تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo